يشكل توفير الكميات الكافية من المياه لتلبية حاجات السكان واحدًا من أهم تحديات القرن الحال   في مناطق عديدة من العالم، خصوصًا أن الماء هو عماد الحياة ومورد حيوي واستراتيجي ومدخل أساسي من مدخلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ويجب أن تحظى مسألة إدارة المياه باهتمامٍ كافٍ في المنطقة خصوصًا أن هذا الأمر لم يلق اهتمامًا كافيًا في السابق. لهذا تعتبر قضية المياه واحدة من أبرز القضايا التي تتعاطى معها الأمم المتحدة، حيث ورد ضمن أهم أهداف إعلان الأمم المتحدة للألفية الثالثة - والذي صدر على إثر قمة الألفية الثالثة عام ٢٠٠٠ - "... أن تخفض إلى النصف، بحلول عام ٢٠١٥ ، نسبة سكان العالم الذين لا يستطيعون الحصول على المياه الصالحة للشرب أو دفع ثمنها ..."، كما نص الإعلان على ".... وقف الاستغلال المجحف لموارد المياه، بوضع استراتيجيات لإدارة المياه على الصُعد الإقليمية والوطنية والمحلية، بما يعزز إمكانية الحصول عليها بصورة عادلة، مع توافرها بكميات كافية ..

 وقد أولت الأمم المتحدة اهتمامًا خاصًا بالمياه في برامجها، وأعطتها الأولوية في نشاطاتها، حيث انعكس ذلك في عقد عدة مؤتمرات عالمية بهذا الخصوص، كان آخرها المؤتمر الدولي للمياه العذبة - الذي عقد في بون عام ٢٠٠١ ، بالتعاون مع الحكومة الألمانية - وهو مؤتمر تحضيري لمؤتمر القمة االعالمي حول "التنمية المستدامة"،الذى عقد في جوهانسبرغ، إضافة إلى اعتبار عام ٢٠٠٣ السنة الدولية للمياه العذبة.

وقد ازداد اهتمام الحكومات في منطقة إسكوا بتنامي الطلب على المياه، نتيجة للضغوط السكانية والحاجة إلى زيادة الإنتاج الغذائي، بالإضافة إلى عدم إتباع أساليب الإدارة الفعالة للمياه.

ومن العوامل الأخرى التي زادت من إهتمام الحكومات بقضية المياه انخفاض مستوى المياه الجوفية في عدة بلدان في المنطقة - نتيجة ضخها بمعدلات تتجاوز معدلات تغذيتها الطبيعية وتدهورنوعية موارد المياه الجوفية والسطحية. وتشكل جميع هذه المعوقات، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، تحديًا كبيرًا للحكومات لابد من التغلب عليه لتحقيق التنمية الفعالة والمستدامة للموارد المائية.

وعلى الرغم من التقدم المحرز في تنفيذ بعض البرامج التي وردت في الفصل ١٨ "حماية النوعية والإمدادات من موارد المياه"، من جدول أعمال القرن الحادي والعشرين - الذي انبثق عن مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية - إلا أنه لا تزال هناك حاجة ماسة لمزيد من الجهود الفعالة لضمان الأمن المائي والغذائي، خصوصًا وأن التحديات الناتجة عن شحة المياه  فى المنطقة العربية أخطر مما هي عليه في الأماكن الأخرى من العالم، حيث تعتبر من أفقر دول العالم مائيًا.

إن شحة موارد المياه في المنطقة العربية وسوء إدارتها تبرزان الحاجة لتبني مناهج متكاملة في إدارة هذه الموارد، خصوصًا في ظل ما تشهده معظم بلدان المنطقة من ممارسات عشوائية، وضعف في إدارة تنمية الموارد المائية، ونقص في العرض من المياه تزداد حدته بسبب الارتفاع الكبير في الطلب عليها، هذا بالإضافة إلى زيادة مستوى التلوث في معظمالبلدان العربية. وكل ذلك يزيد من اختلال التوازن بين العرض والطلب ويوسع الفجوة (أو العجز المائي)، وهنا تكمن المشكلة المائية في المنطقة.

