محمد أحمد اخميرة

يد بيد نبني ليبيا الغد

بناء العلاقات مع الآخرين

مهارة بناء العلاقات مع الآخرين .. والتعامل مع الناس

- إذا كانت الإدارة في حقيقتها هي فن إدارة الآخرين لتحقيق هدف معين ، فإن مناط نجاحها هو التعامل الأمثل مع هؤلاء البشر .. الذين يراد بهم تحقيق هذا الهدف .

ومن ثم يصبح من المسلمات لكل من يتولى مهمة الإدارة أو يتصدى لقيادة الآخرين أن يجيد هذا الفن ، حيث أنه سيواجه أصنافا من البشر تختلف عن بعضها في الأمزجة والميول والمشارب والاتجاهات .

- وإذا تأملنا هذه الصفة في سيد الأنبياء - صلى الله عليه وسلم - وجدناها جلية واضحة ..

- يقول الإمام البخاري – رضي الله عنه - :

" .. فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على خديجة - رضي الله عنها - فقال : " زملوني " فزملوه حتى ذهب عنه الروع ، فقال لخديجة وأخبرها الخبر : " لقد خشيت على نفسي " فقالت خديجة : كلا والله لا يخزيك الله أبدا .. إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، وتقرى الضيف ، وتعين على نوائب الحق .. " ( فتح الباري شرح صحيح البخاري جـ1 ، ص21 ) .

- إن ما نعتت به خديجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من صفات أخلاقية جعلت منه شخصية مجمعة .. يطمئن إليها الناس ، ويرتوون من عذب حديثها ، فهو يصل رحمه .. فليست الوشائج بينه وبين ذويه مقطوعة .. إنما هو قلب رحيم عطوف يتأمل قول ربه – عز وجل - : " وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ" ( الشعراء 214 ) .

- وهو يحمل الكل ويكسب المعدوم .. وفى هاتين الصفتين إشارة إلى ما ينبغي أن يتمتع به من يدير الآخرين تجاههم من عاطفة جياشة تجعله يسعى إلى خدمتهم والسهر على راحتهم والمسارعة في بذل الخير لهم .. ولا يدخر مثقال حبة من خردل من جهده وسعته مخففا عنهم متاعبهم ومعينا لهم على حل مشكلاتهم .

- وهو يقرى الضيف " لذا لابد للمشرف أن يكون دائماً كريماً وجواداً يحسن استقبال ضيفه " متمثلا قول إبراهيم - عليه السلام - كما حكى القرآن الكريم عنه : " هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ , إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنكَرُونَ , فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ " ( الذاريات 24-25-26 ) .

وعن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه " ( البخاري ومسلم ) ، " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه " .

- وهو يعين على نوائب الحق .. ومن كانت هذه صفته فهو ملجأ الناس وكهف الآمنين وملاذهم ، وموضع أبصارهم .

- ولعل ما وصفته السيدة خديجة - رضي الله عنها - زوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - به يمثل منهجا أخلاقيا علي أتباعه اقتفاؤه ، فيصلون أرحامهم ويحملون الكل ، ويكسبون المعدوم ، ويقرون الضيف ، ويعينون على نوائب الحق .. عندها .. وعندها فقط .. يصبح لهم في قلوب الناس مكان .. وهو زاد وتربية اجتماعية .. تعين على الاحتكاك بالآخرين وملاصقتهم ومخالطتهم ..

- كما أن حسن الاستقبال من الأشياء الأساسية في إثراء هذه العلاقة بينك وبين الآخرين ، ولقد نقلت إلينا السيرة النبوية فرح النبي - صلى الله عليه وسلم - بقدوم جعفر من الحبشة فرحا عظيما ، حتى أنه روى عنه أنه عند قدوم جعفر قام - صلى الله عليه وسلم - والتزم جعفر وقبل بين عينيه ثم قال : " ما أدرى بأيهما أسر بفتح خيبر أم بقدوم جعفر " ، وحض على ذلك بقوله : " تبسمك في وجه أخيك صدقة " .

