المحور الثانى
الدراسة التحليلية المقارنة لإدارة امتحانات الشهادة الثانوية العامة
يقدم هذا المحور الدراسة التحليلية المقارنة لإدارة امتحانات الشهادة الثانوية العامة لمجموعة من المحاور يتم معالجتها للكشف عن مدى تشابه، أو اختلاف إدارة الامتحانات بين مصر، وعدد من الأنظمة العالمية المعاصرة وذلك من خلال ما يلى:
<!--فلسفة الامتحانات.
<!--أهداف الامتحانات.
<!--سياسات الامتحانات.
<!--آليات الامتحانات.
<!--إدارة الامتحانات.
<!--التناسق، والتفاوت فى الامتحانات.
<!--زمن الامتحان، ومدته، وشكله، ووظيفته.
ويتم تناول هذه المحاور على النحو التالى:
أولا: أوجه التشابه، والاختلاف فيما يتعلق بفلسفة الامتحانات.
تتشابه مصر مع فرنسا، والسويد، والصين فى التركيز على القومية، والمحافظة على الهوية الوطنية للتعليم، والمركزية المتسامحة (فى غير الصين) من أجل صيانة الثقافة القومية، والمرونة فى اختيار الامتحانات (فيما عدا الصين) لقياس مستوى الإنجاز لدى التلاميذ، ومراعاة الكلفة الاقتصادية للامتحانات، وتنوع أساليب الامتحان لتناسب مستويات التلاميذ، وشرعية الدرجات التى يحصلون عليها، غير أن مظاهر التفاوت هذه تختلف من دولة الى أخرى، فبينما تصل قمتها فى فرنسا مثلا تقل حدتها فى مصر وهكذا.
وتتشابه مصر مع الصين فى بيروقراطية التنظيم، ومركزيته، بحيث يتم التحكم المطلق فى مواد الامتحان، بينما تختلف الصين عنها من حيث، التأكيد على الثقافة الصينية بالمحافظة على ونقل المنهج الكونفوشيوسى، وتقدير قيمة العمل المنتج، والعمل الجماعى عن طريق الدمج بين العملى والنظرى للقضاء على الفوارق الاجتماعية، والوصاية السياسية فى الامتحانات بعدم شرعية الدرجات التى يحصل عليها التلاميذ، وأنها لا تؤهل للجامعة.
وثمة نقاط تشابه بين مصر وفرنسا، والسويد، والصين فى جعل التعليم مسئولية قومية كبرى، ترتبط إستراتيجيته بإستراتيجية الدفاع والأمن القومى، بالإضافة إلى جعل التعليم عملية استثمارية فى الموارد البشرية، ترتبط ارتباطا مباشرا بزيادة الإنتاج، وما يترتب عليه من زيادة فى الدخل القومى، وكذلك النظر إلى التعليم على أنه ضرورة لإحداث التنمية الاقتصادية، والاجتماعية للبلاد، وقد انعكس ذلك على فلسفة الامتحانات فى مصر، مما أدى إلى التركيز على قومية الامتحانات وإن كان ذلك حتى الآن لم يتجاوز حيز المكتوب، ومركزيتها المطلقة فى كل جوانبها، ومراعاة المعيارية العلمية فى دوران الامتحانات حول المنحنى الاعتدالى، إزالة للقلق، وعملا على تحقيق الطمأنينة لدى التلاميذ، وأولياء الأمور والتأكيد على شرعية الدرجات التى يحصل عليها التلميذ، بحيث تكون مرحلة الثانوية العامة مرحلة منتهية، لأنها تعد التلميذ للحياة جنبا إلى جنب - وما يزال ذلك - إلى بعيد - فى حيز المكتوب -، مع الإعداد للتعليم اللاحق فى الجامعة، أضف الى ذلك، أنها تعتمد اعتمادا كليا على الامتحانات النهائية التحريرية.
كما تتشابه مصر مع فرنسا، والسويد، والصين فى فلسفة الامتحانات من حيث، مراعاة القومية لكل بلد، ومركزيتها بحيث، تتحكم السلطات المركزية فى الامتحانات الخاصة بالثانوية العامة، بينما تتميز كل من فرنسا، والصين بكون النجاح فى الثانوية العامة لا يؤهل لدخول الجامعة.
وكذلك تختلف فلسفة الامتحانات فى مصر عن السويد، وفرنسا، والصين من حيث المركزية فى التخطيط، واللامركزية فى التنفيذ، والكلفة الزائدة بسبب تنوع، وتعدد أساليب الامتحانات، والاختبارات، والتفاعل المستمر بين المعلم، والتلميذ بسبب، استمرارية عمليات التقويم، والامتحانات، وتنوعها بين الواجب المنزلى، والاختبارات الشهرية، ونشاط التلميذ داخل حجرة الدراسة، وامتحان بنسبة مئوية فى آخر العام.
وإذا حاولنا تفسير ذلك فى ضوء القوى والعوامل الثقافية فإن الدراسة الحالية تؤكد على أنه فى فرنسا بعد الحصول على الثانوية العامة يتقدم التلميذ لامتحان آخر (الامتحان المؤهل لدخول الجامعة)، والنجاح فيه شرط أساسى للتأهل لدخول الجامعة، وهذا جزء أساسى من نظام التعليم الفرنسى، وهى تؤكد عليه، لأن فرنسا كثيرا ما تنتابها الهواجس خاصة فيما يتعلق بنظام الشهادات، وكذلك فيما يتعلق بالإيمان بالمركزية الشديدة التى يؤمن بها المجتمع الفرنسى، فإن ذلك يرجع إلى عوامل تاريخية ودينية معا، رغم أن فرنسا دولة رأسمالية تؤمن بالتعدد، والديمقراطية، والمشاركة من كل فئات المجتمع، أضف إلى ذلك أن المركزية الفرنسية أثيرة لدى الفرنسيين يفضلونها على غيرها من النظم، فقد اعتادوا عدم الحديث عن المركزية، أو غيرها لأنها لا تعنيهم.
