هذه فقرة انتقيتها لكم من كتاب قذائف الحق للشيخ الغزالي رحمه الله وهو كتاب ملىء بالفوائد العظيمة التي تغرس العقيدة الاسلامية الصحيحة ومظاهرها وآثارها ..يتحث الشيخ عن الاخلاص فيقول :

وقد خلد القرآن الكريم ذكر فريقين من الهداة الأتقياء:
ـ أحدهما: سجل أسماءه وجهاده وأثنى على رجاله أطيب الثناء . كقوله تعالى

" واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولى الأيدى والأبصار . إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار . وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار
ـ والآخر: طوى أسماءه ونشر سيرته واكتفى بشرح عمله وتزكية أثره .
من هؤلاء مؤمن آل فرعون الذى أحس نية الغدر بموسى والتآمر على قتله،قال تعالى مخلداً دفاع هذا المحامى المؤمن:
“ وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه: أتقتلون رجلاً أن يقول ربى الله، وقد جاءكم بالبينات من ربكم ؟! وإن يك كاذباً فعليه كذبه، وإن يك صادقاً يصبكم بعض الذى يعدكم، إن الله لا يهدى من هو مسرف كذاب . يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين فى الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا .. قال فرعون: ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد “

وقال: لا جرم أن ما تدعوننى إليه ليس له دعوة فى الدنيا ولا فى الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمرى إلى الله “ [ غافر ] .
ولكن هذه المناشدة الخالصة الحادبة لم تلق آذاناً واعية فمضى فرعون إلى مصرعه، وأورد قومه الحتوف، وبقى النصح الجميل الصادق الذى بذله الرجل المؤمن خالداً على الدهر يكشف عن أسرار القدرة العليا فيما أنزلت بالظالمين .
من هذا الرجل الذى يردد كلام الأنبياء وليس منهم ؟ لا نعرفه، ولا نعرف عن مولده ومماته شيئاً .

ليكن رمزاً للعمل بعيداً عن الأضواء، استعلاء على الشهرة فى الأرض، وإيثار العقبى فى السماء !!

وهذا رجل آخر من الطراز عينه، رجل وجد العراك محتدماً بين رسل الله وحماة الانحراف، هؤلاء يريدون أن يبلغوا عن الله ويغيروا الشر السائد، وأولئك يريدون تكميم أفواههم وإخراس ألسنتهم ..
ونما الخصام بين الفريقين، وبلغ الأمر بأعداء الوحى أن تشاءموا من وجود المرسلين بينهم، ومن دعوتهم فيهم، فهددوهم بالعذاب الأليم .
وجاء الرجل المؤمن من بعيد يهيب بقومه أن يعقلوا !
وقال: “ يا قوم اتبعوا المرسلين، اتبعوا من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون “ [ يس: 26 ] .
لقد أمن قومه على أموالهم فلم يرزأهم أحد فيها، وهذه الدنيا التى يحرصون عليها ستبقى لهم مزدانة بالإيمان الحق، فما أجمل هذا !
ثم تساءل: ما يمنعنا من الإيمان ؟ وما يغرينا بالشرك ؟
“ وما لى لا أعبد الذى فطرنى وإليه ترجعون ؟ أأتخذ من دونه آلهة، إن يردن الرحمن بضر لا تغنى عنى شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون ؟ إنى إذاً لفى ضلال مبين . إنى آمنت بربكم فاسمعون “ .
إنه يريد إسماعهم ليرعووا ويقتدوا ولا يستوحشوا من الطريق الذى يدعوهم إليه .
وبقى الرجل إلى آخر رمق ينصح أهل بلده ليرشدوا، بيد أنه مات تاركاً إياهم على غوايتهم .
فلما وجد طيب عيشه عند ربه وثمرة إيمانه تحف به وتقر عينه تذكر الرجل المخلص قومه فتمنى لهم الهدى “ يا ليت قومى يعلمون بما غفر لى ربى وجعلنى من المكرمين “ .
ولكن قومه أصروا على العمل فمستهم نفحة من عذاب الله أخمدت أنفاسهم وجعلتهم أثراً بعد عين .
من هذا الرجل الطيب القلب السمح النفس ؟

لا نعرفه، حسبه أن ربه يعرفه، إنه لم يعمل إلا له !

والفتية أهل الكهف الذين أحبوا ربهم حباً جماً، وغالوا بتوحيده مغالاة ظاهرة، من هم ؟ لا ندرى، لقد رفض القرآن أن يجلو النقاب عن أشخاصهم وعددهم “ ربهم أعلم بهم “ “ ربى أعلم بعدتهم “ .
لكنه كشف عن جلال يقينهم وسمو معرفتهم بالله وإجماعهم على إفراده بالعبادة، وازدرائهم لكل انحراف إلى الشرك ربنا رب السموات والأرض لن ندعو من دونه إلهاً لقد قلنا إذن شططاً “ .
كما كشف عن تبرمهم الشديد بالمجتمع الوثنى وعزوفهم عن البقاء فيه، وخشيتهم من العودة إليه إذا ضبطوا متلبسين بإيمان !
وانظر مدى كراهيتهم للكفر، والوقوع تحت سطوة أهله، وقول بعضهم لبعض “ إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم فى ملتهم ولن تفلحوا إذا أبداً ! “ [ الكهف: 20 ]
إن العيش بمبدأ كريم ولمبدأ كريم شىء عظيم حقاً .
وإنما يتفجر الفداء والإخلاص من عمق هذه الحياة الرفيعة .
والأمة العربية فتكت بها أمراض الرياء، وعلل التعاظم الأجوف والرغبة فى الظهور بالحق أو بالزور، ولا يمكن أن تنهض أمة مع هذه الأدواء الخسيسة !
إننا بحاجة إلى أعداد كبيرة من الجنود المجهولين، يعملون فى ألف ميدان، ويسدون ألف ألف ثغرة .

فهل يوجد من يكتفون بنظر الله إليهم، ويستغنون عن أنظار الناس
؟

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 564 مشاهدة
نشرت فى 9 سبتمبر 2006 بواسطة ENGMOHAMED

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

7,759