الجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة

موقع علمي يهتم بتشخيص مشكلات الميدان وطرح الرؤى والحلول المناسبة

كتاب تزكية النفس في الإسلام وفي الفلسفات الأخرى "دراسة تحليلية" (7)

د. علي بن عبده بن شاكر أبو حميدي
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/7/2013 ميلادي - 9/9/1434 هجري
زيارة: 2235

   
  Share on favoritesShare on facebook Share on twitter Share on hotmailShare on gmail Share on bloggerShare on myspaceShare on digg

كتاب تزكية النفس في الإسلام وفي الفلسفات الأخرى
"دراسة تحليلية" (7)



أهمية التزكية وضرورتها:

تعتبر التزكية من مقاصد القرآن الكريم، ومهمة من مهمات الرسل - صلوات ربي وسلامه عليهم - وهي تعتبر من أضخم معارك الحياة التي تدور في أعماق النفس البشرية.

 

قال الله - تعالى -: ﴿ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى ﴾ [النازعات: 18]، فهي ليست عارضًا أو هينًا في ميزان الإسلام؛ لذا جُعل الفلاح في فعلها، والخيبة في إهمالها، وقد جاءت هذه التزكية بعد قسم من عند الله بعددٍ من مخلوقاته، ومن ذلك قول الله - تعالى -: ﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 1 - 10].

 

ويظهر من دعاء المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ما ينبغي للإنسان الذي تربى تربيةً إسلامية من الدعاء لله - سبحانه وتعالى - بتزكية العمل والنفس؛ حتى يكون خالصًا لوجهه الكريم ليس فيه رياء.

 

عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول ليلة حين فرَغ من صلاته: ((اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي، وتجمع بها أمري، وتلمُّ بها شعثي، وتُصلح بها غائبي، وترفع بها شاهدي، وتزكِّي بها عملي، وتلهمني بها رشدي...))[1].

 

عن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - قال: لا أقول لكم إلا كما كان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول، كان يقول: ((اللهم إني أعوذُ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرَم، وعذاب القبر، اللهم آتِ نفسي تقواها، وزكِّها أنت خيرُ من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك مِن علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها))[2].

 

ففي الأحاديث تربية على طلب العون من الله العزيز الكريم في حياة المسلم كلها، وهي تربية للمتعلم حتى يلجأ إلى الخالق المدبر في حياته، ومنها تزكية نفسه.

 

ومن أهمية التزكية أننا "إذا رجعنا إلى تاريخنا، وجدنا النصر مطردًا مع التزكية والتربية، ووجدنا الهزيمة مطَّردةً مع إهمالها أو التقصير فيها"[3].

 

لذا ظهرت أهميتُها من عدة أوجه، وهي كما يلي:

1- إن الله - عز وجل - وهو الحق وقوله الحقُّ، أقسَم في كتابه أحد عشر قَسمًا على فلاح مَن زكَّى نفسه، وعلى خسران مَن أهمل تزكيتها، كما جاء في سورة الشمس.

 

2- إن النفس من أشد أعداء الإنسان الداخليين؛ لأنها تدعو إلى الطغيان، وإيثار الحياة الدنيا؛ ولذا فإن سائر أمراض القلب إنما تنشأ من جانبها، ولكثرة وقوع الإنسان في الآثام والمعاصي؛ لذلك كانت دعوته -صلى الله عليه وسلم- إلى تزكية نفسه والوقاية من شرها.

 

عن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: كان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((اللهم إني أعوذُ بك من قلب لا يخشع، ودعاء لا يُسمع، ومن نفس لا تشبع، ومن علم لا ينفع، أعوذ بك من هؤلاء الأربع))[4].

 

3- لكثرة وقوع الناس في الآثام، وبسبب النفس بالذات.

 

4- التفريط في حق الله وطاعته، وعدم الاستجابة لأوامره، بتركه بعضَ الأوامر غفلةً منه وتهاونًا.

 

5- اشتمال النفس على أخلاق ذميمة وسجايا سيئة.

 

6- تسليط الشيطان وداعي الهوى على النفس البشرية.

 

7- التزين من قِبَل نفسه للشبهات، وتزينها للشهوات.