وأما الصين فإن النجاح فى الثانوية والحصول على الدرجات لا يؤهلان لدخول الجامعة، إلا بعد حصول التلميذ على توصية سياسية من أحد أعضاء الحزب الشيوعى، قد يكون مدير المدرسة، أو قد يكون غيره، وهذا يتمشى تماما مع مبادىء الحزب الاشتراكى الشيوعى الصينى، حيث الوصاية السياسية، وربما مثّل ذلك - فى جانب منه - ذلك النظام القديم المعقد للامتحانات الصينية، حيث الامتحانات الإمبراطورية، وضمانا لسيطرة الحزب الاشتراكى الشيوعى الصينى المطلقة.
بينما فى السويد حيث، التقويم المستمر طوال العام، ومراعاة نتائج التلميذ فى المراحل التعليمية السابقة، فإن الامتحانات النهائية للثانوية العامة تؤهل مباشرة لدخول الجامعة، وهذا يتمشى مع الإيمان بفكرة التقويم المستمر للتلاميذ، حيث إنه مؤشر دقيق على مدى تقدم التلاميذ، وإمكانية استمراريتهم فى مراحل التعليم الأعلى اللاحقة، وربما كان للعامل الاقتصادي أثر كبير فى هذا، حيث إن معدل نمو السويد الاقتصادي يتيح لها أن تقدم تعليما جامعيا عاليا لأبنائها، وكذلك تلك الفكرة التى تسيطر على كل طبقات المجتمع السويدى التى تدعو إلى تحقيق العدل المطلق - إلى حد كبير - بين أبناء المجتمع، ولذلك فإن السويديين يندفعون من أجل تحقيق هذا الهدف لأبناء المجتمع مهما كلفهم ذلك.
أما النظام المصرى فمنذ نشأته وهو -إلى حد كبير- يعتبر الدرجات التى يحصل عليها التلميذ فى امتحان آخر العام فى الثانوية العامة مؤهلة لدخول الجامعة، منذ أن كانت الوظيفة الأساسية لهذه المرحلة من التعليم هى إمداد المدارس العليا بما تحتاج إليه من طلاب، والتى تطورت فيما بعد للجامعات، وما يزال لهذا السبب أثر كبير فى إمداد الجامعة بما تحتاج إليه من طلاب وان كانت فلسفة التعليم - خاصة - الثانوي منه تنحو أخيرا إلى إعداد الطلاب للحياة جنبا إلى جنب، مع إعدادهم لمواصلة التعليم الأعلى الجامعى، على أنه ربما كانت هناك بعض الامتحانات اللاحقة التى يتم إجراؤها قبل الالتحاق ببعض الكليات مثل:
<!--اختبارات الكليات العسكرية.
<!--المقابلات الشخصية فى بعض الكليات مثل كلية التربية.
<!--الاختبارات التى تجريها كليات التربية الرياضية.
هذا بالإضافة إلى الدور الذى يلعبه العامل الاقتصادي، والكلفة الزائدة التى تتحاشاها السلطات المركزية المسئولة عن الامتحانات، ويشهد لذلك تلك المحاولة التى أثرت - سلبا - على النظام التعليمي كله عندما تم تخفيض التعليم الأساسى عاما دراسيا فى الحلقة الأولى منه منذ عام 1988، حتى تتجنب التكاليف التى تحتاجها العملية التعليمية، وفى ظل الديمقراطية التى نتحدث عنها كثيرا يمكن لأصحاب المصانع، والشركات تقديم منح مالية فى ظل ما يسمح به القانون من أجل تجنب التكاليف المرتفعة لعمليات الامتحان - خاصة - وأن المجتمع المصرى الآن - بداية القرن الحادى والعشرين - فى فترة تحول اقتصادى كبير نحو الإيمان بفكرة الخصخصة، وذلك إيمانا بأن الخريج يملكه صاحب المصنع أو الشركة، وضمانا لإعداد الخريج بما يتناسب مع احتياجات سوق العمل، وربما يكون لعدم وضوح فلسفة التعليم فى أذهان بعض المسئولين، والمعلمين أثر كبير فى عدم تحقيق هذه الفلسفة، ويشهد لذلك ما يهدف إليه هذا النوع من التعليم من إعداد التلاميذ للحياة.
ثانيا: أوجه التشابه والاختلاف فيما يتعلق بأهداف الامتحانات.
تتشابه مصر مع فرنسا، والسويد، والصين فى مجموعة من الأهداف التى تكشف عنها امتحانات الثانوية العامة يأتى فى مقدمتها الإعداد للحياة العامة، والعمالية وفق متطلبات خطة التنمية الاجتماعية، والاقتصادية، وإعداد التلاميذ لمواصلة التعليم العالى، والجامعى وفق قدراتهم، واستعداداتهم، وتنمية التلميذ جسميا، وعقليا، واجتماعيا سواء فيما يتعلق بالجوانب الفردية، حيث يتم تنمية شخصية الفرد طبقا لإمكاناته، وقدراته، واستعداداته فى ظل ظروف اجتماعية، وتعليمية متكافئة، أو الجوانب المجتمعية، حيث يكون هدف تعليم الفرد ضمان مشاركته فى شئون مجتمعه من أجل زيادة الإنتاجية، والنفع الاجتماعى، أو الجوانب الأخلاقية من أجل الحفاظ على الميراث الثقافى للأمة من خلال التأكيد على العدالة، والمساواة كقيم مجتمعية تحقق لكل فرد - بعيدا عن ظروفه الاجتماعية والعرقية والجغرافية - مكانته فى المجتمع.
