ملخص الدراسة
لا يكاد مجتمع من المجتمعات الإنسانية يخلو من وجود أفراد معاقين ، إلا أن الفرق يظهر في طبيعة نظرتها وتعاملها مع هذه الفئة من فئات المجتمع فلكل خصوصيته التاريخية والحضارية ، ومنظومة من القيم والمعايير الاجتماعية التي تحكم تصرفات أفراده ، وتحدد نظرتهم إلى مختلف أمور الحياة. ومن المسلم به أن المجتمعات الإنسانية لا تخلو من المشاكل والصعوبات التي تواجه الأفراد والجماعات ، إلا أن حجم ونوعية هذه المشاكل يختلف من فئة لأخرى. ومن الفئات الاجتماعية التي تواجه مشاكل معقدة وحساسة في مختلف المجتمعات هي فئات المعاقين .
إن نظرة المجتمعات إلى الأفراد المعوقين قد اختلف من عصر إلى آخر ،وفقاً لمجموعة من العوامل والمتغيرات والمعايير ، فقد كان التخلص من الأطفال المعاقين هو الاتجاه السائد في أيام اليونان والرومان باعتبارهم أفراد غير صالحين لخدمة المجتمع حيث كانوا يتركون للموت إلا أنه لايمكن أن نعمم هذه المعاملة على كافة المجتمعات الإنسانية ، فلقد كانت تعاليم الدين في الهند والصين توصي بالمرضى والضعاف والمشوهين ، كما دعت الديانة الفارسية إلى الشيء نفسه . أما في مصر الفرعونية فقد كانت تقر بحقهم في العيش إلا أنها كانت تعزلهم عن المجتمع . وعندما جاءت الأديان السماوية نادت المسيحية إلى رعاية المعوقين بكل فئاتهم ، وكذلك فعلت الديانة اليهودية . ولقد أقر الدين الإسلامي مبدأ الرعاية ويعتبر الرعاية الاجتماعية واجباً دينياً وهو تطبيق لمبدأ التكافل الاجتماعي في الإسلام .
أما عن الاهتمام الحديث بالمعوقين فقد بدأ في القرن التاسع عشر بسبب الحروب وقد انتشر هذا الاهتمام في الدول الأوربية والولايات المتحدة واتضحت مظاهر هذا الاهتمام من خلال إنشاء الجمعيات والمنظمات والهيئات التي تعني بالمعوقين وتقدم المساعدة لهم في جوانب كثيرة من الحياة إلا أن تقدم الحياة وتعقدها أبرز واقعاً غير مريح بالنسبة للمعاقين حيث أصبحت الإعاقة مشكلة اجتماعية ونفسية تؤثر في نفسية المعاق وبالتالي فإنها قد تؤدي إلى تكوين مفهوم ذات سلبي لديه كذلك قد تؤثر في شخصيته.
ويعتبر مفهوم الذات مفهوماً يهتم بتجربة الإنسان وتحليل سلوكه واستمراره في علاقاته الاجتماعية ، فالإنسان يبدأ حياته دون أية فكرة مسبقة عن ذاته ، ثم وعن طريق عملية التطبيع الاجتماعي يبدأ في تنمية استعدادات رمزية تساعده على تكوين فكرته عن نفسه أي من هو ؟ وماهي مكوناته ؟ وبالتالي فإن الفرد الاجتماعي يتأثر بمفهومه عن ذاته إلى حد كبير فهذا المفهوم هو أول ما يعطي للفرد الإحساس بفرديته وتميزه عن غيره ، ويتبين دور مفهوم الذات في عملية توافق الشخص مع نفسه ومع الآخرين .
فمفهوم الذات بهذا الشكل هو تكوين معرفي منظم ومتعلم للمدركات الشعورية والتصورات والتقييمات الخاصة بالذات ، يبلوره الفرد ويعتبره تعريفاً نفسياً لذاته (مفهوم الذات المدرك ، والاجتماعي ، والمثالي ) والإنسان دائماً يود أن يلقى تقدير الغير لما يقوم به من عمل ، ويود أن يشعر بالنجاح فيما يقوم به من عمل ، ثم يود أن يشعر بأن ما يقوم به من عمل له وزن وقيمة أي أنه في حاجة إلى التقدير . ولكي يحدث ذلك يجب أن يكون مفهومه لذاته إيجابياً وسليماً ، ومفهوم الذات الذي يتكون من خلال مفهوم الفرد عن نفسه كما يراها هو أي المدركة تتأثر كثيرا بشكل الفرد وجسمه وبالتالي فإن أي إعاقة في جسمه قد تؤثر في مفهومه لذاته سلباً ، لما يترتب عليها من تعامل الآخرين معه وبالتالي إعاقة دوره في المجتمع .
