إسلام فؤاد عبد الفتاح(العيسوى الصغير)

بحث في أهمية الحسبة في إقامة الشرائع والتحذير من الشرك

ثم معلوم أيضا أن فروع الشرائع تعتبر من العبادات. وكذلك فروع الشرك تعتبر من المحرمات وتعتبر من المنكرات فتتبع ذلك في الاحتساب والأمر والنهي، فيقال: من دعا إلى التوحيد، دعا إلى الصلوات دعا إلى الصدقات، ودعا إلى الجماعات ودعا إلى الزكوات وأداء الواجبات فيها وأجل أداء النفقات المعنية، ودعا إلى حفظ الصيام والمحافظة عليه وحفظ الحج والعمرة وما يتصل بهما وحفظ الجهاد وما أشبهه، فإن هذا كله من فروع التوحيد ومن مكملاته؛ لأن هذه من أنواع العبادة التي تدخل فيما أمر الله به في قوله تعالى: إِلَّا لِيَعْبُدُونِ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ .
فهذه من العبادات يقال: إذا عرفنا أن التوحيد هو إخلاص العبادة فإننا نأمر بتكميل العبادات كلها وتحصيلها حتى يكون صادقا في أنه عَبَدَ الله تعالى بما شرعه وبما أمر به، ويضاف إلى ذلك أيضا العبادات المستحبة التي هي من جنس العبادات الواجبات فكلها داخلة في المعروف وتركها أو التساهل بها يؤدي إلى عدم الاهتمام بحق الله تعالى.
شرع الله تعالى الفرائض وشرع من جنسها نوافل، فقال تعالى في الترغيب في العبادات: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً هذا من النوافل يعني الزيادة في الدعاء تضرعا وخفية فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ هذا من الفرائض إخلاص الدين لله تعالى.
شرع الله تعالى جنس الصلوات خمس صلوات هذه من الفرائض، وشرع من جنسها نوافل، ومدح الذين يحبونها ويحسنونها والذين يتمسكون بها ويكثرون منها، مثل قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا يعني جنس صلاة الليل وجنس النوافل النهارية والليلة.
نقول: إنها كلها من الأمر بالمعروف الأمر بها أمر بالمعروف لأنها مما يحبه الله تعالى ومن كمال عبادة الله وحده، فإذا عرفنا أن الفرائض التي أمرنا بها من جنسها نوافل نأمر بهذه ونأمر بهذه، وهكذا أيضا يقال في بقية الفرائض؛ يعني مثل فريضة الصلاة هناك صلوات مكتوبة، فريضة الزكاة هناك زكوات وصدقات غير مكتوبة يعني زائدة على ما هو فرض، ومثل فريضة الصيام يتقرب بجنسها وكذلك فرائض الذكر يتقرب بجنسها، والحاصل أن جنس هذه والمواظبة عليها من جنس ما يحبه الله تعالى وما يدعو إليه وما رغب فيه.
كذلك أيضا إذا عرفنا ما يت*** بالمعروف فكذلك أيضا نعرف أن من جنس ذلك أيضا ما يت*** بالمنكر؛ فإن المنكرات الشركيات والبدع والمعاصي والمحرمات من المآكل ومن المشارب وما أشبهها لا بد أن يتجنبها المسلم كلها.
فيبدأ مثلا بالنهي عن الشرك، ثم بعد ذلك يقال من تمام ذلك النهي عن البدع، ومن تمام ذلك النهي عن المعاصي فإن الشرك والتوحيد متضادان وإن البدع قادحة في عبادة المسلم قادحة فيها وسالبة لها ومبطلة لأجرها، وإن المعاصي منقصة لثوابها فلا يتم الاحتساب إلا بها كلها؛ يعني بترك البدع والمعاصي زيادة على ترك الشركيات.
فمعروف أن المعاصي متنوعة والبدع أيضا متعددة، ويقولون: إن البدع أحب إلى الشيطان من المعاصي لأن المبتدعة يتمسكون ببدعهم معتقدين أنهم على الصواب، وأن الحق في جانبهم، وأنهم أولى بأن يكونوا على الحق وعلى الدين.
فلأجل ذلك يُسعى كثيرا في النهي عن البدع والتحذير منها سواء البدع العقدية أو البدع العملية؛ يكثر الدعاة إلى أنواع البدع الاعتقادية.
فيوجد مثلا أن المعطلة الذين ينفون الصفات يدعون إلى بدعتهم، ويسمون من يدعو ومن يتمسك بالسنة كإثبات أسماء الله تعالى وصفاته يسمونهم حشوية ومجسمة وغثاء وغثرا ونوابت وما أشبه ذلك، جهاد هؤلاء ودعوتهم من أوجب الواجبات.
وكذلك أيضا الذين يسهلون أمر الذنوب ويدعون أن المعاصي لا تضر الموحد وهم الذين يسمون المرجئة، جهادهم دعوتهم والتحذير من عقيدتهم وإبطال شبهاتهم حتى لا تتمكن من النفوس.
كذلك أيضا الذين يكفِّرون بالذنوب ويخرجون المسلم ولو عاصيا من الإيمان بمجرد المعصية، وهم الخوارج أو الوعيدية ونحوهم، جهادهم أيضا واجب؛ بدعتهم بدعة كبيرة؛ وذلك لأنهم يؤيسون العصاة من التوبة ويكفرونهم ويستحلون دماءهم وأموالهم ويحكمون بتخليدهم في النار والعياذ بالله.
فلا شك أن جهادهم وأن دعوتهم من أوجب الواجبات، وهكذا يقال في بدعة الروافض وفي بدعة المتصوفة وفي بدعة القبوريين الغلاة في أهل القبور والأموات وما أشبههم، فإذا عرفنا أن الدعوة إلى الله تعالى التي هي دعوة الرسل جاءت بالدعوة إلى التوحيد والنهي عن الشرك، والدعوة إلى السنن والنهي عن البدع، والدعوة إلى الطاعات والنوافل والنهي عن المعاصي فإن علينا أن نحتسب ونأتي بما نقدر عليه من هذه الأمور؛ يعني نحتسب الدعوة إلى الله تعالى ونأمر بما نقدر عليه من الطاعات والعبادات، ونحافظ على ما نقدر عليه من السنن والنوافل، وأهم شيء الدعوة إلى ترك المعاصي والمحرمات التي كثرت وقل من ينتبه لها، بل وكثر الذين يدعون إليها ويحبذونها ويوسعون المجال فيها، وقلَّ من ينتبه لهم ويرد عليهم ويبطل دعاياتهم.



