استفزني ما قرأته بأن هناك 16 طفلا على الأقل في بريطانيا ينتحرون سنويا بسبب تعرضهم للإرهاب، وتقاعس الراشدين عن اتخاذ إجراء جاد تجاه هذا الإرهاب والتخويف الذي يتعرضون له. ففشل إدارة المدرسة لتطبيق سياسة فعالة ضد الإرهاب بها يعد خرقا لواجب الرعاية الحقيقي الذي يقع ضمن أهم مسئوليات المدرسة.

ومنذ أول سبتمبر 1999 طلب من جميع مدارس المملكة المتحدة صك قانون يعبر عن سياسة محددة ضد الإرهاب anti-bullying policy. ويمتد الأمر للتوصية بألا ينخدع الآباء بنتائج الامتحانات كمؤشر لنجاح المدرسة واختيارها لأولادهم، فهذه العلامات أحد العناصر الأقل دلالة على أداء المدرسة، فأصبح مما يوصى به في اختيار المدارس أن تختار مدرسة لديها قانون يدين الإرهاب المدرسي. علما بأن هذه السياسة ليست حبرا على ورق وإنما فعاليتها وفعالية إدارة المدرسة في الالتزام بها يعد هو المؤشر والملمح الهام الذي يتخذه الآباء لاختيار مدرسة آمنة للأبناء.

المستفز في الأمر

وربما تتساءل: وما المستفز في هذا الأمر؟ يستفزني ممارسة العنف ليل نهار بين جدران بيوتنا، ومدارسنا، وشوارعنا دون أن يلتفت أحد التفاتا جادا للحد من هذا العنف.

 وإن أردت دليلا دعني أشر عليك بالذهاب لأقرب مدرسة من بيتك لترى معاملة المعلمين للأطفال، أو معاملة إدارة المدرسة للمعلمين والموظفين.. لا عليك، ربما لن تستطع الدخول للفصل.. قف فقط أمام المدرسة وانظر تدافع الأطفال، ومعاملاتهم الخشنة جدا مع بعضهم البعض، أو اذهب لإحدى الساحات التي يلعب فيها الأطفال، أو المناطق المخصصة لأرجوحات صغار الأطفال..

ماذا سترى؟

أقول لك: سترى أمهات يحتكرن أرجوحة ما لأحد أطفالهن، أو ترى تدافع رضيعين ليستأثر أي منهما بالأرجوحة، وربما يسعدك –عفوا يتعسك- الحظ من بعدها لترى شجارا بين والدتين فاضلتين!

هل تود المزيد؟ عفوا فمساحة العنف أكبر بكثير مما تكفي مساحتنا لسرده!

قف معي لترى ما وجه الاستفزاز..

 حين نزعم أننا مسلمون لا بد أن نتأمل ما الذي تعنيه كلمة "إسلام" التي أحد اشتقاقاتها "سلام"! حين نزعم أننا مسلمون ونعرف أن "الدين المعاملة" لا بد أن نفكر أين هذه الممارسات من منطق المعاملة؟! حين نرى مناهج تدرس في بلاد تدعي الحرص على السلام، لا بد أن نستفز حين نرى على الجانب الآخر ممارسات هزيلة لتربية وتأديب وتعليم أطفالنا بما يقتضيه ويحض عليه منهجنا الرباني والطبيعي من نبذ العنف ونشر السلام!

المثير للاستفزاز والدهشة أن أغلب ما يصل من الشكوى بالطبع شكوى آباء الأطفال المعتدى عليهم، وتكاد تختفي الشكوى من آباء الأطفال المعتدين، فكأنما لا يرون مشكلة في كون ابنهم معتدي أو قل: إرهابي!

أغلب العالم يتحرك ليعلم ويربي أطفاله على مبادئ التواصل من أجل السلام، التعامل مع الاختلافات، الإيجابية، بناء دعائم الشخصية وغيره. وأتساءل: ترى هل نحن بمنأى عن هذه القضايا، أم أن لنا أجندة أولويات أخرى؟ أم أنه ليس لدينا أصلا أجندة للتربية؟ أتساءل وبالقلب مرارة: كيف ننام قريري العين وأطفالنا يمارسون العنف، ويمارس عليهم العنف ليل نهار؟!

