الاثنين، 1 سبتمبر، 2014

البيان الذي ألقيت في مناقشتي للماجستير

البيان الذي ألقيت في مناقشتي للماجستيربسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين، إلهي:
(لك الحمد مقرونًا بشكرك دائمًا

لك الحمد في الأولى لك الحمد في الأخرى

(إله لا إله لنا سواه

رءوفٌ بالبرية ذو امتنانِ

أوحده بإخلاصٍ وحمدٍ

وشكرٍ بالضميرِ وباللسانِ)

(وعلى النبي صلاة مَن

هذي البسيطة قد فرش)

صلى عليك الله يا خير الورى


ما حنَّ مشتاقٌ إلى مثواكَا

وعلى صحابتك الكرامِ جميعِهِم


والتابعين وكلِّ مَن والاكَا)

وَبَعْـــــــــدفَمِمَّا لا شَكَّ فِيهِ أَنَّ الشِّعْرَ فَنُّ العَرَبِيَّة الأَوَّل، وَأَكْثَر فُنُون القَوْل هيمنة عَلَى التَّارِيخ الأدبي عِنْد العَرَب، خصوصًا فِي عصورها الأُوْلَى؛ لسهُولة حفظه وتداوله، وَقَدْ تناقل الرواة الشِّعْر العَرَبِي القَدِيم موزونًا مقفى، فوعته حوافظهم ، وَكَانَ هَذَا الشِّعْر سجلاً لأَحْدَاث الحرب وَتَارِيخ القبائل ولَوَاعِج النَّفْسِ، فَكَانَ بحق دِيْوَان العَرَب، واستمر لَهُ الخلود والانتشار حَتَّى اليَوم.        أَمَّا فِي العَصْر الحَدِيث فقد استحدثت أَشْكَال جَدِيدَة ادَّعَت النَّسَبَ للشِّعْرِ، وَمَا هِيَ مِنْهُ فِي شَيْء، وانفتح البَاب واسعًا ليلج مِنْهُ أنْصَاف الشُّعَرَاء، فهَوَى الشِّعْر من قمته السامقة ومنزلته السامية إلى هُوَّة سحيقة مظلمة، غابت فِيهَا ملامحه وانطمست معالمه. ولقد باء بإثم مَا جرى للشِّعْرِ كَثِير من الشُّعَرَاء والنقاد ـ بقصد وبغير قصد ـ تَحْتَ زعم التطور وَالتَّجْدِيد؛ فانصرف النَّاس عَنْ الشِّعْر، وَلَمْ يعد ـ الشِّعْر ـ دِيْوَان العَرَب، فتخلى عَنْ هَذِهِ المنزلة الَّتِي كَانَ يَسْعَى إِلَيْهَا كُلّ شَاعِر، وَمِنْ أجلها كَانَتْ تقام المحافل والمنتديات.وَكَانَ لاَبُدَّ من البَحْث عَنْ نموذج مُعَاصِر تحققت فِي شِعْره الأَصَالَة وَالمُعَاصرَة مَعًا، فحافظ عَلَى الشَّكْل المَوْرُوث، وشق تَجْرِبَته من خِلاَل استلهام رُوح العَصْر والإفادة من مستجداته، فيجمع بِذَلِكَ بَيْنَ التُّرَاث والتجديد؛ لأنال بذلك شرف المساهمة في الدفاع عن الشعر العربي الموزون المقفى، والذي كان له فضلُ الحفاظ على لغة العرب لقرون طويلة، كما حفظ كتابُ الله اللغة العربية، فلم يصبها ما أصاب اللغات الأخرى من تبدل واندثار.  وَانْطِلاقًا مِن هَذِهِ القَنَاعَة آثَرْتُ أَنْ تَكُونَ رِسَالَتِي عَنْ شِعْرِ"أَحْمَد شَلَبِي"، واخترت عُنْوَان الرسالة "التَّجْدِيد الشِّعْرِي فِي إِطَار المُحَافَظَة ـ أَحْمَد شَلَبِي نَمُوذَجًا". موضوعًا أتقدم بِهِ لنيل درجة التخصص (الماجستير) من قسم الأَدَب والنقد فِي كُلِّيَّة اللُّغَة العَرَبِيَّة بإيتاي البارود، هادفًا من وَرَاء هَذِهِ الدِّرَاسَة إلى الكشف عَنْ التطور