دولة شرم الشيخ مقابل دولة التحرير
بقلم/ سماء سليمان
باحثة سياسية
سيناريو آخر يُحَاك في شرم الشيخ بقيادة الرئيس السابق محمد حسني مبارك وهو سيناريو "الاستقرار مقابل الفوضى" والذي طرحه في خطابه الثاني يوم الثلاثاء الموافق 1 فبراير 2011، والذي فسره البعض آنذاك بأنه تهديد للثوار في دولة التحرير وإن كان نُفِذ جزءا منه بالفعل في الأربعاء الدامي بطريقة بدائية أثارت امتعاض العالم كله، ورغم محاولة وسائل الإعلام القومية إلصاق التهمة في بعض أعضاء الحزب الوطني ومحاولتهم أن يحلو محل ثوار التحرير إلا أن هذا السيناريو لم يكن المقصود به فوضى في ميدان التحرير فقط ولكن فوضى في منطقة الشرق الأوسط ومن ثم العالم وذلك ليطرح نفسه بأنه هو القادر على تحقيق الاستقرار في مصر والمنطقة والعالم، وهو السيناريو الذي يحتاج لفترة أطول أي استخدام سياسة النفس الطويل، وأن الصبر مفتاح الفرج، وقد بدأ هذا السيناريو في التنفيذ ومن ملامح ذلك التالي:
<!--إعلان نائب رئيس الجمهورية –آنذاك- السيد عمر سليمان تخلي الرئيس محمد حسني مبارك تخليه عن رئاسة الجمهورية وكلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد وهنا أتساءل ما معنى "تخلي" وهل عدم استخدام كلمة تنحى تعطي للرئيس السابق الحق في العودة إلى سدة الحكم، وكيف يكلف رئيس تخلي عن الحكم المجلس الأعلى لإدارة شؤون البلاد وأرى أن الأولى بإدارة البلاد –مع احترامي للقوات المسلحة- لجنة منبثقة عن الثورة والثوار.
<!--بقاء السيد عمر سليمان النائب السابق لرئيس الجمهورية والسيد زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية في قصر العروبة حتى الآن واستمرارهم في إرسال التقارير اليومية للرئيس مبارك في شرم الشيخ بشكل يومي كما كان قبل ثورة 25 يناير.
<!--الإبقاء على وزارة السيد أحمد شفيق التي عينها الرئيس السابق محمد حسني مبارك وجميع الوزراء فيها، والإعلان عن عزم رئيس الوزراء على إجراء تعيين جزئي بها وليس كلي يحتوى على تعيين الوزراء الذين لم يعينوا حتى الآن منذ بداية تكوينها ومنهم وزارة التربية والتعليم والسياحة فضلا عن وزارة الإعلام الذي استقال وزيرها عندما أحس بأن التيار غير مواكب الآن، والذي شارك في برنامج مصر النهاردة وأكد للإعلامي محمود سعد بأنه سوف يستضيفه قريبا في هذا البرنامج في إشارة إلى أنه عائد مرة أخرى إلى التليفزيون.
<!--عدم حل الحزب الوطني حتى الآن واستمرارهم في التوغل في كل مؤسسات الدولة.
<!--تكليف لجنة تعديل الدستور برئاسة المستشار طارق البشري بتعديل المواد التي أشار إليها الرئيس السابق اللهم مع إضافة بعض مواد أخرى مع الإبقاء على المواد التي تعطي للرئيس صلاحيات مطلقة.
<!--تأكيد رئيس الوزراء بعدم تغيير رؤساء مجالس الإدارات ورؤساء تحرير الصحف القومية أو أي مؤسسة من مؤسسات الدولة ألا يعني ذلك استمرارهم في سياسة الدولة قبل الثورة ودس السم في العسل لتوجيه الرأي العام ضد الثورة.
<!--عدم اتخاذ رئيس الوزراء أي قرار من شأنه أن يصب في مصلحة الشعب الذي تكاتف ضد النظام، فضلا عن بيع الوهم لهم جميعا من خلال وعود بالتعيين وتوفير شقق وما إلى ذلك.
<!--تردد بعض الأخبار حول مخطط من قبل السيد جمال مبارك وشركائه في البورصة لإسقاطها وإلحاق الضرر بالاقتصاد المصري فور فتحها.
<!--تسيير مظاهرة في منطقة المهندسين يوم الجمعة الموافق 18 فبراير تحت مسمى "جمعة الوفاء" للرئيس السابق مبارك وذلك مقابل جمعة النصر التي أقامها الثوار احتفالا بنجاح الثورة.
ألا تصب كل هذه الملامح في صالح ثورة مضادة لإفشال ثورة 25 يناير وفرض مزيد من الفوضى في البلاد والخروج بنتيجة وهي "المطالبة بعودة الرئيس مبارك" وهي الرسالة التي بدت واضحة من خطاب الرئيس السابق –تمت الإشارة إليه أعلاه- والتي عنى بالفوضى فيه ليس في مصر فقط ولكن في منطقة الشرق الأوسط وهو ما تشهده العديد من دول المنطقة مثل البحرين واليمن والجزائر وبعض الإرهاصات في السعودية وسوريا، الأمر الذي يدفع به الدول الكبرى لمساعدته للعودة خاصة أن هناك مؤشرات بدأت تلوح في الأفق وتصب في هذا الاتجاه ومنها:
<!--الحديث من قبل قوى كثيرة في الداخل تنادي بإعادة النظر في بعض بنود اتفاقية السلام بين مصر إسرائيل الحليف الاستراتيجي لأمريكا في المنطقة.