- وقد أثمرت هذه العلاقات الطيبة حبا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما روى في مقتل زيد بن الدثنة - رضي الله عنه - ما يؤكد ذلك عندما قال له أبو سفيان - حين قدم ليقتل : أنشدك بالله - يا زيد - أتحب أن محمداً الآن مكانك نضرب عنقه ، وأنك في أهلك ؟ قال : والله ما أحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وإني جالس في أهلي !!

فقال أبو سفيان : " ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً " ( حياة الصحابة – تأليف العلامة الشيخ/ محمد يوسف الكاندهلوى ) .

- وقد أخرج يعقوب بن سفيان عن الحسن بن علي - رضي الله عنهما - قال : سألت خالي هند بن أبي هالة - وكان وصافا - وأنا أشتهى أن يصف لي من صفاته - صلى الله عليه وسلم - شيئاً أتعلق به فقال :

" كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمنع لسانه إلا بما يعنيه ، ويؤلفهم ولا ينفرهم ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم ، ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوى على أحد منهم بشاشة وجهه ولا خلقه ، يتفقد أصحابه ويسأل الناس عما في الناس ، ويحسّن الحسن ويقويه ، ويقبح القبيح ويوهيه ، معتدل الأمر غير مختلف ، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يميلوا ، لكل حال عنده عتاد ( عدة وشيء حاضر معه عنده يصلحه ويناسبه ) ، ولا يقتصر على الحق ولا يجوزه ، الذين يلونه من الناس خيارهم ، أفضلهم عنده أعمهم نصيحة ، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة ( معاونة ) " .

- وقد وصفه عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - : " إنه ليس بفظ ولا غليظ ، ولا صخاب في الأسواق ، ولا يجزى السيئة بالسيئة " .

- والمدير المحروم من الرحمة غليظ القلب سيء الأسلوب لا يجيد حسن التحدث ، ولا يستعمل الموعظة الحسنة والحكمة البليغة ، ولا ينجح في عمله ، ولا يدنو المرؤوسون منه ، بل يبتعدون عنه ولا يقربونه وإن كان ما يقوله حقا وصدقا .

مهارة الإنصات الفعال 

المستمع الجيد .. متحدث لبق

الإنصات للآخرين قيمة إسلامية ، وسلوك حضاري وإنساني يؤكد احترامك للغير ، ومنهجيتك في تلقي الآراء .. كما أنه يبعد عنك شبهة التعصب لفكرتك أو رأيك .. حيث إنك تنصت بفعالية لما يطرحه الآخرون من أفكار وتبدى من الأسئلة الاستيضاحية ما يجعلك تبدو راغباً في الاستماع لأفكار محدثك ومتفهماً لوجهة نظره .

وحتى تكتمل عملية الإنصات الفعال .. ينبغي أن ننصت بجوارحنا ونطبق المثل القائل "  كلي آذان صاغية " ونجعل شكلنا وتعبيرات وجوهنا توحي بأننا مهتمون بما يقال .. ذلك أن كل شخص لديه ما يقوله لذا ينبغي أن نسمعه ونفهمه ، ونشجعه على التعبير عن أفكاره بغض النظر عما إذا كنا متفقين معه أم لا .. فضلا عن عدم مقاطعته وانتظاره حتى ينتهي من حديثه وألا نبدأ حديثاً إلا عندما نسأله عما إذا كان قد انتهى من عرضه أم لا .. أما أثناء عملية الإنصات فينبغي أن نقوم بالتلخيص في أذهاننا حتى نتأكد من أننا قد حصلنا على كافة النقاط الرئيسية في الرسالة التي يهدف إلى توصيلها إلينا الطرف الآخر .. وعدم الانشغال أثناء عملية الإنصات بشيء ما مثل التحدث في التليفون أو النظر في ساعة الحائط أو المعصم أو القيام بتنسيق وترتيب المكتب .