-4-
بحث في انتشار الدعوة إلى الباطل والتحذير منها

ينتشر كثيرا الدعوة إلى – مثلا - الاختلاط الرجال بالنساء، وأن هذا أمر عادي، وأنه واقع في كثير من الدول أن المرأة تدرس إلى جانب الرجل، وأنها موظفة إلى جانبه وأنه لم يقع مع ذلك شيء من المنكرات وما أشبه ذلك، نقول: إن إنكار هذا من جملة ما يجب على المحتسبين، وأن هذا ولو استحسنه من استحسنه ولو دعا إليه من دعا إليه ممن انتكست فطرهم وتغيرت أفهامهم، فإنهم لا يتخذون قدوة وليسوا على حق وصواب.
وتكثر أيضا النشرات في تسهيل الأمر للمرأة أن تخرج، وأن تحتك بالرجال، وأن يكون لها مجتمعات كما يحصل للرجال مجتمعات وأن تتصرف في نفسها، ولا شك أن الذين يدعون إلى ذلك لهم أهداف سيئة، قصدهم بذلك أن يمتعوا أنظارهم وأن يقضوا أوطارهم وأن يتمكنوا من نيل شهواتهم المحرمة على ما يريدون؛ لأنهم مع حالة المسلمين التي هي التحجب والاستتار واحتفاظ المرأة بنفسها وما إلى ذلك لا شك أنهم لم ينالوا ما يريدون؛ فكان من أسباب ذلك أن شرعوا في هذه الدعوة.
نقول: إن هؤلاء على باطل ومع ذلك فهم ينشرون نشراتهم ويرسمونها مثلا في صحفهم ويعيبون علينا؛ يعيبون على النساء المسلمات تحجبهن وتحفظهن ولبسهن اللباس الساتر وما إلى ذلك، فكيف مع ذلك لا ينتبه أهل الحق وينكرون مثل هذا المنكر؟!
لا شك أن هذا مما يجب على أهل الحسبة أن يسعوا في إنكاره وتخفيفه، وهكذا أيضا تنتشر الكثير من المعاصي اختطاف النساء وفعل الفواحش بهن في مجتمعات أو في أماكن خاصة أو عامة أو ما أشبه ذلك، لا شك أن هذا من جملة أو من أكبر المنكرات التي تمكنت وظهرت في البلاد.
وإذا غفل الناس عنها انتشرت وصعب تلافيها، فالمحتسبون عليهم أن ينتبهوا لذلك، وأن ينكروها بقدر ما يستطيعون، وبذلك يحصل الاحتساب في تغيير هذه المنكرات.
فأما مع الغفلة فإنهم لا شك سيندمون عندما يتمكن العصاة وعندما تتمكن المنكرات، وبكل حال فإن هذه من الاحتساب الذي ذكره الله تعالى والذي دعا إليه ننتبه إلى مثل ذلك.



-5-

عظم أجر المحتسب

موضوع الحسبة: في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذلك الاحتساب في الولايات التي يتولاها المسلم، ويقصد بها نفع المسلمين فيدخل في ذلك كل ولاية دينية يقصد منها نفع الإسلام وأهله، ولكن إذا كان موظفا حكوميا يتقاضى على ذلك مرتبا ورزقا كان عمله آكد وكانت مسئوليته أكبر، فإذا كان محتسبا فالغالب أن نفعه يكون أكثر كما أن أجره يكون أعظم؛ إذا احتسب الإنسان مثلا بالتعلم أو بالتعليم كان نفعه أكثر وأجره أكثر إذا احتسب الإنسان بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتطوع لله في ذلك كان عمله خالصا لله وكان الأجر عليه أكثر.
وذلك لأن الذي لا يكون كذلك يخشى أن يكون عمله لغرض دنيوي فيفسد عليه قصده ونيته، كذلك أيضا إذا احتسب وجاهد في سبيل الله بدون أن يأخذ على ذلك رزقا أو يأخذ على ذلك جراية أو نفقة كان أجره أكبر إذا كانت نيته صالحة، كما سمعنا في الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الرجل يجاهد حمية ويجاهد للمغنم ويجاهد رياء أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله فهذا هو المحتسب الذي قاتل في سبيل الله لا لدنيا، ولكن للدين طلب الأجر من الله لتكون كلمة الله هي العليا ودينه هو الظاهر.
ويقال كذلك فيمن سعى في الإصلاح بين الناس يقال هذا محتسب؛ حيث إنه يسعى في إصلاح المجتمعات ويصلح بينهم عندما يكون هناك شقاق أو نزاع أو نحو ذلك، ويقال كذلك في المحتسب الذي ينصح العصاة ويردهم إلى الصواب؛ إذا رأى مثلا من يترك الصلاة نصحه إذا رأى من يشرب الدخان، إذا رأى من يحلق اللحية مثلا أو يسبل الثياب، إذا رأى من يتعاطى مسكرا إذا رأى من يسبل ثيابه ونحو ذلك، كذلك جميع المعاصي فيأتي إلى هذا ويقول: سمعت أنك هاجر أخاك، سمعت أنك قاطع رحمك، سمعت أنك عاق لأبويك ولأقاربك وما أشبه ذلك، فاحتسابه ونصحه ودعوته تعتبر من الأجر الكبير مما يترتب عليه الأجر. كذلك أيضا احتسابه في الدعوة إلى الطاعات؛ الدعوة إلى العبادات وإلى الصلوات وإلى النفقات في وجوه الخير وما إلى ذلك، كل ذلك إذا احتسب الأجر فإن الله تعالى يثيبه على ذلك ثوابا عظيما.
أما الذي يقتصر على نفسه، ويقول: لست مسئولا ولست مكلفا والأمر قد وكل إلى غيري وهناك من وكل إليه القضاء، وهناك من وكل إليهم الإصلاح، وهناك من وكلت إليهم الدعوة، هناك من وكل إليهم التعليم وما إلى ذلك؛ فيرى المعاصي وأهلها ولا يدعو إلى تركها ولا يأمر بتركها ويرى المنكرات ويرى ترك الطاعات، نقول: إن هذا بلا شك قد ترك شيئا حقا عليه ولو لم يكن فرضا لكن فاته الاحتساب فاته الأجر الذي يترتب عليه، فإن من فعل ذلك محتسبا حصل له أجر وأما من فعله كأداء وظيفة فإن أجره تعجله وهو ما أخذه مقابل عمله من الحطام ومن الأجرة الدنيوية.
ففرق بين المحتسب الذي يفعل هذه الأعمال طواعية لله وطلبا للأجر، وبين غير ذلك ممن يفعله طلبا لما عند الله تعالى، فهذا هو موضوع هذه الرسالة ويأتينا تفصيلها في مواضع إن شاء الله في الولايات وما يجب على كل وال في عمله الذي ولي إليه.