وَالتَّجْدِيد الَّذِي أصاب شِعْر "أحمد شلبي" خِلاَل رحلته الشِّعْرِيَّة، كَمَا تَهْدِفُ الدِّرَاسَة إلى سَبْر أعماق التَّجْرِبَة الشِّعْرِيَّة عِنْدَهُ من حَيْثُ التنوع الموضوعي والتَّلَوُّن الشَّكْلِي باحِثَةً عَنْ المنابع الثَّقَافِيَّة وَالعَوَامِل الشِّخْصِيَّة والنفسية الَّتِي أَثْرَت التَّجْرِبَة الشِّعْرِيَّة عِنْدَ الشَّاعِر. متوخية سَبِيْل الحَقِيقَة والإنصاف.وَقَدْ اخترت هَذَا المَوْضُوع  لعدة أُمُور:        أولها: أَنَّ قَضِيَّة القدم وَالحَدَاثَة لاَ تزال إِحْدَى القَضَايَا الأدبية الكبرى، وَالَّتِي تشغل الرأي العَام الأدبي، فَمَا زال أَهْل الحفاظ عَلَى المَوْرُوث عَلَى رأيهم فِي التشبث بالتقاليد المأثورة فِي أنساق الشِّعْر وقوالبه، وَمَا زال دعاة الشِّعْر الحُرّ يرون أَنَّ تَجْدِيد هَذِهِ الأشكال ضرورة فَنِّيَّة، تُخلص الشِّعْر من قيوده، وتجعله أقدر عَلَى مسايرة النهضة العالمية فِي الشِّعْر.        ثانيها: تباين العصور، واختلاف الحَيَاة بَيْنَ المَاضِي والحاضر، فَمَا كَانَ صالحًا عِنْدَ القَدَمَاء قَدْ لاَ يصلح لزماننا، فكانت الحَاجَة مَاسَّة إلى التَّجْدِيد مَعَ الاحتفاظ بالشَّكل المَوْرُوث.        ثالثها: إثبات أَنَّ القَصِيدَةَ العَمُودِيَّة قادرةٌ عَلَى الوَفَاء بمتطلبات العَصْر واكتساب روافد جَدِيدَة وَسِمَاتٍ حَدَاثِيَّة، وأنها أَكْثَرُ طواعيةً لِكُلّ صورِ التَّجْدِيد سواءٌ فِي اللُّغَة أَوْ المَوْضُوع أَوْ الأسلوب وَالسِّيَاق  .  . . .، وأن قيدي الوَزْن والقَافِيَة ليسا حائلين دُونَ أنْ يجدد الشَّاعِر فِي شِعْرِهِ، وأن يطوعه لِكُلّ جَدِيد.         رابعها: التَّنْبِيه إلى شَاعِر أصيل أخلص للقصيدة العَمُودِيَّة وقدَّم من خِلاَلها تَجَارِب عديدة جديرة بالدرس والعرض، حَقِيقَة بأن تتبوأ مكانتها بَيْنَ مثيلاتها من قَصَائِد عَمُودِيَّة جَيِّدَة لشعراء يلتزمون بالقالب العَمُودِي.وَقَدْ اقْتََضَت خُطَّةُ البَحْثِ أَنْ يَأْتِي فِي مقدمة، وَتَمْهِيد، وبابين فِي ستة فصول، وخاتمة ثُمَّ أَعْقَبْتُ ذَلِك بالمراجع وَالفَهَارِس.  أَمَّا المقدمة: فَقّدْ عرضت فِيهَا لبيان طَبِيعَة المَوْضُوع وأهميته، ثُمَّ تحدثت عَنْ الصُّعُوبَات الَّتِي واجهتني فِي بحثي، وَطَبِيعَة المصادر الَّتِي سبقتني إِلَيْهِ، وأَسْبَاب اخْتِيَار المَوْضُوع، والمَنْهَج الَّذِي سَلَكْتُهُ في البَحْثِ.        التمهيد: ويشتمل عَلَى جزئيتين، الأُوْلَى: قمت فِيهَا بالتعريف بِالشَّاعِرِ وَحَيَاته وثقافته ونتاجه الشِّعْرِي، ثُمَّ منزلته الأدبية. وَالثَّانِيَة: توطئة نظرية لمسيرة التَّجْدِيد الشِّعْرِي.البَاب الأَوَّل: مَلاَمِح المُحَافَظَة وَالتَّجْدِيدِ فِي المضمون.