بتفحص الأساس القانوني لقرار مجلس الأمن رقم 1593 وتقدير القيمة القانونية لقرارات المحكمة الجنائية الدولية في ضوء صلاحياتها واختصاصاتها، يمكن القول إن القرار أعاد من جديد الجدل حول معايير العدالة الدولية، والخط الفاصل والرابط بين العدل والاستقرار والأمن، كما مثل ضربة لجهود ومساعي الاتحاد الأفريقي لتحقيق السلام في الإقليم.
وبتمحيص آراء كلا الفريقين، وبالنظر إلى القيمة القانونية للقرارات الصادرة عن المحكمة، والعلاقة بين المحكمة الجنائية الدولية ومجلس الأمن، وشروط تعاون الدول مع المحكمة الجنائية الدولية، يمكن القول:
إنه حتى مع قبول أن القرار 1593 قد خول المحكمة الجنائية التصدي لملف دارفور، فإنه لا يمنحها الحق في طلب توقيف الرئيس السوداني وتسليمه من قبل الدول الأخرى لتعارض ذلك ومقتضيات المادة 98/1 من الميثاق، وعليه فإنه طالما تمسك السودان بحصانة رئيسه، فإنه لا يمكن لأية دولة أن تخرق التزامها بمراعاة تلك الحصانة.
وإنه يبين بجلاء عدم اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بنظر مشكلة دارفور حال امتناع السودان عن التعاون معها، كما أنها لا تستطيع إخطار مجلس الأمن حتى لو أحال المسألة إلى المحكمة.
والقول بغير ذلك يتعارض واستقلال المحكمة الجنائية المنصوص عليه في نظامها الأساسي، ومقتضيات المادة 2/ 3 من اتفاقية الارتباط بين المحكمة والأمم المتحدة التي تنص على احترام كل طرف لاختصاصات الطرف الآخر ونظامه الأساسي.
وأيا ما كان الأمر، فإن قرار المحكمة الجنائية كان بمثابة لحظة كاشفة في تاريخ الحياة السياسية في السودان، وقد تفاعلت معه كافة القوى السياسية الداخلية والإقليمية والدولية، وجعلت من الأزمة فاعلا أساسيا يتشابك مصيرها ويتداخل مع مسار ومصير الدولة السودانية في تلك اللحظة الحرجة من تاريخ البلاد.
ساحة النقاش