خمسة وقعوا علي تقرير الوفاة النهائي..اثنان منهم كتبا تفاصيل ما حدث
وثائق وشائعات واتهامات بالقتل في مذكرات أطباء عبدالناصر الخاصة



 

"أثناء توديع سمو أمير الكويت بالمطار في الساعة الثالثة والنصف مساء اليوم 28 - 9 - 1970 الموافق 27 رجب 1390 هجرية، شعر سيادة الرئيس بدوخة مفاجئة مع عرق شديد وشعور بالهبوط، وقد توجه سيادته بعد ذلك فورا إلي منزله بمنشية البكري، حيث حضر علي الفور الأطباء ووجدوا عند سيادته أزمة قلبية شديدة نتيجة انسداد للشريان التاجي للقلب.

وقد أجريت لسيادته جميع الإسعافات المطلوبة اللازمة بما في ذلك استعمال أجهزة تنظيم ضربات القلب، لكن مشيئة الله قد نفذت، وتوفي إلي رحمة الله في الساعة السادسة والربع أثناء إجراء هذه الإسعافات".

كان هذا هو نص التقرير الطبي الذي صدر يلخص أسباب وفاة الرئيس عبدالناصر، وقد وقع عليه فريق من الأطباء، كانوا موجودين في غرفة نوم عبدالناصر لحظة الوفاة، وهم دكتور رفاعي محمد كامل، دكتور منصور فايز، دكتور زكي الرملي، دكتور الصاوي حبيب، دكتور طه عبد العزيز.

من بين هؤلاء الأطباء الخمسة أصدر اثنان مذكراتيهما، وسجلا فيها تفاصيل الحالة الصحية للرئيس جمال عبدالناصر، أو بالأدق التاريخ المرضي للرجل، لقد ظل هناك اتهام معلق علي رقبة أطباء عبدالناصر بأنهم قصروا في أداء واجبهم، وأنهم لو كانوا أكثر كفاءة لأنقذوا الرجل، رغم أن الأعمار كلها بيد الله.

التاريخ وحده يشهد علي ما جري، وهذا ما قاله شهود العيان من واقع ما سطروه بأيديهم.

الصاوي حبيب:عبدالناصر كان يستأمن السادات علي أسرار مرضه الخاصة

قبل أن يصدر الدكتور الصاوي حبيب مذكراته التي نشرتها الهيئة العامة للكتاب في العام 2007 بعنوان "مذكرات طبيب عبدالناصر" حصل علي موافقة من نقابة الأطباء لنشر تفاصيل الحالة الصحية للرئيس الراحل جمال عبدالناصر وحقيقة الساعات الأخيرة قبل وفاته، وعدم اعتبار ذلك إخلالا بلائحة آداب المهنة التي تطالب الطبيب بالحفاظ علي أسرار مرضاه.

وقد جاء في موافقة النقابة التي صدرت في 26 سبتمبر 2006، أنها تري أن التاريخ المرضي لقادة الشعوب ملك لهذه الشعوب وملك للتاريخ، وأن الحالة المرضية للرئيس الراحل عبدالناصر قد تناولتها أقلام كثيرة، وادعي كثيرون المعرفة بأسباب الوفاة ومنهم من ذهب إلي أن الوفاة نتيجة تآمر أو استخدام السم أو الإهمال في العلاج أو بسبب نقص السكر، ومن المهم جدا معرفة الأسباب الحقيقية.

ما ذكره الصاوي حبيب كان المقصود منه إذن معرفة الأسباب الحقيقية لوفاة عبدالناصر، يقول الصاوي حبيب في المذكرات نصا:كنت علي موعد مع الرئيس في الساعة الحادية عشرة صباحا يوم 28 سبتمبر، وكان قد انتقل في اليوم السابق من فندق هيلتون النيل إلي بيته، وكانت قد انتهت وقائع مؤتمر القمة، ولم يبق إلا توديع أمير الكويت في المطار في الساعة الثالثة بعد الظهر، وعند فحص الرئيس لم ألحظ شيئاً غير عادي، لكنه ذكر أنه سيحصل علي إجازة بضعة أيام عقب توديع أمير الكويت".

في الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر، تلقي الصاوي حبيب رسالة تليفونية من سكرتير عبدالناصر الخاص والذي كان يرافقه في المطار، كان نص الرسالة ، أن الرئيس يطلب منه التوجه إلي منزله في منشية البكري لمقابلته هناك.

يقول الصاوي:"توجهت علي الفور من منزلي بوسط القاهرة إلي مقر الرئيس ووصلت بعد ثلث ساعة تقريبا، قابلتني السيدة حرمه خارج حجرة النوم، وأخبرتني أنه عاد من المطار وهو يشعر بالتعب وأنها أحضرت له كوب عصير برتقال شربه منذ قليل، وتوجهت إلي حجرة النوم، وكان الرئيس مستلقيا علي السرير مرتديا بيجامته ورأسه مرتفع قليلا، وقال إنه شعر بتعب أثناء توديعه أمير الكويت في المطار، وأحس أن قدميه تكادان لا تقويان علي حمله، وعند فحصه لاحظت وجود عرق بارد علي جبهته كما كان وجهه شاحبا، وكان النبض سريعا خيطيا يكاد ألا يكون محسوسا، كما كان ضغط الدم بالغ الانخفاض وكانت أطرافه باردة".

أحس الصاوي حبيب بخطورة الموقف وتوجه فورا إلي حجرة مكتب الرئيس الملحقة بغرفة النوم، وطلب من السكرتارية استدعاء الدكتور منصور فايز والدكتور زكي الرملي فورا، وأحضر جهاز رسم القلب وكان موجودا بصفة دائمة في حجرة المكتب، حيث كان من المعتاد عمل رسم قلب يوميا للرئيس منذ أصيب بجلطة في شهر سبتمبر من العام 1969، وذلك بجانب الأدوية والأدوات والأكسجين المعد لحالات الطوارئ.

حضر الدكتور منصور فايز بعد ثلث ساعة والدكتور زكي الرملي بعد نصف ساعة، وأكدا خطورة الحالة نتيجة وجود انسداد جديد في الشريان التاجي، واستمر العلاج فترة من الوقت ولكن لم يكن هناك تغيير في رسم القلب، الذي تم عمله من قبل إلا أن بعض التحسن ظهر في الكشف الإكلينيكي.

الغريب أن الدكتور منصور فايز تحدث مع عبدالناصر وهو علي فراش الموت عن رغبته في زيارة الجنود علي الجبهة، وأخبره الرئيس بأنه موافق، وما عليه إلا أن ينسق مع بعض الوزراء الذين كانوا قد اتفقوا علي التوجه لزيارة الجنود، وفي الوقت نفسه كان الدكتور زكي الرملي يراقب الموقف عن قرب.

يقول الصاوي:"لم أتابع الحديث، فقد كنت أفكر في الوضع الصعب الذي نحن فيه، ووجدت الرئيس يعتدل قليلا ليفتح الراديو الموجود علي الكومودينو بجوار السرير، وقال إنه يرغب في سماع خبر في نشرة أخبار الخامسة، التي كانت قد بدأت منذ قليل، ولم يذكر هذا الخبر ولم يعرفه أحد حتي الآن، وظل يصغي لنشرة الأخبار حتي انتهت، وطلبت منه ألا يتحرك، وأن يستريح، وكان قد أغلق جهاز الراديو، ورد قائلا:أنا استريحت يا صاوي".

بعد هذه الكلمة فوجئ الصاوي حبيب بأن عبدالناصر يميل برأسه علي الجانب فجأة، وفي الحال تحسس نبضه، فوجده توقف تماما، فقام بعمل تنفس صناعي وتدليك خارجي للقلب في وجود الرملي ومنصور فايز، واستمرت هذه المحاولات حوالي ثلث ساعة دون جدوي، ولم يجد فائدة من الاستمرار، فقد توفي الرئيس بالصدمة القلبية، وهي من أخطر مضاعفات انسداد الشريان التاجي.

إن معرفة الصاوي حبيب لا تقتصر علي اللحظات الأخيرة في حياة عبدالناصر، فقد كان طبيبه الخاص منذ عام 1967، وقد يكون مفيدا أن نعرف تفاصيل مرض عبدالناصر، فالرجل فيما يبدو لم يمت في 28 سبتمبر 1970، ولكنه مات قبل ذلك بكثير.

