هل يجوزنكاح ابنته منالزنا؟

*** هب أن المسألة لا خلاف فيها فهل من فقه الرجل إثارة مثل هذه الأمور بين الناس على اختلاف معرفتهم الدينية؟!

*** هل من فقه الرجل إثارة مسألة كهذه في مجتمع مذهبه الحنبلي ونص الإمام أحمد رحمه الله تعالى على قتل فاعل ذلك؟!

*** الشيخ الدكتور علي جمعة (وهو من أكبر علماء الشافعية) أجاز النسب بالبصمة الوراثية...الحامض النووي...DNA فالسؤال هو :لو ثَبَتَ علمياً أنها ابنته فهل يجوز العمل بهذا الرأي الذي يجيز نكاح ابنته من الزنا ا؟إن تأكد كما ذكر ذلك الإمام الماوَرْدِي نقلاً عن لإمام المَرْوَزِي الشافعيَّيْنِ رحمهما الله تعالى.

أولاً: تصور المسألة كما يلي:

رجل جامع بامرأة في الحرام بأن زنا به فتولد عن هذا الجماع بنت ثم أراد هذا الزاني أن يتزوج من البنت التي ولدت من الزنا فهل يجوز له ذلك؟.

ثانياً:حكم المسألة

*** اتفق الأئمة الثلاثة :أبو حنيفة ومالك والشافعي رحمهم الله تعالى على تحريم ذلك.

*** كره الإمام الشافعي رحمه الله تعالى ذلك الزواج ولو حدث فإنه لا يفسخه.

*** الادعاء بأن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى أباح ذلك أو أجازه افتراء عليه ويدل على ذلك أمور منها:

1-            نصه بنفسه رحمه الله تعالى في كتاب الأم ،جـ5ص32 حيث قال رحمه الله تعالى:"(قال الشافعي): فان ولدت امرأة حملت من الزنا اعترف الذي زنا بها أو لم يعترف فأرضعت مولوداً فهو ابنها ولايكون ابن الذي زنى بهاوأكره له في الورع ان ينكح بنات الذي ولد له من زنا كما أكرهه للمولود من زنا وإن نكح من بناته أحداً لم أفسخه " . انتهى.

 

2- رد الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى على من افترى على الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في مسائل كما في أعلام الموقعين في ،ج1 ص42 :" ومن هذا أيضا أنه نص على كراهة تزوج الرجل بنته من ماء الزناولم يقل قط إنه مباح ولا جائز والذي يليق بجلالته وإمامته ومنصبه الذي أجله الله به من الدين أن هذه الكراهة منه على وجه التحريم وأطلق لفظ الكراهة لأن الحرام يكرهه الله ورسوله وقد قال تعالى عقيب ذكر ما حرمه من المحرمات من عند قوله {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} إلى قوله {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} إلى قوله {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} إلى قوله {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى} إلى قوله {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقّ} إلى قوله {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ} إلى قوله {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} إلى آخر الآيات ثم قال {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً} وفي الصحيح: "إن الله عز وجل كره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال".

غلط المتأخرين في نقل التحريم إلى الكراهة:

فالسلف كانوا يستعملون الكراهة في معناها الذي استعملت فيه في كلام الله ورسوله أما المتأخرون فقد اصطلحوا على الكراهة تخصيص بما ليس بمحرم وتركه أرجح من فعله ثم حمل من حمل منهم كلام الأئمة على الاصطلاح الحادث فغلط في ذلك وأقبح غلطا منه من حمل لفظ الكراهة أو لفظ "لا ينبغي" في كلام الله ورسوله على المعنى الاصطلاحي الحادث" .انتهى.

*** علق الشيخ الألباني رحمه الله تعالى على ذلك بقوله كما في تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد ،ص 78 :"

 وبهذه المناسبة نقول :
إن من الواجب على أهل العلم أن ينتبهوا للمعاني الحديثة التي طرأت على الألفاظ العربية التي تحمل معاني خاصة معروفة عند العرب هيغير هذه المعاني الحديثة لأن القرآن نزل بلغة العرب فيجب أن تفهم مفرادته وجمله فيحدود ما كان يفهم العرب الذين أنزل عليهم القرآن ولا يجوز أن تفسر بهذه المعانيالاصطلاحية الطارئة التي اصطلح عليها المتأخرون و إلا وقع المفسر بهذه المعاني فيالخطأ والتقول على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من حيث يشعر و قدقدمت مثلا على ذلك لفظ ( الكراهة".انتهى.