وقد أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه القيمة الإسلامية ومارسها من خلال العديد من المواقف ، فقد جاء فيما يرويه ابن هشام عن ابن إسحاق أن عتبة بن ربيعة وكان سيداً ذا بصيرةٍ ورأيٍ في قومه ..

قال في نادي قريش : يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورًا لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء ويكف عنا ، فقالوا : بلى يا أبا الوليد : قم إليه فكلمه ، فجاء عتبة حتى جلس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

فقال : يا ابن أخي .. إنك منا حيث قد علمت من الشرف والعشيرة والمكانة في النسب ، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم مزقت به جماعتهم ، وسفهت به أحلامهم ، فاسمع مني أعرض عليك أمورًا تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها ، فقال له رسول الله - صـلى الله عليه وسلم - : " قل يا أبا الوليد - أسمع " ، قال : يا ابن أخي : إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً ، وإن كنت تريد به شرفًا سودناك علينا حتى لا نقطع أمرًا دونك ، وإن كنت تريد ملكًا ملكناك علينا ، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أفرغت يا أبا الوليد ؟ " قال : نعم ، قال : " فاسمع منى " ، ثم قال : " حم , تَنزِيلٌ مِنْ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ , كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ , بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ " ( سورة فصلت 1-4 ) .

أرأيت إلى هذا الموقف وكيف يتضح من خلاله ، قدرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - على الإنصات الفعال ؟! .

حيث أحسن النبي - صلى الله عليه وسلم - الاستماع الجيد لمن يحاوره " فلم يبادر بقطع حديثه " ولم يبدأ كلامه إلا حين تأكد من فراغ وانتهاء حديث من يحاوره .. حين قال : " أفرغت يا أبا الوليد ! " قال نعم .

وقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - بين حديثه ما يغرى محاوره على أن يفتح قلبه وعقله للاستماع إليه فناداه بكنيته .. حتى يرقق قلبه .. ويقبل على الاستماع إليه ..

كما لم ينشغل الرسول - صلى الله عليه وسلم - أثناء الاستماع بالاتهامات الموجهة لشخصه .. ولم يقاطع المتحدث أثناء هذه التهم بالرد عليها .

كما أن مرونة النبي - صلى الله عليه وسلم - في تركه أبا الوليد أن يكمل حديثه دون مقاطعة جعلت أبا الوليد يخجل من أن يقاطع النبي - صلى الله عليه وسلم - .

وهذا الموقف يخط للمديرين وأصحاب المسئوليات .

والإشراف على الآخرين منهجًا متكاملاً وبَنَّاءً في الإنصات الفعال .

فقد يفشل الحوار في الاجتماعات لأننا لا نجيد فن الإنصات ولا يحسن كلا المتحاورين منهم وجهات النظر الأخرى ، ومن ثم يتشبث برأيه ، ولا يستفيد الحاضرون من هذا المجموع .. لأن بركة المجموعة إنما تنشأ من تعدد المشارب واختلاف وجهات النظر وتعدد الآراء المطروحة في الموضوع الواحد ..

أما إذا كان الإنصات الفعال مفتقدًا فإن أحادية التفكير والنظر هي التي تسيطر على الحاضرين .. ويتقوقع كل مشارك في قالب وجهات نظره فقط .

لذا ينبغي أن ندرك عمق هذه القضية .. في تعاملنا مع الآخرين .. وليست القضية أن يتظاهر الحاضرون بالاستماع بينما تدور الأفكار في رؤوسهم في غير ما يقال .

لذا كان علينا أن ندرك أن الإنصات لا يعني الاستماع ، فالاستماع يعنى فقط الجانب العضوي من عملية الإنصات متمثلة في صورة الإحساس بالموجات الصوتية وترجمتها فلابد أن يلي ذلك تفسير حديث المتكلم وتقييمه .. وتحديد موقفنا من الاستجابة إليه أو رفضه وفق رؤية موضوعية .. وبالتالي تكتمل عملية الإنصات مع اكتمال الأجزاء الأربعة السابقة .