وإذا حاولنا تفسير هذا التشابه بين مصر وفرنسا، والسويد، والصين فإن الدراسة الحالية ترى أن ذلك يرجع إلى أكثر من عامل من العوامل والقوى الثقافية:
حيث إن تحديد الأهداف بهذه الصورة فى فرنسا يرجع إلى التاريخ الطويل الذى مرت به هذه الامتحانات، والنظام التعليمي كله، حتى وصل إلى درجة من التقدم يسعى أن يضيف إليها، لا أن يقف عندها، أو يتخلف عنها، وكذلك مدى ما حققه هذا النظام من تقدم اقتصادى يسعى لأن يزيد من تقدمه فى عالم الصراعات الاقتصادية، وأخيرا فإن فرنسا تخشى من ضياع ثقافتها وسط زحام الثقافات العالمية فى تيار ( العولمة، أو الكونية ).
أما السويد فإن أهم ما يشغل هذه الأمة هو تحقيق العدالة المطلقة - الى حد كبير- بين أفراد الشعب السويدى، والمحافظة على تراث الأمة السويدية، وربما يرجع ذلك إلى أن السويد قد بلغت معدل نمو اقتصادى هو الفريد من نوعه بين الدول الأوربية، وحتى بين مجموعة الدول الاسكندينافية المعروفة بالتقدم الاقتصادي الكبير، حيث يصل معدل النمو إلى 4 %، أو ربما يزيد عن ذلك قليلا، ولعلّ فى ذلك ما يكشف عن مدى ما توافر لها من إمكانيات اقتصادية، تتيح لها تقديم مثل هذه الخدمات التعليمية الراقية من أجل تحقيق الأهداف الكبرى.
بينما الصين دولة هى الكبرى مساحة، وعدد سكان تقدر قيمة العمل المنتج، ومن هنا رأت ضرورة الربط بين ما هو نظرى، وما هو عملى منتج، وهذا يتفق تماما مع النظرية الاشتراكية الشيوعية التى تؤمن بها الصين، ولأن الصراعات الاقتصادية بدأت تأخذ شكلا غير المألوف بين ما هو رأسمالى غربى، وما هو اشتراكى شيوعى ضمانا للقدرة التنافسية الإنتاجية، مما يعنى انعكاس ذلك على أهمية العمل المنتج – خاصة - فى ظل الانفتاح الاقتصادي العالمى عن طريق ( العالمية، أو الكونية )، وبعد سقوط أحد قطبى الصراع الاقتصادي بين شرق أوربا، وغربها، مما أتاح للصين أن تثب، وتقفز بقوة التنين فى ساحة الاقتصاد العالمى، وارثة ما تركه الاشتراكيون الشيوعيون الروس من تبوّء للصراع الاقتصادي العالمى.
وإذا نظرنا إلى مصر نجد أنها رغم ما حققته من أهداف تعليمية، من نحو مد الخدمة التعليمية فى أنحاء البلاد، إلا أن أهداف امتحانات الثانوية العامة ما تزال تعانى أزمات، وعدم القدرة على الانتقال من الواقع لمسايرة التقدم العالمى، فوقفت عند إعداد الطلاب للجامعة رغم محاولات التطوير، إلا أنها وقفت دون دمج الإعداد للحياة فى الواقع - خاصة - منذ وضع إستراتيجية عام 1987، ومع أنه تم إدخال المواد العملية، والتكنولوجية، إلا أنها ما تزال عاجزة عن تحقيق هذا الهدف رغم التحولات العالمية فى ظل ( العولمة، أو الكونية )، ورغم التحول الاقتصادي الخطير الذى تجتازه مصر فى بدية القرن الحادى والعشرين من نظام اقتصادى معين - منذ الخمسينيات من القرن العشرين - إلى نظام الخصخصة، وربما يمكن إرجاع عدم القدرة على تحقيق هذا الهدف إلى عدم القدرة الاقتصادية على توفير الإمكانات التى تتيح تطبيق عملية الإعداد، والدمج فى مدارسنا، أو مصانعنا للتلاميذ، وما تزال خطة الدراسة عاجزة عن تحقيق هذا الدمج .
ثالثا: أوجه التشابه، والاختلاف فيما يتعلق بسياسات الامتحانات.
تختلف مصر عن كل من فرنسا، والسويد، والصين، فى سياسات الامتحانات، حيث إنه فى فرنسا ما تزال سياسات الامتحانات تتمتع بطابع التنظيم النابليونى المسمى بالجامعة، حتى يمكن القول بأن إدارة الامتحانات فى فرنسا ذات سياسة مركزية، إذ أن السلطة المركزية تتمتع - ليس فقط بحق تحديد الاتجاهات العامة للسياسة التعليمية وطبيعة المدارس -، بل هى مختصة أيضا بالطبيعة الوطنية للامتحانات، ولذلك فهى تتميز بسياسة الاستقرار التى يتم تقييم التلميذ فيها من خلال نظام للامتحانات القومية.يدار على مستوى البلاد، ولا يؤهل النجاح فيه لدخول الجامعة، بل يعقد امتحان آخر بعده هو الذى يؤهل لمواصلة التعليم الأعلى.
وتقوم سياسات الامتحانات فى السويد على الربط بين السياسة الموضوعة للنظام التعليمي كله، وآليات التنفيذ والفعل، وهذا الاستقرار الذى وصلت إليه السويد فى مجال سياسة الامتحانات جاء بعد فترات متعاقبة ألغى فيها الامتحان كلية، ثم أعيد على مراحل، لتأخذ سياسة الامتحانات فى السويد شكل التقويم المستمر متكامل الحلقات، والذى تمثل فى الحلقات الثلاث التالية:
<!--الواجب المنزلى.
<!--نشاط التلميذ داخل الفصل.
<!--التقويم الأسبوعى، والشهرى للتلاميذ.