تَنَاولت فِي هَذَا البَاب الفُنُون الَّتِي تَنَاولها الشَّاعِر، ويندرج تحته فصلان:الفصل الأَوَّل: تَنَاولت فِيهِ مَلاَمِح المُحَافَظَة وَالتَّجْدِيد فِي الأَغْرَاض الذاتية، وَهِيَ:1) فَنُّ المَدِيح.          2) فَنُّ الرِّثَاء.          3) فَنُّ الغَزَل.4) فَنُّ الوَصْف         5) فَنُّ الهِجَاء.الفصل الثَّانِي: تناولت فِيهِ الفُنُون العَامَّة، وَهِيَ:1) الحُزْن وَمَلامِحه فِي شِعْرِ أحمد شلبيِ.           2) الاتِّجَاه السِّيَاسِي.3) الاتِّجَاه الاجتماعي.                              4) الاتِّجَاه الصُّوفِيّ.البَاب الثَّانِي: وتناولت فِيهِ مَلاَمِح المُحَافَظَة وَالتَّجْدِيد فِي شِعْره من النَّاحِيَة الفَنِّيَّة.        وينقسم إلى فصول أَرْبَعَة:الفصل الأَوَّل: اللُّغَة                    الفصل الثَّانِي: الاقتباس وَالتَّضْمِين.الفصل الثَّالِث: التَّصْوِير الفَنِّي.        الفصل الرَّابِع: المُوسِيقَا الشِّعْرِيَّة.ثُمَّ بعد ذَلِكَ خَاتِمَة عرضت فِيهَا لأهم نتائج البَحْث وَالَّتِي تَوَصَّلتُ إِلَيْهَا من خِلاَل إبحاري الطَّوِيل مَعَ الشَّاعِر فِي نتاجه الشِّعْرِي.ثُمَّ أَعْقَبْتُ ذَلِك بِثَبْتٍ للمصادر والمراجع الَّتِي اعتمدتُ عَلَيْهَا أثناء إعداد هَذَا البَحْث، وَهِيَ تنقسم بدورها إلى قسمين:الأَوَّل: دَوَاوِين الشَّاعِر.           والثَّانِي: المراجع.ثم ختمت الرسالة بعدةِ فهارسَ فنية.      أَمَّا مَنْهَجُ البَحْثِ، فَقَد سَارَ عَلَى الخُطُوَات التَّالِيَة:أَوَّلاً: جَمَعْتُ نِتَاج "أَحْمَد شَلَبِي" الشِّعْرِي، وَدَرَسْتُهُ دِرَاسَة مُتَأَنِّيَة، مُسْتَجْلِيًا مَا فِيهِ من محافَظَةٍ وَتَقْلِيد، وَمَا اكْتَسَبَه مِن حَدَاثَة وَمُعَاصرَة. ثَانِيًا: أَبْرَزْتُ مَلامِح المُحَافَظَة والتَّقْلِيد في شِعْرِ"أحمد شلبي" مِن خلال النَّمَاذِج الشِّعْرِيَّة، وعَلَّلتُ لِسَبَبِ تَقْلِيدِيَّتِهَا، كَمَا أَبَنْتُ بِتَحْلِيلِها كَيْفَ أَنَّ الشَّاعِر قَدْ أَخْرَجَهَا فِي ثَوبٍ قَشٍيبٍ مِن الأَلْفَاظ والمَعَانِي.ثَالِثًَا: عَرَضْتُ لملامح الجِدَّة والابتكار عِنْدَ الشَّاعِر فِي إِطَار القَصِيدَة العَمُودِيَّة، وَالَّتِي حرص عَلَيْهَا وَظَلَّ وَفِيًّا لَهَا إلى الآن، وَمَا أَضَافَهُ إِلَيْهَا من سِمَاتٍ حَدَاثِيَّة فِي الشَّكْلِ وَالمَضْمُون، مُثْبِتًا أَنَّ الشَّاعِر قَدْ الْتَزَمَ بالقالب العَمُودِي المَوْرُوث وشكل القَصِيدَة التَّقْلِيدِي، غَيْر أَنَّهُ جّدَّدَ فِيهَا وأكسبها سِمَاتٍ حَدَاثِيَّة دُونَ أَنْ يَخْرُج عَنْ أَوْزَان الخَلِيل. الأمرُ الَّذِي ميز تَجْرِبَته وذَكَّاهَا وَجَعَلَهَا قادرةً عَلَى استيعاب مستجدات العَصْر وحمل همومه وقضاياه.    وبعد فإني أَخِرُّ إلى الله U ساجداً، شاكراً فضله على إتمام هذا العمل، فلولا توفيقُه لي ورعايته إياي ما أنهيت هذا العمل على هذا النحو.
(وللهِ نعماءُ علينا عظيمةُ