ما قل ودل في كيف تنصت بفعالية

 - تذكر أن الإنصات لا يعني الاستماع فالاستماع يعنى فقط الجانب العضوي من عملية الإنصات وينبغي أن توجه بعض الأسئلة الاستيضاحية حتى تبدو راغبًا في الاستماع لأفكار محدثك ومتفهمًا لوجهة نظره .

- أنصت بكل جوارحك وطبق المثل القائل : " كلى آذان صاغية " واجعل شكلك وتعبيرات وجهك توحي بأنك مهتم بالاستماع .

- تذكر أن كل شخص لديه ما يقوله لذا ينبغي أن تسمعه وتفهمه ، وتشجعه على التعبير عن أفكاره بحرية وصراحة , ولا تجلس متحفزًا للرد بل استرخ في مجلسك على أمل أن تصل إلى ما تريد فلن تستطيع أن تنصت جيدًا إذا شغلت ذهنك بالرد .

- قم بالتلخيص في ذهنك وأنت تستمع حتى تتأكد من أنك حصلت على كافة النقاط الرئيسية في الرسالة .

- أنصت جيدًا لما يقوله الطرف الآخر بغض النظر عما إذا كنت متفقُا معه أم لا وحاول أن تشعر المتحدث بأنك مدرك لما يقول .

- لا تنشغل أثناء الإنصات بشيء مثل التحدث في التليفون أو النظر في ساعة الحائط أو المعصم أو القيام بتنسيق وترتيب مكتبك .

- لا تقاطع المتحدث وانتظر حتى ينتهي من حديثه ولا تبدأ حديثك إلا عندما تسأله عما إذا كان قد انتهى من عرضه أم لا .

- لا تتعصب لفكرتك أو رأيك فهذا يجعلك تنصت بفعالية لما يطرحه الآخرون من أفكار .

- تذكر أن الإنصات سلوك حضاري وإنساني ويؤكد احترامك للغير ، ومنهجيتك في تلقي الآراء .

- تذكر أن المستمع الجيد متحدث لبق فلن تتحدث بلباقة إلا إذا استوعبت آراء وأفكار الآخرين بدقة .

إذا أردت أن تصبح منصتاً جيداً فاحذر

 - أن تحكم على المتحدث بشكلٍ مسبقٍ وتقرر أن ما سيقوله لايستحق الاهتمام .

- أن تسمح لذهنك بالشرود أو أن تأخذك أحلام اليقظة بعيداً عن الانتباه لمحدثك .

- أن تتخذ أي قرارٍ دون أن تنصت للآخرين وتستعرض وتقيم كافة الحقائق .

- أن تهمل مشاعر وأحاسيس المتحدث .

- أن تركز اهتمامك على شكل المتحدث وطريقة كلامه وتنسى التركيز على ما سيقوله المتحدث .

- أن تنصت فقط لمن يتفقون معك في وجهات النظر ، وتهمل من يختلفون معك في وجهات النظر .

- أن تتحدث في وقت غير مناسبٍ أو مكانٍ غير مناسبٍ لمحدثك فإدراك من أمامك للحديث يتوقف على ما إذا كان الوقت مناسباً أم لا , مناسبة الظروف والحالة النفسية .

- أن تهتم بالنقاط التفصيلية وتغرق فيها وتنسى النقاط الرئيسية التي يريد الطرف الآخر توصيلها لك .

- أن تبدأ حديثك إلا بعد انتهاء الطرف الآخر من حديثه تماماً .

- أن تأخذ في الاعتبار حالة المتحدث وتأثيرها على درجة استيعابه للرسالة المقدمة .

- حاول أن تتنبه لمثل هذه الأشياء حتى يكون إنصاتك للآخرين إنصاتاً فعالاً .

إدارة الحوار والخلاف في الرأي واحترام وجهات النظر

 اقتضت حكمة الله - سبحانه وتعالى - أن تختلف آراء الناس في صغير الأمور وكبيرها ، سواء في أمور الدين أو في أمور الدنيا .. وذلك لأنهم مختلفون في الفهم والعمل والأمزجة والميول والرغبات والضعف والقوة .

