إسلام فؤاد عبد الفتاح(العيسوى الصغير)

كيف يتفاهم المحبون بدون كلام



"الحلم كنا بنحلمه ونكمله من بعضنا" كلمات كتبها شاعر وتغنى بها مطرب عاطفي ولكنها تحمل الحقيقة .. فحتى الحلم الذي يحدث للشخص وهو نائم يشاركه فيه الحبيب عن بعد ويكمل تفاصيله أيضا وذلك نتيجة للتفاهم والتوافق الذي يحدث بين المحبين فيجعل أفكارهما وأحلامهما تتشابه وتتكامل . وأثبتت أبحاث علم الفيزياء الحديثة أن المحبين يتفاهمون بلا كلام ويتواصلون بغير لسان ، وهم لا يحتاجون الى الكلمات والحروف ، ذلك أن الأفكار تنتقل من عقل كل منها للآخر دون ألسنة وآذان وكلمات مما يستخدمه الآخرون في نقل الأفكار .

والتعبير الذي يطلق على تشابه اثنين من المحبين في كل شيء هي "التوافق" ، وهي ذات الكلمة التي تستخدم في علم الفيزياء ومعناها أن يكون للشيئين المتوافقين نفس الطول الموجي ، وببساطة تعني الكلمة أنهما على نفس الموجة كما يقول التعبير الدارج .

وعندما يتقابل اثنان وتبدأ مشاعر الحب في النمو بينهما يقضيان الساعات في الحديث إما مباشرة أو عن طريق التليفون ، يستمعان باهتمام لبعضهما البعض ، فيكون هناك فيضان من الأشياء التي يرغبون في مشاركتها فتصبح الحكاية القديمة جديدة ومثيرة عندما يحكيها المحب ويستمع اليها الحبيب . ومع الاستماع تنتعش روحا المستمع والمتكلم أيضا ، حيث يتم التركيز ليس على مايقال فقط بل أيضا على الطريقة التي يقال بها والحماس الذي يحوطه . ومع الأيام ينمو بين المحبين نوعا من التواصل غير اللفظي ، حيث أن التجارب المشتركة من الاستماع والحديث تجعلهما يشعران بالحميميمة والاقتراب والتواصل والتفاهم دون كلمات .

والتوافق المرتبط بالحب يوجد في العواطف التي نشعر بها أحدنا للآخر ، وهو توافق في العقول والأحاسيس ، فيدهشك أن تساؤلاتك في موضوع ما هي نفس تساؤلات الحبيب أيضا ، وأن مشاعر التعجب والدهشة والخيال التي تبرق في ذهنك هي ذاتها التي تبرق في ذهن الحبيب .

وهكذا تنتقل أفكار المحبين بينهما حتى دون أن يتحادثا ، فالحب ينشأ بينهما في الأساس نتيجة أنهما متشابهان ومتوافقان حتى قبل أن يتبادلا الحديث الذي يزيد من حجم التوافق والتفاهم. ويسجل العلماء أن ظاهرة التخاطر Telepathy تكون في أحسن حالاتها بين المحبين وأيضا بين قريبي الصلة العاطفية مثل الأم وإبنها .

والتخاطر هو ظاهرة روحية يتم من خلالها التواصل بين الأذهان أو كما يعرفه قاموس أكسفورد " عمل ذهن شخص على ذهن آخر عن بعد من خلال تأثير عاطفي بدون الاتصال بالحواس " . وهذا التواصل يشمل الأفكار والأحاسيس والمشاعر وأيضا التخيلات الذهنية . ويسجل علماء "الأنثروبيولوجي" أن هناك مجتعات بدائية مثل قبائل الأبوريجينـز - وهم سكان أستراليا الأصليين- يعتبرون التخاطر موهبة أو ملكة بشرية طبيعية تنتشر بينهم دون إستغراب أو مناقشة ، بينما ينظر الى نفس الظاهرة في المجتمعات المتقدمة كوسيلة خاصة تنتمي الى عالم الغموض والروحانيات . وبالرغم من أن هذه الظاهرة لم تخضع للاثبات العلمي الا أن الدراسات المتعلقة بها تزداد كثافة وعمقا .