3-  الحاوي في فقه الشافعي  (جـ 11  ص 392 - 393)
مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَأَكْرَهُ لَهُ فِي الْوَرَعِ أَنْ يَنْكِحَ بَنَاتِ الَّذِي وَلَدَهُ مِنْ زِنًا ، فَإِنْ نَكَحَ لَمْ أَفْسَخْهُ ؛ لِأَنَّهُ ابْنُهُ فِي حُكْمِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِابْنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ لِزَمْعَةَ وَأَمَرَ سَوْدَةَ أَنْ تَحْتَجِبَ مِنْهُ ؛ لَمَّا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ ، فَلَمْ يَرَهَا وَقَدْ حَكَمَ أَنَّهُ أَخُوهَا لِأَنَّ تَرْكَ رُؤْيَتِهَا مُبَاحٌ وَإِنْ كَانَ أَخَاهَا 
( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ : وَقَدْ كَانَ أَنْكَرَ عَلَى مَنْ قَالَ : يَتَزَوَّجُ ابْنَتَهُ مِنْ زِنًا وَيَحْتَجُّ بِهَذَا الْمَعْنَى ، وَقَدْ زَعَمَ أَنَ رُؤْيَةَ ابْنِ زَمْعَةَ سَوْدَةَ مُبَاحٌ وَإِنْ كَرِهَهُ ، فَكَذَلِكَ فِي الْقِيَاسِ لَا يُفْسَخُ نِكَاحُهُ وَإِنْ كَرِهَهُ ، وَلَمْ يُفْسَخْ نِكَاحُ ابْنِهِ مِنْ زِنًا بَنَاتِهِ مِنْ حَلَالٍ لِقَطْعِ الْأُخُوَّةِ فَكَذَلِكَ فِي الْقِيَاسِ لَوْ تَزَوَّجُ ابْنَتَهُ مِنْ زِنًا لَمْ يُفْسَخْ ، وَإِنْ كَرِهَهُ لِقَطْعِ الْأُبُوَّةِ ، وَتَحْرِيمُ الْأُخُوَّةِ كَتَحْرِيمِ الْأُبُوَّةِ ، وَلَا حُكْمَ عِنْدَهُ لِقَوْلِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْأَجْنَبِيِّ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ " .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ قَدْ مَضَتْ ، وَذَكَرْنَا أَنَّ وَلَدَ الزِّنَا لَا يُلْحَقُ بِالزَّانِي وَأَنَّ الْفُقَهَاءَ قَدِ اخْتَلَفُوا ، 
هَلْ يَجُوزُ لِلزَّانِي أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إِذَا كَانَتْ بِنْتًا أي بنتا لمن زنا بها عَلَى أَرْبَعَةِ مَذَاهِبَ؟[1] :

 أَحَدُهَا : أَنَّ نِكَاحَهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ وَمَتَى أَقَرَّ بِهَا لَحِقَتْهُ ، حَكَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ ، وَالْحَسَنِ ، وَابْنِ سِيرِينَ ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ ، وَإِسْحَاقُ . وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي : أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ وَلَا تُلْحَقُ بِهِ إِذَا أَقَرَّ بِهَا ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ .

 وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ : أَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ وَلَا يُكْرَهُ لَهُ نِكَاحُهَا ، وَبِهِ قَالَ الْمُزَنِيُّ .

 وَالْمَذْهَبُ الرَّابِعُ : وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ : أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا ، وَيَكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ . وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي مَعْنَى كَرَاهِيَتِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُخْتَلَقَةً مِنْ مَائِهِ ، فَعَلَى هَذَا لَوْ تَحَقَّقَ خَلْقُهَا مِنْ مَائِهِ بِأَنْ حُبِسَا مَعًا مِنْ مُدَّةِ الزِّنَا إِلَى وَقْتِ الْوِلَادَةِ حَرُمَتْ عَلَيْهِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ الْمَرْوَزِيِّ : أَنَّهُ يُكْرَهُ نِكَاحُهُمَا لِمَا فِيهِ مِنِ اخْتِلَافٍ ، كَمَا كُرِهَ الْقَصْرُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ جَائِزًا لِمَا فِيهِ مِنَ الِاخْتِلَافِ ، فَعَلَى هَذَا لَوْ تَحَقَّقَ خَلْقُهَا مِنْ مَائِهِ ، لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِثَلَاثَةِ أُمُورٍ : أَحَدُهَا : لِانْتِفَاءِ نَسَبِهَا عَنْهُ كَالْأَجَانِبِ . وَالثَّانِي : لِانْتِفَاءِ أَحْكَامِ النِّسَبِ بَيْنَهُمَا مِنَ الْمِيرَاثِ ، وَالنَّفَقَةِ وَالْقِصَاصِ كَذَلِكَ تَحْرِيمُ النِّكَاحِ . وَالثَّالِثُ : لِإِبَاحَتِهَا لِأَخِيهِ وَلَوْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ الْأَبُ لَحَرُمَتْ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ الْعَمُّ ، فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ فَإِنَّهُ تَكَلَّمَ عَلَى كَرَاهَةِ الشَّافِعِيِّ لَهُ ، فَإِنْ نَسَبَ ذَلِكَ إِلَى التَّحْرِيمِ كَانَ غَلَطًا مِنْهُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ نَسَبَهُ إِلَى كَرَاهَةِ اخْتِيَارٍ مَعَ جَوَازِهِ كَانَ مُصِيبًا ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَعْنَى الْكَرَاهِيَةِ . اهـ

ولعل الراجح هو توجيه أبي إسحاق المروزي بأنه يجوز أن تكون مختلقة من مائه، فعلى هذا لو تحقق خلقها من مائه[2]بأن حبسا معا من مدة الزنا إلى وقت الولادة حرمت عليه. 