 

8- إن الإنسان محب للكمال، فينبغي له أن يعمل على إكمال نفسه وتزكيتها وتربيتها، فهذه النفس تصاب بالأعراض التي تصابُ بها الأبدان؛ فهي محتاجة دائمًا إلى رعاية، وبحاجة إلى متابعة للازدياد في الخير، كما يزداد البدن من الطاقات والمعارف؛ فلذلك احتاج الإنسان إلى أن يراقب تطورات نفسه، ويعلم أنها وعاءُ إيمانه، وأهم ما عنده هو هذا الإيمان، فإذا سُلِبه فلا فائدة في حياته، فلا بد من العمل على تنمية هذا الإيمان وزيادته عن طريق تزكية هذه النفس وتهذيبها؛ إذ الإنسان مخلوقٌ مزدوج الاتجاه، مزدوج الاستعداد، فتكوينه من طين الأرض، ومن نفخة الله في روحه، "ويمكن القول بأن القرآن يقسم الطبيعة الإنسانية إلى قسمين: جسم وروح، أو مادة وغير مادة، والروح تشمل العقل؛ أي: إن أجزاء الطبيعة الإنسانية ثلاثة: الجسم والعقل والقلب"[5].

 

"هكذا يعالج الإسلام النفس البشرية والحياة البشرية: جسم وعقل وروح ممتزجة في كيان واحد، وطاقة جسمية، وطاقة عقلية، وطاقة روحية عاملة في الأرض ممتزجة مترابطة، لا ينفصل عملُ هذه عن تلك، ولا تنحسر واحدة انحسارًا دائمًا لتبرز الأخريات"[6].

 

والإنسان يزداد في الكمال، فيتدرَّج في الازدياد، حتى يصير إلى حدِّ الكمال، ومِن ثم يبـدأ بالنقص والتَّراجع، وعلى هذا فحرصُ الإنسان على الكمال مقتضٍ منه الحرص على التربية، وهي كما يلي:

أ) تربية جسمية: وتشمل الحماية والتنمية والتغذية.

وتعتبر الحماية أو الوقاية من الأمور المهمة في المحافظة على الإنسان بوقاية نفسه من الأمراض وأسبابها، والاهتمام بالنظافة، والحرص على إكساب الجسم ما يحتاج إليه من اللياقة، وتكوين الوعي الصحي، والالتزام بالوعي الصحي، والالتزام بالسلوك الصحي، حتى يستمرَّ في حياته، والاعتدال في الأعمال وعدم الإفراط المؤدِّي إلى الإرهاق[7].

 

ب) تربية عقلية: وتقوم هذه التربية بتقديم مستوى معين من المعلومات لتنمية العقل، فتبدأ التربية الإسلامية بتحديد مجال النظرِ العقلي لكل مرحلة، فيصون الطاقة العقلية من أن تتبدَّد وراء الغيبيات التي لا سبيل للعقل البشري أن يحكم فيها، ويكسب الإنسان حُسنَ التصرف في الأمور الغيبية، فيلبي ميله للمجهول، فيكل أمر ذلك إلى الروح القادرة على ذلك، والمزودة بوسائل الوصول، أما العقل، فوسيلتُه إلى الله، وإلى معرفة الحق، هي تدبر الظاهر للحس والمدرك بالعقل، ومن ثم تحدد التربية الإسلامية مجاله بهذا النطاق[8].

 

والإسلام يطالب المسلم بتوجيه العقل للازدياد من أمور دينه ودنياه، والاطلاع على إنتاج البشرية، وما وصلت إليه من تطوراتها الحضارية، ويكون ذلك بطلب العلم، وهذه تربيته، سواء كان ذلك في المجال النظري أو التطبيقي.

 

ج) تزكية النفس: وهي صعبة للغاية، إلا مَن سهَّل الله له نفسًا تساعده، فتؤمن بالله العلي العظيم إيمانًا كاملاً، والقيام بأوامره ونواهيه، والازدياد بالأعمال الصالحة، ومحاسبة النفس، والتحلي بالأخلاق الفاضلة، ويتنَزه عن كل ما فيه رذيلة.

 

9- إن تزكية النفس سببٌ للوصول إلى جنة الخلد؛ قال - تعالى -: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ﴾ [النازعات: 40].

 

فالخوف من الله ونهيُ النفس عن الميل إلى الشهوات من تزكية النفس؛ لذا "قال اللهُ - تعالى -: ﴿ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ﴾ [النازعات: 40] عن الميلِ إلى الهوى بحكم الجِبلَّة البشرية، ولم يعتدَّ بمتاع الحياة الدنيا وزهرتها، ولم يغترَّ بزخارفها وزينتها، علمًا منه بوخامة عاقبتها؛ ﴿ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 41] له لا غيرُها"[9].

 

10- يتلازم السلوك والاعتقاد، فالسلوك الظاهر مرتبطٌ بالاعتقاد الباطن، فأي انحراف في الأخلاق إنما هو نقصٌ في الإيمان الباطن؛ ولذا "إذا نقصت الأعمـال الظـاهرة الواجبة، كان ذلك لنقص ما في القلب من الإيمان، فلا يتصور مع كمال الإيمان الواجب الذي في القلب أن تعدم الأعمالُ الظاهرة الواجبة، بل يلزم من وجود هذا كاملاً، وجودُ هذا كاملاً، كما يلزم من نقص هذا نقصُ هذا؛ إذ تقدير إيمان تام في القلب بلا ظاهر من قول وعملٍ كتقدير موجب تام بلا موجبه"[10].

