لا شك أن الأسلوب العلمي الأمثل للتعرف على العوامل المسببة للإعاقة في مجتمع من المجتمعات هو عن طريق الدراسة الميدانية ، والبحوث الطبية والإجتماعية والنفسية وربطها بنتائج الدراسات الإحصائية التي تحدد حجم مشكلة الإعاقة في المجتمع وتوزيع أعداد المعوقين من حيث فئات الإعاقة ودرجاتها في الأعمار والجنس والتوزيع الجغرافي والعوامل المسببة في إطار الظروف البيئية والإقتصادية والإجتماعية والصحية والتشريعات القانونية التي تتناول التعريف والحقوق والمسئوليات وحماية المعاقين .
ولا يغيب عن الأذهان ما لأهمية هذه البحوث والدراسات الميدانية في رسم سياسة ورعاية المعاقين وخطط وبرامج وأساليب الوقاية والعلاج ووضع سلم أولويات لتنفيذ وإعداد الكوادر الفنية والإدارية اللازمة لتنفيذ الخطط الكفيلة بمواجهة إحتياجات قطاع كبير من المجتمع لا تقل نسبته عن 10% من تعداد السكان .
ولا شك أن غياب البيانات التي كان من المستطاع توافرها نتيجة ندرة البحوث التي يتطب إلحاح المشكلة إجراءها هو المسئول الأول عن قصور السياسات والمخططات والبرامج العلاجية الحالية الحالية التي إذا إستخدمنا أكثر التقديرات تفاؤلا نجد إنها لا تصل إلى أكثر من 0.5% من تعداد الأفراد المعاقين في العالم اعربي ( والتي يصل في ضوء التقديرات الدولية إلى 18.5 مليون عربي ) فضلا عن ألثر المباشر كغياب البحوث والإحصاءات والمسوح الميدانية – وخاصة في مجال التعرف على العوامل المسببة للإعاقة – على القصور الشامل لبرامج الوقاية من الإعاقة في المجتمع العربي والذي أدى إهمالها إلى زيادة كبيرة ( دلت عليها الدراسات المحدودة التي أجريت في بعض دول المنطقة ) في معدلات الإصابة بالتخلف العقلي والإعاقة الجسمية والإجتماعية وتفاقم هذه الزيادة مستقبلاً ما لم تعط أولويات عالية لتخطيط وإنتشار البرامج الوقائية .
من هنا تبين لنا تعذر حصر العوامل المسببة للإعاقة في المجتـمع العربي والأهمية النسبية لكـل منها ... وحتى تتوفر نتائج تلك البحوث والمسوح الميدانية والدراسات الإحصائية سنقصر في هذا البحث على ما توفر من بحوث قليلة في الوطن العربي بالإضافة إلى ما أصدرته المنظمات الدولية المتخصصة وبعض مراكز البحوث المعنية المسببة من حيث إرتباطها بالنظم والظواهر الإجتماعية والعوامل الوراثية ثم العوامل المرتبطة بالجوانب الصحية .
أولاً : العوامل المسببة للإعاقة المرتبطة بالنظم والظواهر الإجتماعية :
فالسلوك الإجتماعي للمواطنين يسير في أطر وإنساق تشكلها النظم الإجتماعية كالزواج الذي يمثل نظاما إجتماعيا متكاملا تتشابك عناصره مع بقية الأنظمة الإقتصادية والسياسية والتشريعية والتعليمية التي تبينها الدولة ، ويرتبط بهذا النظام مجموعة من الظواهر والعادات والتقاليد التي تؤثر على سلوك الفرد ومواقفه واتجاهاته وتكوين شخصيته وأسلوب حياته .
وفي مجتمعنا العربي العديد من الظواهر الإجتماعية التي ترتبط بمشكلة الإعاقة نتعرض فيما يلي لبعضها :
1) الزواج المغلق في إطار الأسرة والقبيلة ( زواج الأقارب ) :
