ماذا يعني أن تدرس الفلسفة؟
عبد المجيد سعيد
هل تدرس الفلسفة؟
إذن فأنت متهم في دينك وعقلك وخلقك إلى أن يثبت العكس.
أنت ملحد بالفطرة وفي أحسن الأحوال مشكك لا يؤتمن جانبه. ولأنك تسأل أسئلة مطلقة وتستغرب مما يراه الناس عاديا فأنت متكلف وتزايد على واقع شديد الوضوح والبداهة. وما دامت تسأل حول كل شيء وناذرا ما يقنعك أي شيء وتزيغ عن دروب السلف فإن في أخلاقك نقصا وفي طباعك غرابة.
تلامذتك سيتحينون الفرص لتتورط في تشكيك في عقيدة أو تغفل ذكر صحابي أو نبي، أو لا تحييهم بتحية الإسلام، أو تندمج في درس بغيض وتنسى أن نفتتح بـ" بسم الله الرحمن الرحيم".
وويل لك من نظرات حيرتهم وأنت تقدم لهم أفكارا فلسفية وتقول إنها لا تمثل الحقيقة، وأن عليهم أن يفكروا بأنفسهم ولمصلحتهم. وويل لك من تلميذ علمي يريد قوانين ونظريات لا تناقض فيها، وويل لك من تلميذ أعفى عقله منذ أيام المرابطين عن التفكير الشخصي والعقلاني.
زملاؤك سينظرون لك بعين الريبة والحذر و الفضول: فمدرس الرياضيات والعلوم سيراك طفيليا كثير الكلام والتنظير، مدرسوا اللغة سيرونك متكلما غير بارع بقواعد النحو وقد يتعاطفون معك. أما مدرسوا الاجتماعيات فسيحدثونك عن ذكرياتهم السعيدة أو الشقية مع مادة الفلسفة. إن قلت شيئا في اجتماع مدرسي فسيتغامزون على غرابة ونزق ما تقول، وقد تبسم مدرسة حامل في وجهك بمضض وهي تقول " الله يستر"، وبطنها الممتد يثبت أن الله لم ييأس من الناس بعد.
أهلك سيتنذرون بالفلفسة وتكون حديث موائد شايهم. وهم لم ينسوا كيف اخترت شعبة غريبة لم يكن لها مستقبل لولا حسابات سياسية أعادت الفلسفة إلى المدارس.
في الشارع قلة من جيرانك سيبحثون عن نوع المادة التي تدرس، وإن عرفوها فتق أنهم لن يستغربوا منك أي شيء، بل سيبحثون ويستفزون الغرابة في سلوكك لكي يطمئنوا إلى أن أفكارهم حول الناس لا تخطأ. ويطمئنوا إلى هبة الفراسة التي يمنحها لهم أصلهم الشريف.
إن كنت ذكرا وتدمن المقاهي لن تسلم من المتطفلين الحاملين والذاكرين لأسئلة عتيقة من باكلورياتهم المجيدة أو انصاف أسئلة سمعوها في "الجزيرة". قد تأخذك الحمية وتجيب وهم سيسمعون لكنهم سيعاودون السؤال لأنهم لا يريدون جوابا بل فقط الحديث.
إن أردت أن "تصلح" منزلك وحاولت بمضض أن تدردش مع "المعلم" وعرف المتعلمون أنك تدرس الفلسفة فسيسألونك عن القضاء والقدر والسياسة. وعندما تذهب سيضحكون علنا وفي سرهم عن فراغ أناس يحترفون الكلام.
إن حاولت (لا قدر الله) أن تتزوج فسيسأل انسباؤك عن مهنتك وتخصصك، وعندما يعرف أب العروس أنك تدرس الفلسفة، فسيسحب جسده المترهل ويرخي رأسا أثقله المكر والخوف على مستقبل بناته ويقول ضاحكا ومداعبا لسبحة مشرقية : يقولون إن الفلسفة تقود إلى الإلحاد، ويستدرك خجلا، والجنون. فتنبهه نسيبتك (التي أصبحت بحكم السن وضعف الزوج ربة البيت) لا سي فلان (وفلان هذا هو أنت) راه تبارك الله مثبت. وتنظر لعينك نظرة حال من يقول "خلي هذ النهار ايدوز على خير. وأنت بحكم الخوف والحياء المؤقت والرغبة في الحصول على الفتاة ستحدر رأسك وتبدي القبول وتقول: لا دااك شي لي كتعرفوا ما بقا ش ورا ما كاين لا إلحاد لا والو. وقد ينجدك أخ العروس الذي أنهكته سنوات الرقابة الخاوية على أخته: يقولون" كثير من الفلسفة يؤدي إلى الإيمان والقليل منها يؤدي إلى الكفر" وتهز رأسك موافقا في بلادة. وأنت تعلم أن الكثير من الفلسفة لا يقود إلى الإيمان. وتعرض كل أسماء الفلاسفة الملحدين، لكنك تطردهم كذبابة صيف وتقول وكثير منهم مؤمنون.
إن حدث وشغلتك الحياة عن حلق رأسك أو وجهك أو الاعتناء المبالغ به بأظافرك وهندامك فسيقولن" فيلسوف مجنون.
تنظر إلى الناس فترى أغلبهم "دوكسة" يفضلون ما وجدوا عليه آباءهم وإن جئتهم بأهدى منه، تراهم عميان يرون التشابه والوضوح في كل شيء وإن كان الواقع حولهم يصرخ بأنه ليس كما يظهر. تراهم منافقين جبناء غير قادرين على مواجهة أسئلتهم الوجودية وصراعاتهم الأخلاقية بشكل منطقي وعلني. يراك البعض بغيض المدينة المدرسة الذي يتحمل كل شرورها. وقد لا تعدم من الإخوة الأعداء من يدرجك ضمن خانة النساء المتبرجات الحابسات للمطر، قاتلهن الله.
ورغم كل هذا فأنت تأتي يوميا وتتعرض لنظراتهم وشكهم، وكم تخيب آمالهم عندما تصلي أو تسعد أو تقول" سبحان الله" وتسلم بالواقع، أو تتأنق، أو تروي حديثا عن محاسن الأخلاق.
أنت متهم إلى أن يثبت العكس. لكن بالله عليك لا تثبت العكس لأناس لا يريدون منك ذلك. ابق ثابتا لهم لكي لا يفقدوا الإيمان بشيء ثابت في حياة خانقة وسريعة، ابقى شماعة أو مسخا أو تسلية لمن يؤرقهم سؤال القضاء والقدر. فقد خلقت لكي لا تكون نمطيا أو مؤمنا مقلدا أو خاضعا لأخلاق الجبناء والضعفاء.
ساحة النقاش