لغة الهمس وما بينهما .
*****************
للأوروبيين تفاصيل ونمط مختلف، وحين كنت أتعلم اللغة في أحدى الدول الأوروبية ، كنت احترم الصمت الذي يمارس في المكتبات وكنت ألجأ لصبية تعمل في مدرسة اللغة كي تدلني على القصص القصيرة المكتوبة باللغة التي كنت أتعلمها .. حتى أتعلم اللغة جيدا.
نجلس بجانب بعضنا وكلما تاهت بي المعاني ملت على « روسي» كي اسألها، ونظرا للصمت الشديد الذي يمارس في المكتبات كانت تكور يداها حول أذني وتهمس فيها ونظرا لاقتراب فمها من أذني، يخرج الكلام ساحرا ويخرج الزفير محملا بالهواء الساخن.. ما فهمت المعاني أبدا ولكني فهمت سحر النساء وسحر « الهمس».. وفهمت كيف يولد الحب في عروقي مثل ميلاد الينابيع في الأرض.
أمضيت نصف الوقت في المكتبة مع « روسي» وكان طلاب مدرسة اللغة يقولون عني أن هذا الفتى الشرق أوسطي، مجتهد وربما سيتقن اللغة اتقانا تاما في غضون اشهر، ولكني كنت غير ذلك، كنت قد بدأت للتو أتقن فن السحر وفن الحب الذي تولده لغة الهمس.
يا الله كم مارست الكذب والزعرنة مع « روسي».. كنت أقول «أعيدي، أعيدي لم افهم المعنى جيدا» فتعيد « وتهمس لي».. وأنا « أهمس لها » كي أوهمها إني فهمت ثم أسرع في القراءة كي أجد كلمة عقيمة أو صعبة أخرى كي « أهمس» أنا..
لم تبخل علي « روسي» في الهمس وأنا لم ابخل في الأسئلة.. والحب حتى لو كان أوروبياً ولكن القلب يطور طرقا عربية لا تخطر بالحسبان.
تبقى أهم مميزات « لغة الهمس» إنها السر الذي لا يخرج من بين اثنين، بمعنى انك تلجأ لهذا الأسلوب.. حتى يبقى الحب ما بين الأذن والفم.. ولا احد يعرفه .
مشكلتنا ليست في الكلام ولكنها في الذين لا يعرفون الغرام من العرب أو في الذين انقلبوا على الحب وفضحوا همس الحبيبة.
ساحة النقاش