وقال المزني: وقد كان - أي الشافعي - أنكر على من قال يتزوج ابنته من زنا. ( مختصر المزني ص 228).

والله أعلم

 

4- شك شيخ الإسلام الإمام ابن تيميَّة رحمه الله تعالى في صحة نسبة ذلك إلى الإمام الشافعي رحمه الله تعالى فقال كما في مجموعة الفتاوى ،جـ 7ص254 وفي الفتاوى الكبرى :" وما يروونه عن النبي صلى الله عليه و سلم : من زنى بامرأة فجاءت منه ببنت فللزاني أن يتزوج بابنته من الزنا وهذا يقوله من ليس من أصحاب الشافعي وبعضهم ينقله عن الشافعي ومن أصحاب الشافعي من أنكر ذلك عنه وقال : إنه لم يصرح بتحليل ذلك ولكن صرح بحل ذلك من الرضاعة". انتهى.  وأكد ذلك رحمه الله تعالى مجيباً عن سؤال كما في مجموعة الفتاوى ، في جـ32 ص142:" وَسُئِلَ :

عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ ابْنَتَهُ مِنْ الزِّنَا ؟

فَأَجَابَ :

لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا عِنْدَ جُمْهُورِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ . حَتَّى إنَّ الْإِمَامَ أَحْمَد أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ نِزَاعٌ بَيْن السَّلَفِ ؛ وَقَالَ : مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ . وَقِيلَ لَهُ عَنْ مَالِكٍ : إنَّهُ أَبَاحَهُ فَكَذَّبَ النَّقْلَ عَنْ مَالِكٍ . وَتَحْرِيمُ هَذَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَأَحْمَد وَأَصْحَابِهِ ؛ وَمَالِكٍ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ . وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ الشَّافِعِيُّ نَصَّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ ؛ وَقَالُوا : إنَّمَا نَصَّ عَلَى بِنْتِهِ مِنْ الرِّضَاعِ ؛ دُونَ الزَّانِيَةِ الَّتِي زَنَى بِهَا . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ" .انتهى.

 

في مجموعة الفتاوى،جـ32ص137 وفي الفتاوى الكبرى ،جـ 3ص 199 قال رحمه الله تعالى وَمِثْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الضَّعِيفَةِ لَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَحْكِيَهَا عَنْ إمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ؛ لَا عَلَى وَجْهِ الْقَدْحِ فِيهِ وَلَا عَلَى وَجْهِ الْمُتَابَعَةِ لَهُ فِيهَا فَإِنَّ فِي ذَلِكَ ضَرْبًا مِنْ الطَّعْنِ فِي الْأَئِمَّةِ وَاتِّبَاعِ الْأَقْوَالِ الضَّعِيفَةِ  " .انتهى. ويؤكد هذا أن ابن طاهر الحلي الرافضي  ذكر ذلك في منهاج الكرامة فرد عليه شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله تعالى في معرض تفنيده للشبهات كما في منهاج السنة النبوية في الرد على الشيعة والقدرية ،جـ3 ص415 :" الثالث أن يقال هذه المسائل لها مأخذ عند من قالها من الفقهاء وإن كانت خطأ عند جمهورهم فأهل السنة أنفسهم يثبتون خطأها فلا يخرج بيان الصواب عنهم كما لا يخرج الصواب عنهم فالمخلوقات من ماء الزنا يحرمها جمهورهم كأبي حنيفة وأحمد ومالك في أظهر الروايتين وحكى ذلك قولا للشافعي وأحمد لم يكن يظن أن في هذه المسائل نزاعا حتى أفتى بقتل من فعل ذلك والذين قالوها كالشافعي وابن الماجشون رأوا النسب منتفيا لعدم الإرث فانتفت أحكامه كلها والتحريم من أحكامه والذين أنكروها قالوا أحكام الأنساب تختلف فيثبت لبعض الأنساب من الأحكام ما لا يثبت لبعض فباب التحريم يتناول ما شمله اللفظ ولو مجازا حتى تحرم بنت البنت بل يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فالمخلوقة من مائه أولى بالتحريم بخلاف الإرث فإنه يختص بمن ينسب إلى الميت من ولده فيثبت لولد البنين دون ولد البنات ".انتهى.