ويحكي الصاوي عن أول مرة وقع فيها الكشف الطبي علي عبدالناصر، وكان ذلك في 13 يوليو 1967، أي بعد شهر وثمانية أيام من الهزيمة، يقول:" وجدت مساحة صغيرة في إحدي الرئتين، بها تمدد في الشعب الذي يمكن أن ينشأ من سعال ديكي في الطفولة، ووجدت أيضا ضعفا في نبض الشريان في إحدي القدمين مما قد يكون له دلالة في مرضي السكر بالذات، ومؤشرا علي وجود ضعف في الدورة الدموية الطرفية، ويتعارض تماما مع التدخين، وكان الرئيس عبدالناصر يدخن بصورة منتظمة، ولعلها كانت هوايته الوحيدة إلي جانب لعبة الشطرنج ورياضة التنس، وأخبرته بنتيجة الكشف الطبي وانصرفت، لأعود في اليوم التالي وكان المرض الأساسي الذي يعالج منه هو البول السكري، وهو مرض يسهل السيطرة عليه، ويمكن للإنسان أن يتعايش معه في الأحوال العادية إذا تم ضبط الغذاء، الذي يرفع نسبة السكر والدواء الذي يخفضها، وتعتبر الحركة والمشي ضرورية لسلامة الأنسجة والدورة الدموية وخفض السكر، ويبقي التوتر والانفعال والقلق عوامل يصعب السيطرة عليها، وتؤدي إلي رفع نسبته في الدم".

بعد أقل من شهر من عمل الصاوي كطبيب خاص لعبدالناصر، وتحديدا يومي 8 و9 أغسطس 1967 واجهته أول مشكلة في علاج السكر، بعد أن ظهر أثر للأسيتون بالبول مع وجود ارتفاع بسيط في درجة الحرارة، نتيجة وجود التهاب بالقناة التنفسية العليا، وتمت مواجهة الموقف بسرعة بإعطاء أنسولين مائي 3 مرات في اليوم مع زيادة كمية السوائل والأكل وكذلك إعطاء مضاد حيوي، وقد اختفي الأنسولين من البول بعد يومين أو ثلاثة.

الأزمة الصحية الأكبر كانت في سبتمبر 1969 أي قبل أن يموت عبدالناصر بعام كامل، يقول الصاوي:"في صباح 11 سبتمبر 1969، أخبرني الرئيس أنه استيقظ في الصباح الباكر وهو يشعر بضيق في التنفس لم يستمر طويلا، لكني عندما وقعت الكشف عليه سمعت دقة ثالثة في القلب إلي جانب الدقة الأولي والدقة الثانية الموجودتين بصفة طبيعية، ووجود مثل هذا الصوت بعد سن الشباب يكون دلالة علي وجود قصور في أداء الجانب الأيسر من القلب، ويبدو أني أطلت وضع السماعة الطبية علي الصدر مما لفت نظر عبدالناصر، ونظرا للدلالة التي يشير إليها هذا الصوت فكان لابد من عمل الأبحاث الطبية في الحال، وهي رسم القلب والتحاليل المعملية، وكنت في موقف صعب من ناحية المريض والمرض".

لم يكن هناك مجال للتردد، لم يغادر الصاوي حبيب حجرة عبدالناصر إلا بعد أن أجري له رسم قلب، رغم أن آخر رسم قلب تم عمله كان طبيعيا، لكن كان هناك سبب يجعل طلب رسم القلب له ما يبرره في ذلك الوقت، فقد كان ميعاد الزيارة المؤجلة إلي روسيا لتكرار العلاج بالمياه الطبيعية بعد خمسة أيام، ولذلك فقد كان من الطبيعي عمل جميع الأبحاث قبل السفر.

كشف رسم القلب عن دلائل جلطة الشريان التاجي، وأخبر الصاوي عبدالناصر بوجود أنفلونزا شديدة تستوجب الراحة التامة، وأجريت التحليلات للرئيس بعد أن انضم إلي فريق أطبائه الدكتور محمود صلاح الدين أستاذ القلب في جامعة الإسكندرية.

