قامت شهيرة محرز بتأثيث بيت فريد و مبهر، تعتبره نموذج لبيوت الأعيان التقليدية فى مصر القرن التاسع عشر. بيت ذو طابع يمزج بين العناصر الزخرفية لتلك الفترة وبعض الفرش الغربى كتلبية لاحتياجات عصرية. زيارة لبيت أصيل يؤكد الهوية والثقة بالنفس.
أشعر أن الانتماء للتراث التقليدى جزء لا يتجزأ ليس فقط من الهوية و لكن من كرامة الإنسان. الاعتزاز بالنفس مرتبط بما نمثله و بما مثله من سبقونا.
تمسّك شهيرة محرز ـ الباحثة فى العمارة والفنون التقليدية ـ بتراثنا المصرى، سواء على مستوى العمارة واحتواء الفراغ بشكل يتآلف و قانون النسب المتعارف عليه أو السكن واستغلال المساحات على أفضل وجه وكذلك الملبس والحلى والطبخ، إنما هو تعبير عملى لارتباطها العضوى بمنظومة متكاملة تخص معيشتنا فى الماضى وامتدادها فى الحاضر. تؤكد شهيرة محرز فى هذا الصدد: '' لكل بلد حضارته، و لا بد أن تكون تلك الحضارة منبع و ركيزة لحضارته المستقبلية.'' هذه الفكرة موقف حيوى واضح من التراث، يرفض القطيعة على طريقة الخديو إسماعيل. فالتحديث ?ى رأيها لا يعنى رفض التقليدى برمته، دون تمييز. الاعتراف بكل الحقب المتتالية هو اعتراف بثراء حضارتنا وتنوعها وإن كان التمسك بالقديم التقليدى مع بعض الإضافات الغربية هو الاختيار الأصح والأكثر التزاما بهويتنا. أما العكس، أى غلبة الطابع الغربى المطعم ببعض الأرابيسك الدخيل فموقف يشوبه الاستشراق المدعى الهجين.
فى يوم من الأيام اصطحب حسن بيه (المقصود المهندس المرموق حسن فتحى) صديقته شهيرة محرز و كان يحمل كمانه ليذهبا إلى جامع السلطان حسن. جلسا و عزف حسن فتحى مقطوعة لبرامس. وما أن فرغ تلفت إليها: '' هاتان، يا عزيزتى، عبقريتا الثقافتين. الموسيقى الغربية و العمارة العربية.''
لا تنسى شهيرة محرز مقولة المفكر المعمارى لتسير على درب الرفيق الذى طالما شجّعها على اقتناء الأشياء القديمة من أحواش الهدد. فهكذا بدأت تجمع من خرج البيوت وعلى مدى سنين طويلة أو من بائعى العاديات وتسجيل ما هو تاريخى؛ ذلك ما سمح لها اليوم بتأثيث هذا البيت على نفس نمط بيوت الأعيان فى القرن التاسع عشر التى تم هدمها على نحو عشوائى، إما للدخول فى الحداثة أو لاستثمار الأرض و ما عليها، بحجة صعوبة رعاية ديار كبيرة كهذه. تعيد شهيرة ملاحظة حسن فتحى:'' إحنا صفينا بدون تمييز''.
تعتبر شهيرة محرز كل تقليد نوع من الخيانة لإبداعاتنا و ابتكاراتنا التى استمرت من العصور الفرعونية حتى أسرة محمد على، مرورا بالحقبة البيزنطية ثم القبطية ثم الإسلامية. لكل فترة خصائصها المستمدة مما سبقها مع وجود إضافات _ فى كل مرة - غير مصطنعة، بل منبثقة من روح تلك الأعمال الفنية الموجودة، مراعية أيضا وظيفتها واحتياجات مستخدميها. ترى أن المصريين أصحاب عمارة، لا يهتمون بالزخرف و هو ما جعل فنهم بسيطا، شبه مجرد، خال من أى خط لا لزوم له؛ فى هذا القليل، هذا الحد الأدنى الخالص، الصافى، يكمن كل الجمال. وتتساءل متعجبة عن المصريين الذين يفضلون شراء الأوبيسون على اقتناء كليم بدوى صنع مصر، أقرب إلى ثقافتهم (وأرخص). أو اقتناء أباجورة كريستال بينما اللمبة النحاسية المصنوعة يدويا لها تاريخ و حكاية. لماذا الكوفى تيبل و الطبلية فى متناول يدنا. لماذا الطقم اللويس السادس عشر- نحن الذين لم نعرف الكرسى أصلا- فى حين استراح أجدادنا على الشلت و المخدات. لماذا العلبة السيفر ونحن ضلعون فى الخزف والفخار!!.. تتوالى التساؤلات? أحيانا بغضب وأحيانا بأسى: لماذا هدموا فندق سميراميس؛ لماذا يعلنون اليوم أن حرم قلعة صلاح الدين 07 مترا فقط. هل يعقل هذا؟
تستمر شهيرة محرز فى الدفاع عن كل ما هو تقليدى مع الاعتراف بالوافد الذى أصبح جزءا من ثقافتنا التى استوعبته كالنبات المتسلق، دون أن يهيمن عليها. تبتعد عن فترات الاضمحلال حيث كان الفن قبيحا، لا يرمز إلى ازدهار حضارة و ثقافة رفيعة. فحتى و إن أكلت البيشاميل فهى تتذكر أيام ما كان أعيان المصريين يستخدمون دبس الرمان فى طبخهم و يأكلون فى دمياط سمك بالقمر الدين، و الرقبات المحشية و الحمام المخلى. لماذا البيتزا ولدينا أطعم العجائن و أطيب الفطائر؟ لعل جمع تلك الوصفات فى كتاب سوف يعيدها للذاكرة، تماما مثل الجلاليب التى?تتقن صنعها من أجل إحياءها.
وكما بدأت حديثها، تود شهيرة محرز إنهاء كلامها بالرجوع إلى نفس الفكرة: 
''أشعر أن الانتماء للتراث التقليدى جزء لا يتجزأ ليس فقط من الهوية و لكن من كرامة الإنسان. الاعتزاز بالنفس مرتبط بما نمثله و بما مثله من سبقونا.''

المصدر: مجلة البيت
HanDecor

Your Corner with Eastern Magic

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 155 مشاهدة
نشرت فى 20 يوليو 2013 بواسطة HanDecor

ساحة النقاش

HanDecor

HanDecor
شــركة ديكور داخلى من تصميمات حرفية يدوية مصرية لمجموعة من المصميين والحرفيين على تراث عصرى حديث »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

21,499