وللهِ إحسانٌ وفضلُ عطاءِ)

وإنه لمن فضل الله علينا أنْ جاءت مناقشة هذه الرسالة في شهر الله المحرم، وهو من الأشهر الحرم، ورأسُ السنة الهجرية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام، فهذه ولا شك جلسةٌ مباركة، في أيام مباركة، نتنسَّم عبيرها من الأساتذة الكرام الذين ازدان بهم المكان، وارتقى الأدب بعلمهم، وأشرقت اللغة العربية باحتفاء أهلها بها في دارها. وانطلاقًا من قول الشاعر:
(لا يشكرُ اللهَ مَن لا يشكرُ الناسَا)




 فإني أنتهزها فرصة لأرفع أسمى آيات الشكر والامتنان للسيد صاحب الفضيلة الأستاذ الدكتور "السيد دياب يوسف دويدار"، أستاذ الأدب والنقد المساعد، المتفرغ بالكلية، العالمُ النحرير المتواضع، والتقيُّ العابد، والصوفيُّ الورع، صاحب الأخلاق الفاضلة، المنبثقة من صوفيته الشفافة، فسيرته تفوح معطرة الأجواء، حيثما حلَّ، وأينما رحل. ولست أرى وصفًا لصوفيته من قول "أبي الفتح البَسْتِيِّ" :
(تنازع الناس في الصوفي واختلفوا قِدْمًا


وظنوه مشتقًا من الصوفِ

ولست أنحل هذا الوصف غير فتى


صافَى فصُوفَى حتى سُمِّي الصُّوفِ)

