إسلام فؤاد عبد الفتاح(العيسوى الصغير)

authentication required


<!-- startprint -->

<!-- هنا نبدأ الصفحة -->


لا يعني بالضرورة حين تكون أفكارك ومشاعرك جميلة أن يكون واقعك جميلاً، فواقع الحياة يؤكد العكس في كثير من الأحيان.

لا أمدح نفسي، بل هذه حقيقة، فأنا بشهادة الجميع إنسانة جميلة الأفكار والمشاعر بل والسلوك، وفوق ذلك فأنا بفضل ربي رقيقة الملامح، متفوقة جداً في كل عمل أقوم به، لدرجة أنني نلتُ شهرة واسعة الانتشار في أوج شبابي، وليست كل شهرة سبباً في سعادة صاحبها أو صاحبتها، بل كثيراً ما يحدث العكس، فذكاء المرء محسوب عليه، وتلك الحياة تحفل بالعجائب والغرائب والتناقضات، وأنا أعلم ذلك جيداً بحكم خبرتي في الحياة والعمل والعلاقات الإنسانية.

العلاقات الإنسانية أين أنا منها؟ وأين هي مني؟ إنها مجال عملي وشهرتي أفهمهما جيداً بل نبغتُ فيها كعلم أدرسه لطالباتي، وحين يأتي موعد التطبيق في الحياة أجد أن هذا الفن يصعب تطبيقه كعلم بين الناس، يمكنني أن أدرسه بسهولة لكن لا أستطيع أن أقنع البشر بأرق جوانب التعامل الإنساني الصحيح.

كنتُ أدرّس طالباتي وأثبت لهن أنني قدوة صالحة، كنتُ أقول ما أفعل، ولهذا وجدتُ الاحترام الكافي في الأوساط العلمية، لكن في الحياة أرهقني الناس، لم يفدني علمي في الحياة في أن أعيش بسلام، هناك فجوة كبرى بين المعلومة وتطبيقها، الزمن تغير للغاية، وأصبح المعلم يلقن طلابه دون أن يقتنع بأكثر ما يقوله خصوصاً في فن كفن العلاقات الإنسانية والنفس البشرية، لكني كنتُ فعلاً أستاذة تعيش كما تُعلم طالباتها صادقة تماماً مع نفسي ومع الغير، وبعد كل ذلك هل كافأني البشر على هذا الإخلاص؟
لا .. حتى هذا الرجل المثقف جداً والذي وضعه القدر في طريقي، ليبهرني بعلمه وأفقه الرحب وثقافته الفريدة وأناقته المتميزة ووسامته، أجل فالمرأة تهمها أناقة المظهر للرجل كما يهمه هو أناقتها وربما أكثر.
وحين رأيتُ هذا الرجل هوى قلبي في أضلعي، شعورٌ لا إرادي تشعره المرأة تجاه رجل واحد في تلك الحياة، والعجيب أن نفس الشيء شعوره هو تجاهي، فتزوجنا على الفور وأنا أشعر أني أسعد امرأة في هذا الوجود، فزوجي هو الرجل صاحب الصورة التي يختزنها خيالي منذ مراهقتي لفتى الأحلام: الوسامة – الرجولة – الالتزام – الطيبة – الكرم، إذن كل صفات زوجي رائعة، وانطلقت مشاعرنا الجارفة في جنون لتؤكد أن ما يميز الزواج في نظري أنا وزوجي هو القبول من أول لحظة للرؤية الجاذبية النفسية والعاطفية من أول وهلة ترى فيها المرأة خاطباً معيناً، شعور خاص به وحده وبها وحدها، وحين تحب المرأة زوجها تتلاشى لإسعاده، وحين يحب الرجل زوجته يشعر بأنه أقوى رجل في العالم، فحب المرأة يمنحها ضعفاً أنثوياً جميلاً، بينما حب الرجل يمنحه قوة ورجولة رائعة.

سارت حياتي كقصيدة شعر تنساب في حنان وغزل، أجمل اللحظات تلك التي كنتُ أقضيها وزوجي نتسامر أمام التلفاز بعد العشاء، نضحك ونلهو كالأطفال برغم ثقافتنا أمام الناس إلا أننا في بيتنا كنا شيئاً آخر، كياناً آخر، كله حب وحنان وعاطفة جياشة، أثبت زوجي أن بداخله طفلاً شقياً وبريئاً في آن واحد. وفعلاً يوجد في داخل كل رجلٍ طفلٌ يحتاج إلى حنان المرأة وأمومتها، وحب المرأة لزوجها يفجر هذا الحنان تلقائياً وعفوياً، ولا يحتاج إلى علم أو كتب، عشنا أياماً جميلة أنا وزوجي امتدت لسنوات أريع، ومن كثرة سعادتنا لم نلتفت إلى أننا لم ننجب ولم نبحث عن السبب، ولم نهتم لذلك، بل كنا في غمرة سعادتنا لا نكف عن الرحلات والسفر سوياً والاستمتاع بحياتنا في رحلات لمختلف دول العالم، بيد أن أهل زوجي – سامحهم الله – تجاهلوا كل ذلك وبدأوا يستفسرون عن سبب عدم الإنجاب الذي بالتأكيد لابد أن يعود للمرأة، من وجهة نظرهم وبدأت أسمع منهم كلاماً كالسموم تخرق جسدي ونفسي، وزوجي يطالبني بالهدوء وعدم التأثر، لأنه لا يهمه الأبناء بقدر ما يهمه سعادته بي ومعي .