بعد التحليلات لم يعد هناك أدني شك في وجود جلطة حادة في الشريان التاجي، وصدر بيان رسمي في الصحف بإصابة الرئيس بأنفلونزا حادة ألزمته الراحة، ولم يكن عبدالناصر يعرف حقيقة مرضه إلا بعد مرور عدة أيام.

وهنا يظهر شيء غريب جدا، يقول الدكتور الصاوي:"كنت أقابل الأستاذ محمد حسنين هيكل كل يوم، وكان يسألني عن صحة الرئيس وكنت أجيب بشيء من التحفظ، ولذلك فقد سألت الرئيس عن الأشخاص الذين يمكن أن يعرفوا خبر وحقيقة مرضه، وأخبرني الرئيس عن خمسة منهم السيد أنور السادات والأستاذ هيكل".

دون أن يقصد الصاوي حبيب يكشف لنا أن عبدالناصر كان حتي سنواته الأخيرة يثق في الرئيس السادات ثقة عمياء، حتي أنه يخصه بخبر وحقيقة مرضه ضمن خمسة فقط حددههم بالاسم، وأعتقد أن ذلك يمكن أن تكون له دلالة في الصراع القانوني الدائر الآن، حول اتهام أسرة السادات للأستاذ هيكل، بأنه اتهم السادات بقتل عبدالناصر بفنجان قهوة مسموم، رغم أن هيكل نفي أن يكون قال ذلك، فالأمر يحتاج إلي دليل قوي، وهو ليس موجودا بالمرة، أقول قد يعني شيئا.. ولا أقول كل شئ.

منصور فايز: ناصر قال لي وهو علي فراش الموت:أنا مش هارقد المرة دي

يحكي منصور فايز وقائع اليوم الأخير، يقول:"بعد ظهر يوم 28 سبتمبر 1970، اتصل بي السيد فؤاد عبد الحي من السكرتارية الخاصة للرئيس جمال عبدالناصر، وقال لي إن الدكتور الصاوي موجود عند الرئيس، ويطلب حضورك فورا لأن الرئيس متعب، توجهت في الحال إلي منزل الرئيس، ووصلت في الرابعة وخمسين دقيقة، وبعدي بدقائق وصل الدكتور زكي الرملي الذي كان الدكتور الصاوي قد استدعاه أيضا.

دخلت حجرة الرئيس فوجدته يبدو عليه الإرهاق الشديد، وكان متعبا من ضربات القلب، ولكنه كان رابط الجأش لا تبدو عليه أية أعراض للقلق، بادرني مبتسما حين رآني:إزاي عرفوا يجيبوك دلوقتي؟، ثم استطرد مشيرا إلي الأسبوع الذي قضاه في مؤتمر القمة في الهيلتون:الحقيقة إنهم تعبوني جدا الأيام اللي فاتت".

قام منصور فايز مع زملاء من الفريق الطبي بفحص الرئيس واطلع علي رسومات القلب التي أجريت علي الفور، واتضح من الفحص الإكلينيكي وكذا الرسومات الكهربائية للقلب أن الرئيس أصيب بجلطة حديثة في الشريان التاجي للقلب مصحوبة باضطراب في ضربات القلب، واستمر العلاج المركز.

يقول فايز:"كانت وجوهنا جادة تعكس التفكير والتركيز، بينما ظل جمال عبدالناصر علي هدوئه مسيطرا علي أعصابه، لم يسألني ما الخبر؟ ولم يستفسر عما أصابه، فلقد كان يعرف، وأظنه أراد أن يفسح لنا المجال لنؤدي واجبنا دون أسئلة منه، ولكني أذكر أنه قال لي وأنا منهمك في علاجه:أنا مش حارقد المرة دي...أنا عندي مواعيد وشغل كتير الفترة اللي جاية، قالها وجهاز رسم القلب لم يزل متصلا بذراعيه وساقيه، وفي تمام الساعة الخامسة مد جمال عبدالناصر يده إلي جهاز الراديو بجانب سريره، واستمع إلي موجز نشرة الأخبار من إذاعة القاهرة، وقال مفيش حاجة، ثم طلب قفل الراديو واستطرد:نيسكون كان عامل لي مظاهرة في نابولي وكنت عايز أعرف الأخبار".