بينما تقوم سياسات الامتحانات فى الصين على أساس بناء نظرية اشتراكية ذات طابع صينى لتنفيذ سياسة الامتحانات، التى هى جزء من سياسة العملية التعليمية كلها من أجل مواجهة العصرنة، ومواجهة العالم، والمستقبل، والإسراع فى إصلاح، وتطوير الامتحانات، وإقامة نظام تعليمى يتلاءم مع النظام الاقتصادي الاشتراكى الحر، ومن أجل الوصول إلى ذلك فإن الصين تتخذ من الخطط الخمسية إستراتيجية، من أجل تنفيذ هذه السياسة، وان كانت تتمتع بدرجة كبيرة من المركزية المتطرفة، التى تعمل على إعادة تشكيل بنية التعليم الثانوي لتعديل منهج المرحلة العليا منه من صيغتها الأكاديمية العامة إلى صيغة مهنية تقنية، بحيث يكون المنهج الجديد مناصفة بين التعليم العام، والتعليم الفنى.
وهذه السياسة فى مصر تتمثل فى مجموعة من الأمور التى وصل إليها نظام الامتحانات بعد إجراء العديد من التعديلات - وما يزال - على سياسة التعليم ككل - وسياسة الامتحانات خاصة، حتى وصلت لهذا الشكل الذى يتمثل فى إلغاء نظام التشعيب الذى كان متبعا، واستبداله بالمقررات الاختيارية، والحكم على مستوى التلاميذ من خلال تقييمهم فى عامين، بالإضافة إلى المرونة، والحرية فى اختيار ما يتفق مع ميولهم، ورغباتهم من مواد دراسية علمية، وأدبية فى ظل نظام امتحان مركزى يدار قوميا على مستوى الجمهورية على مرحلتين، وفى كل مرحلة دورين ( مايو، وأغسطس ) من كل عام.
ويتضح من خلال عرض هذه السياسات جميعا أن هناك بعض نقاط للتشابه، وبعض نقاط للاختلاف بين مصر، وفرنسا، والسويد، والصين وبيانها كالتالى:
من حيث نقاط الاتفاق فإنه يلاحظ أن سياسة الامتحانات فى مصر تتفق مع فرنسا، والسويد، والصين من حيث المركزية فى سياسة الامتحانات، والاتفاق كذلك على نظام لتقييم التلاميذ.
وأما نقاط الاختلاف فإنها تتمثل فى إن سياسة الامتحانات فى فرنسا تعتمد على أكثر من أداة تقويمية، بما يضمن تنوع الجوانب التى يتم تقييمها فى التلاميذ، وفى السويد كذلك، إلا أن السويد تتميز مطلقا بنظام ثلاثى الحلقات، بالإضافة إلى مراعاة تقدم التلميذ خلال المراحل السابقة، أما الصين فإنها تقوم بإخضاع سياسة الامتحانات للخطط الخمسية فى البلاد من أجل الوصول إلى أعلى درجة من الاستقرار فى سياسات الامتحانات، فى حين أن مصر تتبع نفس خطوات التنمية عن طريق الخطط الخمسية، إلا أن سياسة الامتحانات فى مصر لا تخضع لنفس الخطوات التى تتبعها الصين.
وإذا حاولنا تفسير ذلك فإنه يتضح فى ضوء سياسة كل نظام، أسباب التشابه، أو الاختلاف بين هذه الدول ومصر، حيث إنه فى فرنسا، ونظرا لأنها قد مرت بعوامل تاريخية، ودينية، وتكنولوجية تفرض عليها هذه المركزية، بينما فى السويد مرت بمراحل عديدة خضعت للتجريب مرة، وإلغاء سياسة كلها فترة، وإعادتها مرة أخرى فى الشكل الذى يتم تنفيذه الآن، وذلك بسبب الهدف الأكبر، والذى يتمثل - من وجهة نظر السويديين أنفسهم - فى تحقيق العدل بين جميع أفراد الشعب، وأما الصين فهذا يتناسب مع النظرة الاشتراكية، حيث إن العامل السياسى له الأثر الأكبر فى تشكيل سياسة الامتحانات بوضعيتها التى هى عليه الآن، فضلا عن دور العامل التاريخى، حيث إن الامتحانات الصينية نظام قديم معقد يضرب بجذوره فى التاريخ الأول للصين.
وكثيرا ما تهدف الأنظمة التعليمية لوضع إستراتيجيات العمل فى السنوات المقبلة حتى تسير على هدى فى طريق نموها والصين مثلها فى ذلك مثل دول كثيرة تحاول أن تسير فى طريق الإصلاح والعصرنة من خلال خطط خمسية أو غيرها لمواجهة ما هو معروف الآن باسم العولمة فقد”دخلت قضية الإصلاح والعصرنة مرحلة جديدة فى الصين فى الوقت الحاضر - عقد التسعينيات من القرن العشرين - فإقامة نظام اقتصاد السوق الاشتراكى، والإسراع فى خطى الانفتاح والإصلاح والبناء العصرى جعل كافة آليات الاقتصاد والوطن والمقومات العامة للدولة تنتقل إلى مرحلة جديدة وهذا يعتبر فرصة نادرة بالنسبة لقضية التعليم، ويتطلب مهام ومتطلبات جديدة ؛ فمهمة التعليم فى ظل الوضع الجديد تتمثل فى الالتزام بروح مؤتمر نواب الشعب فى الدورة الرابعة عشرة من أجل بناء نظرية اشتراكية ذات طابع صينى، والتنفيذ الشامل لسياسة التعليم، ومواجهة العصرنة، ومواجهة العالم، ومواجهة المستقبل والإسراع فى إصلاح وتطوير التعليم، وإقامة نظام تعليمى يتلاءم مع نظام الاقتصاد الاشتراكى الحر.
رابعا: أوجه التشابه، والاختلاف فيما يتعلق بآليات الامتحانات.
تتشابه مصر مع كل من فرنسا، والسويد، والصين فى وجود آلية لتقييم التلاميذ فى الثانوية العامة، تدار مركزيا، ويتم بواسطتها الحكم على تلاميذ الثانوية العامة.
