الاسلام بين الشرق والغرب
احسب ان الزعيم البوسني «علي عزت بيجوفيتش» قد اختصر كلاما كثيرا بقوله في مستهل كتابه القيم :«الاسلام بين الشرق والغرب» حين قال:«اذا نحن اغفلنا المكون السياسي للاسلام وقصرناه على النزعة التصوفية الدينية، فاننا بذلك نكرس صامتين التبعية والعبودية. وفي المقابل: اذا تجاهلنا المكون الديني في الاسلام نتوقف عن ان نكون قوة اخلاقية»، ثم حين قال:«ان الاسلام هو - وينبغي ان يظل كذلك - البحث الدائم عبر التاريخ عن حالة التوازن الجواني والبراني. هذا هو هدف الاسلام اليوم، وهو واجبه التاريخي المقدر في المستقبل».
لقد كان مما آمن به علي عزت بيجوفتش:«ان على الاسلام الذي يحتل موقعا وسطا بين الشرق والغرب ان يصبح على وعي برسالته الخاصة» وكان يرى «ان عملية الاستقلال السياسي والعقائدي للدول المسلمة سوف تستمر، ولن يكون الانفكاك سياسيا فحسب، وانما ستتبعه مطالب حاسمة للتخلص من النماذج والتأثيرات الاجنبية، سواء كانت شرقية او غربية، ذلك هو الوضع الطبيعي للاسلام في عالم اليوم».
ان هذه الرؤية الواضحة لطبيعة الاسلام ولموقعه في عالم اليوم قد صدرت عن تصورات راسخة كانت موضع اتفاق عدد من مسلمي البوسنة المستنيرين الذين كانوا ينشرون اراءهم في صحيفة متواضعة في «فينا» تحمل اسم «الشرق والغرب». ولعل هذه الصحيفة ان تكون المهاد الطبيعي لكثير من الآراء الذي حفل بها كتاب الزعيم البوسني.
اكثر هذ التصورات اهمية - بحسب تقدير الدكتور س. باليتشي مقدم الكتاب - هي:
اولا:ان اصداء صحيفة «العودة الى الاصول» التي تهز العالم الاسلامي اليوم يمكن تفسيرها فحسب باعتبارها تحديا لنا، كي نفحص بعناية تراثنا الاسلامي وان نعزز هذا الركام التاريخي الذي تجمع عبر القرون، وان نهجر ما يعتبر من عقبة في طريق التقدم، فاذا فعلنا هذا بطريقة عملية مستقلة، سنجد ان العودة الى الاصول ستتأدى بنا الى فهم اصفى للاسلام، والى وقف التخلف الرجعي في الوقت نفسه.
ثانيا: ان الاسلام لا يمكن ان يكون معناه الاستسلام لسطوة التاريخ، وانما على النقيض من ذلك يعني الاستمرار في تنظيم الحياة من كل موقع بما يتفق واحتياجات الناس في العصر، مع التسليم الكامل لله (سبحانه وتعالى) وهذا ما يدعونا الى توكيد الابعاد الكونية للاسلام الذي يعتبر الأديان سابقة حلقات مبكرة في سلسلته التاريخية.
ثالثا: ان الميل الغريزي لدى الشعوب الشرقية للالتصاق بانماط الفكر الموروث - وهو اتهام وجهه القرآن نفسه الى العرب - عائق امام التعليم الاسلامي الحديث القائم على المعرفة العلمية، وهو عنصر هام لازم للمسلمين في شهادتهم لله.
رابعا: ان الاسلام يمنح معتنقيه اساليب ناجحة لمواجهة الحياة في مجتمع علماني نذكر منها على سبيل المثال: خلوه من الاسرار المقدسة ومن النظام الكهنوتي والعماد. والطبيعة المدنية للزواج فيه، والمدخل الفطري للعلاقة بين الرجل والمرأة، ورفض فكرة الحرمان الكنسي.. والموقف الايجابي من المعرفة والبحث العلمي والاستعداد القوي للتحاور مع عقائد التوحيد».
ان الناظر في هذه التصورات لا بد ان يلاحظ انها في معظمها ردود على تصورات غير موضوعية او مغلوطة عن الاسلام، فالصيغة التي كتبت بها تشي بذلك او تنم عليه. وان لنا ان نجزم بانها في جملتها نقص موسع لما رسخ في اذهان الاوروبيين - لاسباب كثيرة متظاهرة - ان في العودة الى اصول الاسلام تخلفا ورجعية، وان الاسلام هو الاستسلام لسطوة التاريخ، وان الفكر الموروث هو بالقطع مانع من الانطلاق العلمي، فضلا عما بها من استشعار التميز بما يجنبه الاسلام معتنقيه من طقوس واسرار وما يدفعهم اليه من النظر والبحث العلمي بصفة ذلك رأس العبادات واول الفرائض فيه.
ان من المتوقع، اذن، ان يحيط كتاب علي عزت بيجوفتش بهذه المباحث جميعا.وان يكون كتابا سجاليا (كلاميا) على ما فيه من نظرات فلسفية وعلمية عميقة.
لهذا كله فاننا نعتقد بوجوب ان يكون كتاب:«الاسلام بين الشرق والغرب» موضع اهتمام ذوي الالباب فينا، ولو كان ذلك اهتماما متأخرا عن صدوره (1994) .. فان ننظر فيه متأخرين خير من ان تفوتنا جواهره الكريمة وثماره الناضجة.. فهو صوان حكمة ومائدة اعتبار ممدودان - لمن يريد - آناء الليل واطراف النهار.
نشرت فى 25 مايو 2011
بواسطة MOMNASSER
د .محمد ناصر.
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
379,582
ساحة النقاش