الثاني عشر
🥀

{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴿١٥٩﴾}

لعل المراد بهذه الرحمة ربطه سبحانه وتعالى على جأشه صلى الله تعالى عليه وسلم، وتخصيصه له بمكارم الأخلاق، وجعل الرفق ولين الجانب مسبباً عن ربط الجأش؛ لأن من ملك نفسه عند الغضب كان كامل الشجاعة
🥀
﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِى ٱلْأَمْرِ ﴾
[ سورة آل عمران آية:﴿١٥٩﴾ ]

وقد قيل: إن الله أمر بها نبيه لتأليف قلوب أصحابه، وليقتدي به من بعده، وليستخرج بها منهم الرأي فيما لم ينزل فيه وحي من أمر الحروب، والأمور الجزئية، وغير ذلك، فغيره ﷺ أولى بالمشورة

🥀
﴿ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكِّلِينَ ﴾
[ سورة آل عمران آية:﴿١٥٩﴾ ]

التوكل هو الاعتماد على الله في تحصيل المنافع، أو حفظها بعد حصولها، وفي دفع المضرات ورفعها بعد وقوعها، وهو من أعلى المقامات لوجهين: أحدهما قوله: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ), والآخر: الضمان الذي في قوله: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ). ابن جزي: 1/164.

🥀
﴿ إِن يَنصُرْكُمُ ٱللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا ٱلَّذِى يَنصُرُكُم مِّنۢ بَعْدِهِ ﴾
[ سورة آل عمران آية:﴿١٦٠﴾ ]

(وإن يخذلكم) ويكلكم إلى أنفسكم (فمن ذا الذي ينصركم من بعده) فلا بد أن تنخذلوا ولو أعانكم جميع الخلق. وفي ضمن ذلك الأمر بالاستنصار بالله، والاعتماد عليه، والبراءة من الحول والقوة .

🥀

﴿ لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُوا۟ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ ﴾
[ سورة آل عمران آية:﴿١٦٤﴾ ]

تقديم «التلاوة» لأنها من باب التمهيد، ثم «التزكية» لأنها بعده؛ وهي أول أمر يحصل منه صفة يتلبس بها المؤمنون، وهي من قبيل التخلية المقدمة على التحلية؛ لأن درء المفاسد أولى من جلب المصالح. ثم «التعليم» لأنه إنما يحتاج إليه بعد الإيمان.
🥀

﴿ أَوَلَمَّآ أَصَٰبَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ ﴾
[ سورة آل عمران آية:﴿١٦٥﴾ ]

وأخبر أن ما يحصل لهم من مصيبة انتصار العدو وغيرها إنما هو بذنوبهم، فقال تعالى في يوم أحد: (أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم).

🥀
﴿ وَمَآ أَصَٰبَكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ ﴾
[ سورة آل عمران آية:﴿١٦٦﴾ ]

أخبر أن ما أصابهم يوم التقى الجمعان -جمع المسلمين وجمع المشركين في أحد- من القتل والهزيمة أنه بإذنه وقضائه وقدره، لا مرد له، ولا بد من وقوعه، والأمر القدري إذا نفذ لم يبق إلا التسليم له، وأنه قدَّره لحكم عظيمة، وفوائد جسيمة، وأنه ليتبين بذلك المؤمن من المنافق.

🥀
﴿ ٱلَّذِينَ قَالُوا۟ لِإِخْوَٰنِهِمْ وَقَعَدُوا۟ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا۟ ۗ قُلْ فَٱدْرَءُوا۟ عَنْ أَنفُسِكُمُ ٱلْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ ﴿ ﴾

[ سورة آل عمران آية:﴿١٦٨﴾ ]

(لو أطاعونا) يريد في ألا يخرجوا إلى قريش. وقوله: (وقعدوا) أي: قالوا هذا القول وقعدوا بأنفسهم عن الجهاد، فرد الله عليهم بقوله: (قل فادرؤوا) أي:
قل لهم يا محمد: إن صدقتم فادفعوا الموت عن أنفسكم. و«الدرء»: الدفع؛ بين بهذا أن الحذر لا ينفع من القدر، وأن المقتول يقتل بأجله، وما علم الله وأخبر به كائن لا محالة.
🥀

﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَٰتًۢا ۚ بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾
[ سورة آل عمران آية:﴿١٦٩﴾ ]

(بل أحياء) إعلام بأن حال الشهداء حال الأحياء من التمتع بأرزاق الجنة، بخلاف سائر الأموات من المؤمنين؛ فإنهم لا يتمتعون بالأرزاق حتى يدخلوا الجنة يوم القيامة.

🥀
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَٰتًۢا ۚ بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾
[ سورة آل عمران آية:﴿١٦٩﴾ ]

ولفظ: (عند ربهم) يقتضي علو درجتهم، وقربهم من ربهم، (يرزقون) من أنواع النعيم الذي لا يعلم وصفه إلا من أنعم به عليهم، ومع هذا (فرحين بما آتاهم الله من فضله) أي: مغتبطين بذلك، قد قرت به عيونهم، وفرحت به نفوسهم؛ وذلك لحسنه وكثرته، وعظمته، وكمال اللذة في الوصول إليه، وعدم المنغص، فجمع الله لهم بين نعيم البدن بالرزق ونعيم القلب والروح بالفرح بما آتاهم من فضله، فتم لهم النعيم والسرور.
🥀

﴿ فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا۟ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
[ سورة آل عمران آية:﴿١٧٠﴾ ]

لم يفت منهم إلا حياة الكدر التي لا مطمع لأحد في بقائها -وإن طال المدى- وبقيت لهم حياة الصفاء؛ التي لا انفكاك لها، ولا آخر لنعيمها، فلا فتنة تنالهم، ولا حزن يعتريهم، ولا دهش يلم بهم في وقت الحشر، ولا غيره.
🥀
﴿ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا۟ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
[ سورة آل عمران آية:﴿١٧٠﴾ ]

من إخوانهم الذين تركوهم أحياء في الدنيا على مناهج الإيمان والجهاد؛ لعلمهم أنهم إذا استشهدوا ولحقوا بهم، ونالوا من الكرامة ما نالوا؛ فهم لذلك مستبشرون.

🥀
﴿ فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا۟ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
[ سورة آل عمران آية:﴿١٧٠﴾ ]

لم يفت منهم إلا حياة الكدر التي لا مطمع لأحد في بقائها -وإن طال المدى- وبقيت لهم حياة الصفاء؛ التي لا انفكاك لها، ولا آخر لنعيمها، فلا فتنة تنالهم، ولا حزن يعتريهم، ولا دهش يلم بهم في وقت الحشر، ولا غيره.
🥀

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 35 مشاهدة
نشرت فى 18 أكتوبر 2020 بواسطة Laialysousam

عدد زيارات الموقع

53,697