ففى فرنسا يتم تنفيذ آلية للامتحانات تقوم على الامتحانات المقننة لقياس مستوى الإنجاز التعليمي بشكل يساعد فى المحاسبة على المسئولية عن التعليم، ولذلك فإن هذه الآلية فى فرنسا تأخذ ما يزيد على ثلاثين مسارا، وما يميز الكل داخل هذه الآلية، هو أن الكل قد تم بناؤه على أساس قاعدة قوية فى الدراسة الأكاديمية فى الإنسانيات، والعلوم الرياضية، والعلوم الطبيعية، بل قد يمتد درجة معتدلة فى السنة النهائية من الثانوية.
وهذه الآلية فى السويد يتم تنفيذها بواسطة الإدارات المحلية، ذلك أن مسئولية إدارة التعليم فى السويد تقع على عاتق السلطات التعليمية المحلية، والتى هى فى واقع الأمر هيئات سياسية تعين بواسطة مجالس المحليات، على أن الآلية نفسها تتم فى شكل ثلاثى الحلقات يتمثل فى الواجب المنزلى، ونشاط التلميذ داخل حجرة الدراسة، والامتحانات الأسبوعية، والشهرية، والفصلية، الأمر الذى يتطلب نظاما دقيقا جدا من كافة الهيئات التعليمية من أجل تسجيل درجات التلاميذ بما فيه درجات التلاميذ فى الأعوام السابقة.
وآليات الامتحانات فى الصين كانت سلسلة قاسية يصعب على الإنسان أن يجتازها كلها لكنه فى الوقت الراهن يتم تنفيذ آليات الامتحان من خلال نظام الكتاب المفتوح والامتحانات المختارة، والغرض من الأول هو الربط بين العملى والنظرى من خلال المناهج الدراسية، وذلك انطلاقا من فكرة الثورة التعليمية التى تحاول أن تجعل المجتمع بكل فئاته فى حركة ثورية ضد الصراع الطبقى، من أجل الإنتاج، والصراع على الخبرات العلمية، والغرض من الثانية الإعداد للجامعة، وقد قبل الصينيون ذلك.
وفى مصر فإن هذه الآلية لامتحانات الثانوية العامة تبدأ من إعداد الأسئلة بالمواصفات العامة لأى ورقة امتحانيه، والمواصفات الخاصة لكل مادة، حيث التركيز على الأهداف التعليمية للمادة، وتنوع مستويات الأسئلة لتقيس القدرات العقلية المختلفة، ولعل فى ذلك ما يشير إلى اعتماد آليات الامتحان فى مصر على شكل واحد من أشكال تقويم التلاميذ متمثل فى الامتحانات التحريرية، ثم إن تنفيذ هذه الآلية يمتد إلى تشكيل اللجان العامة والفرعية على مستوى الجمهورية من خلال القطاعات التعليمية ثم المديريات التعليمية بالمحافظات، ثم الإدارات التعليمية، وأخيرا المدارس.
وفى محاولة لتفسير أوجه التشابه، والاختلاف بين مصر، وفرنسا، والسويد، والصين، فانه يمكن القول إن فرنسا قد أوجدت مسارات متعددة تصل إلى ثمانية وثلاثين مسارا للثانوية العامة نظرا للتنوع فى التخصصات، مما يوجب تنوع آليات امتحان التلاميذ، ومع هذا التنوع فإنها تتسم بالاستقرار، والتحديث، وفى هذا ما يشير إلى ما وصلت إليه فرنسا من تكنولوجيا متقدمة أتاحت لها هذا التنوع فى آليات الامتحانات، فضلا عن تاريخها الطويل الذى أتاح لها هذا الاستقرار على تنفيذ آلية لامتحانات الثانوية العامة، بعد مرور فترات التجريب، والتعديل إلى أن استقرت على هذا الشكل، وكذلك بالنسبة للسويد، فالاستقرار على تنفيذ الآلية الحالية، وهى التقييم ثلاثى الحلقات جاء بعد فترات تاريخية طويلة، وبعد تجريب لها، ثم أخيرا الاستقرار على تنفيذ هذه الآلية فى كل أنحاء السويد، ولعل الذى أتاح لها تنفيذ هذه الآلية، هو إمكاناتها الاقتصادية، فضلا عن السمات الشخصية التى يتمتع بها المعلمون من ضرورة الحيادية التامة فى عمليات التقييم، وربما كان لنوع المدرسة ( الشاملة ) دخل فى تنفيذ هذه الآلية، والى حد كبير يكون الأمر فيما يتعلق بالصين، حيث إنها قامت بتعديل آليات الامتحانات بها استجابة لمطالب اجتماعية، وتعليمية ملحّة، ولهذين العاملين أثر كبير فى تنفيذ آلية الامتحانات بالصين بهذا الشكل، بالإضافة إلى توجهات الصين الفلسفية والاقتصادية.
أما فى مصر فمع التاريخ الطويل لتنفيذ امتحانات الثانوية العامة، إلا أن هذا التاريخ - إلى درجة كبيرة - لم يسفر إلا عن تقليل قيمة آليات تقييم التلاميذ، فبدلا من أن نحافظ على ما كان موجودا من آليات امتحانيه، ونطورها فى ظل ميكنة الامتحانات، ونضيف إليها بدأنا فى تقليل قيمتها، ووصل الحال إلى إلغاء الكثير منها، حيث استقرت الآلية عند تنفيذ الامتحانات التحريرية، ولعل فى ذلك ما يشير إلى أن السلطات التعليمية المركزية تؤكد على عدم حيادية المعلم فى عملية التقييم، وعدم موضوعيته، بالإضافة إلى أن الاستغناء عن بقية آليات التقييم يشير إلى عوامل اقتصادية تحول دون تنفيذ ذلك.