والمحاور ينبغي أن يتوافر فيه نبل طالب الحق كناشد الضالة لا يفرق بين أن تظهر ضالته على يده أو على يد من يحاوره .. فنيته في الحوار خالصة .. لا يختلف لمجرد شهوة الكلام أو إثبات الذات فلا يناقش في موضوع لا يعرفه .. ولا يدافع عن فكرة ما لم يكن على اقتناع تام بها .. كما أنه يتخير الظروف المناسبة قبل إجراء الحوار أو المناقشة ولا يستأثر بالكلام لنفسه ، ويراقب نفسه وهو يحاور أو يناقش الاتفاق لأن هذا من شأنه إطالة أمر الحوار ويجعل بدايته هادئة منطقية وهذا مؤشر إيجابي على احتمالات النجاح .. وإذا تبين له وجه الصواب فإنه يسلم بخطئه ولا يتعصب .. ويقبل الحقيقة عند ظهور الدليل فضلاً عن احترام الحقيقة والأمانة في العرض .. وعدم قطع عبارة من سياقها أو عزوها عن مناسبتها .. كما أنه يعزو الأفكار إلى مصادرها .. ويتناول الفكرة بالبحث والتحليل أو بالنقد بعيدًا عن صاحبها أو قائلها ..

كما أنه يبدي إعجابه بالأفكار الصحيحة والأدلة الجيدة والمعلومات الجيدة التي يوردها الطرف الآخر ويحسن مناداته .. ويتخلى عن أسلوب التحدي والإفحام في الحوار والمناقشة .

كما أنه لا يرفع صوته فوق صوت محدثه .. وقد جسدت الحياة اليومية للرسول - صلى الله عليه وسلم - كثيراً من هذه النقاط .

جاء في الصحيحين " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما رجع من الخندق ووضع السلاح واغتسل ، أتاه جبريل - عليه السلام - فقال : قد وضـعت السلاح ! والله ما وضعناه ، فاخرج إليهم ، قال : فإلى أين ؟ قال : ههنا ، وأشار إلى بني قريظة ، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم ونادى - صلى الله عليه وسلم - " ألا لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة " ، فسار الناس ، فأدرك بعضهم العصر في الطريق ، فقال بعضهم ، لا نصلي حتى نأتيها ، وقال بعضهم : بل نصلي ، وذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يعنف واحدًا منهم " .

ولقد وضع النبي - صلى الله عليه وسلم - بتصرفه الحكيم الذي لم يعنف فيه أحدًا من الفريقين على ما وضع قاعدة إدارية وتربوية هامة يتحتم بموجبها احترام وجهات النظر في فهم النصوص ..

وذلك يمثل احترام الإسلام لاختلاف وجهات النظر ما دامت عن اجتهاد بريء وسليم ..

والناس غالبًا أحد رجلين .. رجل يقف عند حدود النصوص الظاهرة ، لا يعدوها ، ورجل يتبين حكمتها ويستكشف غايتها ، ثم يتصرف في نطاق ما وعى من حكمتها وغايتها ولو خالف الظاهر القريب .. وكلاً من الفريقين يشفع له إيمانه سواء أصاب الحق أو ند عنه .

وهذا سلوك ينبغي أن يحرص عليه المشرفون والمديرون لأن فيه إتاحة للعقول أن تعمل اجتهادها في الأمور غير المحسومة أو المحددة .. خاصة إذا كان لكل واحد من الطرفين اجتهاد وله ما قد يبرره .

وفي هذا الموقف يتبين لنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أرسى عدة مبادئ نوجزها في الآتي :

1 – مبدأ الخلاف في المسائل الفرعية .

2 – مبدأ المختلف فيه لا إنكار فيه .

كما أن جمود المدير أو المشرف وعدم مرونته ووضعه لفريق عمله في قوالب جامدة لا يتصرفون إلا بمقتضاها فإنه يحجر على العقول .. ويقتل الإبداع والابتكار ..