 

أولا- مفهوم إدارة الطلب على المياه في جدول أعمال القرن الحادي والعشرين

حتى وقت قريب، ظل اهتمام معظم دول المنطقة منصبًا على سياسات إدارة العرض -التي تهدف الى البحث عن مصادر مائية جديدة وتطويرها - لزيادة كمية المياه المعروضة لتلبية حاجات المجتمع من المياه، وبدون إهتمام كبير بإدارة الطلب. والحقيقة أن مفهوم إدارة الطلب لم يبدأ في البروز - كرديف أساسي في الإدارة المتوازنة لموارد المياه - إلا في أوائل التسعينات، عندما تطرق البنك الدولي لهذا المفهوم في الاستراتيجية الخاصة لإدارة الموارد المائية، التي تبناها لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ولهذا لم يرد موضوع إدارة الطلب بشكل بارز في الفصل ١٨ من جدول أعمال القرن الحادي والعشرين، وإنما وردت الإشارة إليه في بعض البرامج السبعة التي تضمنها الفصل، كما تم التطرق إليه في بيان دبلن(*) بشأن المياه والتنمية المستدامة، وتشمل إدارة الطلب على المياه التدابير المباشرة للسيطرة على استخدام المياه (من نظم وتقانة)، وكذلك تدابير غير مباشرة تستهدف التأثير على التصرفات الطوعية لمستخدمي المياه (آلية السوق والحوافز المالية وتوعية الجمهور). ومن كل هذه التدابير يتبين أن الهدف من إدارة الطلب هو الحفاظ على المياه، من خلال زيادة كفاءة استعمالها عبر استخدام تقنيات توفير المياه، ومن خلال ( الممارسات الإدارية التي تشجع التعديل السلوكي للممارسات الراهنة، مثل برامج التوعية.

 

 

ثانيًا- أدوات إدارة الطلب على المياه :

انصبت سياسات المياه حتى وقت قريب في بلدان الشرق الاوسط وشمال افريقيا على زيادة العرض أوالإمدادات، وتم توظيف استثمارات كبيرة وإقامة منشآت البنية التحتية وتشغيلها وصيانتها. لكن السياسات الحالية تشهد تحولاا نحو إدارة الطلب، لمواجهة الوضع المائي الجديد الحرج، الناتج عن عددٍ من العوامل المتراكمة مثل: استنزاف الموارد المائية أو نضوبها وتدهورها النوعي؛ والاستخدام الغير كفؤ لها؛ وازدياد التنافس عليها؛ والافتقار إلى تخطيط شمولي لها. وإلى جانب إدارة العرض تلعب إدارة الطلب على المياه دورًا هامًا في تلبية ثلاثة أهداف أساسية للاستعمال المستدام للمياه هي: الكفاءة الاقتصادية، والمساواة الاجتماعية، والاستدامة البيئية.

وهناك ثلاثة أنواع من أدوات إدارة الطلب هي: الأدوات الاقتصادية، والأدوات التشريعية والمؤسساتية، والتوعية وبناء القدرات.

 

ا- الأدوات الاقتصادية

تشمل الأدوات الاقتصادية في قطاع المياه عددًا من الإجراءات العملية، ومنها: استرداد تكلفة المياه، وإعادة هيكلة مؤسسات المياه بما يخدم إدارة الطلب وخصخصتها، وتشجيع أسواق المياه، وتشجيع القطاع الخاص ليلعب دورًا فاعلا في مجالات ترشيد استخدامات المياه.

 

١- استرداد تكلفة المياه :

من الناحية النظرية، يعتبر الالتزام باسترداد تكلفة إنتاج المياه وإيصالها للمستهلكين بتعرفة قريبة من تكلفة الإنتاج أداة من أدوات إدارة الطلب الرامية إلى تقييد السلوك الاستهلاكي. وقد تناولت دراسات عديدة سياسة إسترداد التكلفة كعنصر أساسي في أية استراتيجية لإدارة الطلب على المياه.

وتعتبر ظاهرة تسعير المياه بأقل من قيمتها الاقتصادية وتغطية الفارق عن طريق الدعم الحكومي من الظواهر المنتشرة في معظم بلدان المنطقة.

