أحسب أن اشتباهاً ولبساً يقع في طرح بعض الموضوعات وإخراجها من حيز إلى حيز ومن دائرة إلى دائرة الأخرى ، أو التعامل مع المسائل تعاملاً واحداً من غير مراعاة للفوارق المنهجية في التعاطي ، مثل الذي يسوي بين المفتي والقاضي ، فكذلك فيما يتعلق بالبحث العلمي والفتوى ، حيث إن عدم ملاحظة الفروق المنهجية والتطبيقية بهذه الصورة ، هو خروج بها عما هو مراد ولائق لها ووضع للشيء في غير ما وضع له ... فالبحث العلمي هو عملية علمية بحته تجمع لها الحقائق والأدلة والدراسات وتستوفى العناصر حول موضوع معين دقيق لفحصها وفق مناهج علمية مقررة ، يكون للباحث منها موقف معين ، ليتوصل بعد ذلك إلى نتائج وهذه النتائج هي ثمرة البحث . أما الفتوى ، فهي أمر زائد عن البحث العلمي ، تبين حكم الله بالدليل لمن سأل عنه ، والمفتي يراعي الحال والمآل ، ويتبصر نصحاً لله وللناس ، لذلك كان خطر المفتي أعظم ، قال ابن القيم : "ليعلم المفتي عمن ينوب في فتواه ، وليوقن أنه مسؤول غداً وموقوف بين يدي الله" . وقال محمد بن المنكدر: "العالم بين الله وخلقه , فلينظر كيف يدخل بينهم" .... وإن مما يساعد على انتشار هذه الفوضى الاستدلالية والمنهجية وإرباك الأمة والناس وإيقاعهم في اللبس والريب، ما تفعله بعض وسائل الأعلام بأنواعه في إشاعة الآراء الغريبة والشاذة أو العلمية البحتة في صورة فتوى وتعممها، أو إرادة فرضها على الناس ودوره الخطير في إحداث الشق في سفينة المجتمع ... وفي الجملة :تحتاج المسائل الشرعية إلى أن تعطى حقها من الباحثين والمفتين ومن البحث العلمي الصحيح أو من الفتوى المناط بها عمل الناس، والتعامل معها كل في بابه، ولا يبغي بعضهم على بعض، وأن تراعي الفروق التخصصية "وأعط القوس باريها"، "وأن يلبس لكل حالة لبوسها". ويكفي إشغال الأمة شذوذاً وتفرقاً وتآكلاً . وما أحوج المفتي والباحث وغيرهما إلى التعاون على البر والتقوى وأن يكونوا بنائين في جسد الأمة الواحد لا هدامين قائمين بدورهم الإصلاحي في نهضة الأمة، حاديهم ما عند الله عز وجل مقصدهم هو نفع العباد والبلاد .

منقول من : المسائل الشرعية بين البحث العلمي والفتوى ، للباحث /  طلال بن علي بن عبد العزيز الجابري .

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 169 مشاهدة
نشرت فى 2 إبريل 2011 بواسطة EsamAldefrawy

ساحة النقاش

عصام عبدالعزيز الدفراوى

EsamAldefrawy
للعلم فوائد تَعْظٌم كلما عالج مشاكل الواقع . ولابد من قراءة جيدة للواقع لتحديد المشكلة والأسباب المؤدية لها ، ثم البحث عن سُبل التصدى لها ... إن الله عز وجل لم يفرض علينا العلم لنكنزه أو نتباهى به وإنما لنعمل به . »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

149,561