الاتجاهات السياسية الكويتية ومشروع الكونفيدرالية الخليجية
رصد وتحليل
د. عصام عبد الشافي
في 23 ديسمبر 2011، نشرت وسائل الإعلام الكويتية تصريحات السيد محمد باقر المهدي وكيل المرجعيات الدينية في الكويت، والتي أعلن فيها رفضه رفضا قاطعا انضمام دولة الكويت (التي وصفها بأنها بلد الحريات والديموقراطية وبلد المؤسسات الدستورية والمجتمعات المدنية) إلى الكونفيدرالية الخليجية مبررا هذا الرفض بأنه يتنافى مع المادة الاولى من الدستور الكويتي التي تنص على ان الكويت دولة عربية مستقلة ذات سيادة كاملة ولا يجوز التخلي عن اراضيها وكذلك ينافي هذا الانضمام لطبيعة النظام الديموقراطي في الكويت.
وأضاف المهري: "أكثر المثقفين والكتاب واصحاب الكفاءات والتكنوقراطيين يخالفون هذا الاندماج وانصهار الكويت في الدول الخليجية فإن الشعب الكويتي ثقافة وطبيعة واخلاق وعادات واعراف وقيم اخلاقية تختلف تماما عن بقية شعوب دول الخليج". واستطرد: "نعم تقوية وتعزيز وتعاون هذه الدول فيما بينها فلا بأس به في المجالات السياسية والعسكرية وغيرهما، أما توحيد العملة فيضر اقتصاد الكويت كما هو واضح للجميع". ودعا المهرى إلى استفتاء جميع أبناء الشعب الكويتي في ذلك مؤكدا الثقة التامة بحكمة وحنكة سمو أمير البلاد في هذا المجال، ولذا يجب على ابناء الشعب الكويتي كافة الالتفاف حول هذه القيادة السياسية الحكيمة".
وجاءت هذه التصريحات، لتعكس وجود حالة من الانقسام بين التيارات والقوى السياسية الكويتية، حول الموقف من مشروع الكونفيدرالية الخليجية، التي دعا إليها البيان الختامي الصادر عن قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الثانية والثلاثين، التي عقدت في العاصمة السعودية الرياض يومي 19 و20 ديسمبر 2011.
وهذه الحالة من الانقسام لا تقف وراءها فقط الاعتبارات السياسية والاقتصادية والإستراتيجية، ولكن أيضاً الاعتبارات الدينية والمذهبية، حيث دخل البعد المذهبي عاملاً فاعلاً في تحديد مواقف القوى والتيارات السياسية، من مشروع الكونفيدرالية الخليجية.
أولاً: ماهية الكونفيدرالية:
الكونفيدرالية هى اتحاد بين دولتين أو أكثر من الدول ذات السيادة، ينشأ وفق معاهدة تحدد الأغراض المشتركة التي تهدف الدولة الكونفدرالية إلى تحقيقيها ويتمتع كل عضو فيها بشخصيةٍ مستقلة عن الأخرى وتديرها هيئات مشتركة، تتكون من ممثلين من الدول الأعضاء لتحقيق الأهداف المشتركة، وأعضائها يعبرون عن رأي الدول التي يمثلونها، وتصدر القرارات بالإجماع، وتعتبر نافذة بعد موافقة الدول الأعضاء عليها. ويختلف "الاتحاد الكونفيدرالي" عن "الاتحاد الفيدرالي" في العديد من الجوانب، من بينها:
1- لكل دولة عضو من أعضاء الاتحاد الكونفدرالي ممارسة السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي الفعلي. أما أعضاء الدولة الفيدرالية فلا يحق لهم ذلك ويكون التمثيل الدبلوماسي والسياسة الخارجية من اختصاص السلطة التنفيذية في الدولة الفيدرالية (الحكومة المركزية).
2- الدول أعضاء الدولة الكونفدرالية لهم حق إعلان الحرب وليس بإمكان أعضاء الدولة الفيدرالية ذلك، لأن ذلك من صلب صلاحيات الحكومة المركزية (الحكومة الفيدرالية).
3- الحرب التي تحدث بين أعضاء الدولة الكونفدرالية حرب دولية، أما الحرب التي تحدث بين أعضاء الدولة الفيدرالية فهي حرب داخلية (إقليمية).