وتجدر الإشارة الى أن بيان دبلن قد أورد ضمن مبادئه التوجيهية أن للماء قيمة اقتصادية في جميع استخداماته، وينبغي التسليم بأنه سلعة اقتصادية (المبدأ رقم 4 ). كما أن الدراسات والوثائق التي انبثقت عن مؤتمرات لاحقة اعتبرت أن الماء سلعة اقتصادية واجتماعية. ولقد أصبح من المسلم به ضرورة أن تفي تعرفة المياه ( سواءً للري أو الاستخدامات البلدية) بالمتطلبات التالية:

- توفير موارد مالية لصيانة وتشغيل مرافق نقل المياه وتوزيعها؛

- توفير حوافز للمحافظة على المياه، ولاعتماد تكنولوجيات مقتصدة في استهلاك المياه.

كما ينبغي أن يكون استرجاع التكاليف هو الهدف الأدنى عند تحديد تعرفة المياه لمختلف الاستخدامات ، مع السعي لاعتماد هيكل تعرفة تدريجي وبسيط يكون شفافًا وعادلا.

وهناك طرق عديدة لتحديد التعرفة المناسبة للمياه، أقصاها أن تغطي التعرفة ليس فقط كلفة التشغيل والصيانة وتوصيل المياه إلى المستخدم، بل يضاف إلى ذلك أيضًا كلفة استنفاد الموارد والضرر البيئي الناجم عن ذلك، مع الأخذ بالاعتبار الظروف الاقتصادية والاجتماعية لمستهلكي المياه. ولكن ولأسباب اجتماعية يستحسن استرداد الكلفة الأخيرة على مراحل.

وكخطوة أولى ينبغي أن تكفل التعرفة استعادة كلفة التشغيل والصيانة، بالإضافة إلى نسبة من التكاليف الاستثمارية، مع التشجيع على تحسين كفاءة استعمال المياة  هذاعلى الصعيد الكمي، أما على الصعيد النوعي، فإنه من المهم أيضًا تطبيق مبدأ "الملوث يدفع"، وذلك لضبط مصادر التلويث، وبشكل خاص التلويث الصناعي، وهو مبدأ معمول به في الدول المتطورة.

 

٢- أسواق المياه

يقصد بتعبير "أسواق المياه" البيع المحلي غير الرسمي للمياه في بلد ما. ويمكن استخدام أسواق المياه كأداة لتحصيص إمدادات المياه. ويمكن أن يشمل بيع المياه نقل حقوق المياه بين المشترين والبائعين بمقابل. ويحدد سعر المياه حسب العرض والطلب، وبحسب تكلفة نقلها وسهولة إيصالها إلى مكان الاستخدام. ويتوقف نجاح سوق المياه على تحقيق شروط عدة، منها: تقبل المجتمع له، ومدى الوضوح أو التحديد لحقوق المياه، ووجود هيكل تنظيمي مستقر للمياه، وقابلية المياه للنقل، وقدرة المؤسسات على تسوية النزاعات المائية. ويمكن لأسواق المياه أن تكون آلية فعالة لتوزيع المياه توزيعًا عادلا على الأشخاص، سواء كانت لديهم حقوق في المياه أم لا، شريطة أن يتم تنظيمها تنظيمًا فعا لا ومراقبتها بصورة مستمرة.

 

٣الخصخصة

تعتبر الخصخصة من الأدوات الاقتصادية التي يمكن أن تلعب دورًا هامًا في إدارة الطلب على المياه، من خلال تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في قطاع المياه. ويمكن اعتبار الخصخصة وسيله لنقل العبء المستقبلي الثقيل لتكاليف إمدادات المياه من القطاع العام إلى القطاع الخاص. لكن نقل ملكية أو إدارة مرافق المياه العامة إلى القطاع الخاص يتطلب وضع سياسات وأنظمة قانونية وإدارية واضحة، لضبط هذه العملية وحماية المستهلكين. وتتطلب عملية الخصخصة توافر بعض الشروط الأساسية. و تتطلب الحالة الاجتماعية والاقتصادية اتخاذ ( تدابير لبناء الثقة.

 

 

ب- الأدوات التشريعية والترتيبات المؤسسية :

تشمل الأدوات التشريعية القوانين والأنظمة واللوائح، وغيرها من النصوص القانونية، المتعلقة بإدارة المياه في مختلف الجهات والقطاعات المستخدمة للمياه.٠  ويجب أن تتضمن التشريعات المائية إرشادات حول استخدام الموارد المائية، بما في ذلك تحلية المياه وأولويات استخدامها وتكلفتها، وصلاحيات السلطات المسؤولة عن مراقبة الاستخدام، والحماية والتسعير، وتحديدًا للاستخدامات المفيدة، وكذلك صلاحيات إصدار رخص الاستخدام وأحكام حل المنازعات.

وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن تتضمن التشريعات المائية آليات مناسبة لضمان أعدل الاستخدامات الاقتصادية والمستدامة للموارد المائية المتاحة، مع مراعاة الظروف الاجتماعية والاقتصادية، والحاجة إلى التنمية الوطنية. كما لا بد من التركيز على جوانب إدارة وتقوية آليات إنفاذ هذه التشريعات.

ولا بد كذلك من وضع الآليات اللازمة لتنسيق جهود مختلف الهيئات العاملة في مجال المياه، وكذلك لتحديد مسؤوليات هذه الهيئات، بما يسهم في تطوير التنمية والإدارة المتكاملتين  للموارد المائية.وتخضع الحقوق المتصلة بالمياه - في معظم الشرق الاوسط وشمال افريقيا لمبادئ الشريعة الإسلامية، أولخليط من نصوص الشريعة مع بعض عناصر من القوانين العثمانية والفرنسية والحديثة. أما ملكية حقوق المياه فتعتمد في بعض الحالات على مبادئ تقاسم المياه المستندة الى العادات والتقاليد .وقد سنت معظم البلدان في المنطقة قوانين تنص صراحة على أن الموارد المائية ملكية عامة تستند الى نصوص مشابهة في دساتير هذه البلدان.

وهناك حاجة لتحسين ترتيباتها المؤسسية للمياه. وهنالك حاجة لتعزيز اللامركزية في مؤسسات المياه، فيما يتعلق بخدمات المياه وتنفيذ المشروعات المخططة، مع تأكيد أهمية مركزية تخطيط تنمية وإدارة وتشغيل المشاريع المائية ومع السعي لمشاركة مختلف الجهات المعنية في هذا التخطيط، خاصة مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية. كذلك هناك حاجة لتعزيز دور المرأة في تخطيط مشروعات مياه الشرب، خصوصًا في الأرياف. وهنالك ضرورة لتحديد صلاحيات/اختصاصات كل مؤسسة من مؤسسات المياه، وتحقيق التكامل الأفقي بينها، وإنفاذ التشريعات من خلال تدابير إدارية وقانونية مناسبة. كما يلزم الإهتمام برفع كفاءة الاستخدام والسيطرة على التلوث والحد من الاستخدام الجائر للمياه. ومن المهم أيضًا أن تستند إدارة المياه إلى نهج تشاركي يضم مستخدمي المياه ومخططيها وواضعي سياساتها، من جميع المستويات، وذلك لوضع سياسات فعالة لمواجهة الاحتياجات المحددة حسب مبادئ دبلن.

 

ج- التوعية وبناء القدرات والتدريب

إن توعية كافة مستخدمي المياه، بضرورة استدامة هذه الموارد، يعتبر من الأدوات المهمة جدًا في سياسات إدارة الطلب. ومن هذه الأدوات أيضًا تعزيز ثقافة الاستخدام الرشيد للموارد المائية والمحافظة عليها وإدارتها بصورة صحيحة. وتجري التوعية بتنظيم الحملات والبرامج الإرشادية من خلال وسائل الإعلام، أو بتنظيم ورش العمل على المستوى الوطني، وعقد البرامج التثقيفية لقضايا المياه في كافة القطاعات المستهلكة - بما في ذلك قطاع الري – للتنبيه إلى ضرورة المحافظة عليها وحمايتها، مع التأكيد على أنها ليست موارد مجانية أو هبة، كما هو متعارف عليه إلى الآن في المنطقة. كذلك لا بد من التوعية إلى أن حق الإنسان في الحصول على المياه الآمنة وبكميات كافية، هو حق مكفول تم التأكيد عليه في إعلان الألفية، لكنه لا يتناقض مع أهمية تحقيق الاستخدام الكفؤ والمنصف. كما يجب أن تتطرق برامج التوعية للقيم الثقافية والاجتماعية للمياه.

إن تنمية وبناء القدرات البشرية يشكل حجرًا أساسيًا في عملية التنمية المستدامة. إذ تواجه مؤسسات تأهيل وتدريب الكوادر البشرية في مجال المياه في المنطقة معوقات تعترض سبل نهوضها بمهامها. ولهذا فإن هناك حاجة ماسة لتطوير التعليم الجامعي في مجال المياه، وتدريب الفنيين وتحسين كفاءات ومهارات مختلف الكوادر العاملة في قطاع المياه.

