كم بحثت عنك يا ذاتي الحبيبة في سراديب الحياة، وإذا بك ترقبينني من أقاصي الأرض وتهتفين اسمي الآخر.
كنت كلّما أجقم ليل الأماني جلست على صخرة صمّاء أناجي بحر العالم الهائج وأسامر أمواجاً تتلاطم وتتصارع، أبحث فيها عن سكينتي فلا أعثر إلّا على حطام سفينة تتنازع عليها أيادي الأقدار وشراع تمزّقه رياح هوجاء فتهشّم بياضه الأمهق.
كم بحثت في الأفق عن خلاص من أيّام رمت بثقلها على ملامحي، وأخفت رنين النّبض من فؤادي الصّغير. ولكم حفرت في جلمد صلد لأسكب الفرح في قلوب صغار. وكنت يا ذاتي الحبيبة تصلّين الحبّ في حنايا روحي ليحمل إليّ نعمة الثّبات كي ألقاك يوماً في رحاب الأكوان.
يا ذاتي القريبة البعيدة، ها إنّ عينيّ شاخصتين إلى العلاء تستعطف قطرات السّماء تبلّل ظمأ الأمل، ويديّ ممدودتين إليك فاحضني حنان اليدين. واحصدي معي أيّاماً مضت بأتراحها واستقبلي أيّاماً ترسو في مرسى الصّبّ لتجني منه الفرح من شدّة الألم.
ما زال اليمّ يصارع ذاته، وأمواجه تتقاتل وتتحارب، وما زلت أجلس على تلك الصّخرة الصّماء، أرقبه، ولكنّي تخلّيت عن مخاطبته. فبلقائك يا ذاتي الحبيبة لم يعد لمطارحة العالم من معنى، وبات الوجوم يجتاح نفسي ويناجيكِ صمته البليغ.
أنت يا رفيقتي المصغية أبداً، لا يلوّث سمعك صخب ولا يربك بصيرتك جلبة. أنت يا ذاتي الأخرى مصدر النّور وبهجة الحياة، وميناء الخلاص في عالم يئنّ إلى الخلاص ولا يريد إليه سبيلاً.
ساحة النقاش