وإذا كان هذا الأمر سائغًا في الأمور الشرعية .. فكيف يكون في أمور لا يقوم بنيانها إلا على الاجتهاد .

فوائد الاختلاف :

رؤية الأمور من أبعادها وزواياها كلها - إضافة عقول إلى عقل - تعدد الحلول أمام صاحب كل واقعة ليهتدي إلى الحل المناسب - فتح مجالات التفكير للوصول إلى سائر الافتراضات - تلاقح للآراء - رياضة للأذهان - التعرف على جميع الاحتمالات .

                          

                                       

ويعرض المنهج الإسلامي طرقًا عديدة في إدارة الخلافات تتمثل في الآتي :

1 – حل الخلاف بالرجوع إلى القرآن والسنة " وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ " ( الشورى : 10 ) .

2 – المشورة ( حلبات المواجهة ) ومن أمثلتها حل الخلاف الذي حدث بين مجموعات المسلمين في الموقف من مانعي الزكاة بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فكان لعمر رأي ولأبي بكر رأي مخالف ، ثم تمت المناقشة أو المواجهة واقتنع عمر وباقي أصحاب رسـول الله - صلى الله عليه وسلم - بصحة رأي أبي بكر فاتبعه الجميع في ظل روح المحبة والإخاء .

3 – استخدام أهداف عليا مشتركة : مثل الطريقة التي استخدمها الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حل الخلاف الذي نشب بين قبائل قريش على من يضع الحجر الأسود في مكانه ، عند إعادة بناء جدران الكعبة قبل بعثة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حول بحكمته الخلاف القائم على إصرار كل قبيلة على أن تفوز بشرف وضع الحجر الأسود وأن تمنع القبائل الأخرى من وضعه بأن جعلهم جميعًا يحققون مصلحة مشتركة لهم جميعًا ومرضية ، عن طريق وضع الحجر الأسـود في ثوبه ، ثم طلب من كل قبيلة أن تأخذ بناحية من الثوب ، ثم رفعوه جميعًا حتى بلغ موضعه ، ثم بنى هو عليه بيده الشريفة ، فبذلك تحققت مصلحة مشتركة وهدف مشترك فيه مصلحة الجميع .

4 – استخدام وسيط : ويكون ذلك الوسيط طرفًا محايدًا ، ترضى عنه الأطراف المختلفة ، مؤهلاً لحل الخلاف بينهم ، وقد يكون هذا الوسيط شخصًا محايدًا أو محكمًا رسميًا أو قاضيًا .

يقول الله تعالى " وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا " ( النساء : 35 ) .

5 – استخدام الإجبار والقوة : وهو فرض حل معين على أفراد الفريقين المختلفين عن طريق طرف ثالث ، وهذا الطرف الثالث قد يكون رئيس المجموعتين أو الفريق أو ذي مصدر قوة أكثر " وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ " ( الحجرات : 9 ) .

6 – طريقة تهدئة الموقف : وفي هذه الطريقة يقوم قائد المجموعتين اللتين يوجد بينهما خلاف بتهدئة الطرفين المختلفين وذلك بإظهار أن هذا الخلاف ينبغي ألا يوجد إذا صفت النفوس ورجعت إلى روح المحبة والأخوة والإيمان التي تربطهم .

" وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ " ( آل عمران : 103 ) .

7 – استخدام حل وسط : وذلك كما حدث في صلح الحديبية .

إرشادات مختصرة في توظيف الخلاف

 

1 – الإيمان بحق الآخرين في أن يكون لهم وجهات نظرهم ورؤيتهم المختلفة للموضوع المطروح .

2 – تذكر أن الخلاف في وجهات النظر ليس ضارًا ، ولكنه يبني ويطور مستوى الأداء بالتعرف على الرؤى المختلفة .

3 – حاول أن ترى النقاط محل الاختلاف من وجهة نظر الطرف الآخر فربما يساعدك ذلك على الاقتراب منه أكثر .

4 – الاختلاف مع الآخرين مساحة محدودة ، أهملها عند رؤيتك لهم وعظم من رؤية مساحات الاتفاق وهى بلا شك كبيرة .