 

 

 

ثالثا- التحديات والمعوقات المطلوب مواجهتها:

تواجه الإدارة الفعالة للمياه عددًا من التحديات والمشاكل المائية الصعبة، ومن أهمها ما يلي:

 

ا- المعوقات الطبيعية:

تتمثل الندرة الطبيعية للمياه وشحها العائق الرئيسي في المنطقة، وذلك بسبب الظروف المناخية والهيدرولوجية، ووقوع المنطقه ضمن المناطق القاحلة وشبه القاحلة، إلى جانب ارتفاع درجات الحرارة ومعدلات التبخر، والتفاوتات الكبيرة في الأمطار السنوية، وتعاقب موجات الجفاف في عددٍ كبير من بلدان المنطقة، كما لوحظ خصوصًا في السنوات الماضية. ومن المؤشرات الأخرى الهامة لشح المياه، مؤشر الاستدامة أو مؤشر الندرة. ويحسب هذا المؤشر بقسمة كمية المياه المستهلكة، أو المستخدمة، على الكمية التي يتم الحصول عليها سنويًا من مصادر المياه المتجددة. ويمثل هذا المؤشر ندرة المياه، ويأخذ في الاعتبار توافر المياه الطبيعية وزيادة عدد السكان وتأثير الأنشطة الإنمائية. وتصنف البلدان حسب هذا المؤشر كما يلي:

·       • البلدان التي تقل فيها قيمة المؤشر عن ١٠ في المائة: وهي البلدان التي لا تعاني مشاكل كبيرة في إدارة مواردها المائية؛

  • البلدان التي تزيد فيها قيمة المؤشر عن ٢٠ في المائة: وهي بلدان تعاني من ندرة المياه، ومن زيادة التنافس على استخدامها بين القطاعات. وهذا مؤشر إلى الحاجة إلى التدخل لتحسين العرضوالطلب؛
  • • البلدان التي تزيد فيها قيمة المؤشر عن ٤٠ في المائة: وهي البلدان التي تعاني من ندرة خطيرة في المياه. وهذا يتطلب تنفيذًا فوريًا لاستراتيجيات صارمة لإدارة المياه.
  • وتعتبر معظم البلدان العربية وشمال افريقيا حسب هذا المؤشر من الصنف الأخير.

 

ب- المعوقات الاجتماعية:

يعتبر النمو السكاني المضطرد عاملاا هامًا في زيادة الطلب على المياه في جميع القطاعات، خاصة الزراعة، ويشكل أهم التحديات التي تواجه معظم البلدان العربية ,وهذه الزيادة في السكان سوف تصحبها زيادة كبيرة في الطلب على المياه، ليس فقط للإستخدام المنزلي، بل أيضًا للزراعة وتأمين الغذاء الكافي؛ علمًا أن نسبة نمو الطلب على المياه في المنطقة تفوق معدلات النمو السكاني، حيث تتراوح نسبة نمو الطلب بين ٤ و ٨ في المائة، وذلك نتيجة الهجرة إلى المدن وتحسن مستويات معيشة السكان ونوعية حياتهم.

كما يشكل الفقر عائقًا اجتماعيًا آخر أمام تحسين إدارة الموارد المائية، ومواجهة ندرة المياه. من جهة أخرى فإن شحة الموارد، واستنزافها، وموجات الجفاف المتعاقبة، والتصحر، عوامل تؤدي إلى تفاقم الفقر وانتشاره. والحقيقة أن الفقر وشحة الموارد عمومًا، والموارد المائية خصوصًا، يرتبطان بعلاقة متداخلة تجعل كل منهما يؤثر على الآخر ويتأثر به.