ويرجع أصل الكلمة في اللغة الانجليزية Telepathy الى اللغة اليونانية التي إشتق منها كلمة tele وتعني "بعيد" وكلمة pathe وتعني "الشعور " ، وكان الباحث الروحاني الفرنسي "فردريك مايرز هو أو من استخدم هذا التعبير في عام 1882. وحاول البشر وضع نظريات لتفسير ظاهرة التخاطر دون نجاح يذكر ، فالتخاطر مثل أمور روحانية أخرى يتخطى الزمان والمكان ، ولكن الكيميائي والفيزيائي البريطاني "ويليام كروكس" اقترح أن الأفكار تنتقل على شكل موجات تنبعث من المخ مثل موجات الراديو ، فيما فسر العالم السوفييتي "فاسيليس" الأمر بنظرية الموجات الكهرومغناطيسية . وقرر العالم النفساني الأمريكي "لورنس ليشان" أنه بينمايتميز كل انسان بشخصيته الواقعية لكن عديد من البشر يتتشاركون روحانيا بصورة تسمع بانتقال المعلومات بينهم ، كما طرح البعض فكرة أن النبات هو الوسيط الذي ينقل الأفكار في ظاهرة التخاطر بين المرسل والمتلقي .

كيف يحدث التخاطر ؟
معظم حالات التخاطر تحدث تلقائيا وخصوصا في الأوقات العصيبة التي قد يتعرض فيها حبيب أو صديق أو قريب الى حادث أو شيء خطير ، وهنا يشعر الشخص البعيد بالخطر الذي يتعرض له الشخص الآخر ، كأن تشعر أم بوقوع حادث لابنها الموجود في بلاد بعيدة ، أو أن يحس أنسان بقلق تجاه حبيب يتعرض لموقف قاس في مكان بعيد . وتنتقل المعلومات في هذه الحالة بأشكال مختلفة مثل أجزاء متفرقة من أفكار تنبيء عن حدوث شيء ما في اتجاه خاطيء ، وتكون هذه الأفكار في صورة احلام أو رؤى أو هلوسات أو خيالات ذهنية أو في كلمات تقفز فجأة الى ذهن المتلقي . وتتسبب هذه المعلومات في جعل المتلقي يغير من اتجاه حركته مثل تغيير خطة سفر أو برنامج يومي ، أو مجرد أن يحاول الاتصال أو الحديث مع الشخص الآخر .

ويبدو أن التخاطر يرتبط بالحالة الشعورية للشخص سواء المرسل أو المتلقي . وتشكل النساء معظم حالات التلقي كما يبدو في الحالات التي خضعت للدراسة ، وتفسير ذلك أن النساء يكن في حالة عاطفية وشعورية أكثر عمقا من الرجال ، كما أن التخاطر في كبار السن يكون أكثر شيوعا وتفسير ذلك أن حواسهم الحسية تكون قد تضررت بتقدم السن مما يفسح المجال أكثر لظاهرة التخاطر . والتخاطر قد يحدث في صورة أحلام يمكن ملاحظتها من دراسة عوامل بيولوجية محددة وقت النوم مثل تغيرات حجم الدم خلال عملية التخاطر ، كما ان ملاحظة رسم المخ تظهر أن موجات مخ المتلقي تتغير لتتطابق مع موجات مخ المرسل . وبعض العقاقير يمكن أن تؤثر بالسلب على عملية التخاطر ولكن للكافيين تأثير ايجابي على هذه العملية .

ولقد أجرى شخص يدعي "ج.ب.راين" بعض التجارب على التخاطر في عام 1930 ، ووجد أنه من الصعب التفرقة بين التخاطر ، والرؤى الغيبية ، وظاهرة توقع الاحداث قبل وقوعها بالفعل . ولقد توصل "راين" إلى أن التخاطر والرؤى الغيبية يعتمدان على نفس الوظائف الروحانية في كل نواحيها . وأثبتت تجارب غير رسمية لوكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" أن التخاطر لايتأثر بالمسافة أو بالمعوقات بين المرسل والمستقبل ، اذ حدث في عام 1971أجراء تجربة تخاطرية من خلال رحلة المركبة الفضائية أبوللو 14، وأثبتت هذه التجربة أن المسافة ليست عائقا أمام التخاطر . قام بهذه التجربة رائد الفضاء "ادجار ميتشل" مع 4 من المتلقين على الأرض على مسافة 150000 ميل اذ قام "ميتشل" بالتركيز على 25 رقما عشوائيا فرتبها بتتابع معين مع تغيير هذا التتابع في كل مرة وكرر هذه العملية 200 مرة ، كانت الفرصة المتوسطة للحصول على ترتيب صحيح بواسطة المتلقين هي 40 مرة فقط ، ولكن اثنين من المتلقين استطاعوا أن يخمنوا 51 مرة صحيحة كان ترتيب الأرقام فيها كما رتبها "ميتشل" وهو في مركبته الفضائية ، وهذه النتيجة تخطت بمراحل توقعات ميتشل ، مما أعطى أهمية للتجربة .

