
"مبروك المدام حامل".. مدام مين؟ مين ده؟، ده عبيط ده ولا إيه؟ المدام اللي هي أنا يعني! يااااه -الحمد لله- كنت خلاص هاقوم أجري وأتنطط فوق كراسي العيادة أو أقوم أحضن الدكتور والممرضة وكل اللي داخل وخارج من العيادة.. بس لازم أعقل أنا ماعدتش عيّلة (العيّلة هتبقي أم العيل) ياناس أنا هابقي ماما؟
ده بابا لسه بيسألني وهو بيضحك عن تقديم رسالة الماجستير بتاعتي في
مجلات ميكي جيب، ولما جوزي بيخرج ويسألني عاوزة حاجة ألاقي نفسي من غير
تفكير باقول له: "هات لي حاجة حلوة"!
أنا هابقى مسئولة عن طفل لازم
يأكل ويشرب، وأهتم بيه من الألف للياء!! المشكلة إني ساكنة بعيد قوي عن
ماما، هاتصرف ازاي؟ بس لازم أتصرف ما أنا كمان هابقى ماما..
سرحت
بخيالي وأنا خارجة من العيادة.. ماعادش ينفع أمشي بسرعة وأدوس على بلاطة
وأسيب بلاطة زي ما باحب أمشي على الرصيف.. عيب ده أنا هابقى ماما.
دلوقت
خلاص.. أقدر أقول إني كبرت وإني مابقيتش عيّلة، من ثلاث سنوات وأنا مسئولة
عن بيت وزوج.. عندي دولاب كبير كل اللي فيه هدومي أنا بس.. والأطباق لو
وقعت واتكسرت مني مش هاخاف من حد يزعق لي.
بقيت أنام في أي وقت
وأصحو في أي وقت وأنا اللي باسأل السؤال الأسطوري "هناكل إيه النهاردة؟"..
أغسل الأطباق وقت ما أحب، أكنس وقت ما ييجي مزاجي، ماعادش يلاّ قومي ذاكري
أو قومي نامي بدري.
مش قلت لكم إني مابقيتش عيلة صغيرة.. صحيت من
كل الكلام اللي جه في دماغي وجوزي بيسألني: "هنعمل إيه؟ هنشتري حاجة في
الأول".. قلت له بكل ثقة: "ودي عاوزة كلام طبعا هنشتري اللعب الأول".
مش قلت لكم إني مابقيتش عيلة.
يا حبيب ماما
"عمره كان يادوب أسبوع.. ماتزعليش... لو كان عاش أكتر كنتِ اتعلقتِ بيه وهيبقى الموضوع أصعب"..
ازاي
يا حبيب ماما يقولوا كده؟ ومين قال إنه رغم كونك لسه خلايا معدودة لم
أتعلق بك ولم أختر لك اسما، ولم أفكر في إخوتك، ولم أحلم بأول يوم لك في
المدرسة، ولم أبكِ خوفا عليك في الثانوية العامة، ولم ينخلع قلبي من مجرد
فكرة أنك ستتزوج وتتركني.
من قال إن موتك في أسبوعك الأول أسهل من
لو كنت تعلقت برحمي أكثر، وصار عمرك شهورا؟ اعذرهم فهم لا يعلمون كم تعلقت
بك، وكم كلمتك، وكتبت لك قصصا حتى أحكيها لك! كم حلمت من وأنا طفلة أن
يـأتي يومٌ وأحتضنك وأقبل أصابع يديك وقدميك، وتريح رأسك الصغير على صدري
لينبت لقلبي ألف ذراع تحضنك..
يا ربي كيف كانت ستكون عيناك؟؟
كعينيّ أو كعيني والدك الذي بكاك بدموع لم أعتقد أنه يملك غزارتها، وهل
كنت قصيرا أم طويلا؟ ممكن كنت تطلع طويل زي خالك، زي ما كان نفسه عشان
يقول لي: "بالعند فيكِ يا قصيرة"، هل كنت هتطلع هادي زي خالتك اللي كانت
أحلى وأهدى طفلة، وكانت هتبقى ليك أطيب خالة؟ كنت لسه باقول لها إني
هاخليك تقول لها "يا ماما" لأنها تستحق الكلمة دي، ورغم أنها أختي الصغيرة
باحس كتير إنها هي الكبيرة..
طبعا زي ما قالت ماما "هتبقى جميل تليق عليك كل ألوان الهدوم اللي كانت
"نينة" هتشتريها، بس كنت متأكدة إنك كنت هتروح الجامع مع "جدو" حتى لو كنت
بنت..
أسبوع كامل فكرت في كل شيء.. حفل سبوعك... ملابسك وأحذيتك
الصغيرة وسريرك ولعبك التي كنت سألعب بها فقط حتى تأتي.. أحتفظ لك بدباديب
صغيرة أهديت إليّ في مناسبات كتيرة، وكنت سأشتري غيرها، وكنت سأطلق عليها
أسماء، وأحتضنها كل يوم وأحكي لها عنك وأوصيها عليك أن تدفئك وتسعدك.
كنت سأغير كل ما في غرفتك وأملؤها بصور أحبائي "بطوط وبندق" وحتى "بكار".. والله إني أحتفظ لك منذ طفولتي بأعداد "ميكي"، وكنت سأعلمك القراءة كما عودني أبي وأمي على قراءة قصص الأنبياء، وقصص "بطوط"، وكم كنا سنضحك حين يغضب أو يضحك، هل كنت ستحب "توتو ولولو وسوسو" مثلي؟ أتعلم.. لا تحب "ميكي" فأنا لا أحبه..
لا
تبكِ.. أحبه، سأتركك لتحب كل ما تريد وسأحب أنا من أجلك كل ما أكره، سأحب
الألم وحتى الموت.. سامحني لأنني لم أتحمل الألم، ولم أقدر على حمايتك، قد
يكون توتري الزائد وخوفي من فقدك هو ما أفقدني إياك، فسامحني يا حبيبي؛
لأنني لن أسامح نفسي أبدا يا حبيب ماما.. يا حبيب ماما..
<!-- InstanceEndEditable -->


ساحة النقاش