فالفقر يعتبر أحد عوامل إفشال جهود تحسين إدارة الموارد المائية، إذ يجعل دعوات ترشيد الاستهلاك، والحماية من الاستنزاف، ورفع كفاءة الاستخدام، تبدو بعيدًة عن الواقع أمام حاجة السكان لإنتاج الغذاء باستنزاف الموارد المائية. بالمقابل فإن استنزاف المياه، وعدم توفرها بالكميات والنوعيات المناسبة للحفاظ على نظافة الفرد وصحته، يؤدي إلى تفشي الأمراض المنقولة بالمياه، كما يؤدي، وفي الأرياف خصوصًا، إلى إهدار الساعات الكثيرة في جلب المياه للاستعمال المنزلي من مصادرها البعيدة، وإلى إنهاك النساء والأطفال، وتقليل الوقت المتاح للعمل والإنتاج والتعلم.

 

أن هذه التأثيرات لشحة المياه، سواء على صعيد صحة أفراد الأسرة أو على صعيد وقت العمل والتعلم، تؤثر سلبًا على قدرة الأسرة على كسب عيشها وتدفعها نحو مزيد من الفقر.

 

ج- المعوقات الاقتصادية

من المعوقات المهمة أيضًا، إفتقارالبلدان العربية إلى سياسة تسعير سليمة للمياه، تعتمد على المعايير الاقتصادية والاجتماعية. ومن العوامل التي تؤخر اعتماد تعرفة مناسبة، تأثير هذه التعرفة على الطبقات الفقيرة، وعدم تقبل المجتمع من الأساس للتعرفة غير المدعومة، لوجود مفاهيم عديدة بهذا الخصوص. ومن المهم هنا خلق وعي لدى المستهلكين بأن التعرفة لا تمثل قيمة المياه نفسها، وأنها وضعت لاسترداد كلفة الإمدادات وصيانتها. ويجب وضع تعرفات متدرجة معقولة، تراعي ذوي الدخل المتدني، وتلبي حاجات المجتمع الرئيسية من المياه.

وكذلك قد تؤثر الخصخصة بصورة مباشرة على المجتمع، إذا أدت إلى تسريح عدد كبير من الموظفين والعمال في قطاع المياه، لما في ذلك من الآثار السلبية، في وقت تعاني فيه اقتصاديات المنطقة من الركود. وهناك عدة عقبات أخرى تعيق التحول نحو خصخصة مرافق المياه، وأهمها:

الحجم الصغير لسوق رأس المال، وأداؤه غير المُرضي، وارتفاع مستوى الدعم المقدم لإنتاج المياه وتوزيعها، والذي قد يفوق العوائد المتوقعة من الخصخصة.

إن كل هذه الأمور تعيق تنفيذ الكثير من الإجراءات الاقتصادية التي يمكن اتخاذها في إطار إدارة الطلب على المياه.

 

د- المعوقات البيئية

أصبح تردي نوعية المياه ظاهرة خطيرة أخرى في غالبية بلدان المنطقة. فتلوث المياه يشكل عائقًا رئيسيًا يواجه المعنيين في المنطقة، ليس فقط بالنسبة للمياه السطحية، وإنما أيضًا بالنسبة للمياه الجوفية. فالاستخدام العشوائي للأسمدة الكيماوية والمخلفات الصناعية أصبح من أخطر مصادر تلوث المياه في المنطقة، وأصبح بالتالي عاملا مهمًا من عوامل نقص المياه المتاحة، علاوة على دوره في التأثير على الصحة العامة، من خلال تأثيره على نشر الأمراض التي لها علاقة بالمياه مثا الكوليرا، الإسهال عند الأطفال، الخ. .ويلعب ضعف الوعي المائي والبيئي لدى مختلف شرائح المجتمع (من مجتمعات ريفية إلى صانعي قرار(، وقصور أجهزة الإعلام في التعريف بخطورة التلوث وما ينتج عنه من آثار وأضرار صحية واقتصادية، دورًا سلبيًا مهمًا في مواجهة التلوث. ومع ذلك ينبغي التنويه الى أن المواضيع البيئية بدأت مؤخرًا تأخذ أولوية في معظم البلدان ، نظرًا لتردي نوعية المياه في مناطق عديدة، ما جعلها غير صالحة للاستخدام وأدى إلى انخفاض إمدادات المياه في مناطق تعاني  من ندرة المياه.