وهي ظاهرة تنتشر إنتشاراً واسعا منذ قديم الزمن في نسبة كبيرة من مجتمعات العالم العربي وخاصة بين البدو وسكان الريف – ويتضح بشكل خاص في المجتمعات القبيلية والعشائرية في شبه الجزيرة العربية ومنطقة الخليج العربي - وتتشابك في تشكيل هذه الظاهرة عديد من الظروفالإجتماعية والإقتصادية والإعتبارات الدينية والطائفية والأخلاقية وما يرتبط بها عادات وتقاليد انعكست على سلوك الأفراد وقراراتهم بالنسبة لإختيار شريك الحياة تفضيلا لذوي القربى من أبناء العم والعمة والخال والخالة وصلات القربى الديدة على مستوى أنساب الزوجين .
ولم يحد من إستمرارية وإنتشار تلك العادات والممارسات ما أكد الواقع نتائجه من تكرار حدوث حالات الإعاقة الجسمية والعقلية في تلك الأسر التي تتمسك بهذ الممارسات ورغم ما اثبتته البحوث من وجود العلاقة الترابطية بين زواج القربى وحالات الإعاقة من التخلف العقلي والصمم وكف البصر والتشوهات والشلل المخي وغيرها من أشكال الإعاقة ... تلك الحقيقة التي لم تخف على أقطاب الإسلام بدءا من الرسول عليه الصلاة والسلام الذي أكدته أحاديثه الشريفة ومنها " إغتربوا ولا تضووا " وحديث آخر " لا تزوجوا القرابة القريبة فإن الولد يأتي ضاوياً .
2) ظاهرة الزواج المبكر :
وهى من الظواهر السائدة في المجتمع العربي والإسلامي وخاصة بالنسبة للإناث والتي ترتبط بالعديد من القيم والعادات والمفاهيم والظروف الإجتماعية وافقتصادية مما يترتب عليه أن تنجب الأم أطفالا قبل أن يكتمل نضجها البيولوجي والنفسي وضعفها عند الإنجاب ، فتأتي بأطفال ضعاف البنية ناقصي التكوين قليلي المناعة عرضه للإصابة بالإعاقة والعجز مستقبلا فضلا عن عدم قدرة الأم على تحمل مسئولية الأمومة وقصور وعيها بالأسس الصحية والنفسية والتربوية في تنشئة أطفالها واحتمالات المعاناة من سوء التغذية .
ومما يزيد المشكلة تعقيدا وإنعكاسا سيئا على الأطفال الإتجاه السائد نحو زيادة عدد مرات الإنجاب من جهة العوامل الإقتصادية والإجتماعية ومن جهة أخرى لتعويض الفاقد من الأطفال وقصر الفترات الزمنية بين الإنجاب المتتالي مما يزيد من احتمالات حدوث الإعاقة بين الأطفال والضعف الشديد الذي يصيب الأم .
3) ظاهرة إنتشار الأمية وانخفاض المستوى التعليمي والثقافي للأم :
لا شك أن الأم تلعب دورا رئيسيا في تنشئة الطفل في السنوات الهامة الأولى من حياة الطفل ، فهى التي تضع اللبنات الأولى في التكوين العقلي عن طريق الثقافة وحوافز نمو الذكاء من خبرات وأحاديث والإجابة على أسئلة الطفل ، وحمايته من الحوادث والأمراض المؤدية للإعاقة وتوفير المناخ الذي تتطلبه التربية الوجدانية للطفل .
تلك المسئولية الضخمة التي تتحملها الأم تتطلب حداً أدنى من الثقافة والتعليم إن تتوفر لها عجزت عن تنمية مواهب الطفل وقدراته العقلية وعن حمايته من العجز والمرض ، ولعلنا ندرك الآثار الصحية المتوقعة نتيجة الأمية ذا تأملنا إحصاءات الحالة التعليمية في الدول العربية والإرتفاع الكبير لنسبة الأمية وخاصة بين النساء ، والتي تصل إلى 95% في بعض هذه الدول .
4) خروج المرأة للعمل :