4- كل خرق للقانون الدولي من قبل أحد أعضاء الدولة الكونفدرالية يتحمل نتائجه وحده وليس بقية الأعضاء والعكس هو الصحيح في الدولة الفيدرالية.
5- تشرف على الدولة الكونفدرالية هيئات مشتركة بين الدول الأعضاء ، أما في الدولة الفيدرالية الحكومة المركزية هي التي تدير الدولة وتترأس أعضائها.
6- يحق لكل دولة عضو في الاتحاد الكونفدرالي الانسحاب متى شاءت لكونها دولة مستقلة، أما أعضاء الدولة الفيدرالية فليس لهم الحق لأنهم يعتبرون أقاليم وجزء لا يتجزأ من الدولة الفيدرالية.
7- مواطنو الدولة الكونفدرالية يتمتعون بجنسية بلدهم وليست هناك جنسية موحدة للدولة الكونفدرالية، أما مواطنو الدولة الفيدرالية فيتمتعون بجنسية الدولة الاتحادية الفيدرالية فهناك جنسية موحدة للدولة الفيدرالية.
8- في الاتحاد الكونفدرالي يتعدد رؤساء الدول بتعدد الدول، حيث لكل دولة رئيسها، بينما في الدولة الفدرالية (المركزية) تتميز بوحدة رئيس الدولة وسيادة موحدة، أي الدولة الكونفدرالية لا تعتبر دولة موحدة تضم بين جنباتها دويلات أعضاء، بعكس الدولة الفيدرالية تعتبر دولة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
ثانياً: مشروع الكونفيدرالية الخليجية:
من بين ما نص عليه البيان الصادر عن المجلس الأعلى لمجلس التعاون في دورته الثانية والثلاثين (20 ديسمبر 2011): "رحب وبارك قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بالإقتراح المقدم من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود .. بشأن الإنتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد. "وإيماناً من قادة دول المجلس بأهمية هذا المقترح وأثره الإيجابي على شعوب المنطقة، وتمشياً مع ما نصت عليه المادة الرابعة من النظام الأساسي لمجلس التعاون بشأن تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها .. وبعد تبادل الآراء في المقترح، وجه القادة المجلس الوزاري بتشكيل هيئة متخصصة يتم اختيارها من قبل الدول الأعضاء بواقع ثلاثة أعضاء لكل دولة، يوكل إليها دراسة المقترحات من كل جوانبها في ضوء الآراء التي تم تبادلها بين القادة، وتكون اجتماعات الهيئة في مقر الأمانة العامة، ويتم توفير كل ما تتطلبه من إمكانيات إدارية وفنية ومالية من قبل الأمانة العامة . وتقوم الدول الأعضاء بتسمية ممثليها في موعد أقصاه الأول من فبراير 2012م، وتقدم الهيئة تقريراً أولياً في شهر مارس 2012 إلى المجلس الوزاري في دورته الأولى لعام 2012 لرفعها لأصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون، وترفع الهيئة توصياتها النهائية إلى اللقاء التشاوري الرابع عشر لأصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون".
ثالثا: الاتجاهات السياسية الكويتية:
يمكن التمييز في إطار التعاطي مع الدعوة للوحدة الخليجية، بين عدة مستويات، الأول خاص بنواب مجلس الأمة، والثاني يعبر عن آراء الأكاديميين وأساتذة الجامعات، والثالث يعبر عن آراء الخبراء والناشطين السياسيين، وذلك على النحو التالي:
المستوى الأول: اتجاهات أعضاء مجلس الأمة:
في ردود أفعالهم، كانت المذهبية حاضرة بقوة في مواقف بعض النواب، سواء في محاولة تفسير الآراء، أو في الرد على المخالفين لآرائهم، مع تغليف هذه الآراء بدرجة أو بأخرين بتفسيرات دستورية وسياسية، أحيانا بعضها غير منطقي، ومن السهل التغلب عليه حال وجود الإرادة والرغبة السياسية، وفي إطار هذه الردود، تبرز ثلاث تيارات:
الأول: تيار المؤيدين للدعوة:
1- النائب السابق دليهي الهاجري، قال: "الدعوة التي أطلقها الملك عبدالله بن عبدالعزيز نابعة من إحساس شعوب المنطقة، فالخليج العربي تربطه عدة روابط تسهل عملية الاتحاد الكونفدرالي الذي يطمح له مجلس التعاون الخليجي"، مبينا "ان ارادة شعوب الخليج العربي توافقت مع إرداة حكامنا فنحن تواقون إلى تطبيق مبادرة خادم الحرمين"، معربا "عن سعادته لان تكون الكويت أحد المساهمين في مجموعة العمل التي ستتولى الاعداد لتحقيق هذا الهدف الخليجي".