ومرت فترة هدوء ثم شعرت أن زوجي واجم وحزين ويخرج من البيت كثيراً على غير عادته، ولما سألته إذا كان يواجه أي مشكلات في عمله، أو في الحياة عموماً، رد باختصار: لا شيء

كدتُ أجن قلقاً عليه، هذا الرجل طفلي وحبيبي وأخي وزوجي وكل شيء، ما الذي يؤرقه؟ لماذا لا يصارحني؟ لماذا تغير فجأة؟ هل ظهرت أخرى في حياته؟ هل ملّ عشرتي وخصوصاً مع عدم وجود أطفال؟ هل تأثر بكلام أهله عن ضرورة الإنجاب واستشارة الطبيب في ذلك؟

لم يخبرني زوجي بأي شيء، وإنما تركني في عذابي ووحدتي شهوراً، وكنتُ أبكي أمامه كي يوضح لي أسباب تغيره فجاة، بل إني أخبرته أني مستعدة لعمل فحوصات وأي علاج ممكن إذا كان عدم الإنجاب منّي. كي أحقق له رغبته في وجود أطفال، بإذن الله، لكنه أيضاً لم يفدني بأي رد ولا إيضاح، ثم أرسل لي ورقة طلاق، تخيلوا هذا الحب العظيم انتهى بورقة صغيرة، قتلني من أحببته أكثر من حياتي فجأة ودون مقدمات، ليتني أفهم، أعلم أن من حقي كإنسانة أن أعلم لماذا يزهدني زوجي فجأة ويلفظني من حياته، هل الحب أمر تافه لهذا المدى عند الرجل؟ هل الطلاق سهل لهذا الحد؟ هل العشرة لا قيمة لها؟
تعذبت عذاباً لا يوصف، فبقدر الحب يكون الألم، شعرت أن الدنيا كلها قد ماتت في عيني وقلبي، عدت إلى بيت أهلي كسيرة شاحبة، ملامحي تخلو من كل جمال كان، فالمرأة المحبة المحبوبة دوماً جميلة، ولكن نفس المرأة إذا فقدت الحب والحبيب أصبحت في لحظة خالية من كل جمال، لم يعد يهمني أن أكون جميلة أو لا أكون، فقد كنتُ أحب جمالي في عينيه هو وحده، سامحه الله.

وذات يوم وجدتُ إشعاراً من البنك، برصيد كبير من المال، وذهلت، ذهبت للبنك لأكتشف أن زوجي السابق وضع باسمي مبلغاً كبيراً عقب طلاقي مباشرة، ثم سافر للخارج دون أن يعلم أحد لماذا؟ وكيف؟ وأين؟ وما سر هذا الكرم الحاتمي من رجل أهانني في مشاعري كأنثى، ماذا يفيد المال؟ هل يدفع ثمن عذابي؟ لابد أن أرفض وسأرد له كل ماله فوراً، فأنا لا أقبل ثمناً لنزيف كرامتي!

طلبت من أخي أن يذهب لوالد زوجي ليستفسر عن سر هذا المبلغ في الوقت الذي طلقني فيه زوجي دون ذنب مني؟ كان رد والد زوجي الوحيد: لا أعرف شيئاً عن هذا، ابني سافر ولم يخبرني بشيء! وليس من حقنا استرداد مال منحه لزوجته السابقة!

رغم كوني أستاذة في العلاقات الإنسانية إلا أنني لم أفهم لماذا تحول حب زوجي إلى كره فجأة؟ لماذا لم يخبرني بالتغيرات النفسية التي تعرض لها وأدت إلى أن يطلقني؟ من حقي أن أفهم، لكن كيف؟

مضت الحياة بي وقد تبدلت ملامحها، ولما توفي والدي شعرت بالوحدة تثقل كاهلي، لكني خفت أن أتزوج رجلاً أحبه ويكرهني ويزهدني فجأة، ويطلقني ويحطمني كزوجي السابق، طمأنني بعض الأقارب إلى رجل تقدم لي خاطباً وأخبروني أنه طيب وملتزم، وهو خير من الوحدة!
تزوجته، وبالفعل أثبت أنه إنسان طيب، وأنجبت طفلين هما قرة عيني وعشت مع زوجي هذا حياة هادئة تخلو من ملامح الحب المتوهج الذي عشته في تجربتي الأولى، التي آلمتني وقتلتني، ومضى وقت غير طويل لتزيد تجربتي الأولى ألمي، وتحوله إلى عذاب رهيب، حين علمتُ عن طريق الصدفة البحتة سبب طلاق زوجي الأول لي: أنه علم أنه لا ينجب، وأنه مصاب بمرض خطير أيضاً فطلقني لإطلاق سراحي لأتزوج وأعيش حياتي!!
رغماً عني بكيت حتى مرضتُ من قال أن المرأة المحبة يسعدها الابن عن الزوج؟ من قال إن مرض الزوج نقطة ضعف تقلل حب الزوجة له؟
لماذا فعل ذلك؟ لماذا لم يخبرني ويخيرني إما البقاء معه أو الطلاق؟ أليس لي حق القرار مثله؟
لماذا عرفتُ هذه الحقيقة القاتلة؟! وأنا زوجة لرجل آخر؟ لماذا أخبروني؟ كيف أتحمل هذا الصراع دون أن أجن؟ ليتني لم أعلم بالحقيقة التي قتلت نفسي!
أيها الرجال لماذا تتخذون القرارات المصيرية دون استشارتنا؟ لماذا تطلقني دون أن تخبرني بالسبب؟ من قال لك إني كنتُ سأتخلى عنك لأصبح أمّاً؟

تم تحريرها من المجلة العربية، العدد233

تحرير: حورية الدعوة

  • Currently 90/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
30 تصويتات / 650 مشاهدة
نشرت فى 14 أكتوبر 2007 بواسطة MAXMAN2015

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

365,448