5- في مجموعة الفتاوى ،جـ32 ص138 و في الفتاوى الكبرى ،جـ3ص110 "سُئِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - :

عَنْ رَجُلٍ زَنَى بِامْرَأَةٍ فِي حَالِ شبوبيته وَقَدْ رَأَى مَعَهَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ بِنْتًا وَهُوَ يَطْلُبُ التَّزْوِيجَ بِهَا وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ هِيَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ مُتَوَقِّفٌ فِي تَزْوِيجِهَا ؟

فَأَجَابَ :

الْحَمْدُ لِلَّهِ ، لَا يَحِلُّ لَهُ التَّزْوِيجُ بِهَا عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ؛ فَإِنَّ بِنْتَ الَّتِي زَنَى بِهَا مِنْ غَيْرِهِ لَا يَحِلُّ التَّزَوُّجُ بِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ . وَأَمَّا بِنْتُهُ مِنْ الزِّنَا فَأَغْلَظُ مِنْ ذَلِكَ وَإِذَا اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ بِغَيْرِهَا حَرُمَتَا عَلَيْهِ" .انتهى.

وَسُئِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - :

عَمَّنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ وَحَمَلَتْ مِنْهُ فَأَتَتْ بِأُنْثَى : فَهَلْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْبِنْتَ ؟

فَأَجَابَ :

الْحَمْدُ لِلَّهِ ، لَا يَحِلُّ ذَلِكَ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَلَمْ يُحِلَّ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَعْرِفْ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ - مَعَ كَثْرَةِ اطِّلَاعِهِمْ - فِي ذَلِكَ نِزَاعًا بَيْنَ السَّلَفِ فَأَفْتَى أَحْمَد ابْنُ حَنْبَلٍ : إنْ فَعَلَ ذَلِكَ قُتِلَ . فَقِيلَ لَهُ ؛ إنَّهُ حَكَى فُلَانٌ فِي ذَلِكَ خِلَافًا عَنْ مَالِكٍ ؟ فَقَالَ : يَكْذِبُ فُلَانٌ وَذَكَرَ أَنَّ وَلَدَ الزِّنَا يَلْحَقُ بِأَبِيهِ الزَّانِي إذَا اسْتَلْحَقَهُ عَنْهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ " أَلَاطَ " أَيْ أَلْحَقَ أَوْلَادَ الْجَاهِلِيَّةِ بِآبَائِهِمْ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ } هَذَا إذَا كَانَ لِلْمَرْأَةِ زَوْجٌ . وَأَمَّا " الْبَغِيُّ " الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا : فَفِي اسْتِلْحَاق الزَّانِي وَلَدَهُ مِنْهَا نِزَاعٌ . " وَبِنْتُ الْمُلَاعَنَةِ " لَا تُبَاحُ لِلْمَلَاعِنِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ ؛ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا نِزَاعٌ شَاذٌّ ؛ مَعَ أَنَّ نَسَبَهَا يَنْقَطِعُ مِنْ أَبِيهَا وَلَكِنْ لَوْ اسْتَلْحَقَهَا لَلَحِقَتْهُ وَهُمَا لَا يَتَوَارَثَانِ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ . وَهَذَا لِأَنَّ " النَّسَبَ " تَتَبَعَّضُ أَحْكَامُهُ فَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ ابْنًا فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ دُونَ بَعْضٍ . فَابْنُ الْمُلَاعَنَةِ لَيْسَ بِابْنِ ؛ لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ وَهُوَ ابْنٌ فِي " بَابِ النِّكَاحِ " تَحْرُمُ بِنْتُ الْمُلَاعَنَةِ عَلَى الْأَبِ . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حَرَّمَ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ فَلَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجُ بِنْتَه مِنْ الرَّضَاعَةِ وَلَا أُخْتَه ؛ مَعَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهَا مِنْ " أَحْكَامِ النَّسَبِ " لَا إرْثٌ وَلَا عَقْلٌ وَلَا وِلَايَةٌ وَلَا نَفَقَةٌ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ إنَّمَا تَثْبُتُ فِي حَقِّهَا حُرْمَةُ النِّكَاحِ والمحرمية . و " أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ " أُمَّهَاتٌ فِي الْحُرْمَةِ فَقَطْ ؛ لَا فِي المحرمية . فَإِذَا كَانَتْ الْبِنْتُ الَّتِي أَرْضَعَتْهَا امْرَأَتُهُ بِلَبَنِ دُرَّ بِوَطْئِهِ تَحْرُمُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَنْسُوبَةً إلَيْهِ فِي الْمِيرَاثِ وَغَيْرِهِ : فَكَيْفَ بِمَنْ خُلِقَتْ مِنْ نُطْفَتِهِ فَإِنَّ هَذِهِ أَشَدُّ اتِّصَالًا بِهِ مِنْ تِلْكَ وقَوْله تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ } الْآيَةُ : يَتَنَاوَلُ مَا يُسَمَّى بِنْتًا حَتَّى يَحْرُمَ عَلَيْهِ بِنْتُ بِنْتِهِ وَبِنْتُ ابْنِهِ ؛ بِخِلَافِ قَوْلِهِ فِي الْفَرَائِضِ : { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ } فَإِنَّ هَذَا إنَّمَا يَتَنَاوَلُ وَلَدَهُ وَوَلَدَ ابْنِهِ لَا يَتَنَاوَلُ وَلَدَ بِنْتِهِ ؛ وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ لَفْظُ الِابْنِ وَالْبِنْتِ يَتَنَاوَلُ مَا يُسَمَّى بِذَلِكَ مُطْلَقًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ } لِيُحْرِزَ عَنْ الِابْنِ الْمُتَبَنَّى - كَزَيْدِ - الَّذِي كَانَ يُدْعَى : زَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ . فَإِنَّ هَذَا كَانُوا يُسَمُّونَهُ " ابْنًا " فَلَوْ أَطْلَقَ اللَّفْظَ لَظُنَّ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِيهِ ؛ فَقَالَ تَعَالَى { الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ } لِيُخْرِجَ ذَلِكَ . وَأَبَاحَ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةَ مَنْ تَبَنَّاهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا } . فَإِذَا كَانَ لَفْظُ " الِابْنِ " و " الْبِنْتِ " يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَنْ يَنْتَسِبُ إلَى الشَّخْصِ حَتَّى قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ بِنْتَهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ : فَبِنْتُهُ مِنْ الزِّنَا تُسَمَّى " بِنْتَه " فَهِيَ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ شَرْعًا وَأَوْلَى أَنْ يُدْخِلُوهَا فِي آيَةِ التَّحْرِيمِ . وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَمَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَأَصْحَابِهِ وَجَمَاهِيرِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَوَلَكِنَّ النِّزَاعَ الْمَشْهُورَ بَيْن الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي الزِّنَا هَلْ يَنْشُرُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ؟[3] ؛ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُمِّهَا وَبِنْتِهَا مِنْ غَيْرِهِ ؟ فَهَذِهِ فِيهَا نِزَاعٌ قَدِيمٌ بَيْنَ السَّلَفِ ؛ وَقَدْ ذَهَبَ إلَى كُلِّ قَوْلٍ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ : كَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ : يُبِيحُونَ ذَلِكَ ؛ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَد وَمَالِكٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : يُحَرِّمُونَ ذَلِكَ . فَهَذِهِ إذَا قَلَّدَ الْإِنْسَانُ فِيهَا أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ جَازَ ذَلِكَ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ" .انتهى.

