ثقافة الأطفال في الوطن العربي

نقد للواقع ورؤية للمستقبل

        يشير واقعنا الحالي إلى أنه بالرغم من إن القصص من أهم المصادر التى يعتمد عليها الطفل فى معرفة حقائق الحياة ، وبالتالي تنمية ثقافته إلا أننا نقدمها لأطفالنا دون مراعاة ما يلي:

-       القصص التى تقدم لأطفالنا تؤكد لديهم قيماً أو نماذج سلوك خاطئة أو منحرفة .

-       وجود كثير من مواقف العنف ومنافاة الأخلاق .

-       بعد هذه القصص من الجاذبية والتشويق .

-       قلة الكم المقدم للأطفال .

-       قلة عدد كُتاب الأطفال مقارنة بعدد باقي أنواع الكُتاب الآخرين .

-       تكرار الأفكار والموضوعات مما يجعل الطفل يصاب بالملل .

-       تمجيد القوة البدنية والعنيفة مثل قصص " طرزان " أو " سوبرمان " .

-       ابتعاد بعض القصص عن أي قيم إنسانية أو أخلاقية مثل الجاسوسية .

-       قلة القصص التى تهتم بغرس أهمية استخدام العقل فى حل المشكلات بدلا من القوة البدنية

-       فضلاً عن تمجيد الشر فإنه لا يراعي أن القصص تثير العطف على الشرير وتبرر بذلك انتصاره على الشرطى حتى وإن انتصر الخير فى النهاية فحجم ومساحة الشر وانتصاره يكون طوال القصة حتى نهايتها فينتصر الخير ، وبالرغم من أن مؤلفي هذه القصص يقولون إنهم يعرضون صور السلوك الخاطئة ولكن هذا خطأ ، لأن الأطفال يتأثرون بمختلف مواقف القصة التى يقرؤنها أو نحكيها لهم ، لما فى تلك المواقف من حركة وتشويق ولا ننسى التأثير السيئ والعميق فى الأطفال منها .

-        ونضيف إلى أن بعض القصص تقوم على السخرية من الآخرين ، ومثال لذلك موضوع " توم وجيرى " وبمشاهدة الطفل لها يتركز فى وعيه نمط خاطئ من السلوك ، ويسهل تقليده والتمثل به ، لما فيه من تنمية للإحساس بالتفوق على الآخرين ، وأثر ذلك على الآخرين من أذى وأضرار .

-       بعض القصص تدعو إلى ازدراء الأجناس أو احتقار نوعية من البشر مثال القصص التى تدور حول إبادة الهنود الحمر ، أو قصص طرزان التى تؤكد تفوق الرجل الأبيض وعدم أهمية الآخر فمن حق الرجل الأبيض أن يقتلهم كما يقتل الحيوانات المتوحشة .

-       تهوين الحياة الإنسانية فى وجدان الأطفال لتقديم القتل كأنه عمل عادى جدا ، وهذا عكس ما يجب أن يكون من احترام الحياة الإنسانية والحفاظ عليها وتقديرها ، بل تقديسها مهما اختلف لون البشرة .

-       بعض القصص ترسخ قيم سلبية مثل الفوضى وعدم الالتزام بالقانون وإعلاء مستويات ذكاء اللصوص والمجرمين عن مستويات رجال الشرطة والقضاء .

-        فضلا عن ذلك تزييف الحياة وذلك بسهولة الحصول على المال والبذخ والإسراف فى إنفاقه وعدم تقدير العديد من القيم الإيجابية .

-       وبعض القصص يشار إليها علي إنها تنمي الخيال العلمي ومع مراجعتها نجدها بعيده كل البعد عن تنمية " أسلوب " التفكير العلمي ، الذى يعتمد على الملاحظة والاستنتاج والتجربة والخطأ ، ووضع الفروض واختبار الفروض ، ولكن تحت غطاء الخيال العلمى نجد جوهرها استخدام البطل لمعظم الأجهزة والوسائل الحديثة فى الدمار والقتل ويطلق عليها ( يعقوب الشارونى ) قصص " الهذيان العلمي " الذى يستعير من العلم أشكاله الخارجية ، دون مضمونه الحقيقي .