وأشار الهاجري "إن المكاسب التي ستتحقق من خلال الاتحاد ستفتح لنا آفاق التعاون الحقيقي في رقي المنطقة وفتح مجال اقتصادي كبير يساهم في رفاهية أبناء المنطقة كما أن هذا الاتحاد سيؤصل الديموقراطية في الخليج العربي من خلال مجلس شعب خليجي يكون مسانداً للحكومة الكونفدرالية ومقيما لمسارها في تحقيق الطموحات والاهداف المنشودة في الاتحاد".
2- النائب السابق فلاح الصواغ: أكد أهمية الكونفدرالية الخليجية بالنسبة للسياسة الخارجية والدفاع المشترك لاسيما في ظل التهديدات الإيرانية تجاه دول الخليج مجتمعة، وشدد على الإسراع فى إقرار الكونفدرالية الخليجية خاصة بعد تصريحات رئيس الأركان الإيراني، التي كشفت عن مدى الأطماع الايرانية الاستعمارية وأن منطقة الخليج العربي هي ملك لإيران.
وقال الصواغ: إن مصلحة الكويت فوق أي دساتير أو قوانين، مضيفا أنه من الممكن أن تكون هناك اقتراحات بتعديل بعض نصوص الدستور الكويتي في حال الضرورة خاصة وأن مصلحة البلاد أسمى من الاعتبارات الأخرى وهذا لن يتأتى إلا من خلال التعاون والتلاحم والتكاتف مع باقي دول الخليج العربي، مؤكداً أن هذه الاتفاقية سيتمّ إقرارها بمجرد عرضها على مجلس الامة.
3- النائب السابق د. على العمير: قال إنه يؤيد أي فكرة تدعو إلى توحيد الجهود الخليجية وتنسيقها وإزالة الفوارق والعقبات فيما بينها، لاسيما بين الكويت والسعودية، لافتا إلى أن ذلك سيرجع بالنفع على جميع سكان الخليج.وأضاف: إن الاندماج أصبح أمرا محسوما أقدمت عليه دول العالم الكبيرة، مبديا أسفه عن تأخر دول الخليج عن مواكبة هذا الركب منذ سنوات عدة مضت.
الثاني: تيار الرافضين للدعوة:
1- النائب السابق على الراشد: أكد أن الكويت دولة مستقلة ومتميزة دائما في عطائها وديقراطيتها وسياستها، وقال إننا نتمسك باستقلالية وطننا ولا نقبل بأن نكون جزءا من دول كبيرة أو مجرد دويلة.
2- النائب السابق حسين القلاف: رفض فكرة الكونفيدرالية قائلا إن الشعب سيتصدى لهذه الدعاوى التي يدعمها بعض أصحاب الأجندات الخاصة .
3- النائب السابق عدنان المطوع: قال إن الحديث عن الاتحاد الكونفدرالي الخليجي أمر يطرح بصورة لا تستند نهائياً إلى أساس صحيح، لأن مثل هذا الاتحاد يتعارض مع الدستور الكويتي الذي ينص على ضرورة استقلالية البلاد وهو عكس ما يؤكد عليه هذا الاتحاد من سياسة خارجية ودفاعية موحدة. ومن ينادي بالكونفدرالية من النواب فى ظل الدستور الحالي لا يعي معنى هذا الاتفاق.