قلتُ: وعين المسألة في مجموعة الفتاوى أيضاً في جـ 32ص142 :" وَسُئِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - :

عَنْ رَجُلٍ زَنَى بِامْرَأَةٍ وَمَاتَ الزَّانِي : فَهَلْ يَجُوزُ لِوَلَدِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا أَمْ لَا ؟

فَأَجَابَ :

هَذِهِ حَرَامٌ فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد وَأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَفِي الْقَوْلِ الْآخَرِ يَجُوزُ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ . " .انتهى.

 

 

*** وقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في زاد المعاد،جـ5 ص505 :" فَصْلٌ [ تَحْرِيمُ الْمَخْلُوقَةِ مِنْ مَاءِ الزّانِي ]

وَقَدْ دَلّ التّحْرِيمُ بِلَبَنِ الْفَحْلِ عَلَى تَحْرِيمِ الْمَخْلُوقَةِ مِنْ مَاءِ الزّانِي دَلَالَةَ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى لِأَنّهُ إذَا حَرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْكِحَ مَنْ قَدْ تَغَذّتْبِلَبَنِ ثَارَ بِوَطْئِهِ فَكَيْفَ يَحِلّ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ مَنْ قَدْ خُلِقَ مِنْ نَفْسِ مَائِهِ بِوَطْئِهِ ؟ وَكَيْفَ يُحَرّمُ الشّارِعُ بِنْتَهُ مِنْ الرّضَاعِ لِمَا فِيهَا مِنْ لَبَنٍ كَانَ وَطْءُ الرّجُلِ سَبَبًا فِيهِ ثُمّ يُبِيحُ لَهُ نِكَاحَ مَنْ خُلِقَتْ بِنَفْسِ وَطْئِهِ وَمَائِهِ ؟ هَذَا مِنْ الْمُسْتَحِيلِ فَإِنّ الْبَعْضِيّةَ الّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَخْلُوقَةِ مِنْ مَائِهِ أَكْمَلُ وَأَتَمّ مِنْ الْبَعْضِيّةِ الّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ تَغَذّتْ بِلَبَنِهِ فَإِنّ بِنْتَ الرّضَاعِ فِيهَا جُزْءٌ مَا مِنْ الْبَعْضِيّةِ وَالْمَخْلُوقَةُ مِنْ مَائِهِ كَاسْمِهَا مَخْلُوقَةٌ مِنْ مَائِهِ فَنِصْفُهَا أَوْ أَكْثَرُهَا بَعْضُهُ قَطْعًا وَالشّطْرُ الْآخَرُ لِلْأُمّ وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُعْرَفُ [ ص 506 ] أَبَاحَهَا وَنَصّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللّهُ عَلَى أَنّ مَنْ تَزَوّجَهَا قُتِلَ بِالسّيْفِ مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ . وَإِذَا كَانَتْ بِنْتُهُ مِنْ الرّضَاعَةِ بِنْتًا فِي حُكْمَيْنِ فَقَطْ الْحُرْمَةِ وَالْمَحْرَمِيّةِ وَتَخَلّفُ سَائِرِ أَحْكَامِ الْبِنْتِ عَنْهَا لَمْ تُخْرِجْهَا عَنْ التّحْرِيمِ وَتُوجِبُ حِلّهَا فَكَذَا بِنْتُهُ مِنْ الزّنَى تَكُونُ بِنْتًا فِي التّحْرِيمِ وَتَخَلّفُ أَحْكَامِ الْبِنْتِ عَنْهَا لَا يُوجِبُ حِلّهَا وَاَللّهُ سُبْحَانَهُ خَاطَبَ الْعَرَبَ بِمَا تَعْقِلُهُ فِي لُغَاتِهَا وَلَفْظُ الْبِنْتِ لَفْظٌ لُغَوِيّ لَمْ يَنْقُلْهُ الشّارِعُ عَنْ مَوْضِعِهِ الْأَصْلِيّ كَلَفْظِ الصّلَاةِ وَالْإِيمَانِ وَنَحْوِهِمَا فَيُحْمَلُ عَلَى مَوْضُوعِهِ اللّغَوِيّ حَتّى يَثْبُتَ نَقْلُ الشّارِعِ لَهُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ فَلَفْظُ الْبِنْتِ كَلَفْظِ الْأَخِ وَالْعَمّ وَالْخَالِ أَلْفَاظٌ بَاقِيَةٌ عَلَى مَوْضُوعَاتِهَا اللّغَوِيّةِ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي " الصّحِيحِ " أَنّ اللّهَ تَعَالَى أَنْطَقَ ابْنَ الرّاعِي الزّانِي بِقَوْلِهِ أَبِي فُلَانٌ الرّاعِي وَهَذَا الْإِنْطَاقُ لَا يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ وَأَجْمَعَتْ الْأُمّةُ عَلَى تَحْرِيمِ أُمّهِ عَلَيْهِ . وَخَلْقُهُ مِنْ مَائِهَا وَمَاءِ الزّانِي خَلْقٌ وَاحِدٌ وَإِثْمُهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ وَكَوْنُهُ بَعْضًا لَهُ مِثْلُ كَوْنِهِ بَعْضًا لَهَا وَانْقِطَاعُ الْإِرْثِ بَيْنَ الزّانِي وَالْبِنْتِ لَا يُوجِبُ جَوَازَ نِكَاحِهَا ثُمّ مِنْ الْعَجَبِ كَيْفَ يُحَرّمُ صَاحِبُ هَذَا الْقَوْلِ أَنْ يَسْتَمْنِيَ الْإِنْسَانُ بِيَدِهِ وَيَقُولَ هُوَ نِكَاحٌ لِيَدِهِ وَيُجَوّزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَنْكِحَ بَعْضَهُ ثُمّ يُجَوّزُ لَهُ أَنْ يَسْتَفْرِشَ بَعْضَهُ الّذِي خَلَقَهُ اللّهُ مِنْ مَائِهِ وَأَخْرَجَهُ مِنْ صُلْبِهِ كَمَا يَسْتَفْرِشُ الْأَجْنَبِيّةَ .

 ".انتهى.

*** نحن في بلد المذهب فيه حنبلي  وحكم فاعل ذلك عنده القتل كما في مجموعة الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله تعالى كما سبق  وفي أعلام الموقعين للإمام ابن القيم رحمه الله تعالى  ،جـ 3ص324 : " وقد نص الامام احمد على ان من تزوج ابنته من الزنا يقتل" .انتهى.

*** قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله تعالى كما في مجموعة الفتاوى جـ32 ص135 لما سُئِلَ

عَنْ بِنْتِ الزِّنَا : هَلْ تُزَوَّجُ بِأَبِيهَا ؟

فَأَجَابَ :

الْحَمْدُ لِلَّهِ ، مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّزْوِيجُ بِهَا وَهُوَ الصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ ؛ حَتَّى تَنَازَعَ الْجُمْهُورُ : هَلْ يُقْتَلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ . وَالْمَنْقُولُ عَنْ أَحْمَد : أَنَّهُ يُقْتَلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ . فَقَدْ يُقَالُ : هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَأَوِّلًا . وَأَمَّا " الْمُتَأَوِّلُ " فَلَا يُقْتَلُ ؛ وَإِنْ كَانَ مُخْطِئًا . وَقَدْ يُقَالُ : هَذَا مُطْلَقًا كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ : إنَّهُ يُجْلَدُ مَنْ شَرِبَ النَّبِيذَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ مُتَأَوِّلًا ؛ وَإِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ لَا يَفْسُقُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَفَسَّقَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَد فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى . وَالصَّحِيحُ : أَنَّ الْمُتَأَوِّلَ الْمَعْذُورَ لَا يَفْسُقُ ؛ بَلْ وَلَا يَأْثَمُ . وَأَحْمَد لَمْ يَبْلُغْهُ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا ؛ فَإِنَّ الْخِلَافَ فِيهَا إنَّمَا ظَهَرَ فِي زَمَنِهِ لَمْ يَظْهَرْ فِي زَمَنِ السَّلَفِ ؛ فَلِهَذَا لَمْ يَعْرِفْهُ . وَاَلَّذِينَ سَوَّغُوا " نِكَاحَ الْبِنْتِ مِنْ الزِّنَا " حُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنْ قَالُوا : لَيْسَتْ هَذِهِ بِنْتًا فِي الشَّرْعِ ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَا يَتَوَارَثَانِ ؛ وَلَا يَجِبُ نَفَقَتُهَا ؛ وَلَا يَلِي نِكَاحَهَا وَلَا تَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ النِّسَبِ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ بِنْتًا فِي الشَّرْعِ لَمْ تَدْخُلْ فِي آيَةِ التَّحْرِيمِ فَتَبْقَى دَاخِلَةً فِي قَوْلِهِ { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } . وَأَمَّا حُجَّةُ الْجُمْهُورِ فَهُوَ أَنْ يُقَالَ : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ } الْآيَةُ هُوَ مُتَنَاوِلٌ لِكُلِّ مَنْ شَمِلَهُ هَذَا اللَّفْظُ سَوَاءٌ كَانَ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا وَسَوَاءٌ ثَبَتَ فِي حَقِّهِ التَّوَارُثُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَحْكَامِ : أَمْ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا التَّحْرِيمُ خَاصَّةً لَيْسَ الْعُمُومُ فِي آيَةِ التَّحْرِيمِ كَالْعُمُومِ فِي آيَةِ الْفَرَائِضِ وَنَحْوِهَا ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } وَبَيَانُ ذَلِكَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : " أَحَدُهَا " أَنَّ آيَةَ التَّحْرِيمِ تَتَنَاوَلُ الْبِنْتَ وَبِنْتَ الِابْنِ وَبِنْتَ الْبِنْتِ ؛ كَمَا يَتَنَاوَلُ لَفْظُ " الْعَمَّةِ " عَمَّةَ الْأَبِ ؛ وَالْأُمِّ وَالْجَدِّ . وَكَذَلِكَ بِنْتُ الْأُخْتِ وَبِنْتُ ابْنِ الْأُخْتِ . وَبِنْتُ بِنْتِ الْأُخْتِ . وَمِثْلُ هَذَا الْعُمُومِ لَا يَثْبُتُ لَا فِي آيَةِ الْفَرَائِضِ وَلَا نَحْوِهَا مِنْ الْآيَاتِ وَالنُّصُوصِ الَّتِي عَلَّقَ فِيهَا الْأَحْكَامَ بِالْأَنْسَابِ .