ومن هنا برزت الحاجة إلى هذه الدراسة بفصولها الخمسة التي تضمن الفصل الأول منها مقدمة تناولت فيها الباحثة إعطاء صورة عن الإعاقة بشكل عام والإعاقة الحركية بشكل خاص باعتبارها مؤثرة على تكوين مفهوم الذات لدى الفرد المعاق سواء من خلال نظرته لنفسه أو من خلال ما يتعرض له بسبب هذه الإعاقة من إعاقات في حياته وقد أوضحت الباحثة كذلك معنى مفهوم الذات ومكوناته.
كما اشتملت على مشكلة الدراسة والتي من خلالها تم عرض ما يمكن أن تسببه الإعاقة للفرد المعاق ولمركزه الاجتماعي وما يمكن أن تؤدي إليه من اتجاهات لذلك كانت مشكلة الدراسة هي إلقاء الضوء على رؤية المعاق حركياً للآخر والكشف عما إذا كان هناك علاقة بين هذه الرؤية وبين مفهوم الذات لدى المعاق حركياً ثم أهمية الدراسة التي تكمن في أنها ترجع إلى أن الإعاقة الحركية يمكن أن تؤدي إلى تكوين مفهوم سلبي لدى الفرد خصوصاً إذا لم يكن لديه استعداد لتقبلها ولم يجد المعاملة السليمة المناسبة لوضعه، وترجع الأهمية أيضاً إلى أن مفهوم الذات لدى الفرد يعتبر من المواضيع المهمة لفهم سلوك الفرد ، وفهم الفرد لذاته ومعرفة اتجاهات الآخرين نحوه وتقييمه لذاته، وتقييم الآخرين ورضاهم له دور كبير في تحديد شخصيته بل وإلى فشله ونجاحه في الحياة كما تكمن أهمية الموضوع في معرفة الصورة التي يحملها المعاق حركياً عن الآخر ومدى علاقة ذلك بمفهوم الذات لديه . كما أن أولياء أمور المعاقين والقائمين على تربيتهم وتأهيلهم في حاجة واضحة إلى دراسة علمية في هذا الموضوع خصوصاً وأن المكتبة تفتقر لمثل هذا الموضوع حيث لم تعثر الباحثة في مجالها المكاني على أية دراسة علمية تتعلق برؤية المعاق حركياً للآخر والكشف عن العلاقة بين ذلك وبين مفهوم الذات لدى المعاق .
أما الفصل الثاني فقد اشتمل على الإطار النظري الذي تضمن كل من أدبيات موضوع الدراسة والنظريات المفسرة لمفهوم الذات والدراسات السابقة ، وقد تناولت فيه الباحثة تعريف الإعاقة ثم لمحة تاريخية موجزة عن تطور النظرة إلى المعاق بشكل عام ثم عن تطورها في ليبيا ، كما تناولت الباحثة تصنيف المعاقين بشكل عام ، ثم تناولت تصنيف الإعاقة الحركية موضوع الدراسة ،ثم نظرة المجتمع إلى المعاق ونظرة الأسرة ثم تناولت شخصية المعاق والعوامل المؤثرة فيها ومفهوم الذات والنظريات المفسرة له ، ثم مفهوم الذات لدى المعاق حركياً والعوامل المؤثرة على مفهوم الذات وبعد ذلك تناولت الآخر والمعاق وانتهى هذا الفصل بعرض الدراسات التي أسهمت ولو بشكل بسيط في توضيح أبعاد مشكلة الدراسة.