5 – إذا اختلفت مع الآخرين فاختلف بشرف ، وتحلى بسعة الصدر وانفتاح العقل .

6 – اسمح للآخرين بعرض وجهات نظرهم ، وكن كما قال " فولتير " قد أختلف معك في الرأي ، ولكني أدفع عمري ثمنًا لكي تقوله .

7 – كن على اتصال دائم بمن تختلف معه في الرأي لتستفيد من تميزه وطريقته المختلفة في الأداء .

8 – إذا ظننت في من تختلف معه أمراً سيئًا فلا تحقق ، وتذكر أن من أمامك سيكونون عند ظنك بهم .

9 – دع الأيام تقول وجهة نظرها بشأن خلافك مع الآخرين ولا تتعصب لوجهة نظرك واترك دائمًا لنفسك طريقًا للرجوع .

                  تــــذكر 

 

1-تقبل الناس على ما هم عليه ، فليس بإمكانك أن تجعل نفس فردة الحذاء تصلح لكل الأقدام .

2- إنك تستطيع إحداث المعجزات إذا كان لديك إيمان بالآخرين وحتى تحصل على أفضل ما لدى الآخرين ، اختار أن تؤمن بأفضل ما لديهم من أفكار واتجاهات ومشاعر .

3- ( إن الناس الذين يحتاجون للآخرين هم الأسعد حظا في هذا العالم ) .

4- يقول سعيد بن المسيب ( ليس من شريف ولا عالم ولا ذي فضل إلا فيه عيب .. ولكن من الناس من لا ينبغي أن تذكر معايبه ) .

5- في بناء علاقاتك .. عامل كل فرد على أنه مهم ، وهو بالفعل كذلك .. فلا يوجد إنسان بلا أهمية .

6-تعود عادة الإنصات الفعال عندما يتحدث الآخرون أو يعبرون عن انطباعاتهم عنك .. فهذا يدفعهم للمزيد عن التعبير عن أنفسهم .

7- أنت لا تستطيع أن تستمع وأنت تتكلم .

8- استمع إلي كل ما يقوله الطرف الآخر بغض النظر ما إذا كنت متفقا معه أم لا .

9-لا تبدأ حديثك إلا بعد أن ينتهي الطرف الأخر من حديثه تماما

10- احتفظ بهدوئك أثناء الاستماع فالرجل الغاضب يتصيد الأخطاء و المعاني السيئة من كلمات المتحدث .

11-تعود عادة الإنصات الفعال عندما يتحدث الآخرون أو يعبرون عن انطباعاتهم عنك .. فهذا يدفعهم للمزيد عن التعبير عن أنفسهم .

12- أنت لا تستطيع أن تستمع وأنت تتكلم .

13- استمع إلي كل ما يقوله الطرف الآخر بغض النظر ما إذا كنت متفقا معه أم لا .

14-لا تبدأ حديثك إلا بعد أن ينتهي الطرف الأخر من حديثه تماما

15- احتفظ بهدوئك أثناء الاستماع فالرجل الغاضب يتصيد الأخطاء و المعاني السيئة من كلمات المتحدث .

.

إذا أردت أن تبني علاقات ناجحة مع الآخرين فاحذر

 

- أن تظل ابتسامتك ثابتة على وجهك ، فيظن من تتحدث معه أنك تسخر منه .

- أن تكون ابتسامتك مزيفه وغير حقيقية وغير نابعة من قلبك الدافئ .

- أن تجرح مشاعر الآخرين أثناء حديثك معهم أو نصحك لهم .

- أن يعلم الناس عنك أنك صاحب مصلحة في الاقتراب منهم أو في الابتعاد عنهم .

- أن تحكم على من حولك أحكاماً مطلقة وتقربهم منك أو تبعدهم عنك بناءا على هذه الأحكام .

- أن تتسرع في الحكم على أفعال شخص ما دون أن تتقمص دوره وتتعرف ظروفه .