-6-
<!-- / message -->

حث الإسلام على الولاية وطاعة ولي الأمر


السلام عليكم ورحمة الله. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قد عرفنا أن مما جاءت به الشريعة الولايات والإمارات العامة والخاصة وبيان ما يدخل في كل ولاية وما يلحق بها وما يكون الوالي مسئولا عنها، وقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ما من ثلاثة يخرجون في سفر إلا يؤمرون أحدهم أو كما قال أي يولون أحدهم ولاية خاصة بأن يكونوا تابعين له وهو أمير عليهم، فإذا كان هذا في الثلاثة وفي المسافرين ونحوهم، فكذلك أيضا في غيرهم، فلا بد أن يكون كل فرقة يجعلون لهم أميرا ورئيسا يولونه أمرهم ويمشون على رأيه وتدبيره.
وقد أمر الله تعالى بطاعة ولاة الأمور، وجعل طاعتهم من طاعته وطاعته من طاعة الله فيقول -صلى الله عليه وسلم- من أطاعني فقد أطاع الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني كان -صلى الله عليه وسلم- يبعث أمراء يوليهم على من معهم، ومع ذلك فإنه يأمرهم بالمشاورة ويأمرهم بأن يطيع بعضهم بعضا، لما أرسل مرة اثنين قال لهما: يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا ولا تختلفا يحذر من الاختلاف فيما بينهم ويأمر بأن يطيع أحدهما الآخر، وكذلك إذا كانوا أكثر من اثنين يطيع بعضهم بعضا ولا يختلفوا، وكذلك أيضا أرسل مرة أحد أصحابه في سرية أميرا على تلك السرية وأمرهم بأن يطيعوه أمرهم بأن يطيعوا أمره، ولكن جعل الطاعة في المعروف قال: إنما الطاعة في المعروف أي فيما هو معروف في الطباع ومعروف في الشرع ومعروف في العادات، ولا تجوز الطاعة فيما خرج عن ذلك؛ ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم- قال: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق فطاعة الخالق مقدمة على كل أحد ؛ طاعة الرب سبحانه وتعالى وكذلك طاعة رسوله مقدمة، ولهذا فسر العلماء قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فقالوا أولو الأمر؛ أي الذين لهم ولاية ولهم أمر على من تحتهم يطيعهم أتباعهم، ولكن طاعتهم مسبوقة بطاعة الله وبطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ولهذا قال: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فكرر لفظ أطيعوا ثم قال: وأولي الأمر منكم، لم يقل: وأطيعوا أولي، الأمر فدل هذا على أن ولاة الأمر إنما يطاعون في المعروف.
ولا شك أن في طاعة ولاة الأمر وعدم معصيتهم مصلحة عامة للمولى عليهم؛ وذلك بأن بولايتهم يحصل الأمن في البلاد ويحصل اطمئنان والحياة الطيبة، وبفقد الولاية فتصبح الأمور فوضى لا يرتدع أحد عن أحد ولذلك يقول بعض الشعراء:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم
ولا ســراة إذا جهــالهم سـادوا