وفي الفصل الثالث لهذه الدراسة تم جمع المعلومات المتعلقة بمجتمع الدراسة وتحديد المنهجية حيث اختارت الباحثة المنهج الوصفي لدراستها ، وتحديد مجتمع الدراسة الذي بلغ عدده مائة معاق ومعاقة من مؤسسة جنزور لتأهيل المعاقين منهم ثلاثة وسبعون (73) ذكوراً وسبعاً وعشرين (27) إناثاً . واشتملت أدوات الدراسة على استمارة لجمع البيانات الأولية واختبار مفهوم الذات للكبار لمحمد عماد الدين إسماعيل المختصر من قبل أنيسة الصقر وقد تأكدت الباحثة من صدق الاختبار حيث استخدمت الباحثة الصدق التمييزي وهو معاملات ارتباط كل فقرة بمجموع غيرها من فقرات الاختبار وذلك لتكوين مفهوم الذات ورؤية الآخر وكانت الفقرات خمسة وخمسون (55) فقرة من أصل ستون (60) فقرة دالة إحصائياً ،وقامت الباحثة باحتساب الثبات بطريقة إعادة الاختبار لمجموعة من المعاقين بلغ عددهم خمسة عشر (15) معاقاً ومعاقة بفارق زمني واحد وعشرون (21 ) يوماً ووجد معامل ارتباط لمفهوم الذات يساوى (0.8741 )
وبالنسبة لرؤية الآخر بلغ معامل الارتباط (0.6616 ) مما يدل على تبات الاختبار , تم طريقة التجزئة النصفية حيث استخدمت معادلتي سبيرمان براون وجوتمان للتجزئة النصفية وتحصلت على معاملات جيدة للثبات وكذلك استخدمت طريقة ألفا كرونباخ التي توصلت من خلاله ما يؤكد على ثبات اختبار مفهوم الذات .
وللإجابة على تساؤلات الدراسة وآلتي تنص على آلاتي :
1-هل هناك علاقة ارتباطيه بين رؤية المعاق للآخر ومفهوم الذات لديه ؟
2-هل لجنس المعاق علاقة بتكوين مفهوم الذات لديه ؟ وبرؤيته للآخر ؟
3-هل لزمن الإعاقة علاقة بتكوين مفهوم الذات لدى المعاق ؟ وبرؤيته للآخر ؟
4-هل للمستوى التعليمي علاقة بتكوين مفهوم الذات لدى المعاق؟ وبرؤيته للآخر ؟
5-هل لنوع الإعاقة علاقة بتكوين مفهوم الذات لدى المعاق ؟ وبرؤيته للآخر ؟
6- هل توجد فروق ذات دلالة إحصائية بين المعاق حركياً النزيل بالمؤسسة والمعاق حركياً المتردد عليها في مفهوم الذات لذيهم ورؤيتهم للآخر ؟
قامت الباحثة باستخدام الأساليب الإحصائية المناسبة لكل تساؤل وهى اختبار(ت) ومعامل الارتباط , وتحليل التباين
وقد توصلت الدراسة إلى النتائج التالية :
أولا :- بتطبيق معامل ارتباط بيرسون وجد أن هناك علاقة ارتباطيه بين مفهوم الذات عند المعاق ورؤيته للآخر وذلك في المرحلة العمرية بين (24 , 31 ) وهى مرحلة بناء المستقبل .
كذلك اتضح أن هناك علاقة ارتباطيه بين مفهوم الذات ورؤية الآخر لدى المعاقين حركياً في مرحلة التعليم الأساسي وهى دالة عند مستوى (0.01 )وكان هناك علاقة ارتباطيه بين مفهوم الذات ورؤية الآخر لدى المعاقين الذين تعرضوا للإعاقة في الفترة منذ الولادة وحتى 5 سنوات وكانت دالة عند مستوى (0.01) أيضا بالنسبة للمعاق المتردد على المؤسسة اتضح أن هناك علاقة بين مفهوم الذات لدية ورؤيته للآخر وصلت إلى (0.01 ) أما لجنس المعاق ونوع الإعاقة فلم يكن لهما أثر على علاقة مفهوم الذات ورؤية الآخر وكان المجتمع الإجمالي محل الدراسة في علاقة مفهوم الذات ورؤية الآخر علاقة غير دالة مما يوضح أنه لم تكن هناك علاقة ارتباطيه أي لم تصل إلى مستوى الدلالة مما يجعل النتيجة على التساؤل الأول تقول أنه لا توجد علاقة ارتباطيه بين مفهوم الذات ورؤية الآخر لدى المعاقين حركياً مجتمع الدراسة .
ثانيا:-ً أشارت نتائج التساؤل الثاني إلى أنه ليس لجنس المعاق علاقة بتكوين مفهوم الذات لديه وكذلك برؤيته للآخر .
