مبادئ التحقيق في الجرائم المعلوماتية – دكتور/ خالد ممدوح<!--?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" /-->
التحقيق الجنائي هو علم يخضع لما يخضع له سائر أنواع العلوم الأخرى ، فهو له قواعد ثابتة راسخة وبدونها ما كان ليتمتع التحقيق بتلك الصفة ، وهذه القواعد قانونية وفنية ، الأولى وان كانت لها صفة الثبات التشريعي لا يملك المحقق إزائها شيء سوى الخضوع والامتثال ، أما الثانية فتتميز بالمرونة التي يضفى عليها المحقق من خبرته وفطنته ومهارته الكثير . (1)
أن التحقيق ليس أسئلة تلقى وإجابات تدون ، لكن فن ودراسة ، خبرة وفراسة ، صراع بين الحقيقة والخيال ، بين الصدق والضلال ، وكم ضاعت الحقيقة في الصحف فقضى ببراءة مجرم آثم أو إدانة برئ نتيجة لتحقيق خاطئ أو لقصور فيه .
وإذا كان من المسلم به أن العالم يعاصر اليوم عهداً جديداً من النهضة فى المجالات الإلكترونية وتكنولوجيا المعلومات والتى تعد بحق الثورة الصناعية الثانية فى حياة البشرية ، فإن لنا أن نتصور عمق التغير والتحول والمتوقعين فى أنماط الحياة والبناء الاجتماعى والاقتصادى مقارنة بما أحدثته الثورة الصناعية من تأثيرات على المجتمع الإنسانى ككل .
وجديراً بالذكر أن الثورة الإلكترونية - بخلاف الثورة الصناعية الأولى - لا تعتمد على الثروات الطبيعية إلا بقدر يسير ، بينما تمثل الثروات البشرية ، فالفكر البشرى والقدرة على الابتكار والتطوير هما لب هذه الثورة بينما يمثل الجهد الانسانى يدها التى تقوم بتحويل الأفكار إلى منجزات ذات ابتكار وكفاءة .
وبالتالي فإن هذا الفكر البشري يجب أن يقابله فكر بشري مقابل من قبل المحقق الجنائي ، وبالتالي فإن أسلوب التحقيق وفكر المحقق الجنائي يجب أن يتغير ويتطور أيضاً وذلك نتيجة طبيعية لمواجهة فكر أسلوب المجرم المعلوماتي .
لقد تطورت وسائل التحقيق الجنائي في عصر المعلوماتية تتطوراً ملموساً يواكب حركة الجريمة وتطور أساليب ارتكابها ، فبعد أن كان الطابع المميز لوسائل التحقيق العنف والتعذيب للوصول إلى الدليل ، أصبحت المرحلة العلمية الحديثة القائمة على الاستعانة بالأساليب العلمية واستخدام شبكة الإنترنت هي الصفة المميزة والغالبة .
ومرد ذلك حدوث طفرة علمية في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات واستخدام الوسائط الإلكترونية في شتي مجالات الحياة ، فكلما اكتشف العلم شيئاً حديثاً وجد هذا الاكتشاف طريقه إلى مجال الإثبات الجنائي والتدليل .
وتبعا لذلك فإنه من البديهي أن تظهر أنماط جديدة من الجرائم لم تكن معهودة في السابق ، وهذا ليس قاصراً على أسباب التقدم التقني فقط بل يحدث دوماً وبصفة مستمرة ، فالمجرم والجريمة في تقدم وتجدد مستمر ، فمجرم الأمس ليس كمجرم اليوم وبالتالي فجريمة الأمس ليست كجريمة اليوم .
ولا شك ظهور أنماط جديدة من الجرائم لم تكن مألوفة من السابق ونحن لا نزال في بداية عصر الانفجار المعلوماتي ، يعنى توقع ظهور المزيد والمزيد من هذه الأنماط الجديدة ، والذي يتوجب معها تحديث الأنظمة والتعليمات والجهات الأمنية المختصة بمعالجة القضايا الناتجة عن ظهور هذه الأنماط الجديدة ، وهو مايستتبع تطوير أسلوب التحقيق فيها .
(1) – راجع في ذلك مؤلف : دكتور / خالد ممدوح ، فن التحقيق الجنائي في الجرائم الإلكترونية ، دار الفكر الجامعي ، 2019 .
ساحة النقاش