-       ومن القصص أيضا ما يربي الخوف والفزع عند الأطفال ،  وما ينعكس ذلك على شخصيتهم وعدم تنمية العقلية الايجابية التى تنطلق إلى الإبداع .

        ومن أبرز ملامح واقعنا أن جميع مجلات الأطفال العربية ليس أسمها مؤنث ، بل كلها مذكرة ، مثل ميكى ، تان تان ، سمير ، حسن ، ماجد ، سعيد !!  وهو فى نفس الوقت أسماء البطل الرئيسى لكل مجلة وتضاءل نسبة الشخصيات النسائية فى القصص وهذا يرسخ بشكل كبيرة نظرة الرجل إلى المرأة فى ذهن الطفل ، وبتحليل ما يقوم به كلا من الرجل و المرأة من وظائف نجد أن وظائف الرجال تتمثل فى مهندس ، طبيب ، عالم ، مخترع ، ضابط ، رياضي ، بعكس وظائف المرأة التي تتمثل في مضيفة ، سكرتيرة ، تلميذة ، خادمة ، جاسوسة ، وهذا فضلا عن أن الصفات الايجابية من نصيب الرجل والصفات السلبية للمرأة .

وتركيز قصص ومجلات الأطفال بشكل خاص وأدب الأطفال بشكل عام على تقديم وتكرار هذه الصور يؤدى إلى التركيز على تلك المفاهيم فى المجتمع والمفروض أن يحدث العكس أى نقوم بتصحيح اتجاهات المجتمع الخاطئة .

ومن أسباب قلة عدد كتب أدب الأطفال نذكر منها : -

1.    ترفع الكتاب والأدباء الكبار عن اقتحام عالم الطفل البرئ ، فلم يقبل أحد منهم التنازل للهبوط إلى مستواه وامتهان لكرامته وحط لمنزلته ، ولهذا تأخر ازدهار كتاب الطفل وأدب الطفل فى المكتبة العربية .

2.    وكذلك سوء طباعة الكتاب للطفل حيث أن ذلك يرجع إلى أن الناشر يخشى إذا أرتفع سعر الكتاب نتيجة لما تتكلفه العناية بمظهره الفنى ، أن لا يسدد نفقاته ولا يعود عليه بالربح ، وهنا عامل اقتصادى كان له دور في تخلف الكتاب العربى عن نظيرة في الخارج .

3.    ونذكر أيضاً عدم وجود رسامين يحترفون الرسم للأطفال حيث أن الرسوم  ركن أساسي في قصص الأطفال التي تجعلها محببة إلى أنفسهم .

4.    ومن واقع الاحتكاك بالواقع فإن الشركات الكبرى تمنع الرسامين المهرة من الرسم لاى أحد غيرها ، وهو ما يعرف بالاحتكار للفنان الرسام  .

ويمكننا تقديم رؤية مستقبلية لمجلات الأطفال : -

نجد أن الطفل يجد فى مجلات الأطفال – وهو عامل رئيسي فى رواجها – أشياء كثيرة تعوضه عن نقص الخبرة ، أو يجد فيها إجابات لأسئلته أو إتاحة فرصة القيام بأدوار ومغامرات يحب القيام بها أو صور مسلية و فكاهية تثري حياته الكئيبة أو موضوعات رياضية عن هوايته التى يحبها .

