سامان عبد المجيد المترجم الخاص للرئيس العراقي الشهيد: صدام حسين انسان في منتهي الرقة

الرئيس العراقى الشهيد مع سامان عبد المجيد
الأسبوع أونلاين
بعد عقدين من عمله في القصور والمواقع الرئاسية في العراق، والتصاقه بالرئيس صدام حسين في اجتماعاته ولقاءاته مع ضيوف العراق الاجانب، التقت صحيفة القدس العربي التي تصدر في لندن ويرأس تحريرها الكاتب الصحفي المعروف عبد الباري عطوان بمترجم صدام حسين الخاص في غرفته في احد فنادق الدوحة حيث يقيم حاليا. وفي الحوار الذي نقدمه، يتحدث سامان عبد المجيد عن ذكريات عمله كمترجم خاص، ويتحدث هنا بصفة حرفية، كمترجم حيث كان يقوم بدور الوسيط اللغوي بين صدام وزواره الاجانب.
ويشير عبد المجيد الي ما يقول عنه الجانب الانساني، والصورة المختلفة عن صدام حسين في الاعلام الغربي، والدكتاتور. ويقول انه كان يؤمن بتعدد الاراء، كما يتحدث عن ظروف سقوط بغداد، وكيف ان قادة صدام خانوه. وينفي سامان وهو الكردي ان يكون صدام حسين طائفيا. ويؤكد ان علاقته بصدام كانت رسمية، فلم يحدث ان حضر اجتماعات القيادة العراقية او اجتماعات صدام مع وفود عربية واسلامية الا نادرا، ولم يدر حديث خاص بينه وبين صدام.
وكان الاخير يستقبل مترجمه دائما بدفء ويسأله عن حاله واحواله وعندما ينهي مهمة الترجمة كان يودعه بقوله شكرا لك لقد اتعبناك معنا كثيرا ويكررها اكثر من مرة.
د. سامان عبد المجيد، من هو؟
أنا من عائلة كردية تنحدر اصولها من محافظة السليمانية شمال شرق العراق. نلت شهادة البكالوريوس في الادب الانكليزي من جامعة بغداد عام 1968، ثم دبلوم عال في اللغة الفرنسية من الجامعة المستنصرية عام 1974، عام 1982 نلت شهادة الدبلوم العالي للدراسات العليا المتخصصة في الترجمة الفورية من جامعة السوربون الجديدة في باريس عام 1982 في عام 1997 نلت شهادة الدكتوراه في الترجمة من الجامعة المستنصرية ببغداد.
متي بدأت دراسة الترجمة الفورية في باريس؟ وهل كنت ضمن بعثة تهيئة المترجمين الفوريين لمؤتمر عدم الانحياز الذي كان من المفترض اقامته في بغداد عام 1982؟
نعم كنت عضوا في بعثة من خمسة أشخاص ارسلنا من قبل وزارة الاعلام العراقية لدراسة الترجمة الفورية، ضمن الاستعدادات التي كانت الحكومة العراقية تتخذها علي جميع الاصعدة للاستعداد لمؤتمر عدم الانحياز. كان من ضمن الاستعدادات تهيئة مترجمين فوريين وشفهيين وتحريريين ومرافقي وفود يتحدثون لغات عديدة. أرسلت أفواج من المترجمين لتلقي دراسات عليا متخصصة الي فرنسا وبريطانيا واسبانيا.
هل تتذكر زملاءك الذين ارسلوا معك الي فرنسا؟
نعم كان بيننا فتاتان هما ميسون ضياء ولمياء الشيخلي اضافة الي ثلاثة رجال عدي الطائي وأنا.
كانت مهمة حساسة فماهي المعايير التي تم اختياركم علي اساسها؟
كانت معايير مهنية تعتمد علي الكفاءة بشكل اساسي ونهائي. كان المشرف علي استعدادات المترجمين 'عضو مجلس قيادة الثورة في العراق' طه ياسين رمضان، وكانت تعليماته واضحة ومحددة في اختيار الاشخاص المهنيين والكفوءين.
هل كنت بعثيا عندما تم اختيارك للبعثة؟
كنت بعثيا صوريا مثلي مثل ملايين العراقيين الذين انضموا بشكل صوري لحزب البعث لأسباب وظيفية، لكن زملائي لم يكونوا جميعهم بعثيين، مثل الفتاتين اللتين ذكرتهما وغيرهم، ولم يطلب منهم اطلاقا الانضمام الي حزب البعث كشرط لضمان البعثة.