ولقد استفدت منه إفادة كبيرة، وذلك من خلال إرشاداته وتوجيهاته وملاحظاته حتى ظهر البحث على هذه الصورة التي أرجو من الله أن تكون طيبةً، وحسب البحث شرفًا أن استضاء بهدي هذا العالم الجليل، وحسب الباحث فخرًا أن انقاد وراء بصيرته المستضيئة.كما أتوجه بخالص شكري وتقديري ووافر امتناني لمن تعاهدني بالتوجيه والرعاية صاحبِ العلم الغزير، والأدب الجم، والتواضع الشديد، وطلاقة الوجه ونضرته، السيد صاحب الفضيلة الأستاذ الدكتور "طه عبد الحميد مرسي زيد"، أستاذ ورئيس قسم الأدب والنقد بالكلية، وعضو اتحاد كتَّاب مصر، والذي شرفت بإشراف فضيلته على هذا البحث، فقد أولاني رعاية واهتمامًا وتوجيهًا وإفهامًا، فتعلمت منه كيف تكون الأستاذية عطاء لا يعرف الحدود، وكيف تكون الأبوة حنانًا متحررًا من كل القيود. فاللهَ أسأل أن يجزيَه عني وعن طلاب العلم خير الجزاء، وأن يمتعه بوافر الصحة وتمام العافية، وأُجْمِل قولي فيه بقول إمام الحرمين لغياث الدين نظام الملك:
(وما أنا إلا دوحةٌ قد غرستَها


وسقَّيْتَها حتى تمادى بها المدى

فلما اقشعر العودُ منها وصُوَّحتْ


أتتك بأغصانٍ لها تطلبُ النَّدى)

     ولا أملك إلا أن أقول لهذين الأستاذين الفاضلين وأمثالِهما جزاكم الله خيراً وجعلكم الله عوناً لطلاب العلم .كما أتقدم بخالص الشكر وعظيم التقدير والاحترام والعرفان بالجميل إلى سعادة الأستاذ الدكتور"فوزي سعد عيسى"، رئيس قسم اللغة العربية بكلية الآداب ، جامعة الإسكندرية، البحاثةُ الجليل، صاحبُ الخلق العظيم، والذي تتلمذت على الكثير من كتبه، وأثريت بها البحث، ولقد عَرِفَتْه الساحةُ الأدبية شاعرًا قديرًا، وناقدًا كبيرًا، وقد صدق فيه قول "ابن دريد":
(جرتْ لبحورِ العلمِ أمدادُ فكرهِ


لَهَا مَدَدٌ فِي العَالَمِينَ يُتَابِعُ

وَأَنْشَأَ لَهُ مُنْشِيهِ مِنْ خَيْرِ مَعْدَنٍ


خَلاَئِقَ هُنَّ البَاهِرَاتُ البَوَارِعُ)

وقد أطبقت شهرته الآفاق فمنحته دولة الإمارات جائزة "كانو" عن جهوده النقدية.  وقد تفضل سعادته مشكورا، رغم كثرة شواغلة بقبول مناقشة هذه الرسالة،  فأظهر (جزاه الله خيراً) نبلَ خلق، ورحابةَ صدر، وشرفنى بقبول مناقشة رسالتى0وكان من فضل الله سبحانه وتعالى عليّ أن هيأ لسد الخلل، وجبر القصور، وتسديد الطالب وتوجيهه، أستاذًا جليلاً، وعالمًا مفضالاً السيدَ صاحب الفضيلة الأستاذ الدكتور "يوسف محمد فتحي عبد الوهاب"، أستاذ الأدب المساعد بالكلية، والذي قابلته فما وجدت في فضيلته إلا صفاتِ العلماء المخلصين التي ارتضاها اللهU  لعباده، حيث يلمس فيه كلُّ مَن يلقاه إلى جانب علمه الغزير، تواضعَه الوفير، والذي فاض عليه حتى تسربلَ بالتواضع واكتسى حلله، وكأنما عناه الشاعر بقوله:
(ملأَى السنابلِ تنحني بتواضعِ


والفارغاتُ رءُوسُهُنَّ شوامخُ)