وكل هذا يشبع حاجات لدى الأطفال وهو ما يركز عليه الناشر لمجلات الأطفال ، ومع عصر العولمة الذى تسوده ملامح ثقافة عالمية تسعى إلى بث أفكار ومفاهيم وقيم سلبية فإننا نسعى إلى مواجهه ذلك بالإصرار على إتباع خطوات المواجهة المناسبة لتحديات عصر العولمة فى مجال أدب الأطفال بوجه عام ومجلات الأطفال بوجه خاص وتتمثل فى :

1.    عدم نشر ثقافة العنف والانتقام فى موضوعات القصص والالتزام بنشر ثقافة الحوار والتسامح .

2.    إثارة البهجة والفكاهة في نفس القراء والبعد عن أدب الشقاء والتعاسة .

3.    تدعيم السلوك السوى من خلال سلوك أشخاص القصص من البداية إلى النهاية ولا تقتصر القصة الممتلئة بالشر على عبارة خير أو معادة للشر فى نهاية القصة .

4.    مراجعه ما تدعو إليه القصص من سلوكيات الجشع والنفاق ونجاح أصحاب تلك السلوكيات فى الحصول على ثمار ذلك مما يرسخ فى نفس الأطفال فاعلية هذه السلوكيات فيتصرف بها كنموذج لتحقيق أغراضه .

5.    الابتعاد عن تصوير الأشرار وأصحاب السلوك السيئ تصويراً مبهراً وخاصة لو كان هناك تميز عنصرى وأثر ذلك السيئ فى نفوس الأطفال .

6.    عدم التركيز على إظهار الأبطال عادة بالوحشية والغلطة فى المشاعر والسعى إلى المال لان الأطفال ينعكس ذلك على تصرفاتهم ، ويصبح تقليد البطل بمظهره وأساليبه في القصة نموذجاً يحتذي به فى حياه الطفل يسعي إلى تنفيذه فى الواقع والمستقبل .

7.    نظراً لاتساع مساحة الصور وقلة مكان الكلام فى مجلات الأطفال وما ينعكس على إضاعة فرصة تنمية ثروة الأطفال اللغوية ، وعدم بذل الأطفال جهد في تعلم القراءة . فلابد من مراعاة زيادة نسبة الكلام فى مجلات الأطفال .

8.    وأخيرا لابد من تنمية أدب الأطفال في الوطن العربى من خلال تنفيذ ما يلي :

-       زيادة عدد المجلات للأطفال فى كل البلاد العربية .

-       تبنى سياسة إعداد متخصصين في مجال الكتابة للأطفال ، وذلك بفتح وزيادة عدد كليات الأطفال [ رياض الأطفال ] ومعاهد الطفولة فى كل البلاد العربية وأن يتم عمل أقسام خاصة بكل ما يتعلق بأدب الأطفال من كتابة ورسوم وإخراج وغيرها .

-       التركيز علي الجانب القومى والثقافى والعلمى المميز للعالم العربى وإبرازه حتى لا يضيع ذلك فى طوفان الاختراق الثقافى الوافد من الخارج فى عصر العولمة .

-       محاولة – وإن كان ذلك يبدو مستحيلاً – صدور المجلات الأجنبية المترجمة والتى تقدم قيم تتعارض مع قيمنا وثقافتنا التى نسعى إلى تقديمها للطفل العربى ، وعلى الأقل يتم إعادة صياغتها حتى تلائم مجتمعاتنا العربية .

-       إبراز الجوانب العلمية والإيجابية في شخصيات مجلات الأطفال لغرس جيل ذو عقلية علمية إيجابية .

-       تيسير وصول المجلات الجيدة وضمان وصولها إلى المدارس ونوادى الطفل ودعمها إذا كانت غالية الثمن ، وخاصة أن ما ينفق على دعم ثقافة الطفل هو أكثر فاعلية على ما ينفق على ترسانات الأسلحة في الوطن العربى فثقافة الطفل العربى صارت قضية أمن.

 

 

المصدر: دكتور / ناصر على
  • Currently 160/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
52 تصويتات / 1017 مشاهدة
نشرت فى 7 يناير 2010 بواسطة Drnasser

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

109,139