 

ه- المعوقات التشريعية والإدارية

ومن العوامل التى تعيق إدارة الطلب على المياه قدم التشريعات المائية وعدم تكاملها، وعدم وجود آليات مناسبة لإنفاذها، خاصة بالنسبة للتلوث. ولهذا هناك حاجة لتحديث هذه التشريعات وموائمتها مع سياسات إدارة الطلب (كالخصخصة، واسترداد التكلفة، وأسواق المياه(، بحيث تتضمن التشريعات النصوص المناسبة التي تتلاءم مع ظروف كل بلد وتعكس سياسته المائية، على إعتبار ( أن التشريع المائى الموضوعي ليس إلا إنعكاسًا للسياسة المائية وتوثيقًا لها.

إضافة إلى ضعف التشريعات، يوجد في كثير من البلدان ضعف في البناء المؤسسي المناط به إدارة الموارد المائية؛ حيث هناك تعدد في دوائر المياه، وتداخل في الإختصاصات بين وزارات مختلفة، وضعف في مشاركة القطاع الخاص والمجتمعات الأهلية في اتخاذ القرارات اللازمة لإدارة متكاملة وتنمية مستدامة، وفي وضع استراتيجيات ورؤى خاصة لإدارة المياه تتناسب مع حجم المشكلة.

 

و- التنافس على الطلب

من العوائق الأخرى المهمة فى إدارة الطلب على المياه فى المنطقة، التنافس الحاد عليها بين مختلف قطاعات الاستخدام: القطاع المنزلي، الصناعة، الزراعة، النظم الأيكولوجية، النقل، الترويج، وغيرها. وتشهد المنطقة تزايدًا ملحوظًا فى هذا التنافس.

وإذا كان بالإمكان تقنين الاستهلاك المنزلي أو الصناعي من المياه، عن طريق الوسائل الإدارية والفنية، فإنه يصعب التحكم بالاستهلاك الزراعي إلا باستخدام طرق ومنظومات الري الحديثة. ولا بد من إعادة تحصيص نسبة متزايدة من مياه الري لاستخدامات أخرى، رغم ما ينطوي على ذلك من مشاكل، لا سيما في البلدان التي تعاني من ضعف في قدرات إدارة ومراقبة استخدام المياه.

وبالإمكان القول أن تقدما قد تحقق باتجاه تخفيض نسبة الاستهلاك الزراعي من ٩٤ إلى ٨٣ في المائة، وزيادة نسبة الاستخدامين الصناعي والمنزلي من ٥ إلى ٩ في المائة، ومن ١ إلى ٨ في المائة على التوالي، من إجمالي الاحتياجات في الفترة الزمنية (من ١٩٩٠ إلى ٢٠٠٠ . ويعتبر هذا التقدم من المؤشرات الجيدة في اتخاذ بعض الإجراءات الخاصة من قبل الحكومات في المنطقة لإعادة تحصيص استعمالات المياه.

ويطرح المستقبل تحديات كبيرة على صانعي القرار في تحديد الأولويات لاستعمالات المياه، واتخاذ القرارات الحاسمة التى تتماشى مع الظروف السائدة في - كل بلد –، وكذلك تعزيز التعاون فيما بين القطاعات المتنافسة في استخدام المياه فى تبادل المعلومات وفي التخطيط لتوزيع المياه ( بشفافية، من أجل تحصيص أكفأ وأكثر فاعَّلية للمياه بين المتنافسين.

 

 

و- المعوقات السياسية

وفي معظم دول المنطقة، هنالك غياب أو ضعف في الالتزام السياسي بقضايا المياه وبإدارتها، وبإعطائها الأولوية في برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وكذلك هناك غياب لإتفاقات كاملة بين الدول المتشاطئة بالنسبة لبعض الأنهار الرئيسية (مثل دجلة والفرات). ومعلوم ما يؤدي اليه عدم وجود إتفاقات الى صعوبات في التخطيط، وإلى مشكلات اقتصادية لا تخدم الإدارة السليمة للمياه فى المنطقة.

من جهة أخرى، هناك إرتباط بين قضية الأمن الغذائى والأمن المائى، حيث تبذل بعض بلدان إسكوا جهودًا كبيرة للتوصل إلى الاكتفاء الذاتي الغذائي والأمن الغذائي، لهذا تتبنى هذه الدول سياسات ذات أثر سلبي على استدامة المياه، مثل سياسات تشجيع التوسع الزراعي على حساب المياه الجوفية واستدامتها. علمًا أن قطاع الزراعة هو المستهلك الرئيسي للمياه في المنطقة، حيث استهلك نحو ٨٣ في المائة عام ٢٠٠٠ من مجموع الطلب الإجمالي.