بعد وفاة عبد الرسول وكما يقول فايز، ترددت شائعات كثيرة حول وفاة جمال عبدالناصر نشر بعضها في الصحف المحلية والبعض الآخر في الصحف العربية، من هذه الشائعات أن جمال عبدالناصر توفي بغيبوبة نتيجة نقص السكر في الدم، ومنها أيضا أنه مات مسموما، وأشيع أن جمال عبدالناصر قد مات مسموما نتيجة تدليكه بمادة سامة بطيئة المفعول بواسطة طبيب العلاج الطبيعي الذي اندس بين فريق الأطباء المعالجين، وكان مروجو الشائعات أشخاصا من غير الأطباء أو للأسف الشديد لم يشتركوا في علاج جمال عبدالناصر أو كانوا بجواره ساعة الوفاة.

وكما أشار الصاوي حبيب إلي التاريخ المرضي لعبدالناصر، فإن منصور فايز أشار إلي هذا التاريخ في مذكراته التي حملت عنوان:"مشواري مع عبدالناصر"، والتي صدرت في العام 2001 عن بيت العرب للتوثيق العصري والنظم، يقول فايز:" كان الرئيس جمال عبدالناصر يعاني من مرض السكر منذ عام 1958، ولم تظهر عليه أية مضاعفات لهذا المرض منذ ذلك التاريخ وحتي 1968، وانحصرت المضاعفات حينذاك في آلام الساق التي بدأ يشعر بها، وكان مرض السكر وراثيا في عائلته، فقد كان له أخ مريض بالسكر وكذلك كان عمه، وكان الرئيس يتبع نظاما خاصا في الأكل لعلاج السكر، ولم أجد متاعبا في هذا المجال، فقد كان عبدالناصر بطبيعته غير ميال للإكثار من الأكل، وكان طعام الرئيس وعائلته عامة أكلا مصريا عاديا وصحيا".

في الإطار كان عبدالناصر يأكل الخبز والفول المدمس والجبن الأبيض، وفي العشاء كان بعض أنواع الفاكهة الطازجة يحل محل الفول، أما طعام الغداء فكان عبارة عن خضراوات وسلطة خضراء ولحوم وخبز، وكانت كمية النشويات في الوجبات الثلاث محدودة، ولم يكن الأمر يخل من بعض الاستثناءات بالطبع، فقد كان ناصر يأكل أحيانا كمية أكبر من الخبز، أو يخرج كلية علي نظام أكله، حين تطهو زوجته أحد الأصناف مثل المحشي، وكانت السيدة تحية تجيد طهوه بنفسها.

يقول منصور فايز:"كان علاج السكر عند الرئيس جمال عبدالناصر يعتمد علي حقن الأنسولين، حيث كانت العقاقير التي تعطي عن طريق الفم غير مجدية في علاجه، فكان عليه أن يأخذ حقنة أنسولين طويلة المفعول يوميا قبل الإفطار، وبعد فترة من إشرافي علي علاج الرئيس، رأيت إشراك الدكتور علي البدري أخصائي مرض السكر المعروف معي في العلاج، وكان الدكتور ناصح أمين يعمل التحاليل اللازمة".

ويشير منصور فايز إلي أن الدكتور بولسون الدنماركي كان يشترك في علاج الرئيس عبدالناصر، كان الرجل من أكبر أخصائي السكر في العالم، وكان يزور الرئيس مرة كل ستة أشهر أو إذا دعت الحاجة، وكان بولسون من أشد المعجبين بشخصية جمال عبدالناصر، وكان دائم الإشادة به كزعيم عالمي، وكان يأتي متطوعا رافضا أي يتقاضي أي أجر علي عمله.

ويشير فايز أيضا إلي أن عبدالناصر كان يشكو من حساسية بالجيوب الأنفية، وكان يعالجه من ذلك الأستاذ الدكتور علي المفتي الذي ظل يشرف علي علاجه حتي رحيله عام 1970، كما كان يشكو من تمدد في الشعب الهوائية بالرئة اليمني، مما كان يسبب له متاعب كثيرة، حيث إن أي إلتهاب بالجيوب الأنفية يمكن أن ينتقل بسرعة إلي الشعب والرئة مسببا له نزلات شعبية، وأحيانا التهابا بالرئة، خاصة أنه معروف أن مرض السكر يقلل من مقاومة هذه النزلات.