 

العنف والهوية

أتعتقد أن هذا العنف لا يمثل قضية لها أولوية ؟ - العنف أحد أهم سمات عدم النضج الوجداني، والاجتماعي، والسلوكي. - البيئات العنيفة بيئات غير آمنة، مما يقلل الإنتاجية سواء على المستوى الأكاديمي أو غيره.

 - البيئات العنيفة بيئات لا تتمتع بتواصل يحقق الصحة النفسية لأفراده، وهو ما تهتم به جميعه البلدان التي تعتبر البشر ثروة حقيقية.

 - بات معروفا أن التعلم عملية وجدانية يثريها الأمن ويحجمها التوتر والخوف. والمؤسف أن الكثير من الأدلة تشير إلى أن الطفل الذي يتبع منهج الإرهاب والتخويف ليصل لأهدافه هو الأكثر إرهابا فيما بعد في بيئة العمل. وحين يصل للرشد يكون قد كون أنماطًا من السلوك يصعب تغييرها، حيث تقل الاحتمالية للتعلم خاصة فيما يتعلق بالمهارات الوجدانية والاجتماعية، وبالتالي يظل هناك احتمالية لبقاء هذا السلوك الإرهابي بقية عمره. فهؤلاء المعتدون ليس لديهم استبصار بسلوكياتهم وتأثيرها على الآخرين.

 

 من هو المعتدي؟

 على المستوى الوجداني يظل الإرهابي طفلا يفتقر للنضج متبعا للسلوك حين كانت تنتابه نوبات غضب في صغره للفت الانتباه أو لإرغام أبويه على الامتثال لرغباته.

 ملامح صورة الإرهابي: - العنف.

 - القوة الجسمانية.

 - ضعف مهارات تواصل.

- ضعف المهارات الاجتماعية.

- تقدير ذات ضعيف.

- عدم إظهار المسئولية خاصة المسئولية الاجتماعية.

 - عدم الرعاية والاهتمام بالآخرين.

- الافتقار للتعاطف.

 - عدم أمان.

- بيئة منزلية سيئة (لا تؤدي وظيفتها).

- حب السيطرة والتحكم. - اعتقاد بمتعة ومرح .

- تعذيب وإيذاء الآخرين.

 - الجبن.

- إظهار سلوكيات للفت الانتباه.

 - الحاجة الشديدة لأن يُحترم، مع عدم التفريق بين الاحترام والخوف.

 - الحاجة للإعجاب والإثارة.

 - الاحتقار وعدم الاحترام من الآخرين (سواء الراشدون أو الأطفال).

- عدم النضج وجدانيا وسلوكيا.

- الغيرة، والحسد (حقود).

- العرقلة بإحداث الكثير من الفوضى.

- مستوى أكاديمي أقل من المتوسط.

- الكذب.

 - حب المغامرات والأعمال البطولية.

 - شعور بعدم الكفاءة في الأصل.

- شعور بأنه أقل من الآخرين.. أقل إنجازا وشهرة.

 الطفل الذي يتعرض للإرهاب:

 - طفل مرهف الحس، فنان، مبدع، ذو خيال طلق.

 - عطوف.

 - متسامح ومسالم.

- يرعى الآخرين.

 - مسئول.

 - طفل ربما أقل في القوة الجسمانية.

 - طفل أقل ميلا للعنف، ويفعل كل ما بوسعه لحل المشكلات بدلا من العنف. - مستواه الأكاديمي أعلى من المتوسط.

- مختلف ومميز.

 - لديه معيار أخلاقي عالي.

- غير راغب للجوء للكذب، أو المكر والخداع.

- مستقل.

- موثوق ويعتمد عليه. - لديه علاقات جيدة مع الراشدين (الآباء، المعلمين).

- لا يميل لإظهار القوة، ويتحاشى الوقوع في عمل يتعارض مع القواعد والقوانين.

 مغالطات في مسألة الاعتداء

ومما سبق لا يجوز أن ننعت هؤلاء الأطفال بالضحية لما تضفيه هذه الكلمة من أطياف الضعف الذي يدفع بهم لأن يدفعوا عن أنفسهم هذا النعت بممارسة القوة بالمثل. فليس شرطا أن يكون المستهدف بالاعتداء شخصا ضعيفا، أو قليل الحيلة بل على العكس تماما، فالأطفال ذوو الشخصية القوية، ممن لديهم تقدير ذات عال لا يحتاجون لممارسة الاعتداء لإظهار قوتهم وتميزهم والحصول على الانتباه والتقدير الذي يحتاجون إليه.