" الثَّانِي " أَنَّ تَحْرِيمَ النِّكَاحِ يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الرَّضَاعَةِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرِمُ مِنْ الْوِلَادَةِ } وَفِي لَفْظٍ { مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ } وَهَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَعَلَى الْأَئِمَّةِ بِهِ : فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِطِفْلِ غَذَّتْهُ مِنْ لَبَنِهَا أَوْ أَنْ تَنْكِحَ أَوْلَادَهُ وَحَرَّمَ عَلَى أُمَّهَاتِهَا وَعَمَّاتِهَا وَخَالَتِهَا ؛ بَلْ حَرَّمَ عَلَى الطِّفْلَةِ الْمُرْتَضِعَةِ مِنْ امْرَأَةٍ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِالْفَحْلِ صَاحِبِ اللَّبَنِ وَهُوَ الَّذِي وَطِئَ الْمَرْأَةَ حَتَّى دَرَّ اللَّبَنُ بِوَطْئِهِ . فَإِذَا كَانَ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَنْكِحَ بِنْتَهُ مِنْ الرِّضَاعِ وَلَا يَثْبُتَ فِي حَقِّهَا شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ النَّسَبِ - سِوَى التَّحْرِيمِ وَمَا يَتْبَعُهَا مِنْ الْحُرْمَةِ - فَكَيْفَ يُبَاحُ لَهُ نِكَاحُ بِنْتٍ خُلِقَتْ مِنْ مَائِهِ وَأَيْنَ الْمَخْلُوقَةُ مِنْ مَائِهِ مِنْ الْمُتَغَذِّيَةِ بِلَبَنِ دُرَّ بِوَطْئِهِ فَهَذَا يُبَيِّنُ التَّحْرِيمَ مِنْ جِهَةِ عُمُومِ الْخِطَابِ وَمِنْ جِهَةِ التَّنْبِيهِ وَالْفَحْوَى وَقِيَاسِ الْأَوْلَى . " الثَّالِثُ " أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : { وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ } قَالَ الْعُلَمَاءُ : احْتِرَازٌ عَنْ ابْنِهِ الَّذِي تَبَنَّاهُ كَمَا قَالَ : { لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا } وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يستلحقون وَلَدَ الزِّنَا أَعْظَمَ مِمَّا يستلحقون وَلَدَ الْمُتَبَنِّي فَإِذَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَيَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : { مِنْ أَصْلَابِكُمْ } عُلِمَ أَنَّ لَفْظَ " الْبَنَاتِ " وَنَحْوِهَا يَشْمَلُ كُلَّ مَنْ كَانَ فِي لُغَتِهِمْ دَاخِلًا فِي الِاسْمِ . وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ : إنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهَا الْمِيرَاثُ وَنَحْوُهُ . فَجَوَابُهُ أَنَّ النَّسَبَ تَتَبَعَّضُ أَحْكَامُهُ فَقَدْ ثَبَتَ بَعْضُ أَحْكَامِ النَّسَبِ دُونَ بَعْضٍ كَمَا

وَافَقَ أَكْثَرُ الْمُنَازِعِينَ فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُلَاعِنِ وَلَا يَرِثُهُ . وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي اسْتِلْحَاقِ وَلَدِ الزِّنَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِرَاشًا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ . كَمَا ثَبَتَ { عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَلْحَقَ ابْنَ وَلِيدَةِ زمعة بْنِ الْأَسْوَدِ بزمعة بْنِ الْأَسْوَدِ وَكَانَ قَدْ أَحْبَلَهَا عتبة بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فَاخْتَصَمَ فِيهِ سَعْدٌ وَعَبْدُ ابْنُ زمعة (*) فَقَالَ سَعْدٌ : ابْنُ أَخِي . عَهِدَ إلَيَّ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زمعة هَذَا ابْنِي . فَقَالَ عَبْدٌ : أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي ؛ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ لَك يَا عَبْدُ بْنَ زمعة . الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ ؛ احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ } لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ الْبَيِّنِ بعتبة فَجَعَلَهُ أَخَاهَا فِي الْمِيرَاثِ دُونَ الْحُرْمَةِ . وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي وَلَدِ الزِّنَا : هَلْ يَعْتِقُ بِالْمِلْكِ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد . وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَهَا بَسْطٌ لَا تَسَعُهُ هَذِهِ الْوَرَقَةُ . وَمِثْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الضَّعِيفَةِ لَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَحْكِيَهَا عَنْ إمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ؛ لَا عَلَى وَجْهِ الْقَدْحِ فِيهِ وَلَا عَلَى وَجْهِ الْمُتَابَعَةِ لَهُ فِيهَا فَإِنَّ فِي ذَلِكَ ضَرْبًا مِنْ الطَّعْنِ فِي الْأَئِمَّةِ وَاتِّبَاعِ الْأَقْوَالِ الضَّعِيفَةِ وَبِمِثْلِ ذَلِكَ صَارَ وَزِيرُ التتر يُلْقِي الْفِتْنَةَ بَيْنَ مَذَاهِبِ أَهْلِ السُّنَّةِ حَتَّى يَدْعُوَهُمْ إلَى الْخُرُوجِ عَنْ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَيُوقِعَهُمْ فِي مَذَاهِبِ الرَّافِضَةِ وَأَهْلِ الْإِلْحَادِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

 

 



[1] - ستأتي إشارة شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله تعالى إلى ذلك قريباً إن شاء الله تعالى.

[2] - الآن بالوسائل الحديثة بالحمض النووي:(البصمةالجينية). DNA) ثارت الفتوى التي أصدرها الدكتور علي جمعة مفتي مصر والتي أجاز من خلالها إثبات النسب عن طريق تحليل الحامض النووي DNA .

[3] - مر كلام الإمام الماوردي رحمه الله تعالى آنفاً.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 189 مشاهدة

ساحة النقاش

محمود داود دسوقي خطابي

Islamisright
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

264,069