ثالثا:-ً اتضح كذلك انه ليس لزمن الإعاقة علاقة بتكوين مفهوم الذات لدى المعاق وبرؤيته للآخر .
رابعاً :-أيضاً بالنسبة للمستوى التعليمي ونوع الإعاقة لم يكن لهما علاقة بتكوين مفهوم الذات ورؤية الآخر .
خامساً:- كذلك الحال بالنسبة للفرق بين المترددين والنزلاء لم يكن هناك فرق في تكوين مفهوم الذات ورؤية الآخر .
التوصيات
1- العمل على ادماج المعاق فى مناشط المجتمع المختلفة بحيث تكون له أدوار اجتماعية تسهم في بناء المجتمع حيث بينت الدراسة أن مفهوم الذات لدى المعاقين أفراد مجتمع الدراسة ورؤيتهم للآخر إجابية وليست ساليبه كما يتوقعها البعض ، الأمر الذي يسهل من العمل على إندماجهم بمعنى أن يعمل المجتمع على محو فكرة الوصم الاجتماعي الذي قد يوصف بها المعاق .
2- تهيئة الجو الأسري السوي وتبصير الوالدين بالأسلوب السليم في تربية ابنهم المعاق وعدم التركيز على اعاقته مما يشعره بالنقص إزاء نفسه وتكليفه بأعمال تتناسب مع اعاقته بحيث لا يشعر بالعجز وكذلك حتى لا تتكون لدية الاتكاليه.
3- توفير مؤسسات لتأهيل المعاقين في كل منطقة تحتوى على مكان للإيواء وذلك للاستفادة من توجيهات الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين وكذلك لضمان التأهيل الطبي في وقته المناسب مع التركيز على ضرورة زيارة المعاق لأهلة بين الحين والآخر أو زيارة أهلة له.
4- توعية الشعب بشكل عام وذلك عن طريق برامج توعية وإرشاد من خلال الإذاعتين المرئية والمسموعة وأيضا زيارات الأخصائيين لأسر المعاقين .
5- ضرورة توفير مراكز للنشاط والعمل من أجل الإنتاج وتوفير فرص للعمل خاصة بالمعاقين حركياً كالنشاطات التي تقوم بها جمعية النور للمكفوفين من تشاركيات إنتاجية ومساعي لتوفير عمل للمكفوفين .
6- ضرورة إعادة النظر في القوانين التي تضعها مؤسسة تأهيل المعاقين بجنزور وآلتي تقضى بحرمان من يتأهل دراسياً من التأهيل الطبي أو العلاجي إلا بعد استكمال العلاج الطبي وعدم التركيز على هذه الأولويات التي توجب التأهيل الطبي والعلاجي أولا تم بعد ذلك التأهيل التعليمي .
7- ضرورة الاهتمام بالبرامج التربوية والتعليمية التي تؤدى إلى الدفع من مستوى التربية في المجتمع وتثقيفه وتوجيه الفرد واكتساب عادات طيبة والابتعاد عن العادات السيئة وذلك للوقاية من حدوث الإعاقات والتخفيف من حدتها إذا وجدت .
8- وضع قانون ينص على ضرورة الخضوع للفحوصات وذلك قبل الزواج للتأكد من عدم حدوث الإعاقات لدى الأبناء .
مقترحات بإجراء دراسات تالية :-
1- إجراء المزيد من الدراسات المماثلة للدراسة الحالية على مستوى الجماهيرية.
2- إجراء المزيد من الدراسات للتعرف على العلاقة بين رؤية المعاق وعلاقتها بمفهوم الذات لدى فئات متنوعة من المعاقين اكثر شمولاً ومجالات جغرافية أوسع.
3- إعادة إجراء هذه الدراسة على فئات عمريه أدنى من الفئات التي شملتها هذه الدراسة نظراً لما أسفرت عليه نتائج الدراسة الحالية من عدم اختلاف في مراحل العمرية التي شملتها الدراسة.
4- نظراً لأهمية اختبار مفهوم الذات تقترح الباحثة إجراء دراسات خاصة عن هذا المقياس لغرض تقنينه على البيئة المحلية بحيث يصبح لدينا اختبارات خاصة بالبيئة الليبية.
5- إجراء دراسة عن الأسباب التي أدت إلى رؤية بعض المعاقين السلبية للآخر.
ساحة النقاش