كيف انضممت الي طاقم رئاسة الجمهورية ومن ثم المترجم الخاص لصدام حسين؟
بعد عودتي الي بغداد من فرنسا، عينت في دار المأمون للترجمة والنشر التابع لوزارة الاعلام، حيث اصبحت رئيسا لقسم الترجمة وكان ابرز انجاز حققه القسم هو الاستغناء عن الاستعانة بمترجمين فوريين من خارج العراق لتغطية المؤتمرات المختلفة التي كانت تعقد في بغداد والمدن العراقية الاخري. هذا بالاضافة الي قيامي بالتنسيق مع اساتذتي في فرنسا للاستعانة بقسمنا في المؤتمرات الدولية ونجحت مساعي تلك واصبحت ومترجمين آخرين نغطي عند الطلب مؤتمرات وكالة الطاقة الذرية في العاصمة النمساوية فيينا والعديد من الفعاليات الدولية في مختلف دول العالم. بعد السمعة الطيبة التي اصبحت للقسم، استدعاني في احد الايام مدير دار المأمون للترجمة الاستاذ ناجي صبري الحديثي الذي اصبح لاحقا وزيرا للخارجية وأخبرني بأن ديوان رئاسة الجمهورية طلب منه ترشيح مترجم خاص للرئيس صدام حسين، وأنه رشحني لهذه المهمة. قال لي ان ترشيح شخص لهذه المهمة الدقيقة لا يعتمد علي اساس الكفاءة المهنية فقط وانما يجب ان يكون علي اساس الخلق القويم والتهذيب العالي وحسن التصرف في مجالس تضم قادة دول واشخاصا ذوو منزلة عالية، وانه توسم فيّ تلك الصفات. كان ذلك عام 1986. ويبدو ان الاستفسارات الامنية عن شخص سيكون ملاصقا للرئيس لم تكن بالهينة، حيث اني لم اسمع شيئا عن الموضوع لسبعة أو ثمانية اشهر بعد ترشيحي للوظيفة، أي في شتاء عام 1987. والطريف في الموضوع اني لم استلم تكليفي بالعمل في رئاسة الجمهورية الا بطريق الصدفة، فقد كنت في بغداد في اجازة من الجيش الشعبي 'وحدات شبه عسكرية مؤلفة من افراد تعدت اعمارهم سن التجنيد كان العراق يستخدمها بدل الوحدات العسكرية في المناطق البعيدة عن جبهة الحرب مع ايران' وذهبت في آخر يوم لألقي السلام علي زملائي في دار المأمون واذا بالمدير العام يخبرني بأن ديوان رئاسة الجمهورية قد طلبني بالفعل. تسرحت من الجيش الشعبي وعدت للعمل في دار المأمون بانتظار التكليف الرسمي ولكن لم يصلني شيء لشهور أخري، الي ان تم الاتصال بي لأول مهمة لي للترجمة للرئيس صدام حسين، حيث كان باستقبال الرئيس التشادي محمد سياد بري الذي كان يتكلم الفرنسية.
كيف شعرت وأنت أمام صدام حسين للمرة الاولي؟
شعرت برهبة من الموقف، ولكن استقبال الرئيس لي بالتحية بطريقة بسيطة بدون تكلف ووجود مترجم اللغة الانكليزية المرحوم مازن الزهاوي ومساعدته لي في توضيح الموقف والبروتوكول المتبع سهل علي الامور كثيرا وما أن مرت اللحظات الاولي حتي اندمجت بالعمل وسار كل شيء علي ما يرام.
هل دار بينك وبين الرئيس صدام حسين في ذلك اليوم اي حديث؟
كلا ولم يحدث بيني وبينه اي حديث خاص ـ اعني ان اختلي به ـ حتي النهاية، لكنه كان يستقبلني دائما بدفء ويسألني عن حالي واحوالي وعندما انهي مهمة الترجمة كان يودعني بقوله شكرا لك لقد اتعبناك معنا كثيرا ويكررها اكثر من مرة.
متي اصبحت المترجم الخاص للرئيس صدام حسين رسميا؟
بقيت حتي عام 1990 مترجم الرئيس عند الطلب، ولكن بعد دخول الجيش العراقي الي الكويت وتقاطر الوفود من كافة المستويات والانواع علي بغداد صدر امر بنقلي نهائيا من وزارة الاعلام الي مكتب السكرتير الصحافي لرئيس جمهورية العراق. كان السبب وراء نقلي هو عمل خلاصة يومية حول ما تكتبه الصحف الفرنسية حول موضوع دخول العراق الي الكويت وتقديمها الي الرئيس صدام حسين الذي كان حريصا اشد الحرص علي الاطلاع علي كل ما تكتبه الصحف الغربية حول العراق، وقد نقل بعدي بيومين احد زملائي للقيام بنفس المهمة ولكن مع الصحف الناطقة بالانكليزية.