تهدى الأمور بأهل الرأي إن صلحت
وإن فســدت فبالأشـرار تنقــادُ

فلا يصلح الناس، ليس لهم قادة يقودونهم ويتولون أمورهم، وما ذاك إلا أن بولاية الأمر بولاة الأمور يؤخذ على يد الظالم ويقهر المعتدي ويحجز المتعدي، وبفقدهم بفقد الولايات يعتدي القوي على الضعيف وتظهر المعاصي والمنكرات وتستباح الأموال، ويحصل النهب والسلب ويصبح الضعفاء نهبة وألعوبة لمن هو أقوى منهم ولا يقدرون على الانتقام ولا على الانتصار ولا على أخذ حقهم، لا شك أن هذا فيه مفاسد عظيمة؛ هذا من حيث العموم.
أما من حيث الخصوص فإن هناك ولاة خاصة ولايتهم، ولكل منهم مسئولية عما تولاه فمثلا: أئمة المساجد وخطباؤها يعتبرون ولاة على المساجد؛ بمعنى أنهم مأمورون بأن يواظبوا على هذا العمل، وبأن ينظروا في أحوال المصلين ويتفقدون أحوالهم وينظرون فيمن يواظب على العبادة ويشهدون له بالخير والصلاح، وينظرون إلى المتخلفين وإلى المتأخرين مثلا عن هذه العبادات ويقومون بنصحهم وتوبيخهم وتعليمهم، ويأخذون على أيدي السفهاء والجهلة الذين يعاندون والذين يخرجون عن الطواعية، وكذلك أيضا يقومون بولايتهم التي تولوها؛ فيحافظون على المواقيت يحافظون على الأوقات ولا يضرون المأمومين ولا يشقون عليهم، وكذلك أيضا يحرصون -إذا كانوا خطباء - على تعاهد المأمومين والمصلين وتعليمهم ما يجهلونه وبيان ما ينقصهم والبيان على الحالات التي ينبغي التنبيه عليها.
لا شك أن هذا مهم وبه يحصل خير كثير؛ ولذلك يشترطون في الإمام شروطا؛ يشترطون فيه العلم والعقل والمعرفة والأمانة والمواظبة والقراءة وما أشبه ذلك، وهكذا أيضا يشترطون في المؤذنين يشترطون أن يكون المؤذن أمينا وأن يكون عالما بالمواقيت وأن يكون مواظبا على عمله وما أشبه ذلك؛ لأن الناس يأتمنونه ويعملون بإرشاداته كل ذلك مما فيه مصلحة عامة أو مصلحة خاصة.
وكذلك أيضا من الولايات التي يقام بها أو يلزم تعيين من يقوم بها ولاية الحكام ولاية الحاكم الذي يقضي بين الناس ويفصل بينهم، ويظهر الحق ويبينه ويرشد إليه لا شك أن هذه أيضا ولاية لها أهميتها.
وتعتبر أمانة لمن التزم بها؛ ولذلك قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ يخاطب هؤلاء الذين يحكمون بين الناس يأمرهم بأداء الأمانات أي: أن هذه الوظيفة أمانة اؤتمن عليها هذا الوالي، ثم عليه إذا تصدى للحكم أن يعدل في الحكم، وأن لا يميل مع أحد خصمين، وأن يتحرى الصواب ولا يقدم هذا على هذا، وكل ذلك لبيان أن هذه وظيفة عظيمة عظيم شأنها.
ولذلك يشترطون فيه -فيمن يتولى هذه الولاية- يشترطون فيه: الذكورية والحرية والعقل والبلوغ والعلم والاجتهاد والمعرفة والأمانة الأمانة العامة، وكذلك أيضا يذكرون أيضا فيه صفات لا بد من توفرها فيقولون: لا بد أن يكون حليما ذا أناة، وأن يكون قويا من غير عنف، وأن يكون لينا من غير ضعف فلا يكون لينا كثيرا بحيث يطمع المدلس والعاصي في جوره، ولا يكون قويا شديد القوة بحيث لا يطمع الضعيف في أخذ حقه منه، ولا يكون حقودا ولا غضوبا ولا شرس الأخلاق ولا سيئ المعاملة ولا فاجرا ولا فاسقا، هذا دليل على أن هذه الولاية ولاية عظيمة لها مكانتها وأهميتها.
كذلك أيضا إذا تولى الإنسان ولاية تعليم مثلا وتأديب ونحوه فإن هذه أيضا تعتبر ولاية عظيمة؛ الذي يعين أو يتصدى لأن يكون معلما لصغار أو لكبار أو لذكور أو إناث لا بد أيضا أن يشعر بأنه مؤتمن أمانة كبيرة، ويشعر بأنه محاسب على هذه الأمانة، وأنه لا بد أن يؤديها أتم الأداء وأن يقوم بها خير قيام، ويشترط له أيضا ما يشترط في غيره فلا بد من العقل ولا بد من البلوغ الذي يكون به عاقلا متكامل العقل، ولا بد من السمع الذي يتمكن به من أن يقوى من أن يفقه ما يقال، ولا بد من التمييز والفهم والمعرفة لما أسند إليه من هذه الأمور التي هي أمانة.
وكذلك أيضا لا بد أن يشعر بأنه مأمور بأن يؤدي هذه الأمانة وليس مجرد أن يتجاوز الامتحان مثلا أو يتجاوز التعيين، لا بد أن يشعر كل مكلف وكل مُولى بولاية يشعر بما هو مُولى عليه ومسئول عنه. هذا حقيقةً هو أثر هذه الولاية.
ولا شك أيضا أن الولاية هذه تستدعي النصح؛ النصح للأمة، بل كل ولاية تستدعي نصح الولاة للمولى عليهم؛ ولذلك ذكروا أن جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه- كان مقيما في العراق في الكوفة وكان أمير الكوفة المغيرة بن شعبة فلما توفي المغيرة وبقيت البلاد ليس فيها أمير خطبهم جرير وكان ممن أسلم في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وروى عنه أحاديث فأخبرهم بقوله: إني بايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة، بايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم، فأقسم بأنه ناصح لهم؛ أي أنني لا أغش ولا أخدع ولا أترك النصيحة لكل مسلم.
وقد تعهد عليّ النبي -صلى الله عليه وسلم - بذلك هكذا أخبرهم، فالنصح للمسلمين يعم جميع الأفراد، ولكن من تولى ولاية خاصة فليس له أن يميل مع أحد بل ينصح لهؤلاء ولهؤلاء ويكون قوله فصلا دون أن يكون عنده ميل أو حيف أو تحيز وتمايز مع أحد دون أحد هذا هو الواجب على كل والٍ.
ولا شك أيضا أن من جملة الولايات التي لها أهميتها ولاية الهيئات الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويعظون الناس ويدعونهم إلى الخير ويحذرونهم من الشر سواء سموا دعاة أو سموا بهيئات أو سموا نوابا أو نحو ذلك، فالدعاة الذين يتعينون للدعوة عليهم أيضا ولاية عليهم أيضا أمانة؛ وذلك لأنهم يلاقون جماهير الناس، ولأنهم لا بد أن يتصلوا ببعض العصاة والمخالفين والكفرة والمبتدعة ونحوهم، فلا بد أن يكون عندهم علم بما يدعون إليه وبما يأمرون به وبما ينهون عنه، ولا بد أن يتعلموا الأساليب التي يكون لها تأثير في السمع عندما يسمع المدعو تلك الكلمات اللينة اللطيفة وعندما يسمع المواعظ والإرشادات تصل إلى قلبه ويعرف بها نصح ذلك الداعي ومحبته لإخوته في أنهم يسلكون سبيل النجاة، فإذا كان كذلك عُرِفَ بأنه من المخلصين القائمين بحقوقهم التي أوجب الله.
لا شك أن هذا يعم كل من عنده قدرة وتبرع بأن يدعو إلى الله ويذكر وينصح ويرشد، ويعم أيضا من عين لذلك وألزم بأن كانت وظيفته التي تصدى لها دعوة الناس، يدعو الكفار بالأساليب التي تصل إلى قلوبهم ويرشدهم رجاء أن يهتدوا ويدخلوا في الإسلام.
كذلك أيضا يدعو المبتدعة الذين انتحلوا بدعا ليست من الدين في شيء يذكرهم، ويبين لهم السنة الصحيحة التي يجب أن يسيروا عليها كذلك أيضا يدعو العصاة الذين وقعوا في المعاصي الصغائر أو الكبائر، وكل منهم له أسلوب يستحق أن يعامله به فكل هذه من الولايات والولايات كثيرة، وإنما ذكرنا أن هذا جنس الولايات التي يتولاها المسلم، ولو لم يكن إلا ولايته على أهله ومن تحت يده؛ على نسائه وعلى أولاده ذكورا وإناثا وعلى إخوته وعلى خدمه ومن هو تحت سيطرته، فهو أيضا مولى عليهم وله سلطة لا بد أن يقوم بما يقدر عليه في إصلاحهم، وفي كفهم عن الشر وفي إيصال الخير إليهم وذلك معنى قوله: -صلى الله عليه وسلم- كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته بدأ بالرجل بقوله: فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها، والولد راع في مال أبيه وهو مسئول عن رعيته كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته .
فالمسئولية أمام الله تعالى أي: أن الله هو الذي يحاسب هذا الراعي ويوبخه على تقصيره وخلله، ويعذبه إذا أهمل وترك ما هو مولى عليه إما أنه أفسد من هو مولى عليهم أو أهملهم وتركهم يتولاهم من يفسدهم أو نقص في حق ولايته فلم يقم بما أوجب الله عليه.
فذلك كله مما يجب على المسلم أن يهتم به حتى لا تكون مسئوليته كبيرة.
.. ونستمع إلى كلام شيخ الإسلام في هذه الرسالة: الحسبة في الإسلام ون*** عليه بما تيسر، ثم بعد هذا الدرس كما عرفنا نتوقف حتى تنتهي أوقات الاختبارات ونشعر بعد ذلك باستئناف هذا الدرس إن شاء الله.