خامسا: أوجه التشابه والاختلاف فيما يتعلق بإدارة الامتحانات.
من خلال عرض إدارة امتحانات الشهادة الثانوية العامة فى مصر، وفرنسا، والسويد، والصين يتضح أن هناك نقاط للتشابه بين هذه الدول، ونقاط للاختلاف، فمن حيث نقاط التشابه، نجد أن مصر تتشابه مع كل من فرنسا، والسويد، والصين فى مركزية الامتحانات، ووجود هيئات متخصصة مسئولة عن الامتحانات خاصة امتحانات الثانوية العامة، كما أنها تتفق معها فى وجود شكل، أو أكثر من أشكال المشاركة، وإن اختلفت مستوياتها، حيث نجد أن إدارة الامتحانات فى فرنسا تقوم على مجموعة من الركائز يأتى فى مقدمتها، المركزية فى إدارة الامتحانات، وتعاون الهيئة الأكاديمية، واللجان الإقليمية حسب الأهداف المحلية فى إدارة الامتحانات، مع تطبيق نظام الاختيار بين المواد المعروف باسم (B.A.C.)، بينما فى السويد ترتكز على مجموعة من المبادئ، والتى تتمثل فى المركزية فى إدارة الامتحانات، واعتبار الهيئة القومية للتعليم هى الجهة الأولى المسئولة عن تنفيذ، وإجراء الامتحانات التى تدار محليا بواسطة المدرس مع الوضع فى الاعتبار أن القرارات، والإجراءات المتعلقة بإدارة الامتحانات تستمد من البرلمان، كما أن الاختبارات يتم وضعها بواسطة لجنة استشارية، على أن المسئولية عن إعداد وتنظيم هذه الاختبارات يقوم بها المجلس القومى للتعليم السويدى، وهى فى الصين تقوم على أساس المركزية الشديدة فى الامتحانات، كما أنها تتسم بالتسلسل الهرمى داخل الإدارات التى يقع على قمتها الحزب الشيوعى -الذى يعتبر هو ووزارة التعليم المسيلان عن إعداد، وتوجيه، وتنفيذ الامتحانات- وعدم المرونة فى تطبيق نظام الاختيار من بين المواد فى الامتحان، والمسئولية المشتركة بين مجموعة من الوزارات التى تهتم بالتعليم، والعمل المنتج، ولكنها فى مصر تتسم بالمركزية فى إدارتها، إعدادا، وتنفيذا، والمشاركة بين إدارة الامتحانات، والمديريات التعليمية فى عمليات المراقبة، والتصحيح، كما أنها تتسم بالمشاركة المحدودة للمعلمين فى عمليات التقدير، والمراقبة فقط.
وأما من حيث أوجه الاختلاف نجد أن مصر تختلف عن فرنسا، والسويد، والصين فى درجة المركزية، ففى فرنسا مركزية متسامحة، وفى السويد مركزية تنبع -إلى حد كبير- من أفكار الحزب الديموقراطى الشيوعى، وفى الصين تصل قمة المركزية التى يمكن أن توصف بأنها - مركزية غير متسامحة - على حين أنها فى مصر تأخذ - بدرجة كبيرة - أحد أشكال المرونة فى الإدارة، وكذلك فيما يتعلق بمشاركة المعلمين فى عمليات وضع الأسئلة، وتقدير الدرجات، ووضع معايير هذا التقدير.
وإذا حاولنا تفسير ذلك كله نجد أنه فى فرنسا تسعى الحكومة من أجل التأكيد على بقاء وحدة فرنسا، وتماسكها، واستمراريتها بين الدول، ولذلك فهى ترى فى هذه المركزية ما يحقق لها ذلك، وإن كان لا يتفق مع فلسفة المجتمع الفرنسى من الإيمان بالرأسمالية، وما تتطلبه هذه الرأسمالية من تعدد، أو تنوع، وكذلك فإن المركزية الفرنسية ترجع لعوامل دينية قديمة، فضلا عن إن المركزية فى هذه الامتحانات تعود لقيادة السلطة المركزية، بينما هى فى السويد، ترجع إلى العوامل التعليمية التى تقف وراء قيمة الاختبارات فيما يتعلق بالإنجاز الفردى للتلاميذ، والعوامل المجتمعية التى تقف وراء تحقيق العدالة الاجتماعية، وتطبيق مبدأ تكافؤ الفرص بين جميع التلاميذ، والعوامل التى تتعلق بضرورة إتاحة الفرصة للمعلمين لضرورة تنظيم الجهد فى عمليات التدريس، أما فى الصين فإن تفسير المركزية فيها، حيث الأيديولوجيا الشيوعية التى تتبنى، وتدين، وتؤمن بالمركزية خاصة أن الشيوعية الصينية غير المتسامحة هى التى تؤمن بها الصين كلها، على أن المركزية فى الصين - بعيدا عن الأيديولوجيا الشيوعية - تهدف إلى الرغبة فى تقديم فرص تعليمية أكبر لأفراد الشعب الذى يعانى من الأمية التى وصلت -إلى عهد قريب - إلى 85 %، من أفراد الشعب، ومع اتساع أراضيه رأت الحكومة فى المركزية ضمانا لتحقيق هذا الهدف، والرغبة فى اختيار أفضل العناصر لمواصلة التعليم العالى والجامعى، بما يضمن تقدم الصين، واستمراريتها فى القرن الجديد، وأما مركزية الامتحانات فى مصر فإنها يمكن تفسيرها فى ضوء طبيعة المجتمع المصرى، وثقافته التى تقوم - فى مجملها - على المركزية فى كل شئون حياته، وكثيرا ما يتم إرجاع هذه المركزية فى مصر إلى تلك العوامل التى أرساها، وأقام دعائمها الفترة التاريخية التى كانت فيها علاقة من نوع خاص بين مصر، وفرنسا فى أخريات القرن الثامن عشر الميلادى، وكذلك تلك العلاقة الخاصة التى ظلت لفترة أطول بين الشعب المصرى، والشعب الإنجليزي فى أخريات القرن التاسع عشر الميلادى، وردحا زمنيا من القرن العشرين، ولا يمكن أن نتغاضى عن ذلك النظام الذى أقامته الأسرة العلوية من لدن محمد على وحتى آخر ملوك مصر، وبعيدا عن ذلك كله فإنه ربما كانت هناك رغبة ملحة من السلطات المركزية العليا الخاصة بالتعليم، فى جعل هذا النوع من الامتحانات يقوم على المركزية الشديدة، التى تمثل نوعا معينا من المحافظة على القدر المشترك من الثقافة بين أبناء المجتمع المصرى، فضلا عن أن أهم أهداف هذه المركزية يتمثل فى المحافظة على الأمن القومى للبلاد.
