قال الزعيم الوطني المصري مصطفى كامل : " لو لم أكن مصريا لوددت أن أكون مصريا " ، وأقول في بداية سرد قصة حياتي : " لولاك ياجدي ما كنت مصريا " !!
رحمة الله عليك ياجدي يامن جئت من أواسط آسيا ؛ من بلاد ما وراء النهر وبالتحديد من أوزبكستان لتزرع في مصر أرض الكنانة خلفة طيبة أثمرت وآتت أكلها ..
لقد وصل جدي ( محمد صالح بن نيازي علي قاضي أوغلو ) إلى مصر بعد رحلة شاقة ومريرة ، ولكي يشعر بالاستقرار تزوج بفتاة مصرية طيبة أنجب منها ولده الكبير ( صلاح الدين ) ، ثم التقي بجدتي ( فاطمة محمد مصطفى الملا باي ) ذات الأصول الأوزبكية أيضا ؛ فهي من مدينة ( بخارى ) بلد الإمام الكبير محمد بن إسماعيل البخاري صاحب ( صحيح البخاري ) أصدق وأصح كتب الحديث الشريف ..
أنجب محمد صالح من زوجته الأوزبكية باقي أبنائه وبناته الذين لم يعش منهم سـوى ثـلاثـة من الرجـال هـم : ( عبد الفتاح ، وعبد القادر ، ومحمد طاهر ) ؛ فصار لديه أربعة أبناء من الرجال تزوج كل منهم بمصرية وأنجبوا ذرية طيبة ( منهم كاتب هذا المقال / عبد الفتاح عبد القادر محمد صالح نيازي علي قاضي أوغلو ) ..
ترعرعت في حي الدرب الأحمر ودرست بمدرسة ( أم السلطان شعبان ) لعام واحد ثم نقلني والدي إلى مدرسة ( مصطفى كامل ) بالعباسية بعد انتقالنا للعيش بحي السكاكيني ؛ فقضيت عامين بها ثم نقلني إلى مدرسة صقر قريش بغمرة فدرست بالصف الرابع ، ثم نقلني والدي مرة أخرى إلى مدرسة قريبة من البيت كانت تسمى مدرسة ( أحمد عرابي ) وكانت ملحقة بمدرسة ( غمرة الإعدادية للبنات ) ..
وفي العام التالي تم نقل الملحقة إلى مقر جديد خاص بها بمنطقة ميدان الجيش بعد اقتطاع جزء من المدرسة المخصصة لأبناء الجالية اليهودية ليصبح مدرسة حكومية ، ومن هذه المدرسة ( أحمد عرابي ) حصلت على الشهادة الابتدائية ..
ألحقني أبي بمدرسة ( غمرة الإعدادية للبنين ) بشارع بورسعيد ( الخليج المصري ) بحي الظاهر ؛ حيث قضيت أعواما ثلاثة حصلت بعدها على الشهادة الإعدادية لألتحق بمدرسة ( الأهرام الثانوية ) والتي كانت النصف الباقي من مدرسة الجالية اليهودية بعد طرد اليهود مع اندلاع حرب الأيام الستة عام 1967..
بعد حصولي على الشهادة الثانوية العامة عام 1972 التحقت بكلية الآداب جامعة عين شمس لأدرس بقسم اللغات الشرقية ؛ حيث تخصصت في دراسة اللغة التركية وآدابها ..
ومع إطلالة العام الثاني لدراستي بالكلية اندلعت حرب التحرير ( حرب العاشر من رمضان - السادس من أكتوبر 1973 ) ؛ فسارعت بالانضمام لقوات الدفاع الشعبي التي انطلقت لحماية مدن القناة خلال الحرب ، وساهمت في الدفاع عن مدينة الإسماعيلية خلال فترة الثغرة ..
وعقب تخرجي وحصولي على الليسانس أديت الخدمة العسكرية مجندا بسلاح الحرب الإلكترونية لمدة عام كان من أفضل أعوام حياتي ، وساعدني على التميز خلال الخدمة العسكرية ما حصلت عليه من تدريب خلال حرب أكتوبر / رمضان ، وما رباني عليه أبي ( رحمة الله عليه ) من الخشونة والجدية والالتزام ..
وعقب أداء الخدمة العسكرية عملت بإحدى شركات الأمن الخاصة حتى عينت بوزارة التربية والتعليم للعمل بقسم المكتبات المدرسية بإدارة شرق القاهرة التعليمية ..
وخلال عملي بالتربية والتعليم مارست العمل الصحفي بجريدة ( النور الإسلامية ) حيث عملت محررا إخباريا ومحققا صحفيا ، ثم رئيسا لقسم الأخبـار وأخيـرا سكرتيـرا للتحريـر ، ثم انتقلت للعمل بـجـريـدة ( الأحرار ) الأسبوعية ، ونظرا لظروف الجريدة ورفضي لسياسات أحد رؤساء التحرير الذي تولى العمل خلفا للأستاذ المرحوم محمد عامر قررت ترك الجريدة والعمل الصحفي بالكامل ، ولكني تابعت مراسلة العديد من الجرائد والمجلات داخل مصر ..
انتدبت رسميا للعمل في تدريس اللغة الإنجليزية لمدة عشر سنوات قضيت منها عاما كاملا معارا للتدريس بأحد مراكز التدريب بالقوات المسلحة ، ثم عدت العمل بمدارس الوزارة حتى سئمت التدريس فقررت العودة لتوجيه المكتبات عام 2002 ..
ومنذ ذلك التاريخ وأنا أعمل موجها للمكتبات المدرسية ساعيا قدر استطاعتي للعمل على بناء الأجيال ، محاولا الخروج بأبنائي الطلاب من النفق المظلم الذي أدخلتنا فيه الأنظمة السياسية العميلة بغرض هدم أبناء مصر وهدم المنظومة التعليمية خدمة للعـدو الصهيوني وحتى لا يخرج للنور جيل آخر مثل الجيل الذي حارب وانتصر في عام 1973 ، ولكن هيهات ؛ فمصر هي مصر الولادة للأبطال والعلمـاء والمخلصيـن .. ومصـر سـتـظـل كمـا قـال لهـا ابنـها البار الشاعر ( أحمد فؤاد نجم ) :
مـصـر يـامَّـة يــا بـهـيـــة ... يامُّ طرحــة وجلابيــة
الزمن شاب وانتــي شابَّة ... هُوّا رايح وانتي جايَّة
جايَّة فوق الصعب ماشية ... فات عليكي ليل ومِيَّة
واحـتــمـالـك هُـوَّه هُـوَّه ... وابتسامتك هِـيَّه هِـيَّة
تضحكي للصبح يصبـح ... بعـد لـيـلـة ومغـربيـة
تطلع الشمـس تـلاقـيـكي ... مِعـجـبـانيـة وصبيـة
يا بهيــَّة
عبد الفتاح نيازي
ساحة النقاش