خطر القرصنة فى الصومال و انعكاسها على دخل قناة السويس و الأمن القومى المصرى

بقلم د. قاسم زكى [email protected]  (أستاذ الوراثة بجامعة المنيا و رئيس الجمعية الأفريقية لعلوم الحاصلات الزراعية، عضو الرابطة العربية للإعلاميين العلميين)

 

قناة السويس هى شريان الحياة الرئيسى فى العالم، فهى  تسمح بعبور السفن من أوروبا و أمريكا إلي آسيا والعكس دون سلوك الطريق الطويل ‏(‏رأس الرجاء الصالح‏)‏ فهي من أهم القنوات والطرق المائية علي الإطلاق وأقصر الطرق البحرية بين الشرق والغرب‏,‏ فهي توفر المسافة مما يؤدي إلي وجود وفر في الوقت واستهلاك الوقود وتكاليف تشغيل السفن، و تمر منها قرابة 75% من التجارة الدولية. و مما لاشك أن قناة السويس هي دعامة كبري في الاقتصاد المصري‏,‏ لما لها من إيرادات عظيمة في موازنة الدولة والدخل القومي لمصر‏، حيث تأتي قناة السويس في المركز الثالث بين مصادر الدخل القومي الأربعة الرئيسية للاقتصاد المصري، إذ أن السياحة تأتي عادة في المركز الأول‏,‏ تليها تحويلات المصريين العاملين في الخارج‏,‏ ثم إيرادات قناة السويس‏,‏ وبعد ذلك يأتي البترول والغاز الطبيعي. و قد حققت قناة السويس إيرادا خلال الفترة من أول يناير حتى نهاية يوليو الماضي 2008 بلغ 128ر3 مليار دولار (ما يعادل 7ر16 مليار جنيه مصري) وأشار بيان أصدرته هيئة قناة السويس إلى أن عائدات قناة السويس تواصل ارتفاعها شهريا بنسب تتراوح مابين 15 و 20 في المائة. و قد سجلت القناة خلال شهر أغسطس2008م الماضى أعلى إيرادا فى تاريخها منذ افتتاحها عام 1869م، يقدر بنحو 5ر504 مليون دولار أى 69ر2 مليار جنيه مصرى (ما يعادل قرابة 90 مليون جنية مع غروب شمس كل يوم فى ذلك الشهر). يشار إلي أن صافي إيرادات قناة السويس بلغ 5 مليارات و 113 مليون دولار "28.1 مليار جنيه مصري" خلال العام المالي الماضى 2007 /2008م. و لعل هذا المصدر للدخل القومى يعد أكثر ثباتا من المصادر الأخرى كالسياحة التى تتذبذب مع ما يسمى علميات الإرهاب، كذا تحويلات العاملين بالخارج و التي تتجه للانخفاض، لذا كان لزاما على الحكومة المصرية المحافظة على هذا المصدر الهام و الذى يقع فى أرضها و تحت أعينها، و كما ذكرنا فهو يزداد يوما بعد يوم.

و لكن أحيانا تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، فها هى عمليات  قرصنة البحر، و قد أطلت بوجهها القبيح على العالم من جديد من سواحل الصومال، بعد أن نسى العالم مأسى القرون الوسطى تلك، فها هي وكالات الأنباء تبث أسبوعيا خبر اختطاف لسفن قبالة الساحل الصومالى و التى كانت من بينها سفينة مصرية أيضا (خطفت فى الرابع من سبتمبر 2008م) و التى ُأطلق سراحها و قباطنتها بعد 3 أسابع بعد سداد فدية قدرها ستمائة آلف دولار. و فى الأول من أكتوبر 2008م الماضى، أعلن مركز مكافحة القرصنة التابع للمكتب البحري الدولي ان قراصنة صوماليين هاجموا و لأول مرة أربع سفن في يوم واحد (اماراتية و فيليبينية و ايطالية و تايوانية)، حيث طارد القراصنة المسلحون ببنادق رشاشة وقنابل يدوية هذه السفن لكنها تمكنت كلها من الفرار بصعوبة، و يقدر عدد القراصنة بهذا الساحل بحوالى آلف و مائة قرصان. و فى تقرير خطير صدر فى الثانى من أكتوبر 2008م، حذرت مؤسسة "شاتام هاوس" للدراسات في لندن من أن التجارة العالمية تواجه تهديدا خطيرا بالقرصنة قبالة السواحل الصومالية، وذكر المكتب البحري الدولي للمؤسسة ان قراصنة صوماليين هاجموا حوالي ستين سفينة في خليج عدن والمحيط الهندي منذ يناير 2008م، علما بأن هذا الممر تسلكه قرابة 16 آلف سفينة سنويا. وأضاف التقرير «إذا أصبحت كلفة التأمين باهظة وأصبح التهديد كبيرا جدا، فان شركات الملاحة يمكن أن تتجنب خليج عدن وتسلك الطريق الأطول عبر رأس الرجاء الصالح إلى أوروبا وأميركا الشمالية»، و هذا يذكرنا بسبب سقوط دولة المماليك فى مصر إبان القرون الوسطى (1250-1517م) هو اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح لمرور التجارة بالبحر حول أفريقيا، ففد فقدوا أهم مورد إقتصادى بتحصيل المكوس على التجارة المارة فى مصر من شرق العالم إلى غربة. وأوضحت تلك المؤسسة أن الفدى التي حصل عليها القراصنة تستخدم على الأرجح لتأجيج الحرب الأهلية الشرسة التى تدور رحاها منذ عام 1991م فى الصومال و حتى الآن. وجاء في التقرير أيضا «يتراوح إجمالي الفدى التي دفعت عام 2008 مابين 18 و30 مليون دولار. و أن ارتفاع قيمة الفدى التي يطلبها القراصنة يجعل هذا العام الأكثر ربحا بالنسبة لهم على الإطلاق». واستولى القراصنة في احدث عمليات الخطف (نهاية سبتمبر 2008م) على سفينة أوكرانية تحمل 33 دبابة للجيش الكيني وطالبوا بفدية قيمتها 30 مليون دولار، و ما زالت المفاوضات جارية، على الرغم من تحرك قطع بحرية لدول كثيرة تجاه هذا الساحل، من الروسية و الهندية و الأوربية.