 هناك تفكير خاطئ يقول إن الطفل يرهب الآخرين المختلفين بسبب اختلافهم أو نقاط ضعف لديهم؛ كالطفل البدين، النحيف، الأسمر.. وإذا ما تغير الحال بأن يتبع الطفل البدين مثلا نظاما غذائيا، أو غيره لإنقاص وزنه اعتقادا بأن هذا سيوقف إرهابه أو الاعتداء عليه بدنيا أو وجدانيا.. هذا غير صحيح.. فعلينا بالتركيز على السبب الحقيقي الذي سيدفع المعتدي لاعتدائه بدلا من بذل الجهد في مسارات فرعية ليس ذات فعالية.

ركز على السبب الحقيقي الذي يمارس لأجله الطفل الإرهاب. فهذا الطفل الإرهابي غالبا ما يكون تعيسا في أعماقه، ولديه ضعف عميق في تقديره لذاته، فضلا عن عدم تعلمه مهارات التواصل مع الآخرين، أو التشارك، أو فض النزاع بدون عنف، ورعاية الآخرين والتعاطف معهم، تلك المهارات التي تغيب عن وعي وأجندة العمل التربوي الجاد والحقيقي والمقصود لأغلب الآباء والمدارس وغيرها من قنوات التربية في المجتمع.

هذا مع العلم أن سلوك الإرهاب سلوك تعلمه الطفل في بيئته التربوية الأولى : الأسرة، بما يحدث في جنباتها يوميا على مرمى بصر الطفل ومعه أيضا. فهناك أنماط من الوالدية تدعم هذا الإرهاب بالقدوة السلبية ، والممارسة الفعلية مع الطفل حيث اعتماد بعض الأسر مبدأ العقاب البدني النفسي المشدد وسيلة تربوية، فضلا عن عدم إظهار التعاطف، والرعاية الوجدانية الكافية وفرض الرأي بالإجبار والقوة. وإن أضفنا لذلك عدم التعليم للبديل من المهارات الوجدانية والاجتماعية، حينها تكون لدينا الوصفة الكاملة لصنع الإرهابي.

 ومما يزيد الأمر خطورة أن العنف اللفظي والبدني والوجداني القائم في الأسر يزيد في المدارس والأسوأ أنه يطل برأسه أحيانا في أماكن التعليم الديني من نشاط مسجدي وغيره، وهو الأمر الذي يحتم علينا كسر هذه الحلقة المتوارثة من العنف في التربية والمجتمع، فغالبا ما يكون هذا العنف متوارثا فعليا في العائلة من الأجداد للآباء للأبناء..

فلنكن أكثر جدية في صنع بيئة آمنة، ومجتمع متحاب، فلنكن أكثر جدية في صنع السلام.

 أشياء صغيرة أشياء صغيرة تحدث فروقا كبيرة..

 وإذا ما فكرنا في دوائر تأثيرنا يمكننا أن نفعل الكثير مثل:

- تعلم الآباء القليل من مهارات الوالدية والتعامل مع الضغوط اليومية وخاصة الضغوط الوالدية.

- الاهتمام الجاد بتعليم المعلم كيفية التفاعل والتواصل مع الطلاب.

- تفعيل قانون حقيقي في المدارس ضد العنف.

- تعليم الأطفال بعض المهارات التي تمكنه من التفاعل مع الآخرين والتعامل مع مشاعره السلبية من إحباط وغضب وغيره مما يعد سببا كامنا أوليا للعنف، ومن هذه النقاط التي يجب تعليمها الأطفال:

- أثر الاعتداء على الآخرين.

- عدم مشروعية وقبول هذا السلوك.

- تعليمهم السلوك البديل.

- تشجيعهم على الوصول لأولي الأمر ليصل لحقه بطريقة مشروعة.

- تعلم طرق جديدة فعالة للتواصل والتفاعل، وتعلم كيفية حل المشكلات.

هذه بعض الأفكار وأعتقد أننا أمام مشكلة تحتاج تكاتفا من الجميع، فالإرهاب سلوك، والسلوك اختيار.. فهيا معا نختار السلام.

 

  • Currently 171/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
59 تصويتات / 558 مشاهدة
نشرت فى 16 نوفمبر 2009 بواسطة ElmassryGallery

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

105,714