السياسة الأمريكية وعلاقات مصر ودول حوض النيل
بعد ثورة يناير ـ 2
د. عصام عبد الشافي
7ـ كشفت وسائل إعلام أمريكية أن الولايات المتحدة تحاول طرح فكرة نقل تخرين المياه من بحيرة ناصر إلى إثيوبيا مع تشجيع مخطط قديم يقضي بمحاولة تحويل مجرى نهر النيل في إثيوبيا وأن "المكتب الأمريكي لاستصلاح الأراضي" يقوم بعمل الدراسات الخاصة بهذا المخطط، كما طرحت الولايات المتحدة خطة في الجنوب من حوض نهر النيل تقضي بتحويل مصادر المياه في تلك المناطق لتصب في منطقة البحيرات العظمى وسط القارة كخزان عملاق للمياه على أن يتم بيعها لمن يريد كالبترول.
وهو ما يعني تغييرا للقواعد القانونية الدولية المعمول بها في إطار توزيع مياه الأنهار، حيث دخلت مفاهيم جديدة كلية مثل تسعير المياه وإنشاء بنك وبورصة للمياه وتستخدم واشنطن في ذلك ذريعة أن حصص المياه التي تقررت لبلدان حوض النيل ليست عادلة وأنها تقررت في وقـت سابـق على استقلالهم وأنهما مستعدتان لتقديم التقنية التي تمكن تلك الدول من ترويض مجرى النيل وتوجيهه وفقاً لمصالحها.
8ـ ذكر المحلل السياسي الأمريكي "مايكل كلير" مؤلف كتاب "حروب مصادر الثروة" أن الإدارة الأمريكية توفر لإسرائيل كل سبل التأثير على دول مثل إثيوبيا وكينيا ورواندا وأوغندا والكونغو بهدف إبقاء مصر في حالة توتر دائم وانشغال مستمر. وأن هناك عدم إدراك كاف لحجم التغيرات الدولية التي جعلت من دول حوض النيل موطنا لصراع دولي، خاصة وأن الولايات المتحدة أصبحت بعد سقوط المعسكر الاشتراكي القوة الأولي في هذه المنطقة.
9ـ أعلنت الولايات المتحدة عن تبني عدة مشروعات استراتيجية من شأنها التأثير على المصالح المصرية، من أخطرها مشروع القرن الأفريقي الكبير. الذي يستهدف تدمير الدرع اليمنى لحوض النيل، وتمزيق السودان بغرض النفاذ منه الى قلب القارة وأقاليمها المائية للهيمنة على أهم موارد القارة الطبيعية الكفيلة بتوليد طاقة مائية هائلة. وهذا المشروع يشكل قيدا على الحركة المصرية في مجاليها الحيويين، العالم العربى والقارة الأفريقية.
كما طرحت فكرة بعث مشروع استعماري بريطاني قديم هو اتحاد شرق أفريقيا (كينيا وأوغندا وتنزانيا). وفي التصور الأمريكي فإن ذلك الاتحاد يمكن أن يضم دولة جنوب السودان بعد استقلالها، ومن شأن اقامته أن يتم شق تجمع "كوميسا" واضعاف دور مصر فيه، وبصفة خاصة اذا انضمت اليه اثيوبيا.
كذلك تبنت الولايات المتحدة مشروع خليج غينيا، وهو يرمي الى السيطرة على البترول المكتشف في دول غربي أفريقيا ووسطها، والذي تستهدف الولايات المتحدة من خلاله أن توفر عام 2015 نحو ربع احتياجاتها من النفط من هذه المنطقة، خاصة نيجيريا وتشاد والسنغال وأنجولا، كما استخدمت تلك الدول ركيزة للتدخل في دول جوارها الجغرافي كما حدث في أزمة دارفور، تلا ذلك الإعلان عن تأسيس القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا "أفريكوم"، في إشارة إلى أن المشاريع الأمريكية ليست برامج تنموية تحدث في فراغ استراتيجي، بل تظاهرها التدخلات والقواعد العسكرية.
10ـ في أغسطس 2010، أعلنت الولايات المتحدة تأييدها لمبادرة حوض النيل الموقعة بين دول الحوض التسع، لكنها نأت بنفسها عن تأييد أو رفض ما ورد في اتفاق الإطار الشامل الذي وقعته خمس من دول الحوض (أوغندا وكينيا وتنزانيا وإثيوبيا ورواندا) في مدينة عنتيبي بأوغندا في 14 مايو 2010 ورفضته مصر. وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، إن الولايات المتحدة تدعم المبادرة بنشاط كوسيلة لتشجيع النمو الاقتصادي ونشر السلام والأمن في منطقة حوض النيل، ونوه إلى أن موقف الولايات المتحدة كان ولا يزال يقضي بضرورة تعاون دول الحوض التسع، والعمل مع بعضها البعض لإنشاء هيئة دائمة تضم كافة الدول المعنية، واستدرك أن واشنطن لم يكن لها وليس لها أي موقف من القضايا الجوهرية الواردة في اتفاق الإطار الشامل الموقع في 14 مايو 2010.