و لعل سواحل البحر الأحمر و القرن الأفريقي تشهد بدور تاريخى مصرى فاعل (إبان حكم الخديوى إسماعيل 1863-1879م).  ففى العقد السابع من القرن التاسع عشر الميلادي، رفرف علم مصر خفاقا  معلنا خضوع مناطق شرق أفريقيا و سواحلها و حتى أقصى جنوب الصومال و أوغندا بالداخل (و برضاء غالبية أهلها) لسلطة مصر، و التى خاضت غمار مياه البحر الأحمر و خليج عدن و المحيط الهندى و مناطق شرق أفريقيا الداخلية لمنع تجارة الرقيق و مصادرة سفنها. و هذا يوضح مدى ما وصلت إلية سمعة مصر حينذاك من قوة و احترام. و قد سارت الجهات الأفريقية التى وصل النفوذ المصرى إليها حينئذ فى طريق الحضارة و المدنية الحديثة لما وفرته مصر من أمن و استقرار و سهلت سبل المواصلات البرية و المائية، ونهضت بمستوى الزراعة و الصناعة و التجارة و عملت بقدر استطاعتها على مناهضة تجارة الرقيق، بل قامت ببناء المشروعات العمرانية و منازل للأهالي و خزانات لحفظ المياه و مساجد للصلاة و مستشفيات للعلاج و مدارس للتعليم. فضلا عن أنها نشرت الوعى الدينى و الإجتماعى و السياسى و التعليمى و الثقافى فى تلك البلاد التى كانت ما تزال تعيش عيشة البداوة.

و اليوم فإن مسئولية مصر أكبر و أعظم مما كانت علية، فقد تولت مصر رئاسة مجلس السلم والأمن الإفريقي (التابع للإتحاد الأفريقي) منذ مارس الماضي‏ 2008م‏ و هو الجهاز المنوط به تعزيز السلم والأمن والاستقرار في القارة‏,‏ من أجل ضمان وحماية وحفظ حياة وممتلكات ورفاهية الشعوب الإفريقية وبيئتها‏,‏ وكذلك إيجاد الظروف المواتية لتحقيق التنمية المستدامة والعمل علي إحلال وبناء السلام لتسوية النزاعات وتنسيق الجهود الرامية إلي منع ومكافحة الإرهاب الدولي. و هاهي النار اقتربت من مصر، فلابد من القيام بدور فاعل للمساهمة فى حل نزاعات إفريقيا و التى تؤثر سريعا و قويا على أمنها القومى، لعله فى أولها دخل قناة السويس. فمصر التى قادت مشعل التقدم فى إفريقيا و العالم كله، ينتظرها دور هام فى قارتها الأم، و لعل نجاحها فى فك اسر رهائن الجلف الكبير من سياح أجانب (تم اختطافهم و مرافقيهم من المصريين، يوم الجمعة 19/9/2008م، على الحدود الجنوبية الغربية لمصر)، و كذا السفينة المصرية من إيدى قراصنة الصومال، يزيد من أسهمها فى استعادة دورها القيادي فى القارة السمراء، بعد خفوت دام قرابة ثلاثة عقود و أطمع ضعاف النفوس فى القارة و خارجها فى كسر شوكة مصر و تضيق الخناق عليها. و يساعد فى قيامها بدور تاريخى فى منع القرصنة و المحافظة على ممر قناة السويس حيا، ما أبدته عشر دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي من استعدادها للمشاركة في عملية عسكرية جوية وبحرية للتصدي لإعمال القرصنة قبالة سواحل الصومال. كما اصدر مجلس الأمن الدولي في الثاني من يونيو 2008م القرار 1816 الذي يتيح تدخل سفن حربية لمطاردة القراصنة في المياه الإقليمية الصومالية التي باتت تعتبر الأخطر في العالم. كذلك اقتراح مؤسسة "شاتام هاوس" انشاء شرطة بحرية يسمح لها بالتحرك وتديرها الأسرة الدولية لإنهاء هذه الظاهرة، و ان هذه القوة يمكن ان تقودها الامم المتحدة والاتحاد الإفريقي، وان تمول من صناديق خارجية. فلابد لمصر من أن تتصدر هذا التحرك فهو فى مصلحتها أولا، و عليها تعلم الدرس من تأخرها فى حل مشكلتي الجنوب و الغرب لجارتها الشقيقة السودان.

 

 

  • Currently 136/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
46 تصويتات / 994 مشاهدة

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور قاسم زكى أحمد حامد Kasem Zaki Ahmed

KasemZakiAhmed
تعريف مختصر بالدكتور/ قاسم زكى أحمد أستاذ الوراثة المتفرغ ورئيس اللجنة المصرية الوطنية للعلوم الوراثية، والوكيل الأسبق لكلية الزراعة - جامعة المنيا- المنيا- مصر)، (والرئيس الأسبق للجمعية الأفريقية لعلوم الحاصلات الزراعية، وعضو الرابطة العربية للإعلاميين العلميين، وعضو اتحاد كتاب مصر) • مواليد 8 أغسطس 1958م بمحافظة أسوان- جمهورية مصر العربية، »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

258,130