وأضاف المطوع: إن القوانين المطبقة في دول مجلس التعاون تختلف اختلافاً كلياً من دولة لأخرى، حيث إن هناك دولة تعتمد على الانفتاح الكامل في معاملاتها عالمياً كالإمارات بينما يختلف الأمر نهائياً بالنسبة إلى المملكة السعودية التي تطبق الشريعة الاسلامية في قوانينها ومعاملاتها جميعها. مشدداً على أن هذه الاتفاقية لن تمرّ من خلال مجلس الأمة الكويتي أبدا. ولفت إلى أنّ التهديدات الإيرانية التي يدعيها البعض ما هي إلا أمور مفتعلة.
الثالث: تيار المتحفظين على الدعوة:
1- النائب السابق مبارك الخرينج: قال إن هناك توافق بين دول مجلس التعاون الخليجي على عدد من الاتفاقيات سواء المتعلقة منها بالشأن الدفاعي "كدرع الجزيرة" أو البطاقة المدنية الموحدة وأيضاً الاتفاق الخاص بإقرار العملة الخليجية الموحدة وكذلك الاتفاقية الجمركية، وكل هذه الموضوعات تعطي دلالة واضحة على أن هناك اتحاداً خليجياً أو شبه كونفدرالي ولكن ليس بالضرورة أن يطلق عليه " اتحادا كونفدراليا".
وفي حال إذا كانت هناك رغبة في الاعلان عن اتحاد كونفدرالي خليجي بشكل رسمي، فإن الأمر في هذه الحالة يحتاج الى ضرورة موافقة أصحاب العلاقة وهم قادة دول مجلس التعاون الخليجي، مشيراً إلى أن الأمر في ما يخص الشأن الكويتي يعود الى مجلس الامة من خلال عرضه عبر القنوات الدستورية بعد موافقة أمير البلاد صباح الأحمد الجابر الصباح.
2- النائب السابق ناجي العبد الهادي: قال إن طبيعة المجتمع الكويتي من الممكن ألا تقبل بما يحدث في الدول الخليجية الاخرى لذلك لابد من إجراء تمهيد مسبق للكونفدرالية الخليجية. فالكويت قطعت خمسين عاماً بالدستور الذي يرعى الطبقة الوسطى ويحافظ عليها. فهل هذه الطبقة توجد في باقي الدول الخليجية؟ وهل جميع الدول بها دساتير تحكم من خلالها؟ مؤكداً ضرورة أن "تحذو دول الخليج حذو الاتحاد الأوروبي الذي تغلب على التطهير العرقي بتوحيد العملة والاقتصاد حتى وصل الأمر إلى أن المواطن الأوروبي يتنقل في العمل بين الدول بكل أريحية".
المستوى الثاني: الاتجاهات الأكاديمية:
توزعت آراء الأكاديميين وأساتذة الجامعات الكويتية، بين مؤيدين ومتحفظين على الفكرة، فمن بين المؤيدين، جاء د.عبد الله النفيسي (أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت النائب السابق بمجلس الأمة الكويتي) الذي أيد قيام دولة فيدرالية تجمع دول الخليج، ودعا إلى إقامة صيغة وحدوية أو فيدرالية لدول مجلس التعاون الخليجي، مفترضا أن أغلب الكيانات السياسية سوف تزول في الإقليم ويبقى ثلاثة دول فقط هي السعودية وعمان واليمن. وأكد النفيسي أنه لا مناص من تكوين كونفدرالية بين دول الخليج الست بحيث يكون هناك جيش خليجي واحد ووزارة خارجية واحدة وذلك من أجل ردع الخطر الإيراني ووقف المد الشيعي الذي يجتاح دول الخليج العربي. وأشار إلى أنه إذا تحقق ذلك الاتحاد الكونفدرالي بين هذه الدول فإن سكان الخليج الشيعة سيصبحون أقلية قليلة جدا في دول الخليج بحيث لا تتجاوز نسبتهم 0،03 ٪ من جملة سكان الخليج. وبالتالي ينتفي الخطر الذي تشكله الأغلبية الشيعية في بعض دول مجلس التعاون الخليجي.
