المجلس العسكرى وإلغاء اتفاقية بازل التى تمنع
دخول النفايات الخطرة إلى مصر
د. خالد السيد المتولى محمد
إن البيئة فى أبسط معانيها عبارة عن الهواء الذى يتنفسه الإنسان، والماء الذى يشربه، والطعام الذى يأكله، لذا لا يستطع المواطن المصرى الاهتمام بصحته الشخصية وصحة أفراد أسرته بمعزل عن البيئة الذى يعيش فيها، إذ أن حق الإنسان فى الصحة مرتبط ارتباطاً لا يقبل التجزئة بحقه فى البيئة، شأنه فى ذلك شأن جل حقوق الإنسان الأساسية، إذ أنها حقوق عالمية، غير قابلة للتجزئة ومترابطة ومتشابكة. ولقد حرصت مصر أن تحتفل مع العالم فى الخامس من يونيو، باليوم العالم للبيئة، إذ جاء الشعار المصرى للاحتفال بهذا اليوم متوافقا مع السنة الدولية للغابات. وبهذه المناسبة نتساءل مع البعض عن جهود المجلس العسكرى ، وحكومة الدكتور عصام شرف فى وقف تدهور الوضع البيئى فى مصر، خاصة وأن ثورة 25 يناير أعلنت شعار " لا للتلوث"، كما أكد المجلس العسكرى التزامه بالاتفاقيات الدولية النافذة فى النظام القانونى المصرى، والتى من أهمها الاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية البيئة. إذ شهدت الحقبة الماضية صدور قوانين ولوائح وقرارات وزارية لا تكفل تنفيذ تلك الاتفاقيات ، أو تحمل بين طياتها التعارض فيما بينها، الأمر الذى تسبب مباشرة فى إفساد الإطار التشريعى الوطني لحماية حقوق المواطن المصرى التى كفلتها الوثائق القانونية الدولية النافذة فى النظام القانونى المصرى، الأمر الذى أدى إلى انتهاك العديد من الحقوق الأساسية للمواطن المصرى ، بما فى ذلك حقه فى التنمية ، وحقه فى الصحة، وحقه فى العيش فى بيئية صحية ملائمة له ولأولاده، وحقه فى الرأى والتعبير والوصول للمعلومات البيئية. فمثلا اتفاقية بازل لعام 1989 بشأن التحكم فى نقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود، ـ التى كان وراء اعتمادها جهودا لا تنكر بذلها الخبير العالمى المصرى الدكتور مصطفى كمال طلبه، والتى حرصت مصر أن ترفق بموافقتها على الانضمام إليها، ثلاثة إعلانات: أولها بشأن مرور السفن التى تحمل نفايات خطرة فى البحر الإقليمي المصري. والإعلان الثانى بشأن فرض مصر حظراً شاملا على استيراد النفايات الخطرة وغيرها من النفايات، وذلك تأكيدا لموقف مصر من أن نقل هذه النفايات والتخلص منها داخل إقليم جمهورية مصر العربية، يشكل تهديداً لصحة الإنسان والحيوان والنبات والبيئة، على نحو ما ورد بالإعلان. وثالثها إعلانا شاركت فيه مع مصر دول أخرى ـ تتطلب من الدول الأطراف، أن تتخذ تدابير تشريعية وإدارية وطنية تكفل تنفيذ أحكامها وتوقيع عقوبات جنائية ومدنية رادعة على كل من يخالف أحكامها لاسيما المساهمين فى ارتكاب أفعال الاتجار غير المشروع بالنفايات الخطرة. ولكن من الثابت أن صدور القانون رقم 4 لسنة 1994 بشأن حماية البيئة، المعدل بالقانون رقم 9 لسنة 2009، تسبب فى إلغاء اتفاقية بازل لعام 1989 ، وهو الأمر الذى أكدته محكمة النقض المصرية الصادر بتاريخ 19/10/2003 فى الطعن رقم 3487 لسنة 71 ق. هذا فضلا عن أن القانون رقم 4 لسنة 1994، لم يشتمل على تحديداً لماهية العديد من المصطلحات والتى من بينها،" النفايات"، والمخلفات الخطرة، والاتجار غير المشروع، ...الخ ، كما لم يوضح الفرق بين " النفايات الخطرة" و" المخلفات الخطرة". كما تم تحديد ماهية لفظ " الاتفاقية" الوارد فى المادة 1/3 من القانون رقم 4 لسنة 1994، بما يستبعد من نطاقه كل الاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية البيئة التى انضمت إليها مصر أو التى ستنضم إليها مستقبلاً، باستثناء الاتفاقيات الدولية بشأن حماية البيئة البحرية،
كما سمحت العديد من القرارات الوزارية ، بالمخالفة لأحكام اتفاقية بازل لعام 1989 واتفاقية باماكو 1991، باستيراد النفايات الالكترونية الخطرة، كالقرار رقم 194 لسنة 1997 الصادر عن وزير التجارة والتموين، وقرار وزير التجارة الخارجية والصناعية، رقم 770 لسنة 2005، إذ اشترط لاستيراد أجهزة الكمبيوتر ملحقاتها المستعملة ألا يمضى على تاريخ إنتاجها أكثر من عشر سنوات. و قرار وزير التجارة والصناعة رقم 603 لسنة 2007 ، إذ اشترط لاستيراد النفايات الالكترونية الخطرة، ألا يمضى على تاريخ إنتاجها أكثر من خمس سنوات.