-7-

<!-- / message -->


الأمر والنهي فيه جماع الدين وجميع الولايات


بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال -رحمه الله تعالى- فصل: الولايات الإسلامية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وإذا كان جماع الدين وجميع الولايات هو أمر ونهي، فالأمر الذي بعث الله به رسوله هو الأمر بالمعروف، والنهي الذي بعثه به هو النهي عن المنكر، وهذا نعت النبي والمؤمنين، كما قال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ .
وهذا واجب على كل مسلم قادر، وهو فرض على الكفاية ويصير فرض عين على القادر الذي لم يقم به غيره، والقدرة هو السلطان والولاية، فذوو السلطان أقدر من غيرهم، وعليهم من الواجب ما ليس على غيرهم.
فإن مناط الوجوب هو القدرة ؛ فيجب على كل إنسان بحسب قدرته، قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ .
وجميع الولايات الإسلامية إنما مقصودها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سواء في ذلك ولاية الحرب الكبرى، مثل نيابة السلطان، والصغرى مثل ولاية الشرطة، وولاية الحكم، أو ولاية المال وهي ولاية الدواوين المالية وولاية الحسبة، لكن من المتولين من يكون بمنزلة الشاهد المؤتمن، والمطلوب من الصدق، مثل الشهود عند الحاكم، ومثل صاحب الديوان الذي وظيفته أن يكتب المستخرج والمصروف، والنقيب والعريف الذي وظيفته إخبار ذي الأمر بالأحوال، ومنهم من يكون بمنزلة الأمين المطاع والمطلوب منه العدل، مثل الأمير والحكم والمحتسب، وبالصدق في كل الأخبار، والعدل في الإنشاء من الأقوال والأعمال، وتصلح جميع الأحوال، وهما قرينان كما قال تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لما ذكر الظلمة: من صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه، ولا يرد عليّ الحوض، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه، وسيرد عليّ الحوض وفي الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا ولهذا قال سبحانه وتعالى: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ وقال سبحانه: لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ .
ولهذا يجب على كل ولي أمر أن يستعين بأهل الصدق والعدل، وإذا تعذر ذلك استعان بالأمثل فالأمثل وإن كان فيه كذب وظلم, فإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر وبأقوام لا خلاق لهم، والواجب إنما هو فعل المقدور، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- أو عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من قلد رجلا على عصابة هو يجد في تلك العصابة من هو أرضى منه فقد خان الله وخان رسوله، وخان المؤمنين.
فالواجب إنما هو الأرضى من الموجود، والغالب أنه لا يوجد كامل، فيفعل خير الخيرين ويدفع شر الشرين، ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: أشكو إليك جلد الفاجر وعجز الثقة.
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه يفرحون بانتصار الروم والنصارى على المجوس، وكلاهما كافر؛ لأن أحد الصنفين أقرب إلى الإسلام، وأنزل الله في ذلك: (سورة الروم ) لما اقتتلت الروم وفارس، والقصة مشهورة وكذلك يوسف كان نائبا لفرعون مصر وهو وقومه مشركون، وفعل وفعل من العدل والخير ما قدر عليه، ودعاهم إلى الإيمان بحسب الإمكان.
فصل مسئولية المحتسب.
عموم الولايات وخصوصها وما يستفيده المتولي بالولاية يتلقى من الألفاظ والأحوال والعرف، وليس لذلك حد في الشرع، فقد يدخل في ولاية القضاة في بعض الأمكنة والأزمنة ما يدخل في ولاية الحرب في مكان وزمان آخر ، وبالعكس، وكذلك الحسبة وولاية المال.
وجميع هذه الولايات هي في الأصل ولاية شرعية ومناصب دينية، فأي من عدل في ولاية من هذه الولايات فساسها بعلم وعدل وأطاع الله ورسوله بحسب الإمكان فهو من الأبرار الصالحين، وأيهم ظلم وعمل فيها بجهل فهو من الفجار الظالمين، إنما الضابط قوله تعالى: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ .
وإذا كان كذلك، فولاية الحرب في عرف هذا الزمان في هذه البلاد الشامية والمصرية تختص بإقامة الحدود التي فيها إتلاف، مثل قطع يد السارق وعقوبة المحارب ونحو ذلك، وقد يدخل فيها من العقوبات ما ليس فيه إتلاف، كجلد السارق، ويدخل فيها الحكم في المخاصمات والمضاربات، ودعاوى التهم التي ليس فيها كتاب وشهود، كما تختص ولاية القضاء بما فيه كتاب وشهود، وكما تختص بإثبات الحقوق والحكم في مثل ذلك، والنظر في حال نظار الوقف وأوصياء اليتامى، وغير ذلك مما هو معروف.
وفي بلاد أخرى كبلاد المغرب ليس لوالي الحرب حكم في شيء، وإنما هو منفذ لما يأمر به متولي القضاء، وهذا اتبع السنة القديمة ولهذا أسباب من المذاهب والعادات مذكورة في غير هذا الموضع.
وأما المحتسب فله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما ليس من خصائص الولاة والقضاة وأهل الديوان ونحوهم، وكثير من الأمور الدينية وهو مشترك بين ولاة الأمور، فمن أدى فيه الواجب وجبت طاعته فيه، فعلى المحتسب أن يأمر العامة بالصلوات الخمس في مواقيتها ويعاقب من لم يصل بالضرب والحبس، وأما القتل فإلى غيره، ويتعهد الأئمة والمؤذنين، فمن فرط منهم فيما يجب من حقوق الإمامة أو خرج عن الأذان المشروع ألزمه بذلك، واستعان فيما يعجز عنه بوالي الحرب والحكم، وكل مطاع يعين على ذلك.