ومن جانبها أكدت د. هيلة المكيمي (أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت) أن دول الخليج كانت ولاتزال تشكل العمق الاستراتيجي للكويت، لان مكافحة الهاجس الامني الكويتي لا يكون إلا من خلال غطاء اقليمي مهم ورئيسي متمثل في منظومة مجلس التعاون الخليجي، وقالت: إن تصارع الدول الاقليمية تحتم علينا مسؤولية تاريخية يجب ان تعيها جيدا الدول الخليجية وهي ان تكون المبادرة اتجاه هذه المنطقة نابعة من هذه الدولة، لاننا للاسف فقدنا عنصر المبادرة منذ زمن، واصبحنا نتلقي من الآخرين ولا نرسل".
وفي السياق نفسه قالت د. مريم الكندري (أستاذة العلوم السياسية في جامعة الكويت):دول الخليج العربي تجمعها شراكة أبدية قائمة على الاخوة والوحدة، مؤكدة ان مواطني هذه الدول نشأوا على ان جميع دول الخليج تمثل كياناً واحداً بسبب التنشئة السياسية والمناهج الدراسية. متمنية ان تصل الشراكة الى توحيد العملة بحيث ننتقل من الجانب النظري الى العملي من خلال رؤية مشتركة لشعوب المنطقة التواقة نحو الوحدة.
أما عن المؤيدين للدعوة، ولكن مع إبداء بعض التحفظ على مضامينها وكيفية وتوقيت تحقيقها، فكان من بينهم، د.عويد المشعان (أستاذ علم النفس بجامعة الكويت)، الذى أكد أن الكونفدرالية بأنها ستكون خطوة في الاتجاه الصحيح باعتبارها ستجعل من الدول الخليجية كيانا قويا، لكنه طالب بعدم التسرع في اقامة تلك الكونفدرالية لتجنب وقوع أي سلبيات.وأضاف "بين الدول الخليجية عوامل مشتركة كثيرة ويجمعها هدف واحد وأمل واحد، وأي قضية تطرحها لن تجد هناك اجماعاً عليها، فبعض الناس لهم أهداف معينة ولكننا ننظر لمصلحة الكويت والخليج العربي".
ومن جانبه أكد د. عايد المناع، أن قيام اتحاد كونفدرالي بين هذه الدول على غرار الكونفدرالية الاماراتية هي الأفضل والأنسب حاليا بالنسبة للدول الخليجية. وأن أولي الخطوات الصحيحة لتقوية كيان هذه المنظومة الخليجية تكمن في التفكير نحو مزيد من الدعم لقيام الكونفدرالية الخليجية. وأضاف: إن كل عوامل الوحدة تجمعنا كخليجيين، ولكن السياسة هي من تفرقنا، ولا توجد جدوي من الدعوة نحو الوحدة والاندماج بين شعوب وحكومات المنطقة مالم تكن هناك حكومات شعبية منتخبة.
وفى مواجهة المؤيدين والمتحفظين، أعلن د. إبراهيم الحمود (أستاذ القانون العام بجامعة الكويت)، رفضه للفكرة، معتبرا أنها غير مناسبة لا في الوقت الحاضر ولا حتى في المستقبل القريب. بسبب وجود اختلافات كبيرة بين طبيعة الدولة الخليجية، وأضاف "لدينا في الكويت نظام ديموقراطي، بينما بعض الدول الخليجية ليس بها أنظمة ديموقراطية كاملة كما هو واقع في الكويت. فضلا عن ذلك نجد ان دولة الكويت ذات مساحة صغيرة وعدد سكان قليل مقارنة بدول خليجية أخرى، ومن ثم عند تطبيق الكونفدرالية سنجد أن هناك حرية انتقال للعمالة مما سيؤثر سلبيا على الكويت".
وشدد على ان المستفيد من تلك الكونفدرالية هي بعض الدول الخليجية غير الكويت، معللا ذلك بأن تلك الدول لديها بطالة ونمو اقتصادي متواضع. وتابع "قوة الدفاع الخليجية قد تكون أمرا جيدا وايجابيا أما أي نوع أخر من الوحدة الاقتصادية أو الاجتماعية أعتقد أنه سيكون له أثار سلبية على دولة الكويت"، رافضا الطرح بأن هذه الكونفدرالية قد تساعد في مواجهة الأخطار الخارجية، وقال: "هذه الكونفدرالية قد تجعلنا أضعف".