- أن تفتش عن أخطاء الآخرين أو تنتقدهم على مسمع ومرأى من الآخرين , إذا كنت لابد ناصحا أو منتقدا فليكن بينك وبين من أخطأ .

- ألا تحترم لحظات ضعف الآخرين .

- أن تدرك أن نجاح الآخرين سلب من نجاحك أو رصيدهم فشرف لك أن تتعامل مع متميزين وناجحين .

- أن تكثر الشكوى من أخلاق الآخرين ومن طباعهم ومعاملاتهم معك .

- أن تجمد في رؤيتك للمواقف والأشخاص ولا تشاهد التغيير الذي يحدث في المواقف والأحداث لأن قانون التغيير مكتوب على كل شيء .

- أن تجعل مواقفك ردود أفعال وأن تخلط بين نقد الفكرة ونقد شخصية قائلها .

- أن لا تقبل اعتذار الآخرين إذا أخطأوا في حقك وفى التعامل معك .

روشته

 

كيف تبني علاقات ناجحة مع الآخرين !!

- إذا أردت أن تبني علاقات ناجحة مع الآخرين , وأن تتواصل معهم بشكل جيد , فدعني أقدم لك الروشتة الإدارية الآتية :

- كن واقعياً .. وتقبل الآخرين كما هم .. وتجاوز عن أخطائهم ولا تركز عليها .

- حاول أن تنظر إلى الأمور بمنظارهم هم , حاول أن تساعدهم في الحصول على ما يريدون , حتى تحصل أنت على كل ما تريد .

- حاول أن تراهم على أنهم بشر يستحقون الاحترام , وأن تجد في ضعفهم فرصة لمساعدتهم وحبهم وتغييرهم للأفضل .

- امتدح الآخرين ما أمكنك .. واكتشف طاقتهم الايجابية  وقم بالثناء عليها .

- عند وصولك للعمل امتدح أحد الأفراد , وفي الغداء انظر إلى آخر تمدحه , وقبل العودة إلى البيت مساء تأكد من أنك قد امتدحت شخصاً ثالثاً .

- كن متقناً لعملك ولدورك المطلوب منك .. وقدم يد العون للآخرين في نواحي تميزك .

- تحمل قليلاً إذا أخطأ الآخرون في حقك .. عاتبهم ولكن بمودة ولطف .

- لا تتعامل مع زملائك بروح المنافسة ، ولكن تعامل بروح تعاون المتنافسين .

- تعرف على مشكلات الآخرين وعلى همومهم , حاول الوقوف بجوارهم أثناء الأزمات وأوقات السعادة .

- تحدث مع الناس فيما يهتمون به .. طموحاتهم وأحوال أبناءهم , الناس يحبون أن يتحدثوا عن الأشياء التي يهتمون بها , وقد يفردون لذلك وقتاً كبيراً وكما يقولون .. حدثني عن نفسي وأنا أستمع إليك كثيرا .

- لا تفترض في الآخرين افتراضات سلبية ثم تتعامل معهم بناء عليها ، دع الأيام تنبىء لك عن شخصية الإنسان الذي تتحدث معه .

- إذا دار بينك وبين الآخرين أي حوار أو حديث وكانت آرائك محلا للصحة والقبول فدع الآخرين يحتفظون بماء الوجه

- لا تتردد في الاعتذار إذا وقعت في أي خطأ .. تقدم لمن أمامك وحاول أن تسترضيه لكن بالطريقة التي يقبلها .

 

 

 
المصدر: المهارات الإدارية في حياة الرسول أ- محمد احمد عبدالجواد
Libya-future

يد بيد لبناء ليبيا المؤسسات

  • Currently 175/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
61 تصويتات / 2223 مشاهدة
نشرت فى 8 يوليو 2010 بواسطة Libya-future

ساحة النقاش

محمد أحمد اخميرة

Libya-future
ماجستير نظم معلومات إدارية مدرب مادة إدارة المشروعات الصغيرة بالمعهد التقني الفني / لبدة البريد الالكتروني [email protected] [email protected] 00218944050540 »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

36,270