وهكذا تختلف أنظمة الامتحانات فى مصدر التحكم والمراقبة التى تخضع لها لمدى سيطرة السلطة المركزية، أو سيطرة السلطات، والوكالات المحلية، وعما إذا كانت تلك الوكالات حكومية، أم لا، وحتى عندما يكون الكنترول فى الحكومة المركزية، أى وزارة التربية والتعليم، وثمة أمر آخر فيما يتعلق بإدارة الامتحانات، ومن يقوم فعليا بتوجيه الأسئلة للتلاميذ، حيث يوجد اختلاف بين الدول فى معدل موضوعات الامتحانات، والأسئلة، وتحديد المستويات، والإجراءات الخاصة بإعداد، وترتيب الامتحانات، ومن يمنح الشهادة للناجحين، وهكذا يتضح أن هناك نقاط للتشابه، وأخرى للاختلاف بين مصر وكل من فرنسا، والسويد، والصين.
سادسا: أوجه تشابه، واختلاف التناسق، والتفاوت فى امتحانات الشهادة الثانوية العامة.
قبل الحديث عن أوجه التشابه، والاختلاف بين مصر، وفرنسا، والسويد فيما يتعلق بتناسق، أو تفاوت الامتحانات فى مستوى شهادة الثانوية العامة فإن الدراسة الحالية تؤكد على أن هناك مجموعة من الأمور تكوّن فى جملتها أسباب التناسق، والتفاوت فى الامتحانات الموجهة الى نهاية مرحلة الثانوية العامة، وهذه الأمور هى:
<!--نوع المدرسة التى تعكس توجه التلاميذ نحو مهنة المستقبل.
<!--الخطة الدراسية.
<!--المنهج المدرسى.
<!--الاختيار من بين المواد.
ومن هذا المنطلق نجد أن هناك نقاط للتشابه بين مصر، وفرنسا، والسويد، والصين، فيما يتعلق بتناسق، أو تفاوت الامتحانات، كما أن هناك نقاط أخرى للاختلاف بينهم فيما يتعلق بالتناسق، والتفاوت.
فمن حيث نقاط التشابه نجد أن مصر تتشابه مع فرنسا، والسويد، والصين فى مجموعة من المحاور التى تؤدى إلى امتحانات أكثر تفاوتا، وإن كانت الصين تعمل على إيجاد امتحانات أكثر تناسقا، إلا أنها فى الفترة الأخيرة -أواخر القرن العشرين - بدأت تنحو إلى إيجاد نوع من المرونة فى إتاحة برنامج للاختيارات أمام التلاميذ، بما يزيد من فرص تفاوت الامتحانات فى الصين، مع تعدد مدارس إعداد الطلاب للجامعة، ووجود برنامج للاختيارات، ومراعاة الدمج بين النظرى، والعملى، ومراعاة مصلحة الطلاب، وبالإضافة إلى ذلك، ففى فرنسا تتسم الامتحانات بأنها امتحانات متفاوتة، وذلك نظرا لتنوع المدارس التى تعكس توجه التلاميذ نحو مهنة المستقبل، فضلا عن برنامج الاختيارات المتاحة الذى يصل إلى ثمانية وثلاثين اختيارا، إلا أنها ليست مطلقة، بل هى مقننة، فمع الاختيار تشتمل الامتحانات - عادة - على مواد أساسية إجبارية مشتركة، بالإضافة إلى أنواع المناهج الأكاديمية، والمهنية، والتقنية، مما يؤدى إلى امتحانات أكثر تفاوتا، أما السويد فإن عمليات التناسق، والتفاوت فيها تقوم على أساس من التفريق بين ما هو أكاديمى، وما هو تقنى، وبذلك يلعب المنهج المطبق فى السويد دورا فى تفاوت الامتحانات، وكذلك نوع المدرسة، حيث يوجد تنوع منخفض - إلى حد بعيد - بين المدارس الثانوية من مدرسة لأخرى، مما يحتاج لمزيد من التشاور المدرسى، كما أن برنامج الاختيارات يؤكد على ضرورة تفاوت الامتحانات فى مستوى الثانوية العامة فى السويد، إلا أن السويديين مع هذا التنوع فى المسارات يعملون على أن يكون جميع التلاميذ فى حالة متكافئة، وبالتالى فهم يتجهون الآن - أواخر القرن العشرين - نحو التناسق فى الامتحانات عن طريق إقامة نظام مدروس يوازن بين الترتيبات الخاصة بالمدرسة، وفى الصين فإن الأمر يختلف تماما، حيث إن الامتحانات تكون متناسقة ولا تفاوت فيها، إلا ما قد يوجد من عدد قليل جدا من الاختيارات التى تتاح للتلاميذ المتقدمين للامتحان، ويكاد ينعدم أثر نوع المدرسة فى توجه التلاميذ نحو مهنة المستقبل، لأن ذلك تحكمه - إلى درجة كبيرة- السياسات العامة، والتعليمية للبلاد، كما أنه بمطالعة الخطة الدراسية نجد أنه ثمة اتفاق بين الشعب على مواد دراسية معينة، ومثل هذا الأمر يتيح امتحانات أكثر تناسقا، وكذلك فيما يتعلق بالمنهج الذى يتم تدريسه لا دخل لأصحاب العمل فيه، كما يحدث فى فرنسا، أو غيرها من الدول الأكثر تقدما، وإنما الحكومة المركزية وحدها هى التى تحدد ذلك، فضلا عن التأكيد على أهمية التدريب العملى، ومزاولة العمل المنتج،بينما الأمر فى مصر يختلف، حيث نرى امتحانات أكثر تفاوتا، بسبب نوع المدرسة التى تعد التلميذ، ونوع المنهج الذى يتم تدريسه فى هذه المدارس، وبمراجعة الخطة الدراسية فى مصر، نجد أن عمليات الاختيار من بين المواد أصبحت متاحة للتلاميذ، مما يعكس امتحانات متفاوتة، إلا أنه من الملاحظ أن عمليات الاختيار ما تزال محدودة، ولا نبعد كثيرا إذا قلنا إن برنامج الاختيارات المتاحة للتلاميذ ما يزال أسير نظرة التشعيب لعلمى، وأدبى، كما أنه يجب ملاحظة أنه مع الاختيار تشتمل الامتحانات على مواد أساسية إجبارية.