وذلك أن الصلاة هي أعرف المعروف من الأعمال، وهي عمود الإسلام وأعظم شرائعه، وهي قرينة الشهادتين، وإنما فرضها الله ليلة المعراج وخاطب بها الرسول-صلى الله عليه وسلم- بلا واسطة، لم يبعث بها رسولا من الملائكة، وهي آخر ما وصَّى به النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته، وهي المخصوصة بالذكر في كتاب الله تخصيصا بعد تعميم، كقوله تعالى: وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وقال سبحانه: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ وهي المقرونة بالصبر، وبالزكاة، وبالنسك وبالجهاد في مواضع من كتاب الله كقوله تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وقال سبحانه: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وقال سبحانه: إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وقال سبحانه: أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا وقال: وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ إلى قوله: فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا .
وأمرها أعظم من أن يحاط به، فاعتناء ولاة الأمر بها يجب أن يكون فوق اعتنائهم بجميع الأعمال؛ ولهذا كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يكتب إلى عماله: إن أهم أمركم عندي الصلاة من حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها كان لما سواها أشد إضاعة. رواه مالك وغيره . ويأمر المحتسب بالجمعة والجماعات، وبصدق الحديث وأداء الأمانات.
وينهى عن المنكرات: من الكذب والخيانة، وما يدخل في ذلك من تطفيف المكيال والميزان والغش في الصناعات، والبياعات، والديانات، ونحو ذلك قال الله تعالى: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ وقال في قصة شعيب أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا وقال: وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ وفي الصحيحين عن حكيم بن حزام قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- البائعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما .
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللا ، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ فقال: أصابته السماء يا رسول الله قال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس من غشنا فليس منا وفي رواية: من غشني فليس مني فقد أخبر النبي-صلى الله عليه وسلم- أن الغاش ليس بداخل في مطلق اسم أهل الدين والإيمان، كما قال -صلى الله عليه وسلم - لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن فسلبه حقيقة الإيمان التي بها يستحق حصول الثواب والنجاة من العقاب، وإن كان معه أصل الإيمان الذي يفارق به الكفار ويخرج به من النار.
والغش يدخل في البيوع بكتمان العيوب وتدليس السلع، مثل أن يكون ظاهر المبيع خيرا من باطنه، كالذي مر عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنكر عليه. ويدخل في الصناعات مثل الذين يصنعون المطعومات من الخبز والطبخ والعدس والشواء وغير ذلك، أو يصنعون الملبوسات كالنساجين والخياطين ونحوهم، أو يصنعون غير ذلك من الصناعات، فيجب نهيهم عن الغش والخيانة والكتمان. ومن هؤلاء ( الكيماوية ) الذين يغشون النقود والجواهر والعطر وغير ذلك، فيصنعون ذهبا أو فضة أو عنبرا أو مسكا أو جواهر أو زعفرانا أو ماء ورد أو غير ذلك، يضاهون به خلق الله، ولم يخلق الله شيئا فيقدر العباد أن يخلقوا كخلقه، بل قال الله -عز وجل- فيما حكى عنه رسوله: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذرة فليخلقوا بعوضة ولأجل هذا كانت المصنوعات مثل الأطبخة والملابس والمساكن غير مخلوقة إلا بتوسط الناس، قال تعالى: وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ وقال تعالى: أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ وكانت المخلوقات من المعادن والنبات والدواب غير مقدورة لبني آدم أن يصنعوها، لكنهم يشبهون على سبيل الغش، وهذا حقيقة الكيمياء، فإنه المشبه، وهذا باب واسع قد صنف فيه أهل الخبرة ما لا يحتمل ذكره في هذا الموضع.




--------------------------------------------------------------------------------
يتكلم شيخ الإسلام -رحمه الله- على الولاية ويذكر أن الولاة الذين هم المحتسبون والذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر عليهم مسئولية، وأن هذه الوظيفة التي هي الأمر والنهي من صفات الأمة الإسلامية من صفات المؤمنين عموما، دلت على ذلك هذه الآيات التي ذكرها -رحمه الله- وهي قول الله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ .
فبدأ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قبل الصلاة والزكاة مع أن الصلاة والزكاة من أركان الإسلام، ولكن هذه الوظيفة التي هي الأمر والنهي وإن كانت من واجبات الإسلام ففائدتها أهم؛ وذلك لأنها تت*** بإصلاح المسلمين بحيث أن الذي يأمر وينهى يدعو إلى ما فيه صلاح الأمة واستقامتها وبعدها الباطل وبعدها عن الفساد.