وأعلن أن الولايات المتحدة ستواصل سعيها لدعم إدارة موارد حوض النيل بطريقة تعاونية، مشيرا إلى أن الصندوق الائتماني لحوض النيل، والذي يدعم المبادرة من خلال مساعدات يقدمها المانحون سينتهي عمله عام 2012، مضيفاً أن واشنطن تأمل في أن تكون هناك منظمة رسمية لدول الحوض قد أخذت مكانها بحلول هذا التاريخ تضم كل دول الحوض التسع، وأن الولايات المتحدة تقف على أتم استعداد لدعم الجهود الرامية إلى ذلك إذا طلب منها هذا.
ثانياً: السياسات الأمريكية وعلاقات مصر بدول حوض النيل بعد الثورة:
يمكن القول أن الدور الأمريكي في علاقات مصر بدول حوض النيل بعد الثورة، يرتبط بثلاثة مستويات مباشرة من التفاعلات، الأول: طبيعة التفاعلات المصرية الأمريكية، الثاني: طبيعة التفاعلات المصرية مع دول حوض النيل، الثالث: طبيعة التفاعلات الأمريكية مع دول حوض النيل.
يضاف إلى هذه المستويات المباشرة، مستويات أخرى غير مباشرة، ترتبط بطبيعة البيئة الدولية، وقضاياها، ودور القوي الكبري فى التأثير على هذه المستويات، وكذلك مواقف وتأثيرات بعض القوى الإقليمية ذات الصلة، وذات الاهتمام بالمنطقة.
وفي إطار هذه الاعتبارات تبرز عدة أمور، يمكن على أساسها وضع التصورات المحتملة للعلاقات المصرية مع دول حوض النيل، والتأثير الأمريكي عليها:
1ـ رؤية الولايات المتحدة لدور مصر الإقليمي: انطلقت رؤية الولايات المتحدة لمصر، قبل ثورة يناير، من رؤيتها للعالم العربى الجديد، والذى تتمثل أهم ملامحه في القيام بدور فاعل لتحقيق السلام بينهم وبين اسرائيل، ورفض الإرهاب بغض النظر عن مبرراته ودوافعه، والالتزام باتخاذ إجراءات عملية وبكافة السبل لقطع أى نوع من المساعدات للجماعات الارهابية، والمساعدة فى قيام عراق جديد يتمتع شعبه بالحرية والديمقراطية، وخال من أسلحة الدمار الشامل، وأن يكون على علاقة سلام مع جيرانه ومع العالم، وحث دول المنطقة على فتح اسواقها للتجارة ومشاركة الولايات المتحدة فى إنشاء منطقة تجارة حرة بينها والشرق الأوسط، مع التأكيد على أهمية المؤسسات الديمقراطية والمشاركة السياسية فى تحقيق آمال شعوب المنطقة وإطلاق قدراتها الكامنة، وان الولايات المتحدة سوف تقوم بمساعدة الدول التى تنتهج هذا الطريق.
وفي مايو 2009، صدر تقرير عن وحدة أبحاث الكونجرس الامريكى، تحت عنوان "مصر: خلفية والعلاقات مع الولايات المتحدة"، تحدث عن تراجع أهمية مصر الإقليمية، وانحسارها في مراقبة حدود غزة ولعب دور الوساطة بين إسرائيل والولايات المتحدة من ناحية وحماس من ناحية أخرى، والتعاون الاستخباراتي والأمني مع الولايات المتحدة.
إلا أن هذه الرؤية، شهدت تحولا كبيراً بعد ثورة يناير، مفاده النظر إلى مصر على أنه يمكن أن تكون قاطرة التنمية الاقتصادية، والتحولات السياسية في المنطقة، وأن ما حدث فيها، يمكن أن يهز أركان المنطقة التى ظلت بعيدة عن الإصلاح ـ وفق الرؤية الأمريكية ـ لعقود طويلة، وبالتالي فمن المهم توثيق العلاقات بها، ودفعها باتجاه تحقيق هذا الهدف.