هل شعرت بأن كونك غير عربي 'كردي' كان له اي تأثير علي عملية اختيارك للعمل مع الرئيس؟
كلا علي الاطلاق، فمنذ دخولي الحياة العملية حتي اصبحت مترجما للرئيس، لم اشعر في يوم من الايام بأن قوميتي الكردية هي نقطة ضعف بالنسبة لي. لا بل لم اشعر بذلك طوال حياتي، خصوصا وان اسمي كردي الا انني لم اشعر بأي يوم من الايام بأن ذلك قد أثر سلبا بأي شكل من الاشكال لا في المدرسة ولا في الحياة الاجتماعية ولا في الجامعة. كنت اشعر وأُعامل علي اني عراقي مثلي مثل اي عراقي آخر. طرأ علي بالي في وقت من الاوقات بأنه ربما لكوني كرديا، استغرقت الاجراءات الامنية ما بين ترشيحي لأصبح مترجما للرئيس واعتمادي للمهمة سبعة الي ثمانية اشهر. أقول ربما واشدد علي كلمة ربما، ويعزز ذلك القول بأنني طوال خدمتي في القصر الجمهوري لم يفتشني أحد اثناء دخولي وخروجي علي الرئيس صدام حسين. يظن الكثير من الناس بأن كل من يدخل علي صدام حسين يخضع الي تفتيش دقيق، ولكن ذلك غير صحيح، كان بإمكاني في كل مرة فيها أدخل قاعة يتواجد فيها صدام حسين وأنا أتأبط سلاحا.
لم اغسل يدي بالمحلول الكيماوي
هذا يعني أنك لم تغسل يديك يوما بالمحلول الكيمياوي الشهير الذي يقولون بأن كل من يصافح صدام حسين عليه ان يعقم يديه بمحلول خاص؟
أبدا لم يحدث ذلك.
تعني هذا المحلول ليس له وجود؟
يا احمد لقد اصدرت كتابا يتضمن سيرتي الذاتية وفيه وفي مقابلتي هذه معك وفي أي لقاء مستقبلي اشدد علي أنني اقول شهادتي أمام الله والتاريخ، ولن انقل علي لساني سوي ما رأت عيناي وسمعت أذناي. قد يأتي شخص في يوم من الايام ويقول بأن هناك معقما كيمياويا علي كل من يدخل علي صدام حسين، قد يكون صادقا وقد يكون كاذبا، ولكن الاكيد بالنسبة لي هو أنني لم أغسل يوما يدي بسائل من هذا القبيل.
كيف كان يعاملك الرئيس صدام حسين؟ أعني شخصيا؟
في الحقيقة كان صدام حسين الانسان ـ وهذا شيء اطلعت عليه بنفسي ـ شخص في منتهي الرقة معي ومع الآخرين. علي مدي الخمس عشرة سنة التي عملت فيها معه، لم أره منزعجا ويوجه كلاما غاضبا لأحد، الا نادرا جدا جدا. مرة واحدة وبخ أمامي رئيس دائرة المراسم قائلا هل يجب علي أن اعلمكم كل شيء؟ هل نحن في مدرسة؟ كان هذا اقصي توبيخ اسمعه منه تجاه أحد. أما معي شخصيا فلم يوجه لي في يوم من الايام حتي ولا لوم، كان يستقبلني كما اسلفت بتحية طيبة ويودعني بعبارات مهذبة مثل أرجو أن لا نكون قد أتعبناك أرجو أن لا نكون قد أطلنا عليك . كان ذا خلق عال، شاءت الظروف ان اجتمع معه وآخرين علي مائدة الطعام اكثر من مرة، وقد كان يصر علي ان يملأ صحني بنفسه. كان ذلك يسبب لي حرجا كبيرا وكنت اتوسل اليه ان لا يفعل ذلك وأن مقامه عال عندي ويجب علي أنا أن اخدمه، لكنه كان يصر علي أن يملأ طبقي بكل ما موجود علي المائدة.
نظرا لوجودك مع صدام حسين في مفاوضات علي اقصي درجات السرية، كيف تصف لنا طريقة صدام حسين في الحوار؟ هل كان متعنتا كما يشاع عنه؟
في البداية أريد أن انوه بأنني كنت احضر اجتماعات صدام حسين لأغراض الترجمة فقط، وبالتالي لم أكن أحضر لقاءاته مع اشخاص عراقيين. باستثناء سبعة أشهر من عام 1994 كنت في حينها السكرتير الصحافي بالانابة. في تلك الفترة حضرت لقاءاته ومفاوضاته مع وفود عربية واسلامية حول مختلف المسائل. استطيع القول بأنه في جميع اللقاءات والمحادثات التي حضرتها معه، سواء كمترجم ام سكرتير صحافي لم يكن صدام حسين شخصا متعنتا.
كيف كان يعامل المسؤولين العراقيين؟ هل كان يناقشهم ام يصدر اوامر نهائية بشكل دكتاتوري متعسف كما هي
المصدر: محمد السطيحه المحامى
  • Currently 36/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
13 تصويتات / 576 مشاهدة
نشرت فى 20 يناير 2011 بواسطة ELstehaAveocato

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,861,698