-8-
<!-- / message -->
بحث في قوة الصحابة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

ولا شك أن كلما كانت الأمة أو كلما كانت الجماعة أو القرية متمسكة بالإسلام حق التمسك مظهرين للحق ومنكرين للباطل ومبتعدين عن الشرور ومظهرين لحقوق الله تعالى ولحدوده، فإن ذلك عنوان قوتهم وتمكنهم وسيطرتهم؛ ولذلك قال الله تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ يعني هؤلاء هم الذين يمكّن الله تعالى لهم وينصرهم ويقويهم ويظهرهم على من عاداهم وينصرهم نصرا مؤزرا.
وهذا هو ما وقع من الصحابة رضي الله عنهم؛ فإنهم لما أقاموا شرع الله وقاموا بحدوده ولما تمكنوا؛ لما أنهم صارت لهم قوة صاروا يدعون إلى الله ويأمرون بالخير وينهون عن الشر ويقيمون الحدود وينفذون الأوامر ولا يخافون في الله لومة لائم؛ كما وصفهم الله قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ .
هكذا أمرهم ووصفهم وأخبر عنهم بهذه الصفات؛ ومنها أنهم لا يخافون في الله لومة لائم، بل ثبت أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لما ذكر له أن أحد أولاده كان يشرب شرابا يقال له الطلاء، لم يكن مسكرا ظاهر الإسكار، ولكن خاف أن يكون به شيء من النشوة أو أن يكون دافعا لم يقنع إلا أن يجلده جلد شارب الخمر.
وكذلك أيضا لما ذكر له أن بعضا من المسلمين في بعض البلاد الإسلامية شربوا الخمر، وتأولوا قول الله تعالى: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وتأولوا أننا إذا شربنا وطعمنا فلا حرج علينا إذا آمنا واتقينا؛ فأرسل إليهم أو أمر الوالي هناك في مصر فقال: إن أصروا على ذلك كفروا، وإن اعترفوا بذنبهم فسقوا؛ أمره أن يقتل من أصر على الاستحلال؛ إن اعتقدوا استحلالها وأنها حلال كفروا، وإن اعترفوا بأنها حرام ولكنهم متأولون لشربها فسقوا، وأمر بجلدهم ولو كانوا من أولاد الصحابة أو من أقاربهم.
فلا شك أن هذا دليل على أنهم اهتموا بأمر المسلمين وسعوا في إصلاحهم وحرصوا على أن يقيموا حدود الله وأن يظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولذلك نصرهم الله، ففي عهد عمر بن الخطاب الذي كانت خلافته عشر سنين ننظر كيف امتد الإسلام، فأولا انتشر الإسلام في الجزيرة في بلاد العرب وفتحت اليمن كلها ومن حولها وفتحت اليمامة والبحرين والسواحل كلها، وما على الخليجين.
وكذلك أيضا امتدت الفتوحات في الشمال وفي الغرب وفتح الشام ومصر بأكمله وفتح العراق وامتدت الفتوحات في خراسان ووصلوا إلى حدود الترك، وما إلى ذلك كل ذلك في هذه المدة القصيرة.



