بحلول عام 2030 لن تعمل محركات المركبات من سيارات وقطارات وشاحنات وطائرات وغيرها بالبنزين أو الجاز أو الديزل ولا بأي من مشتقات البترول، إنما ستعمل بالوقود الحيوي المستخلص من الزيوت النباتية.
هذه الحقيقة يؤكدها تصديق المجالس التشريعية في بعض دول الاتحاد الأوربي على تشريع عام 2004 الصادر عن رئاسة الاتحاد، والذي يلزم جميع دول الاتحاد بإضافة الزيوت النباتية إلى مكونات وقود السولار بنسبة 76,5% على الأقل بدءًا من عام 2010، ومن ثم زيادة هذه النسبة 5% سنويا لتصبح 10% في السنة التالية، وهكذا حتى يتم بحلول عام 2030 إحلال الزيوت النباتية محل الوقود البترولي كليا.
وتأتي هذه الإجراءات بعدما أصبح حرق البترول كوقود نوعًا من السفه الاقتصادي؛ نظراً لتعرضه للنضوب، وعدم إمكانية استعاضته وشدة الاحتياج إليه في كثير من الصناعات الحيوية كصناعة الدواء، وبعض أنواع المنسوجات والبلاستيك والفيبر، بالإضافة للقضاء على التلوث الناتج عن مخلفات احتراقه.
وهنا عملت الولايات المتحدة بالفعل على إضافة كحول مستخلص من أصول نباتية بنسبة لا تقل عن 10% حاليا لمكونات البنزين. كما تعاقدت النمسا بالفعل مع شركة مصرية للزيوت لزراعة 90 ألف فدان بالمحاصيل الزيتية، وذلك بالقرب من محطة مياه الصرف الصحي بصحراء السويس، هادفة بذلك لاستخدم الزيوت المستخلصة من بذورها كوقود.
ولمصر في هذا الصدد تجربة تعد سبقًا علميًّا، فيذكر الدكتور محسن سالم رضوان أستاذ هندسة القوى بقسم الاحتراق الداخلي بكلية الهندسة جامعة حلوان أن استخلاص وقود من الزيوت النباتية كان حلمًا يراود قرائح العلماء في مختلف بلاد العالم منذ زمن، وجُوبِهَ هذا الحلم بعدد من الصعاب والتي منها ارتفاع أسعار الزيوت النباتية المستخدمة في الطعام، كزيت بذرة القطن وزيت فول الصويا وحتى زيت السافلاور، والتي يشكل إنتاج وقود بديل للسولار منها معضلة كبيرة أمام الباحثين.
كما شكل ارتفاع تكلفة معالجتها قياسًا بأسعار السولار معضلة أخرى، حسمت المنافسة لصالح السولار، حيث تحتوي الزيوت النباتية عمومًا على العديد من المواد (الصمغية والشمعية والجلسرينية) التي يتخلف عنها رواسب (كربونية) ضارة بأجزاء المحرك الداخلية، فضلا عن لزوجتها العالية التي لا تناسب المحركات مما يتطلب معالجتها لفصل هذه المواد الضارة.
ولم يقف الدكتور محسن رضوان عند هذه المعضلة، وقدح ذهنه حتى تمكن من تطوير الطريقة المناسبة للأسترة (فصل المواد غير المرغوب فيها وتنقية الزيوت منها)؛ وذلك بإضافة الزيت المستخلص من بذور نبات الجوجوبا أو الهوهوبا إلى الكحول الميثيلي، ليمر بعد ذلك بعملية تسخين في وجود عوامل مساعدة، فتمكن الدكتور بذلك من إنتاج نوعين من الوقود، أحدهما وقود خفيف متطاير أسماه الهوهوبا بيو جاسولين يصلح للاستخدام في محركات الإشعال بالشرارة (محركات البنزين)، أما الآخر والذي أسماه الهوهوبا بيو ديزل فهو أثقل؛ وهذا يجعله صالحًا للاستخدام في محركات الإشعال بالضغط (محركات الديزل). كما يتم حاليًّا استخراج زيوت لمحركات الطائرات من زيت الهوهوبا.