 

إذ "الأعمال الظاهرة في الشرع دليلٌ على ما في الباطن، فإذا كان الظاهر منحرفًا أو مستقيمًا حُكِم على الباطن كذلك"[11].

 

11- من تزكية النفس حُسنُ الخلق؛ لذا أعدَّ الله - سبحانه وتعالى - من الأجرِ الكبير والثواب الجزيل؛ قال الله - تعالى -: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 133، 134].

 

عن عائشةَ - رضي الله عنها - قالت: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن المؤمنَ لَيُدرِكُ بحُسن خُلقه درجة الصائم القائم))[12].

 

عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما من شيء أثقل في الميزان من حُسْن الخُلق))[13].

 

عن أبي أمامة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أنا زعيمٌ ببيتٍ في ربض الجنة لمن ترك المِراءَ وإن كان محقًّا، وببيتٍ في وسط الجنة، لمن ترَك الكذبَ وإن كان مازحًا، وببيتٍ في أعلى الجنة لمن حسُن خُلُقه))[14].

 

عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الرَّجل يُدرِك بحُسن خُلقه درجة الصائم القانت، ولا يتم لرجل حُسن خُلقه حتى يتم عقلُه، فعند ذلك يتم أمانتُه أو إيمانه، أطاع ربَّه، وعصى عدوَّه؛ يعني إبليس))[15].

 

فالتربية الإسلاميةُ تربِّي أفراد المجتمع على حسن الخلق، وأن يتعاملوا بالأخلاق الحسنة مع كل الناس؛ بَرِّهم وفاجرِهم، ومؤمنهم وكافرهم؛ فهي تشمل جميع الناس، وتشمل جميع أفعال الإنسان الخاصة بنفسه أو المتعلقة بغيره، سواء أكان الغيرُ فردًا أو جماعة أو دولة.



[1] محمد عيسى الترمذي، مرجع سابق، كتاب الدعوات، دار الكتب العلمية، بيروت، 1408هـ - 1987م، جـ5، صـ450.

[2] مسلم بن الحجاج بن مسلم، مرجع سابق، كتاب الذكر والدعاء والتوبة، باب التعوذ من شر ما عمِل، ومن شر ما لم يعمل، جـ8، صـ81 - 82.

[3] نبيل المعاز، التزكية، دار التوزيع والنشر الإسلامية، القاهرة، 1419هـ - 1998م، صـ23.

[4] محمد عيسى الترمذي، مرجع سابق، كتاب الدعوات، باب 66، حديث رقم 3482، جـ5، صـ485.

[5] محروس سيد مرسي، التربية والطبيعة الإنسانية، دار المعارف، القاهرة، 1408هـ - 1988م، صـ277.

[6] محمد قطب، منهج التربية الإسلامية، دار الشروق، القاهرة، 1403هـ - 1983م، جـ1، صـ26.

[7] مقداد يالجن، جوانب التربية الإسلامية، دار الريحاني للطباعة والنشر، بيروت، 1406هـ-1986م، صـ54-81.

[8] محمد قطب، مرجع سابق، جـ1، صـ77.

[9] محمد محمد العمادي، تفسير أبي السعود، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د.ت، جـ9، صـ105.

[10] أحمد عبدالحليم بن تيمية، مجموع فتاوى شيخ الإسلام، دار النهضة الحديثة، مكة المكرمة، 1404هـ - 1984م، جـ7، صـ582.

[11] إبراهيم موسى الشاطبي، الموافقات، دار الفكر، بيروت، د. ت جـ1، صـ233.

[12] سليمان الأشعث السجستاني، أبو داود، سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب حسن الخلق، دار الفكر، بيروت، 1414هـ -1994م، جـ4، صـ270.

[13] المرجع السابق، جـ4، صـ271.

[14] المرجع السابق، جـ4، صـ271.

[15] نور الدين علي الهيثمي، بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث، للحارث محمد التميمي، تحقيق حسين أحمد الباكري، مركز خدمة السنة النبوية، المدينة المنورة، 1413هـ - 1992م.

 



   


 


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/0/57401/#ixzz2xlZ8QbRh

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 84 مشاهدة
نشرت فى 3 إبريل 2014 بواسطة LOLOAH

الجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير و الدكتوراه

LOLOAH
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

89,893