-9-
<!-- / message -->


بيان الصفات الواجب توافرها في المحتسب لا شك أن ذلك من آثار تحكيم شرع الله وإقامة حدوده والأمر بالخير والدعوة إلى الله وإنكار المنكرات وإظهار المعروف ونصره ونصر المظلوم والأخذ على يدي الظالمين، وإلزام كل مسلم بأن يسير على ما أمره الله تعالى به، فكان هذا هو الذي قاموا به في تلك المدة كبيرهم وصغيرهم. نقول: إن هذا هو الواجب على الأمة أن يأمروا وينهوا حتى ينصرهم الله تعالى ويقويهم ويظهرهم على من ناوأهم، لا شك أن ذلك يستدعي كما قلنا أولا: الأمانة أن يكون مؤمنا أمينا. وثانيا: المحبة أن يكون محبا لله تعالى ومحبا لمن يحب الله ومبغضا لمعاصي الله وللعصاة الخارجين عن طاعة الله. وثالثا: النصيحة وهو أن يكون ناصحا لإخوانه المسلمين ومؤثرا إرشادهم وما ينفعهم ويبعدهم عما يضرهم. ورابعا: الصدق وقد سمعنا أدلته؛ الحديث الذي سمعنا وهو قوله -صلى الله عليه وسلم- عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا عليكم به؛ يعني الزموه الزموا الصدق وتمسكوا به واتصفوا به، واعملوا به. يكون الصدق مع الله تعالى؛ يعني أن يصدقوا فيما أمر الله به، وأن يصدقوا مع الله بما يعاهدون عليه إذا كانوا يعاهدون الله تعالى على أن يعبدوه، وعلى أن يخلصوا له وعلى أن يرجوه ويخافوه، وعلى أن يعتمدوا عليه وحده فلا بد من الصدق في ذلك. كذلك أيضا يكون الصدق مع عباد الله تعالى؛ وذلك بأن يتعاملوا معهم معاملة الصادقين؛ معاملة الناصحين المخلصين؛ فيصدقون في أقوالهم ويصدقون في أفعالهم. وحتى فيما سمعنا الحديث الذي في المعاملات في قوله -صلى الله عليه وسلم- البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما فهذا مثال في أن المتبايعين إذا صدق كل منهما وبَيَّن ما له وما عليه ونصح لأخيه؛ بارك الله تعالى لهما فيبارك للبائع في الثمن ويبارك للمشتري في السلعة، وإذا كتم البائع ما في السلعة مثلا من العيوب وكتم المشتري ما يعلمه في هذه السلعة أو ما يعلمه في هذه الحال؛ محقت بركة بيعهما. إن هذا بيان أن الصدق من أسباب البركات وأسباب الخيرات، لا شك أن هذا يؤول بالآمرين -الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويدعون إلى الله تعالى ويرشدون إلى الخيرات عليهم أن يهتموا بأمر المسلمين. نعرف أن هذا الأمر الذي هو الأمر والنهي من واجبات الإسلام، وأنه من فروض الكفاية؛ فرض على الأمة كلهم، وفروض الكفاية واجبة مخاطب بها أفراد الأمة؛ وذلك لأنهم إذا تركوه كلهم عمتهم العقوبة، في قول النبي -صلى الله عليه وسلم- إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه ينزل العذاب على صالحهم وغيره عليهم جميعا؛ حتى على الصالحين. وقد اشتهرت وقائع فيها ما يدل على ذلك فذكر ابن القيم في كتاب الجواب الكافي قصة أن الله تعالى أمر جبريل أن يخسف ببلدة كذا فقال: يا رب فيهم فلان لم يعصك طرفة عين قال الله: به فابدأ فإنه لم يتمعر وجهه فيَّ قط. لما أنه لم يغضب لغضب الله ولم يرض لرضاه استحق أن يعاقب مع هؤلاء بالخسف الذي عمهم. وذكر أيضا القصة التي فيها: أن الله تعالى أمر جبريل أن يهلك من بني إسرائيل أربعين ألفا من خيارهم وستين ألفا من شرارهم فقال: يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ فقال: إنهم لم يغضبوا لغضبي وكانوا يجالسونهم ويؤاكلونهم ويشاربونهم؛ بمعنى أنهم يقرون المنكر على ما هو عليه ويعرفون بأن هذا منكر، ومع ذلك يقرون أهله ويجالسونهم ويؤانسونهم، فاستحقوا العقوبة جمعيا، وهذا يدل على أن الجميع مكلفون؛ الذين يرون المنكر وهم قادرون على إزالته ويسكتون ولا ينكرونه يكونون بذلك كلهم مستحقين للعذاب. ولا شك أن الواجب في هذا الباب يختلف باختلاف طبقات الناس، معلوم أنهم يتفاوتون في القوة ويتفاوتون في المعرفة ويتفاوتون في القدرة ويتفاوتون في الإقناع، ولكن يعمهم جمعيا أنهم يستطيعون أن يتكلموا، وأن يقولوا: إن هذا منكر إذا رأوه أن يقولوا إن هذا منكر، وإن لم يستدلوا عليه بأدلة وإن لم يقولوا الدليل عليه كذا وكذا. وبكل حال فإنا مأمورون بأن نغير بقدر ما نستطيعه، ونأمر وننهى بحسب الاستطاعة، فمن كان عنده علم فواجبه أكثر من غيره، ومن كان عنده قدرة ببدنه فواجبه أكثر أيضا من غيره، من كان له ولاية أية ولاية ولو صغيرة فواجبه أكثر، ومن كان ضعيفا اقتصر على ما يقدر عليه ولو أنكر بالقلب. وللكلام تتمة نأتي عليه إن شاء الله في الدروس الآتية. س: ذكر فضيلتكم شروطا هي الأمانة والمحبة والنصيحة والصدق، فيمن ينبغي أن تكون هذه الشروط؟ تكون في كل من تولى ولاية؛ يعني فمثلا خطيب المسجد وإمام المسجد وعضو الهيئة مثلا والمدرس والمعلم والقاضي والداعية ونحوهم لا بد من توفر هذه الشروط فيهم. جزى الله فضيلة الشيخ خير الجزاء وجعلنا الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه والله أعلم وصلى الله على محمد . -10-

<!-- / message -->
بحث في: الاحتساب في المعاملات المحرمة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ويدخل في المنكرات ما نهى الله عنه ورسوله من العقود المحرمة، مثل عقود الربا والميسر، ومثل بيع الغرر وكحبل الحبلة، والملامسة والمنابذة وربا النسيئة وربا الفضل، وكذلك النجش، وهو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها وتصرية الدابة اللبون وسائر أنواع التدليس.
وكذلك المعاملات الربوية سواء كانت ثنائية أو ثلاثية إذا كان المقصود بها جميعها أخذ دراهم بدراهم أكثر منها إلى أجل.
فالثنائية ما يكون بين اثنين: مثل أن يجمع إلى القرض بيعا أو إجارة أو مساقاة أو مزارعة، وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عندك قال الترمذي حديث صحيح.
ومثل أن يبيعه سلعة إلى أجل ثم يعيدها إليه، ففي سنن أبي داود عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا .
والثلاثية: مثل أن يدخلا بينهما محللا للربا يشتري السلعة من آكل الربا ثم يبيعها المعطي للربا إلى أجل ثم يعيدها إلى صاحبها بنقص دراهم يستفيدها المحلل.
وهذه المعاملات منها ما هو حرام بإجماع المسلمين مثل التي يجري فيها شرط لذلك، أو التي يباع فيها المبيع قبل القبض الشرعي أو بغير الشروط الشرعية، أو يقلب فيها الدين على المعسر، فإن المعسر يجب إنظاره ولا يجوز الزيادة عليه بمعاملة ولا غيرها بإجماع المسلمين، ومنها ما قد تنازع فيه بعض العلماء، لكن الثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة والتابعين تحريم ذلك كله.




--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد يقول شيخ الإسلام: إن هذه الأشياء من المنكرات ولو أصبحت مألوفة عند بعض الناس وفي بعض الأزمنة؛ وسبب نكارتها أنه ضارة بالمجتمع ما نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عنها إلا لما فيها من الضرر ولو حصل فيها نفعا أحيانا لبعض الأفراد ولو تراضى عليها الطرفان؛ وذلك لأن الذي عليه ضرر لو رضي لكان رضاه لأجل ضرورة حلت به؛ فلأجل ذلك لا بد أن تكون المعاملة حسب ما جاءت به الشريعة سليمة من كل غش أو مخادعة أو غرر أو نحو ذلك.
هذه المعاملات التي ذكر مشهورة؛ مشهور النهي عنها، فاشتهر أنه -صلى
25 تصويتات / 563 مشاهدة
نشرت فى 30 أغسطس 2007 بواسطة MAXMAN2015

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

365,572