     لقد أظهر فضيلتُه كريمَ خلقه وسعةَ صدره وحسنَ كرمه بقبول مناقشتي برغم شواغلهِ العلميةِ المتنوعةِ.ولا أملك إلا أن أقول لهؤلاء العلماء الأجلاء جميعاً، جزاكم الله عني خيراً، وجعل ما قدمتم لي في ميزان حسناتكم يوم القيامة، وبارك فيكم، ومتعكم الله بوافر الصحة والعافية، وجعلكم عوناً وسنداً لأبنائكم طلابِ العلم والمعرفة.
(أحبُّ الصالحين ولستُ منهم


لعلِّ أنْ أنال بهم شفاعةْ)

كما يطيب لي أن أشكر كليةَ اللغةِ العربية بإيتاي البارود، عميداً، ووكيلاً، وأساتذة، وطلابا وموظفين، وعمالاً، الذين ذللوا ليَ الصعاب حتى خرج هذا العمل العلمي إلى حيز الوجود .
(واشكرْ فإنَّ الشكرَ من


حقٍّ على الإنسان واجبْ)

ولا يفوتني في هذا العرس العلمي العظيم، أن أتقدمَ بالشكر للشاعر "أحمد شلبي"، ولشعره الأصيل، فلولا فضلُ ربي ثم هذا الشعرُ، ما كان هذا البحث، وما كانت هذه الجلسةُ الطيبةُ، وحسب شعره أنه أضاف إلى البحث وأثراه، قبل أن يضيفَ إليه البحثُ وينقبَّ عن دقائقه ومزاياه. وقد عرِفنا "أحمد شلبي" وعرفته الأوساط الأدبية والساحة الشعرية علمًا بارزًا، وفارسًا فتيًّا، له حضوره القوي، ومشاركاته الفعالة في المؤتمراتِ والمهرجاناتِ الشعرية، وكم له من أيادٍ بيضاء على الشعر محافظة وإبداعًا، وعلى الشعراء رعاية واقتداءً، وعلى المسامع إنشادًا وإطرابًا، وهل كان يدور بلب الشاعر "معروف الرصافي" أن يأتيَ شاعر؛ ليجسد قوله:
(وأجود الشعر مما يكسوه قائله


بوشي ذا العصرِ لا الخالي من العصرِ

لا يحسن الشعر إلا وهو مبتكرُ


وأي حسن بشعر غيرِ مبتكرِ)