2ـ أن هناك العديد من الأسباب التي أدت إلى تراجع الدور المصري في حوض النيل، منها:
(أ) علي المستوي الرئاسي: لم يكن هناك اهتمام كاف بإفريقيا, وكانت الزيارات مقصورة فقط علي استقدام رؤساء الدول الإفريقية إلي مصر, ولم يكن هناك رد لهذه الزيارات من الجانب المصري, كما كان الرئيس السابق قليل المشاركة في القمم الإفريقية, خاصة بعد حادث أديس أبابا, لهذا كانت هذه الدول تأخذ موقفا مضادا من مصر. وبناء علي ذلك كانت تفسر بالنسبة لهم بقدر من التعالي وعدم الاهتمام, مما يؤثر بالتالي تأثيرا سلبيا بالنسبة لوضعية ومكانة مصر بالنسبة لإفريقيا.
(ب) غياب دور للمجتمع المدني والبرلمان المصري في التواصل مع شعوب هذه الدول, وبالتالي كنا في معزل عنها, ولم تكن هناك أي آلية يمكن أن تقرب أو توصل وجهات النظر المتبادلة.
(ج) تراجع دور الإعلام المصري, فالمكاتب الإعلامية غير كافية في الدول الإفريقية, فلا وكالة الأنباء المصرية ولا حتي التليفزيون المصري بقنواته الفضائية يصل إلي هذه الدول, أو حتي يتم نقل من البرامج ما يساعد علي تعريف المواطن المصري بالتطور الحادث في إفريقيا, والتقدم الديمقراطي, والاقتصادي فيها.
(د) أن رجال الأعمال المصريين، اهملوا السوق الأفريقية والاستثمارات في دول حوض النيل، برغم أن إفريقيا هي السوق الطبيعية لمصر، كما أنها عضو في منظمة الكوميسا التي تعطي مميزات تفضيلية للصناعات والمنتجات المصرية للنفاذ إلي إفريقيا.
وهذه العوامل مجتمعة أدت إلي التقصير من شأن إفريقيا, ووصلت بالسياسة الخارجية المصرية إلي ما كات عليه قبل الثورة من تعثر, وهو ما انعكس بالتالي علي ملف مياه النيل.
3ـ إن ضعف الدولة المصرية في الخارج، في مرحلة ما قبل الثورة، وعدم امتلاكها دبلوماسية نشطة ومقنعة خلق فجوة بين مصر وإثيوبيا ـ الفاعل الرئيس في القضية محل الاهتمام ـ كما أن الرئيس المصري السابق، حسني مبارك، اتخذ موقف متشدد مع إثيوبيا في الوقت الذي لم تكن مصر تمتلك فيه أية أوراق تمكنها من وضع شروط لتأمين حقوقها في مياه النيل. فالخلاف بين مصر وإثيوبيا حول الاتفاقية الإطارية لتقسيم المياه بين دول الحوض، يمكن رده في جانب منه إلى "الاستعلاء المصري" على الدول الأفريقية، الذي خلق حالة من التوتر الدائم بين دول الحوض ومصر.
4ـ إن إثيوبيا ـ من وجهة نظر البعض ـ ترى أن مرحلة ما بعد الثورة في مصر، تمثل لحظة تاريخية ومناسبة لها لانشغال مصر بشؤونها الداخلية وفرصة لتكريس موقفها من أزمة المياه الذي يعد جزءا من إستراتيجية أكبر تسعى من خلالها إثيوبيا دور فاعل في منطقة القرن الأفريقي وحوض النيل، تحت المظلة الأميركية التي تعتبر إثيوبيا نقطة ارتكاز أساسية لسياستها ومن ثم فهي ترعى القيادة الإثيوبية من خلال توفير الاستثمارات والمساعدات لتحقيق هذا الهدف، خاصة وأن الولايات المتحدة سبق أن استخدمت إثيوبيا أداة لإجهاض حكم المحاكم الإسلامية في الصومال، وما زالت تلعب دورا مهما في الإستراتيجية الأميركية لمحاربة الإرهاب.
ومن هنا، ووفق هذا الطرح، يري أنصار هذا الرأى أن ما قدمته إثيوبيا من مرونة أثناء زيارة الوفد الشعبي المصري بتأخير التصديق على الاتفاقية إلى نهاية عام 2011، خطوة شكلية لأن عملية التصديق ستستغرق بالأساس أربع سنوات، كما أن التصريحات المتشددة لرئيس الوزراء الإثيوبي "ميليس زيناوي" قبيل زيارة رئيس الوزراء المصري "عصام شرف" هي محاولة لخفض سقف التوقعات من هذه الزيارة، خاصة أن مصر تسعى إلى عدم التصعيد وإبقاء العلاقة مع إثيوبيا ودول الحوض في إطار التعاون واستخدام التفاوض لإدارة الأزمة.
يتبع بمشيئة الله تعالي
ساحة النقاش