ويؤكد الدكتور محسن رضوان أن نسبة الوقود المستخرج إلى الوقود الخام والكحول 80%، ويذكر أنه بتحليل الوقود لمعرفة خواصه الأساسية تبين خلو البيو جاسلوين تمامًا من الأحماض غير العضوية والماء وانخفاض نسبتيهما الشديدة في البيو ديزل وخلو البيو ديزل كذلك من الرماد.
ويذكر الدكتور رضوان أنه بعد تحديد الخواص الأساسية لكل نوع من نوعي الوقود بدقة أجري لكل نوع منها العديد من الاختبارات لقياس أداء المحرك والقدرة الناتجة عنه ومعدلات استهلاك الوقود وسرعة احتراق الوقود وحجم الملوثات الناتجة عنه وغيرها من القياسات الأزمة لتحديد مدى كفاءة الزيت في تشغيل وأداء المحرك ومقارنتها بالبديل البترولي عند أحمال وسرعات مختلفة.
ويقول الدكتور رضوان إنه بصدد إجراء بعض التجارب الموسعة حاليا على استخدام الوقود في المحركات لمعرفة التأثير بعيد الأمد لاستخدام الوقود الذي قام باستخلاصه علي معدلات التآكل وعمر المحرك.
وتأتي أهمية ما حققه الدكتور رضوان فيما توصل إليه من إمكانية إنتاج وقود حيوي نظيف ومتجدد من زيت بذور نبات الهوهوبا لتدوير محركات السيارات والديزل. ومما يميز الهوهوبا خلوه التام من المواد الكبريتية التي تسبب تآكل الشكمانات؛ وهو ما يعمل على إطالة عمر المحركات من جهة، والقضاء على التلوث من جهة أخرى، إذ إن احتراقه لا ينتج عنه أية أكاسيد كبريتية ضارة.
ويضيف الدكتور رضوان أنه بالإضافة للاستخدام الحالي لزيوت الهوهوبا كأحد الزيوت العطرية؛ فإن الكسب أو المخلفات الناتجة عن مراحل التنقية تستخدم كوقود صلب في المراجل والأفران، كما يستخدم الكسب أيضا عند تخميره في إنتاج الكحول الميثيلي اللازم لعملية الأسترة اللازمة لتحضير الوقود من الزيت. كما يتميز الهوهوبا بانخفاض تكلفته نسبيًّا، حيث يقل قليلا عن السعر العالمي للطاقة الذي يقدر بدولار أمريكي للتر الواحد.
ويعرف الجوجوبا أو الهوهوبا بأنه نبات زيتي معمر يصل عمر أشجاره إلى نحو مائة وخمسين عامًا، تشكل الزيوت نسبة تتراوح بين 50% إلى 60% من وزن البذور.
ويعد زيت الهوهوبا أحد الزيوت العطرية، كما ينمو في الصحراء القاحلة، ويتميز بتحمله لدرجة عالية من ملوحة المياه وملوحة التربة، الأمر الذي يسمح بزراعته على مياه الصرف الصحي ودون معالجة لها توفيرًا للوقت والنفقات، فضلا عن تحمله لدرجات حرارة مرتفعة تصل لـ 50 درجة مئوية، كما يمكنه تحمل الانخفاض الشديد في درجات الحرارة حتى خمس درجات مئوية تحت الصفر.
يحتاج ذلك النبات الذي يتميز بمقاومته العالية للمسببات المرضية إلى كميات قليلة من الأسمدة والمخصبات؛ وهو ما يسمح بالتوسع في زراعته في الصحاري القاحلة القاسية المنتشرة في مختلف أرجاء العالم الإسلامي، اعتمادًا على مياه الأمطار في مراحل إنباته الأولى، واستكمال ريه بعد ذلك اعتمادًا على مصادر المياه المتوفرة كمياه الآبار ومياه الصرف الصحي، الأمر الذي يحفظ عليها تربعها على عرش الدول المنتجة والمصدرة للطاقة، ويفتح مجالات واسعة لإحياء موات أراضيها وتوفير فرص عمل هائلة لشعوبها في الزراعة وعصر البذور واستخلاص وتكرير الزيوت وخطوط إمدادها وتعبئتها وتصديرها وإنتاج الكحول الإيثلي اللازم لعمليات التكرير والأسترة إلى غير ذلك من المجالات الجديدة.
مدحت الأزهري
نقلا عن إسلام أون لاين
ساحة النقاش