<!--إبداء جماعة الإخوان رغبتها في ممارسة نشاط سياسي علني قد يكون من خلال إنشاء حزب سياسي وظهور مخاوف من دولة إسلامية في مصر تعادي إسرائيل.
<!--مناداة العديد من المفكرين بدولة قوية وفتية ولها وضعها السياسي في المنطقة والعالم وهو الأمر الذي لا يرضاه العديد من دول المنطقة مثل تركيا وإيران وكذلك دول العالم سواء الصاعدة منها أو الكبرى، خاصة أن مصر أضحت دولة كاتبة للتاريخ.
ومن ثم يمكن القول أن عدم الحنكة السياسية لدى البعض دفع بتصريحات وتوجهات ومخاوف من قبل الدول المحيطة بنا، ومن ثم أرى أنه لكي نفصح المجال لولادة مصر الجديدة والحيلولة دون نجاح سيناريو دولة شرم الشيخ أرى أن هناك عدد من الخطوات الواجب اتخاذها مثل:
<!--أن يعلن المستشار طارق البشري ضرورة تغيير الدستور بشكل كامل خاصة أن ترقيع الدستور لكي يسير البلاد خلال الفترة الانتقالية لانتهاء فترة الرئيس السابق ليست إلزاما على الشعب المصري خاصة أن مصر كانت تحكم بدستور فعل فيه المواد التي تعطى للسيد رئيس الجمهورية والمواد التي تفعل العمل بقانون الطوارئ، وفي حالة اعتراض أي من الجهات فإن ذلك سيكشف النوايا السيئة من الإصرار على عدم العمل على تغيير الدستور بشكل كامل خاصة أن الضغط بحجة عامل الوقت هي ما يحدده الشعب المصري وليس المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
<!--الدعوة إلى دولة برلمانية وذلك لننقذ مصر من حكم الفرد وشخصنة النظام خاصة أننا جميعا فراعنة وللكرسي مغرياته، وبالتالي تخليص الشعب المصري من الدخول في انتخابات رئاسية يتنافس عليها إناس لا يوافق عليهم الغالبية من الشعب لتنوعهم ف5ي التوجهات والتخصصات هذا فضلا عن إعطاء الفرصة لهؤلاء بأن يخدموا مصر من خلال مواقع مختلفة وعلى رأسها البرلمان الذي سيعكس مدى شعبية كل منهم وقدرته على العطاء لمصر الجديدة، فضلا عن أن دولة التحرير قامت بدون قيادة ومن ثم مصر ما بعد الثورة يجب أن تقوم بدون قيادة أيضا كما أن العمل بروح الجماعة كان من السمات الأساسية لدولة التحرير وبالتالي فإن استمرار هذه الروح يجب أن يستمر في مصر الجديدة.
<!--التوقف عن الحديث عن عدم جاهزية الشعب المصري لممارسة الديمقراطية، خاصة أن فترة الثلاثين عاما دفعت الشعب إلى الانخراط في السياسية من خلال الحديث عن مساويء النظام وتراجع الأداء الحكومي، كما أن ما حدث في دولة التحرير وظهور الوعي السياسي لدى قطاعات متباينة من الشعب المصري يجعلنا نتفاءل بالأداء الديمقراطي للشعب المصري وحرصه على المشاركة في بناء الدولة بإجادة اختيار العضو المناسب لذلك.
<!--أن وجود الإخوان المسلمين في البرلمان القادم لا يعنى الخوف منهم كجماعة منظمة ولكن المحك في الحكم عليها هو أدائها داخل البرلمان والعمل على تحقيق المصلحة العامة، فحالة الذوبان التي عمل فيها الجميع في دولة التحرير يجب أن تستمر.
<!--تغيير الحكومة الحالية بأخرى أكثر قوة وكفاءة من شأنه توقف ما يشاع بأن الحكومة الحالية تتلقى تعليماتها من الرئيس السابق ووقف هذه الاتهامات لشخص مثل الدكتور أحمد شفيق المعروف بالنزاهة والكفاءة.
<!--تشكيل جبهة قوية مثل ائتلاف ثورة 25 يناير لتمثل الثورة تضم كل الفئات العمرية على أن تكون نواة لحزب سياسي قوي ومن ثم يجب العمل على إنشائه قبل الانتخابات البرلمانية القادمة.
<!--بناء مشروع قومي لمصر يبدأ من القاعدة وينتقل إلى النخبة بحيث يحدث حوله توافق مجتمعي ويتم تقسمه إلى مراحل زمنية للتنفيذ بحيث تحاسب كل وزارة ما أنجزته وأخفقت في انجازه أمام البرلمان ومن ثم الشعب.
وفي النهاية كما كان إيماني بالله بأنه سينصر الثورة فإنني بثقة كبيرة في حنكة الشعب المصري وعظمته وقدرته على الإصرار على تخطي الصعاب وتحقيق المعجزات ونقل دولة التحرير من الميدان إلى كل بقعة على أرض مصر.
ساحة النقاش