فهذا الشاعر، وهذا شعره، أصالةٌ ومعاصرةٌ، تجديدٌ وإبداعُ.ويزيدني فخرًا، وتسمق قامتي، أنني من أبناء محافظة البحيرة، التي أنجبت شاعِرَنا، ولا تزال تجود علينا بعمالقةٍ وقممٍ في شتى مناحي العلم والمعرفة، بجانب الدين والأدب. شعراءٌ نبتوا من ثرى هذه الأرض الطيبة العريقة، فصدروا عن أصالة تلك الجذور القوية، خدموا لغة القرآن الكريم، فكُتب لهم الخلود على مر السنينِ والأعوام.        واسمحوا لي أن أهديَ هذه اللبنة المتواضعة إلى "اللغة العربية" لغةِ القرآن الكريم، وإلى التراثِ العربي الأصيلِ، والذي يمثل واحةً فيحاء، وجنةً غناء، نستظل بفيئها من لظى الهجير الذي ينصب فوق رءوسِنا حُممًا من التغريب والحداثة الهدامة.        وأهديه إلى العقلية العربية المبدعة، والتي نهلت من معين القرآن الكريم ما حافظ على اللغة، وساعد على بقاء التراث واستمراره.        إلى كل شاعرٍ عموديٍّ مبدع، حافظ على تراث أمته، وعبَّر عن قضايا واقِعه، فلم يتقهقرْ حِقَبًا إلى الوراء، يظنُّ الأصالة في اصطياد اللفظ النافر، وعبِّ الكلمات الحوشية، ولم ينزلِق إلى سفح الحداثة؛ فيهدرُ لغته وقوميته وأصالته، ولكنه بحسه الأصيل، وذكائه الشاعري، نهل من معين التراث ما حافظ به على لغتِه، وأثرى شعره، وأفاد من الفنون المستحدثة ما واكب به عصره، وصدر فيه عن مجتمعه وبيئته، فاكتسى شعرُه بحلة من الوقار، إلى جانب ما وشيه من السلاسة والوضوح والبيان، حيث جمع بين الأصالة والمعاصرة.        كما أهدي ثمرةَ هذا البحث إلى كل مَن كانت له يَدٌ بيضاء، أزهَرت بين ربوع البحث ثمارًا يانعة، وأضاءت فضَاء البحثِ بشموسٍ مشرِقَةٍ.        وإن أنسى، فلست أنسى صاحبَ الفضيلة الأستاذ الدكتور /"أحمد إبراهيم خليل" رئيس قسم الأدب والنقد الأسبق، والذي جئته باحثًا وليدًا، أحمل بين يديَّ قصاصاتٍ لهذا الموضوع، والذي كان يشبه وقتذاك مضغة، لمَّا تتضح ملامحُهَا بعدُ ، فأضاء فضيلتُهُ ليَ الطريق، وهذب لي الصديق العزيز الدكتور "محمود عبد الله أبو كيلة" ملامح هذا العنوان، والذي كان نقطة الانطلاق إلى عالم الشاعر "أحمد شلبي"، والإبحار في دروبه، دون خوف الردى أو الضلال.
(وجربنا وجرب أولونا


فلا شيءٌ أعزُّ من الوفاءِ)

        فإذا كان النسيان من طبائع الإنسان، فمن الذي ينسى فضيلةَ الأستاذ الدكتور "صفوت يوسف زيد" ـ يرحمه الله ـ رئيسُ قسم الأدب والنقد الأسبق، والذي تربيت على يديه طالبًا في سنوات الكلية والدراسات العليا، وكانت موافقة فضيلته على هذا البحث، شهادةَ ميلاد باحث من أبناء كلية اللغة العربية بإيتاي البارود، فجزاه الله عنَّا خيرَ الجزاءِ، وأسكنه فسيح جناته.ولقد بدأت هذا البحث على يدي أستاذين جليلين، هما فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الكريم عبد الرازق فراج، والذي احتفت به دولة الإمارات أستاذًا من أساتذة جامعاتها، والأستاذ الدكتور أنور فشوان، والَّذَينِ بدأت معهما البحث العلمي من ألفه إلى أن استقرَّ إلى يائه مع أستاذين جليلين تزدان بهما تلك المنصة.  واسمحوا لي أن أهديَ هذا العملَ المتواضعَ إلى روح أمي طيَّب الله ثراها، فلولاها ما كان لي أن أكون في هذا الموضع، فقد كان لها الفضل بعد الله تعالى في التحاقي بالمعهد الأزهري لأكون واحدًا من أبناء الأزهر الشريف، والذي يقدم لطلابه العلم الديني والشرعي بجانب العلوم الأخرى، وحسبي شرفًا وفخرًا أنني من أبناء الأزهر الشريف، والذي قال عنه شاعرنا "أحمد شلبي":
(إِذَا كَانَ مِن نَبْعٍ بِهِ الغَيْرُ  يَفْخرُ


فَنَحْنُ لَنَا نَبْعَانِ: نِيْلٌ وَأَزْهَرُ

فَهَذَا يَشُقُّ الأَرْضَ عَنْ  ثَمَرَاتِهَا


وَهَذَا بِهِ عِلْمُ  السَّمَاء يُنَوِّرُ

وَهَذَا عَلَى شَطَّيْهِ قَامَتْ حَضَارَةٌ


وَهَذَا بِدِينِ اللهِ يَسْمُو وَيكْبُرُ)