المستوى الثالث: اتجاهات الخبراء والناشطين السياسيين:
اتفق الخبراء والناشطين السياسيين، على أهمية الوحدة الخليجية، وضرورة العمل على وضعها موضع التطبيق، انطلاقاً مما اسموه بالمخاطر والتهديدات الشديدة التي تواجه دول الخليج، وفي هذا السياق، جاءت آراء فهد الشليمي، وأحمد الراسبي، وعبد الكريم الغربللي، بينما تحفظ سامي النصف النصف على الدعوة:
1- فهد الشليمي: أكد أن الاتحاد الكونفيدرالي هو النظام الانسب لدول الخليج العربي في المرحلة الراهنة لكونه يقوم على توحيد السياسة الخارجية والدفاعية دون مركزية اتخاذ القرار بعكس النظام الفيدرالي الذي يقوم على الحكومة المركزية. وقال إن الاخطار والتحديات التي تواجهها دول مجلس التعاون واحدة وتشمل جميع دوله وهو ما يدفع بتبني هذا النظام القائم على اللامركزية في الادارة الداخلية بحيث يمكن لكل دولة أن تدير شؤونها الداخلية والمالية بما تراه مناسبا لها مع الأخذ في الاعتبار وضع ميزانية لهذه الكونفيدرالية. ونوه أن هذه الوحدة الكونفيدرالية تعد واقعا قائما، لكنه غير معلن لكنها تحتاج الى المزيد من التفعيل للوصول الى الكونفيدرالية الكاملة.
2- أحمد الراسبي (رئيس منتدى وحدة الخليج والجزيرة العربية): أعرب عن تأييده للدعوة الى انتقال مجلس التعاون الخليجي من التعاون الى الوحدة الكونفدرالية. وأوضح أن هذه الوحدة هي الطريق الآمن والامثل لتحقيق الامن والاستقرار في مواجهة التحديات الراهنة التي تواجهها دول الخليج.
3- عبدالكريم الغربللي: أكد أن حلم انضمام دول مجلس التعاون في كيان واحد يمثل هاجساً لجميع شعوب المنطقة وهو ما لا يعني القفز على الواقع بل باتخاذ جميع الاجراءات التي من شأنها تحقيق هذا الحلم وترسيخه على أرض الواقع. وقال إن التنسيق الأفضل بين دول مجلس التعاون هو ما يتعلق بالسياسة الخارجية ومشاركة الشعوب في اتخاذ القرار وتحمل مسؤولياتها للانطلاق نحو المزيد من الديموقراطية. وأضاف أنه في حال اتخاذ هذه الخطوات يمكن تحقيق حلم خادم الحرمين الشريفين، مؤكداً انها فرصة تاريخية كبيرة أن تصدر المبادرة من قادة الشعوب وهو ما يؤكد حماسهم لهذا الاتحاد.
4- سامي النصف: وافق على تطبيق الفيدرالية ولكن بالتدرج، محذرا من عدم التعجل في هذا الأمر، لافتا إلى أن تجارب العرب في تلك القضايا ليست مشجعة على الإطلاق. وشدد النصف على أهمية وجود منظومة عسكرية خليجية تكون على أهبة الاستعداد للدفاع عن أراضي الخليج حال تعرضها لأي اعتداء. ويرى أنه من أجل تحقيق وحدة خليجية في أجل صورها لابد من التروي والعمل المرحلي المتدرج لإقامة مثل هذا النظام، لاسيما وأن دول الخليج تتميز بدرجة تباين تصل إلى 180 في أنظمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لافتا إلى أنه ستظهر إشكاليات في حال تطبيق هذا النظام.
خلاصة:
أمام هذا الرصد، لمواقف وآراء التيارات والقوي السياسية والأكاديميين والخبراء الكويتيين، يمكن القول أن الانقسامات في أغلبها سياسية، ولكن يبقي الخطر كامناً في استخدام ورقة المذهبية الدينية في التعاطي مع هذا الملف، وتصوير الأمر على أنه صراع بين "السنة" الموالين للمملكة العربية السعودية، و"الشيعة"، الموالين لإيران. وإثارة هذا البعد والتركيز عليه من شأنه أن يقود لمزيد من التأزيم والتوتر، بما ينعكس سلباً على معظم السياسات والتوجهات والخطط التي تتبناها الدولة داخلياً وخارجياً.
ساحة النقاش