ورغم هذه الحصة الكبيرة للقطاع الزراعي من مياه المنطقة، إلا أن هذا القطاع لا يساهم إلا بقدر ضئيل نسبيًا في الناتج المحلي. واستنادا إلى أرقام المنظمة العربية للتنمية االزراعية لعام ١٩٩٦ فإن الأرقام تتراوح ما بين ٤ر ٠ فى الكويت، و ٥٩ ر ٦ فى السعودية، و ٨٠ ر ٧ فى لبنان، و ٧٣ ر ١٦ فى مصر، و ١٨ ر ١٧ فى اليمن، و ٠٩ ر ٢٨ فى سوريا، إلى ٩٩ ر ٣٠ فى العراق. ولهذا يجب إعادة النظر في موضوع تحصيص المياه، والعمل على رفع كفاءة الري باستخدام تقنيات الري الحديثة.

 

ز- المعوقات التقنية

تشمل المعوقات التقنية عوامل متنوعة تؤدي الى إهدار المياه، مثل اهتراء شبكات المياه وقدمها، وزيادة نسبة تسرب المياه منها، مما يقلل من كمية المياه المتاحة. وتعتبر مشكلة الفاقد (الهدر) مشكلة رئيسية في كثير من بلدان المنطقة تعيق توفير الإمدادات الكافية من المياه للقطاع المنزلي. ومما يشجع على إستمرار الهدر انخفاض التعرفة، وإرتفاع نسبة التسرُّب في شبكات التوزيع - التي تتراوح بين ٤٠ و ٦٠ في المائة - وقد ساهم التسرُّب من شبكات توزيع المياه، وشبكات المجاري، في ارتفاع منسوب المياه الجوفية في بعض المدن الرئيسية وأحدث مشاكل بيئية كبيرة.

ومن العوامل التقنية أيضًا نقص المعلومات المؤكدة عن كميات المياة المتاحة والاحتياجات المستقبلية، ونقص فى متابعة التقنيات الحديثة، وفي بناء قواعد المعلومات وتحليل المعطيات، مما يؤدى الى ضعف التقييم الصحيح للموارد والطلب المستقبلى.

 

ح- المعوقات التقليدية (الموارد المالية والبشرية)

ومن أهم المعوقات التقليدية نقص الموارد المالية لتمويل الإستثمارات القطاعية، سواء من موازنات الدول أو من المنح والمساعدات من مؤسسات التمويل او المجتمع الدولى. ولم تحظى هذه المسألة بالاهتمام الكافي عند إعداد الخطط التنموية في عدة بلدان في المنطقة. ويُعتقد أن المبالغ الضخمة التي ُقدِّرت في جدول أعمال القرن الحادي والعشرين لتنفيذ البرامج السبعة الواردة في الفصل الثامن عشر (تدفع من قبل الدول الصناعية إلى الدول النامية) لم يتم الالتزام بها.

أما العائق التقليدي الآخر فهو النقص في القوى العاملة الماهرة، والكوادر الفنية والتقنية المدربة في قطاع المياه، بمعنى آخر عدم توفر الموارد البشرية المدربة والكفوءة لتلبية متطلبات إدارة الطلب. ومن المعوقات الإدارية الاخرى انتقال الكفاءات إلى القطاع الخاص لزيادة الرواتب، وعدم وجود الحوافز الكافية لبقائها في مجال عملها، وكذلك هجرة هذه الكفاءات إلى الخارج.

 

المصدر: الاتحاد النوعى للبيئة
  • Currently 46/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
16 تصويتات / 2451 مشاهدة
نشرت فى 9 سبتمبر 2010 بواسطة EENGOSF

ساحة النقاش

الاتحاد النوعى للجمعيات العاملة فى مجال البيئة بمصر

EENGOSF
أنشىء الاتحاد فى عام 1999 وهو يعمل تحت مظلة وزارة التضامن الاجنماعى ويضم فى عضويته كافة الجمعيات البيئية على مستوى الجمهورية. مجلس الادارة: مكون من 15 عضوا يتم انتخابهم من أعضاء الجمعية العمومية للاتحاد. العنوان: 2 عمارات أعضاء هيئة التدريس-جامعة عين شمس-القاهرة. ت: 26851468 ف: 26851393 بريد الكترونى: [email protected] »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

284,846