وفي تفسير حديث للظاهرة تذكر بعض الأبحاث أن الأفكار تنتقل من المخ الى باقي خلايا الجسم عن طريق موجات كهرومغناطيسية خلال أنابيب دقيقة للغاية مصنوعة من البروتين على شكل حرف H أو ما يشبه الايريال الهوائي القديم المستخدم لالتقاط موجات الراديو ، وهذه الأنابيب الموجودة في كل خلية تكون ممتلئة بالماء المقطر وهو المادة المعروفة باحتفاظها بذاكرة قوية ، ومن خلال هذا النظام تنتقل الأفكار بالموجات الكهرومغناطيسية بطول موجي معين من خلية الى أخرى في الجسم ، وأيضا الى الفضاء الخارجي حيث يتم استقبالها لدى الأشخاص المتوافقين مع الشخص المرسل ، أي الذي تكون أفكارهم وأرواحهم على اتفاق كامل ، مهما بعدت المسافات ، فيتحقق بذلك شرط التوافق لحدوث رنين بين الشخصين Resonance وهو ما يعني توارد نفس أفكار الشخص الأول "المرسل" لدى الشخص الثاني "المتلقي" ، تماما كما يحدث في إرسال وتلقي موجات الراديو . وهكذا نجد أن ظاهرة التخاطر تحدث بين المحبين والأصدقاء المقربين ، وبين الأم وابنها وغير ذلك من العلاقات الحميمة .

وفي كتابه "مغامرات داخلية" أوجز أحد العلماء المهتمين بالموضوع وهو الدكتور "ليستر سميث" مجمل أفكاره عن التخاطر فقال : " يمكن القول أن التخاطر يحتوي على موجات كهرومغناطيسية لها طول موجي معين يتعدى الطيف الواسع المعروف لها ، وهي حرفيا موجات المخ . ولكن المسافة لا تؤثر على قوة التخاطر ذلك لأن قانون التربيع العكسي لانتشار الموجات الكهرومغناطيسية لا ينطبق على هذه الحالة . وبالمقابل فاننا يمكن أن نخلق ما يسمى بالأشكال الفكرية في وسط ذهني معين ، ونرسلها عمدا أو بدون وعي الى الشخص المتلقي . وفي حالة كون الأذهان الفردية متحدة بالذهن الكوني فان الرابطة تكون موجودة بالفعل ولا تحتاج الى أية ميكانيكية خاصة لتقويتها . ولكن من الضروري الحد من الحواجز التي نضعها حول أفكارنا لكي نجعلها خاصة وذاتية ، ويمكن أن يتم هذا عن طريق الحب والتعاطف ، وأيضا بفهم الطبيعة الحقيقية للموقف . ومن الناحية العملية فهذا ليس سهلا تماما ، لأننا في خلال تطورنا مع الوقت نبذل جهدا كبيرا لصناعة هذه الحواجز الذهنية والحفاظ عليها قائمة ، ولهذا فهي حواجز قوية بالفعل . وللقيام بالتواصل الذهني عن طريق التخاطر فان حاجزين مهمين يجب أن يتم اختراقهما أو اسقاطهما ، وهما الحاجزين الموجودين عند الشخص المرسل والمتلقي" .

وبعد ، هناك من يتفق مع حقيقة ظاهرة التخاطر ، وقد يورد عديدا من القصص والحكايات التي حدثت له ولغيره مما يثبت وجودها ، بينما ينظر البعض الآخر للموضوع كله على انه خرافات وأساطير ، وقد لا يعطي له أية أهمية ، ولكن في النهاية نقول أن التخاطر ، مثل عديد من الظواهر النفسية والروحانية الأخرى ، بالرغم من كونه ظاهرة غير واضحة المعالم وصعبة الاختبار والتقييم ، الا أن هناك أدلة كافية على أنه يحدث . وهذه الظاهرة مرتبطة جدا بالحالة العاطفية والشعورية عند المرسل والمتلقي ، كما أن موقف الأشخاص من هذه الظاهرة يحدد درجة تأثرهم بها .

ولقد تمكن العلماء من تصوير انتقال الموجات الكهرومغناطيسية التي تنقل الأفكار بين شخصين في حالة حب عن طريق كاميرا خاصة وظهر منها أن هالات الموجات الكهرومغناطيسية للشخصين المحبين تتداخل حتى تبدو كهالة واحدة
  • Currently 82/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
27 تصويتات / 525 مشاهدة
نشرت فى 3 فبراير 2008 بواسطة MAXMAN2015

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

365,544