إن أهم ما أنتجته الرومانسية هو الشعر..
فالشعر الرومانسي كان أبرزَ الأنواع الأدبية وأشدّها اختلافاً عن مثيله في المذهب الكلاسيكي. وقد عرف الشعر الرومانسي على أيدي شعراء الرومانسية الكبار حياةً جديدةً قويةً بقيت ذات تأثير وجاذبيّة حتى القرن العشرين.
وقد تميزت هذه الحياة الشعرية بالعبقرية الفرديّة وإغراقها في التعبير عن العواطف الذاتية، والانسياق مع شطحات الخيال والحريّة في المضامين والأشكال، فالشعراء الرومانسيون عادوا إلى الشعر الغنائي الذي كان منتشراً من قبل في مختلف العصور، لأن الغنائية هي خصوصية من خصوصيات الشعر ولعلها تكون أهمّ مميزاته.
وجد الرومانسيون في النهج الغنائي أفضلَ ما يُناسِبُهُمْ، فالرومانسية الشعرية تختلف عن الشعر الغنائي، إنها تسير في دربه ولكنها تمتلك هويتها الخاصة، والرومانسية الشعرية أيضاً إحدى عطاءات الغنائيّة وأشكالها.
وقد مهدّ لها شعراء ما قبل الكلاسيكية مثل:
• (رونسار) وجماعته في فرنسا.
• (بترارك) في إيطاليا.
• (غوته) في مرحلته الرومانسية في ألمانيا.
• (بايرون) في إنكلترا.
ثم ظهر في أعقابهم جيلٌ من الشعراء الرومانسيين الكبار مثل (لا مارتين)، و(ألفرد دوموسيه)، و(ألفرد دوفينيي)، و(فيكتور هوغو)، و(شيلي)، و(ورذرورث).
ولكنّ (هوغو) تميَّزَ بينهم بأنه كتب الشعر السياسيّ والهجائي إضافة إلى شعره الغنائي، مواكباً بذلك أحوال عصره، ومعبراً عما يدور فيه.
ليس هناك رومانسية غنائية خالصة الذاتيّة، لأن الرومانسية الغنائية تعبيرٌ مُصوَّر عن عواطف وأحاسيس فرديّة في نطاق المشاعر العامة. وحين كان الشعراء الرومانسيون يغنون ما ينتابهم من مشاعر الفرح والألم والأمل واليأس، ومشاعر الحرية والتعاطف مع الطبيعة والكآبة والاعتزاز بالإنسانية، كانوا من جهة ثانية يعبرون عن كل المشاعر التي يعيشها معاصروهم، بل البشر في كل العصور، وما الزمن الذي عاشوه وعاصروه سوى مناسبة لتجديد الانفعالات المعتادة في الحياة.
يتميز الشعر الرومانسي بالصدق في التعبير عن العواطف الفردية والمشاعر العميقة التي تعتلج في أعماق النفس، والاستسلام إلى عالمها وتيارها المتدفق في منأى عن عالم الفكر والواقع.
كما يتجلى في الشِّعْرِ الرُّومانِسيِّ الاندياحُ في عالم الطبيعة الواسع، والركون إلى أحضانها واستشعار حنانها وجمالها وروعتها ومناجاتها كأمّ وكَمُلْهِمَة، والتماس العزاء لديها من آلام الانكسارات الحادة، والوصول إلى فلسفة طبيعية قوامها ثنائية البشر والطبيعة.
ويظهر في الشعر الرومانسي التَّمادِي في الخيال والتَّصوُّراتِ، سواءٌ ما كان منها إبداعياً واعياً أم أحلاماً ونزوات، وسبب ذلك هو النفورُ من الواقع المخيِّب والهروب إلى عوالم متخيلة ولو كانت عوالم الجن والخرافات وعرائس الشعر.
أما التعبير بالرمز الجديد الموحي فهو من أهم سمات الشعر الرومانسي، لأنه يناسب الأجواء الغامضة التي يصعب تحديدها وإيضاحها، فالرمز يوجز المعاني الكثيرة، ويوحي بالانطباعات دون الحاجة إلى التفصيل والبيان، ويُولِّدُ لدى المتلقي جواً من النشاط والفعاليّة والدخول في حالة مشاركة مع الشاعر. ولكن رموز الشعراء الرومانسيين كانت شفافة سهلة، وكان لكلٍّ منهم رؤيته الرمزية وعالمه الخاص:
فـ(شيلّي) كان يكثر من رموز الكهف والزورق والساقية والأفعى والصقر، أما (كيتس) فقد كان يرمز بالقمر والعندليب والنّوم، و(هوغو) كان يبحر مع الرموز الأسطورية والطبيعية المملوءة بالمهابة والرهبة. وبوجه عام كانت هناك عودة إلى أساطير اليونان، ولكن بتناولٍ يختلف عن تناول الكلاسيكيّة، إنها عودة إلى المنابع الصافية والعفوية والبدائية عند (هوميروس) مثلاً.
ومن خصائص الشعر الرومانسي أيضاً: تَحَرُّرُ الوزن والقافية إلى حدٍ معتدل، فقد شعر الرومانسيون بأن القوالب الموسيقية القديمة لم تعد تتسع لتوثباتهم الشعرية الجديدة، ولا بد من قوالب جديدة تناسبها وتسعها.
ومنذ عام 1848م - على وجه التقريب - ظهر ردّ فعلٍ مضاد للإفراط في الغنائية، وذلك على يد (تيوفيل غوتييه) الذي بدأ حركةً شعرية ستكتمل معالمها في المدرسة (البرناسية)، وسيكون أبرز ممثليها الشاعر (لوكونت دوليل)، وسيأتي الحديث عن (البرناسية) كمذهب شعري في المقال اللاحق.
كما ظهر في قرابة عام 1880م ردُّ فِعْلٍ على البرناسية قام به الرمزيون الذين أخذوا على البرناسيين شدة احتفائهم بالشكل الفنّي، فعادوا إلى ما عهدوا لدى الرومانسيين من ميلٍ إلى الغامض والمبهم، لكنهم أباحوا لأنفسهم مزيداً من الحرية في الموسيقا الشعرية، ومن أبرز ممثلي هذا الاتجاه (بودلير).
نشرت فى 22 إبريل 2013
بواسطة MATRIXHOSSAM