المعاهد البحثية ومراكز الدراسات، قبل أن تكون إنتاجا ثقافياً ومعرفياً، هي منجز حضاري متميز، فهي المرآة التي تعكس اهتمام الأمم والشعوب بالعلم والمعرفة واستشراف آفاق المستقبل وفق المنظور العلمي والمعرفي، كما تعكس توجه الأمم والشعوب في حفظ تراثها ومنجزاتها المعرفية والحضارية.. لأن حفظ المنجز الفكري والسياسي والاجتماعي والعلمي لمجتمع ما، هو ممارسة واعية بالتحولات والتطورات التي تحصل في المجتمع، وعملية هادفة لتأكيد ذاكرة المجتمع الحضارية.. فالمعاهد البحثية، هي بمثابة المخزن والوعاء لذاكرة التاريخ الإنساني، في أبعاده المختلفة، وعلى حسب اهتمام واختصاص مراكز البحث والدراسة.. والمراكز البحثية كحدث أو منجز حضاري، هي وليد الواقع النهضوي، الذي يعيشه مجتمع ما، إذ يسعى كل مجتمع في مسيرته إلى تأسيس الأطر والأوعية المنسجمة وظروفه التاريخية، التي تحفظ منجزاته العلمية والمعرفية، وتسعى نحو تطويرها وتأكيدها في الوسط العام.
ومع انبثاق عمليات الاهتمام المعرفي، وتبادل المعلومة والمعرفة والخبرة العلمية، ضمن إطار مؤسسي دائم، يطلق عليه "مراكز البحوث والدراسات"، غدت الشعوب والأمم والحضارات، تتبادل معارفها، وتحافظ على مميزاتها وخصائصها، انطلاقاً من ورش العمل البحثية المنتشرة في أرجاء المجتمعات المتحضرة.. كما أصبحت مراكز البحث وسيلة فضلى، لعرض المنجز الفكري والعلمي والحضاري لأية أمة من الأمم.
إلا إن أخطر ظاهرة تواجه العمل المؤسسي البحثي، هي نزعة الهيمنة المعرفية، التي تحول أنشطة المعهد البحثية إلى أداة هدامة للمعارف الأخرى.. ففي الكثير من الأحيان، نجد أن معاهد الدراسة تسعى نحو توظيف تراث أمة أو فكرها لخط أيدلوجي وسياسي معين، فيتم إخضاع المعرفة والمعلومة بشكل متعسف لذلك الخط الأيدلوجي أو التوجه السياسي.
فالكثير من مراكز البحوث والدراسات ما هي إلا امتداد أيدلوجي وسياسي، لنظام سياسي معين، يسعى نحو توسيع رقعته الجماهيرية، أو استيعاب النخب الثقافية والفكرية، وهنا يصبح المركز البحثي جزءاً من الترسانة الفكرية والأيدلوجية الذي يسعى من خلال نشاطه وأعماله البحثية والأكاديمية، إلى توظيفها بما ينسجم ونزعة الهيمنة ومنطق المركزية الثقافية، فعدم التجرد في شكل من الأشكال، هو إحدى المشاكل الأساسية التي تعاني منها مراكز الأبحاث والدراسات .
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
ساحة النقاش