وهى ظاهرة في تزايد مستمر نتيجة إرتفاع نسبة التعليم وحاجة برامج التنمية إلى عمالة المرأة التي تكون نسبة 50% من المجتمع ، وهى تطور صحي طبيعي ولكن في غياب دور الحضانة ومراكز الرعاية النهارية للأطفال يترتب عليه ظاهرة – خروج المرأة للعمل - افتقاد الأطفال للرعاية أثناء غياب الأم والإعتماد على الخدم أو اللعب في الشوارع ... ولعل في ذلك تفسيرا لإرتفاع معدلات الوفاه والإعاقة بين أطفال سن ما قبل المدرسة بصفة خاصة نتيجة الحوادث التي تصيب الطفال داخل المنزل وفي الشوارع .
5) العوامل الوارثية وغياب إمكانات الفحص قبل الزواج :
تلعب الوراثة دورا كبيرا في حالات الإعاقة الجسمية والعقلية التي تنتقل من جيل إلى جيل عن طريق المورثات بشكل مباشر أو غير مباشر ، وقد يكون العامل المروث الذي تحمله جينات الكروموسومات متنحيا لا يظهر آثاره مباشرة من الجيل السابق ولكنها تظهر بعد ذلك في أجيال تالية مما يترتب عليه وراثة نماذج من التخلف العقلي أو فقدان البصر أو السم أو ضمور العضلات أو التشوهات الخلقية وغيرها ... وقد لا تكون العاهة أو الإعاقة نتيجة وراثة مباشرة بل نتيجة وراثة مرضية أو خلل تؤدي إلى حالة إعاقة ( كما في وراثة خلل كروموزمي أو أحد أمراض التمثيل الغذائي PKU أو إختلاف عامل RH في الدم ) وهي أمثلة ثلاث تؤدى إلى تخلف عقلي ، ومن الطبيعي أن تقع دراسة العوامل الوراثية في إختصاص علماء الوراثة والفيزيولوجيا والطب والهندسة الجينية الحديثة ، ولكن ما يتعلق بوراثة الإعاقة كإتخاذ شريك الحياة وزواج القربى ممن هم مصابون بإعاقة معينة وإتخاذ القرار بعد ذلك بإنجاب الأطفال ، وإهمال الفحوص البيولوجية قبل الزواج وبعد الإنجاب ، جميعها مواقف بمستوى التعليم والوعى الإجتماعي والفكري السائد ، وإهتمام الدولة بنشر هذا الوعي وتوفير وسائل وخدمات الفحص واللازم للمواطنين .
6)بعض العادات والتقاليد والممارسات الخاصة :
بالإضافة إلى ما سبق من عوامل ونظم إجتماعية ذات ارتباط بالإعاقة فنهاك أوضاع ومواقف وممارسات من أنواع خاصة أخرى ترتبط أيضا بالإعاقة بأنواعها ، مثل عادات إطلاق الرصاص في المناسبات والأعياد وحفلات الزفاف والإنجاب ، وما يترتب على ذلك من إصابات مباشرة تؤدي إلى حالات من الإعاقة .
ومن هذه الممارسات أيضا قصور الوعي بأهمية التحصين والتطعيم ضد الأمراض السارية بين الأطفال ، التحايل على التشريعات الخاصة بها ... منها أيضا أساليب العلاج البدائية من كي وإستخدام مواد قد تؤدي إلى الإصابة أو فقد البصر نتيجة عدم الإيمان والإهتمام بالإسراع بعلاج الحالات المرضية وإصابات الحوادث عن طريق الأجهزة الطبية المسئولة .
ومن ذلك أيضا التفرقة بين الأطفال الذكور والإناث وإهمال علاج البنات والإلتجاء إلى الشعوذة والدجل والحلاق والعطار ... فعلى سبيل المثال كم أدى ذلك فقدان البصر ( كما حدث لرائد الأدب العربي طه حسين في طفولته

المصدر: بحوث ودراسات مؤتمرات الإتحادمن المؤتمر الأول إلى المؤتمر الرابعمايو 1973 م : ديسمبر 1988 م
FAD

لاتحاد النوعى لهيئات رعاية اللفئات الخاصة والمعاقين

ساحة النقاش

FAD
الاتحاد النوعى لهيئات رعاية اللفئات الخاصة والمعاقين هيئة ذات نفع عام لا تهدف لتحقيق ربح تأسس الاتحاد عام 1969 العنوان 32 شارع صبرى أبو علم – القاهرة الرمز البريدى 11121 ت: 3930300 ف: 3933077 »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,515,200

مشاهير رغم الإعاقة