ويري فايز أن عبدالناصر كان مريضا مطيعا يؤمن بأهمية الالتزام بإرشادات الطبيب قدر ما يستطيع، ومن الطريف أنه كان لا يحب أن يري منظر الدم، وكان يدير وجهه عند أخذ عينة دم منه، وكان يدخن بكثرة سجائر كرافن بدون فلتر، ثم سجاير كنت، وقد حاول أطباؤه مرارا أن يمنعوه من التدخين دون جدوي، كان يقول لهم في كل مرة يطالبونه بذلك:"لقد أصبحت السجائر هوايتي الوحيدة المتبقية ..فهل ستحرموني منها أيضا".

لكن في العام 1986 وحين بدأ عبدالناصر يشعر بآلام الساق نتيجة قصور في الدورة الدموية، طلب منه أطباؤه الروس أن يمتنع نهائيا عن التدخين، ولحظتها امتدت يد جمال عبدالناصر بالسيجارة التي كانت مشتعلة في يده إلي المنضدة بجانبه وأطفأها، ولم يعد إلي التدخين أبدا بعدها.

لقد كان عبدالناصر يعمل قرابة الثماني عشرة ساعة يوميا، كان يصحو مبكرا وينام متأخرا، وكان طوال يومه حبيس مكتبه، ما بين الأوراق والتليفون وجهاز الراديو، وكان كلما أراد أطباؤه أن يبعدوه عن هذا النمط الذي يزيد توتره النفسي، كان يقول:"هذه طبيعتي لا أستطيع لها تغييرا، وهذا قدري لا مناص من مواجهته".

تظل أشياء صغيرة في مذكرات منصور فايز، لكنها مهمة، فبعد رحيل عبدالناصر انتشرت شائعات مقصودة حول أطباء الرئيس، بعضها كما يقول هو كان مجرد افتراء استغل أن أطراف الشائعات أصبحوا في ذمة الله، في محاولة للنيل من جمال عبدالناصر، وكان بعضها الآخر من نسيج الخيال كأفلام الجاسوسية في السينما العالمية.

الشائعة الأولي:هي أن المرحوم الدكتور أنور المفتي قد مات مسموما عقب تناول كوب من عصير الجوافة في منزل جمال عبدالناصر، وأن ذلك بتدبير من صلاح نصر مدير المخابرات العامة في ذلك الوقت، وقد ترددت هذه الشائعات مع بدايات حملات ضارية وظالمة ضد عهد جمال عبدالناصر كله، استمرت لسنوات طويلة واستهدفت الرجل بقدر ما استهدفت مبادئه.

يقول منصور فايز علي هذه الشائعة :"كان من أكثر من آلمهم هذا الافتراء علي الدكتور علي المفتي شقيق الدكتور أنور المفتي طبيب الأنف والأذن والحنجرة الذي كان يتولي علاج الرئيس عبدالناصر، وتذكرت كم من أكواب العصير وفناجين القهوة والشاي شربت في بيت جمال عبدالناصر، وفي مكتب صلاح نصر بالمخابرات العامة".

الشائعة الثانية:أن إسرائيل نجحت في إقحام جاسوس لها بين فريق أطباء الرئيس، وأنه كان طبيب العلاج الطبيعي الذي نجح في أن يتسبب في وفاة الرئيس عام 1970، من خلال تدليكه بمادة سامة بطيئة المفعول. يقول منصور فايز مفندا هذه الشائعة:"الواقع أن هذا الاسم الذي تردد لم يكن أبدا من بين المترددين لأي شأن من الشئون علي منزل الرئيس - علي فرض أن لهذا الاسم وجود - كما أن الرئيس لم يخضع للعلاج الطبيعي إلا لفترة محدودة، بدأت بعد عودته من سخالطوبو في نهايات 1968، وانتهت لدي إصابته بالأزمة القلبية الأولي 1969، حين أوقفت هذا العلاج لتعارضه مع علاج المصاب بالقلب، وكان طبيب العلاج الطبيعي هو الدكتور فودة الضابط بالقوات المسلحة، ومسئول العلاج الطبيعي بمعهد التأهيل بالعجوزة.


المصدر: محمد السطيحه المحامى عن الفجر
  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 2318 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,861,805