 ولم يشأ الله U أن يطول عمرُها حتى تجنيَ ثمرة عملها، أماه:
(أبكيك لو نقعَ الغليلُ بكائي


وأقولُ لو ذهب المقال بدائي

وأعوذُ بالصبر الجميلِ تعزِّيًا


لو كان بالصبرِ الجميلِ عزائي

قد كنت آمُلُُ أن أكون لكِ الفدا


مما ألَمَّ، فكنتِ أنتِ فدائِي)


         ولكنْ حسبها قولُ النبي r ) إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثٍ صدقهٍ جارية أو علمٍ ينتفع به أو ولدٍ صالح يدعو له ( فاللهم اغفر لها وارحمها، واحشرها "مع الذين أنعمت عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا" .
كما أتقدم بخالص شكري واحترامي إلى والدي اعترافًا بعطائه، ووفاءً بحقه، فله مني الثناءُ الجميل، والفضلُ العميم، سائلاً الله له دوام الصحة والعافيةِ وطولَ العمر، وأن يباركَ له وينفعَنِي بدعائه، وأن يختمَ له بخير، إنه على ما يشاء قدير.كما أقدمه هدية إلى زوجتي وولدي "محمد"، فكم عانا من طول انشغالي عنهما، وعدم التفاتي إليهما، أدعو الله U أن يصلحَ حالهما، وان يكلأهما بعنايته وحفظه ] رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [ .كما أتقدمُ بخالص شكري إلى كل من وقف بجانبي، ومد لي يد العون، ولو حتى بكلمة طيبة، أو طلاقة وجه تظهر رضاءً بما أصنع، ولإخوتي، وأهلي، وأصدقائي، وأحبابي، وزملائي، ولأهل بلدتي الذين أحاطوني برعايتهم، وتجشموا مشقة السفر لحضور هذه المناقشة، وشرفوني بحضورهم هذا العرس العلمي العظيم.
أكرمُ الأحياءِ طَرًا علينا،




عِنْدَ قُرْبٍ مِنْهُمُ، وَکغْتِرَابِ )



وأخيراً …أيها الحضور الكرام ... ها هو ذا بحثى وهو جهدٌ المقل، أضعهُ ماثلا بين يدى علماءَ أمناءَ وأساتذةٍ فضلاءَ، ويعلم الله أنّي قد بذلت أقصى ما في وُسعي حتى يخرج هذا العمل بهذه الصورة .ولا يخالجني شكٌ في أن هذا العمل قد اعتورته بعضُ الأخطاءِ والعيوبِ، وهذا هو ديدن كلِّ عمل يخرج من العقل البشري، فالكمال المطلق لله وحده، وعذري الوحيد أني ما ابتغيت إلا الصواب وما طلبت إلا الرشادَ، فما كان في هذا البحث من حق فمن الله وحده، وما كان فيه من خطأ فإني أستغفر الله تعالى منه، وأدعوه أن يتقبل هذا العمل بقبولٍ حسنٍ، وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم وأن يجعله في ميزان حسناتي، وميزان حسنات مشرفيه، ومناقشيه، وقارئيه، والمستمعين، وجميعِ القائمين عليه إلى يوم الدين، وأسأله سبحانه أن يجريَه صدقة، تفيض علينا حين نُكَفُّ عن العمل.
(إلهي أنتَ ذو فضلٍ ومَنِّ


وإنِّي ذو خطايا فاعفُ عنِّي

وظنيِّ فيكَ يا ربِّي جميلٌ


فحققْ يا إلهي حسنَ ظنِّي)





وآخر دعوانا "أن الحمد لله رب العالمين"        
المصدر: مدونة سعيد المنزىوي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 222 مشاهدة
نشرت فى 15 يونيو 2015 بواسطة Drsaidalmnzlawy

عدد زيارات الموقع

6,790