الحمد لله الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
وبعد: فلا تزال فوائد شيخنا العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي تتجدد حتى بعد وفاته، وذلك مما يتحفنا به أبناؤه وأحفاده حفظهم الله. من الفوائد الجديدة والمؤلفات النفيسة التي لم تنشر بعد لأنه رحمه الله قد أشرب حب العلم والتعليم والبحث والتأليف حتى سهلت عليه الكتابة، فلا تكاد تراه إلا باحثاً أو معلماً أو مؤلفاً أو كاتباً. وإن من أنفع مؤلفاته الأخيرة التي لم تُنشر بعد كتاب «فتح الرحيم الملك العلاّم في علم العقائد والتوحيد والأخلاق والأحكام المستنبطة من القرآن» ، هكذا سماه المؤلف بخط يده المثبت على طرة الكتاب، وسمّاه في موضع آخر: «بستان الموقنين وقرة عيون المؤمنين» فهما اسمان لمسمى واحد وهو هذا الكتاب المختصر الذي جمع فيه مؤلفه على اختصاره ثلاثة فنون. أحدها: علم التوحيد والعقائد. والثاني: علم الأخلاق والآداب. والثالث: علم الفقه، عبادات ومعاملات وغيرها.
فهذه الفنون الثلاثة هي أهم ما يمكن أن يحققه المسلم ويشملها قوله صلّى الله عليه وسلّم: «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين»، فمن حصل عليها فليبشر بأن الله قد أراد به خيراً وفقهه في الدين. وقد صدّره المؤلف
بتفسير بعض الأسماء الحسنى تبركاً بها وتيمُّناً بمعانيها، ثم استرسل يذكر مسائل الكتاب بعبارات جزلة واضحة.
وقد خدمه فضيلة الدكتور عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر، الأستاذ في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنوّرة، وذلك بمقابلته على أصوله، وتصحيح عباراته، وعزو آياته، وتخريج أحاديثه، ووضع فهارسه، وغير ذلك مما زاده وضوحاً وقرب فوائده.
فجزاه الله خيراً على ما خدم به هذا المؤلف الجليل وأثابه على ذلك.
وعلى كُلٍّ فمخبر الكتاب يفوق منظره وما رآءٍ كمن سمع، وإني أحث إخواني وأبنائي الطلاب على دراسته والنهل من معينه، فإن صلاح نية مؤلفه وإخلاصه ـ ولا نزكي على الله أحداً ـ لها دخل كبير في حصول الفائدة وقرب الانتفاع وبالله التوفيق.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه.
الحمد لله الذي أنزل كتابه هدى للعالمين، وتبصرة للمتقين، ومحجة للسالكين، بلسان عربي مبين، القائل سبحانه { إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا }. [الإسراء].
أما بعد: فإنَّ القرآن الكريم كلامَ رب العالمين هو أعظم أبواب الهداية وأجلُّ سبل الفلاح. أنزله الله على عباده هدى ورحمة وبشرى، وضياء ونوراً، وذكرى للذاكرين، جمع فيه سبحانه العلوم النافعة والمعاني الجليلة الكاملة، والترغيب والترهيب، والأصول والفروع، والوسائل والمقاصد، والعلوم الدينية والدنيوية والأخروية، وجعله مرشداً للعباد إلى كلِّ طريق نافع وسبيل قويم، يفرقون به بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والخير والشر، ويهديهم إلى أقوم الأمور وأرشدها وأنفعها في كلِّ شيء في العقائد والعبادات والآداب، ويرشدهم إلى كلِّ صلاح وفلاح ديني ودنيوي بحيث تقوم به أمورهم، وتزكو نفوسهم، وتعتدل أحوالهم، ويستقيم طريقهم، ويحصل لهم الكمال المتنوع من كلِّ وجه، فهو كتاب علم وتعليم تزول به الضلالات المتفرقة والجهالاتِ المتنوعة، وكتاب تربية وتأديب تتحقق به الأخلاق الفاضلة والأعمال الكريمة.
وهو كتاب بحره عميق، وفهمه دقيق، وخزائنه ملأى، لا يصل إلى استخراج كنوزه، واستنباط جواهره إلا مَنْ تبحر في العلوم وعامل الله تعالى بتقواه في سره وعلانيته.
ونحسب أنَّ الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي ـ رحمه الله ـ كذلك، إذ قد منّ الله عليه بكتابة عدد من المؤلفات النافعة حول القرآن الكريم، لقيت القبول بين المسلمين، وانتشرت بين أهل العلم وطلابه، وأفاد منها الخاص والعام، ويأتي في مقدمتها كتابه الذي ألفه في تفسير القرآن، وخلاصته، والقواعد الحسان التي يحتاج إليها المفسر، إلى غير ذلك مما ألفه ـ رحمه الله ـ في خدمة كتاب الله ـ عز وجل ـ.
وهذا الكتاب الذي بين أيدينا الآن الموسوم بـ (فتح الرّحيم الملك العلاّم في علم العقائد والتوحيد والأخلاق والأحكام المستنبطة من القرآن) هو أحد مؤلفاته النفيسة المتعلقة بكتاب الله تعالى يخرج إلى طلاب العلم لأول مرة، وقد جمع فيه ـ رحمه الله ـ أهمَ علوم القرآن وأجلَّها على الإطلاق وهي ثلاثة علوم:
1 ـ علم التوحيد والعقائد الدينية.
2 ـ علم الأخلاق والخصال الفاضلة.
3 ـ علم الأحكام للعبادات والمعاملات.
بذلك الأسلوب العلمي الرائع المعهود في الشيخ ـ رحمه الله ـ بعباراته الجزلة، وألفاظه السهلة، وتنبيهاته اللطيفة، في حسن نصح وتمام إرشاد، فرحمه الله من إمام، وجزاه عن المسلمين خير الجزاء، ورفع في الجنة درجته، وأعلا فيها منزلته، إنَّه سميعٌ مجيبٌ.
وقد اعتمدت في إخراجه على نسخة بخط مؤلفه رحمه الله محفوظة لدى أبنائه حفظهم الله وبارك فيهم، وقد لمست فيهم حرصاً كبيراً ورغبة شديدة في نشر مؤلفات والدهم، وتوزيعها احتساباً للأجر والثواب، والشيء من معدنه لا يستغرب، فنسأل الله أن يتقبل منهم، ويثيبهم، ويوفقهم لكلِّ خير.
أما عن عملي في هذا الكتاب فيتلخص في الآتي:
1 ـ مقابلة المصفوف من الكتاب على نسخته الخطية، مع الحرص قدر المستطاع على إخراجه إخراجاً سليماً من الأخطاء كما أراده مؤلفه ـ رحمه الله ـ.
2 ـ عزو الآيات إلى سورها مع تصويب الأخطاء القليلة الواقعة في بعض الآيات، لأنَّ الشيخ رحمه الله ـ فيما يظهر ـ كان يكتبها من حفظه.
3 ـ تخريج الأحاديث باختصار، فما كان في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت بتخريجه منهما، وما كان في غيرهما أشير إلى مصدر أو مصدرين من مصادر تخريجه مع ذكر درجته.
4 ـ التعليق على بعض المواطن اليسيرة بإحالة إلى مرجع أو توثيق معلومة أو نحو ذلك.
5 ـ وضع فهرس لموضوعات الكتاب في آخره.
والله الكريم أسأل أن ينفع به، وأن يجزي مؤلفه خير الجزاء، وأن يغفر لنا جميعاً، ولوالدين، وللمسلمين والمسلمات، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.