يتوقف عند الإعاقة في ذراعيه، بل تحدى نفسه وأثبت ان لا يأس في الحياة، بعد أن اقتحم أدق التخصصات وأكثرها حساسية، وهو إصلاح الساعات ليصبح أشهر وأول ساعاتي معوّق في مصر والعالم. إنه الشاب رجب عبد المقصود الذي لم يتجاوز عمره الثلاثين عاماً، وجعل من الظروف الصحية والاجتماعية الصعبة التي واجهها حافزاً للإبداع وإثبات الذات. ولم يتوقف مشوار التحدي عند رجب هنا، بل اقتحم أخيراً عالم الكومبيوتر وباتت الإنترنت صديقته الدائمة.
إصابة مبكرة
يبدأ رجب حديثه مبتسماً، خصوصاً أنه اعتاد اللقاءات الصحافية في الآونة الأخيرة يقول: «بدأت معاناتي عقب ولادتي مباشرة، إذ أصبت بما يعرف بتملخ الذراعين اي ما يشبه إصابتها بالشلل. وبعد أيام من ولادتي اكتشف والدي عدم قدرتي على تحريك ذراعي فذهب بي إلى الأطباء وأجريت لي جلسات كهربائية مكثفة. لكننا لم نصل إلى أي تقدم ملموس، بل على العكس، جاءت النتيجة معاكسة، ولم يحدث تقدم يذكر إذ تعرضت أجزاء كبيرة من صدري وظهري إلى التشويه، وبرزت بقع تشبه الحروق على جسدي ولم يجد الأطباء أمامهم سوى وصف بعض المراهم لعلاج هذه التشوهات.
وتابع رجب حديثه: «وبدأ اليأس يتسلل إلى قلبي ولم يكن أمامي سوى التوقف عن طرق أبواب أخرى للعلاج، خصوصاً أنني ذقت الأمرين جراء آلام العلاج. ساءت حالتي النفسية ولم يعد باستطاعتي حتى الذهاب إلى المدرسة والاختلاط مع الآخرين... لم أتعلم سوى القراءة والكتابة وحفظ بعض سور القرآن الكريم.
رجل محل اليد
بعد أن بلغت الثانية عشرة من عمري بدأت أتأقلم مع ظروفي الصحية واعتمدت على رجلي اليمنى في تناول حاجاتي مثل ارتداء الملابس وتشغيل جهاز التلفزيون ورفع سماعة الهاتف وغلق الباب وفتحه وتناول الطعام وكي الملابس وإخراج النقود من جيبي وغيرها من الأعمال التي أريد القيام بها.. وهكذا حلّت رجلي محلّ يدي، وباتت تقوم بالمهمات التي يعتمد فيها الشخص العادي على يده. حينما بلغت السادسة عشرة من عمري، قررت ألا أكون عالة على والدي أو أي أحد من أفراد أسرتي، فاتجهت إلى تعلم كي الملابس باستخدام مكواة رجل وخصصت مساحة في المنزل الذي أقيم فيه لتكون محلاً استقبل فيه الزبائن... لكن بعد مرور أقل من عام، وبعد أن أنهكني التعب الشديد، لم أعد قادراً على الاستمرار. واصلت مشوار التحدي مع نفسي واخترت العمل في مهنة تصليح الساعات والمنبهات باستخدام رجلي التي اعتمدت عليها اعتماداً أساسياً في فك وقفل الساعات لمعرفة سبب العطل فيها.. وأخيراً، قررت أن أفتح متجراً خاصاً بي في المنزل. كنت أتساءل دوماً عن سر إقبال الكثيرين على مركزي الصغير، وكنت أحزن حينما أنظر إلى الشفقة في أعينهم... لكنني مع الوقت أدركت أن الشفقة لا تطعم خبزاً، بمعنى أنهم يعملون على تصليح ساعاتهم عند الشخص الماهر... استطعت أن أكسب ثقة الناس بعد أن أثبت جدارتي ومهارتي في هذا المجال».
وعن سبب اتجاهه إلى هذا المجال الدقيق، قال: «منذ صغري وأنا مغرم بعالم الساعات وكان حلم حياتي أن أرتدي ساعة في يدي. كنت أتابع في ترقب عقارب الساعة وهي تتحرك بانتظام شديد إلى أن أتقنت مهنة تصليح الساعات وأصبح لي زبائن كثيرون في زمن قياسي... أحرص دائماً على أن أكون دقيقاً في تصليح الساعات خصوصاً الغالية الثمن لأن أي خطأ في طريقة إصلاحها قد يوقف عمل الساعة.
ساحة النقاش