كما لم يتم نشر التعديلات التى طرأت على اتفاقية بازل لعام 1989 فى الجريدة الرسمية لإضفاء الشرعية على نفاذهما، خاصة تعديل اتفاقية بازل لعام 1998 بشأن قوائم النفايات الخطرة، إذ من المسلم به فقها وقضاء أن القوانين واللوائح التنظيمية لا تنفذ إلا من تاريخ نشرها، ولا يجوز الاحتجاج بها إلا بعد نشرها فى الجريدة الرسمية، وتطبيقا لذلك لا يكفى للاحتجاج بقوائم اتفاقية بازل، صدور خطاب بهذا الشأن مؤرخ 21/3/2000 عن "جهاز شئون البيئة"، موجه "لمصلحة الجمارك". وقيام الأخيرة بإصدار المنشور الاستيرادي رقم 23 لسنة 2000 المؤرخ 8/4/2000 بشأن العمل بقوائم النفايات الخطرة لاتفاقية بازل.
وفى ضوء ما سبق، وبمناسبة احتفال مصر باليوم العالمى للبيئة، نطالب المجلس العسكرى وحكومة عصام شرف، بمراجعة القوانين واللوائح والقرارات الوزارية فى ضوء الاتفاقيات الدولية البيئية النافذة فى النظام القانونى المصرى، بما فى ذلك اتفاقية بازل، وذلك باتخاذ ما يلزم لإنفاذ أحكام اتفاقية بازل والتعديلات التى طرأت عليها على المستوى الوطنى، والاتفاقيات الإقليمية التى أبرمت فى إطار المادة 11 منها والتى من أهمها اتفاقية باماكو لعام 1991، وبروتوكول أزمير لعام 1996 التى وقعت عليه مصر ولم تقم بالتصديق عليه حتى الآن، إذ تحظر أحكام البروتوكول على الدول المتقدمة تصدير النفايات الخطرة والمشعة والمنتجات والمواد الكيميائية ومبيدات الآفات المحظورة أو المقيدة بشدة إلى الدول النامية ومنها مصر.
كما نناشد المجلس العسكرى بأن يتخذ ما يلزم لانضمام مصر إلى اتفاقية اللجنة الاقتصادية لأوروبا لعام 1998 الخاصة بإتاحة فرص الحصول على المعلومات عن البيئة ومشاركة الجمهور فى اتخاذ القرارات بشأنها والاحتكام إلى القضاء فى المسائل المتعلقة بها، إذ ستكفل أحكام هذه الاتفاقية إنفاذ حقوق المواطن المصرى فى الرأى والتعبير والوصول للمعلومات البيئية التى تحتفظ بها السلطات العامة، وفى المشاركة فى المشاركة فى اتخاذ القرارات البيئية، وفى الاحتكام إلى القضاء فى المسائل البيئية، خاصة وأن المادة (19/3) من تلك الاتفاقية تفتح باب الانضمام أمام كل الدول الأعضاء فى منظمة الأمم المتحدة.
للتواصل مع الكاتب:
ساحة النقاش