وأما أوجه الاختلاف بين مصر، و فرنسا، والسويد، والصين، فإنها تتمثل فى تنوع مسارات التلاميذ فى هذه الدول، مع اهتمام المنهج المطبق فى المدارس بالعلوم الأساسية فى دول الخبرات، ومراعاة الربط، والدمج بين العملى، والنظرى، واتساع برنامج الاختيارات، بما يتيح للتلاميذ فرصا أكثر لدراسة تخصصات جديدة.
وإذا حاولنا تفسير ذلك فإن الدراسة الحالية ترى أنه فى فرنسا نظرا لتعدد المسارات التى يسلكها التلاميذ، نتيجة إتاحة عدد كبير من الشعب التى تصل إلى ثمانية وثلاثين شعبة، ونظرا لمصلحة التلاميذ، فإن الوزارة تقوم بإعداد امتحانات متفاوتة، إلا أنها لا تغفل دور أصحاب العمل الذين يشترطون فى خريج الثانوية العامة سمات معينة، كما أنهم يشترطون فى الخريج دراسة مواد معينة، وبالتالى كانت الامتحانات متفاوتة، ولا تناسق بينها، ولعل الذى يسمح لأصحاب العمل بالتدخل إلى هذا الحد هو تلك المشاركة التى يقوم بها أصحاب العمل فى تمويل التعليم، والى حد كبير يكون الحال فى السويد متشابها مع الحال فى فرنسا، حيث التعدد، والتنوع فى مسارات التلاميذ، بما يؤدى إلى امتحانات أكثر تفاوتا، وهذا يتفق مع ما تقوم به السويد من عمليات التقييم التى تختلف من مقاطعة لمقاطعة أخرى، ولكن فى الصين لا يمكن للحديث أن يتطرق إلى تفاوت الامتحانات، حيث يوجد مسار واحد لدخول التلاميذ للتعليم العالى هو الثانوية الأكاديمية، والتى تتحكم الدولة فى كل شئونها، وبالتالى ستتحكم فى الامتحانات بما يتمشى مع الأيديولوجيا الشيوعية من ضمان نقل فكرة الحزب الشيوعى إلى جميع الأبناء، وقد ارتأت الصين أن ذلك يمكن أن يتم عن طريق التحكم فى امتحانات متناسقة، وأما فى مصر، فإنه مع وجود أكثر من مسار للتعليم الثانوى متاح للتلاميذ، إلا أن الباب الرئيسى لدخول التعليم العالى هو الثانوية العامة، وبالتالى تنعدم - إلى حد بعيد - فرصة تعدد مسارات التلاميذ، وكذلك فيما يتعلق بعملية الاختيار من بين المواد، أو ما يعرف ببرنامج الاختيارات المتاحة لدى التلاميذ، ومراعاة لمصلحتهم، نجد أن عملية الاختيار ما تزال محدودة بشكل كبير لدرجة أنه يستحيل التفريق بين الاختيارات بغير العلمى، والأدبى، مما يوضح أنه مع كل عمليات التطوير، والتحديث التى تمت، وتتم فى نظام الثانوية العامة منذ إلغاء برنامج التشعيب فى أوائل التسعينيات من القرن العشرين، والعمل بنظام المواد المؤهلة، والاختيار من بين المواد، إلا أن برنامج الاختيار لم يخرج عن أحد الشكلين السابقين العلمى، والأدبى، وقضية مراعاة مصلحة الطلاب كثيرا ما تتردد فى الخطاب السياسى بشكل يغلب عليه أن امتحانات الثانوية العامة يمكن أن يجتازها أى تلميذ، فى حين أن التعليم هو مسألة أمن قومى، وهو المشروع القومى لمصر.
سابعا: أوجه التشابه، والاختلاف فيما يتعلق بزمن الامتحان، ومدته، وشكله، ووظيفته.
من خلال ما سبق من عرض يتضح هناك أوجه للتشابه بين مصر، وفرنسا، والسويد، والصين، وكذلك فإن هناك نقاط للاختلاف بين مصر، وهذه الخبرات العالمية، فيما يتعلق بزمن الامتحان، ومدته، وشكله، ووظيفته.
أولا: أوجه التشابه فيما يتعلق بزمن الامتحانات.
تتشابه مصر مع فرنسا، والسويد، والصين، فيما يتعلق بزمن الامتحان، ويتمثل ذلك فى إن مدة الامتحانات تتراوح بين خمسة عشر يوما إلى شهر، وتأتى الامتحانات فى نهاية العام الدراسى ثم تشترك مصر مع بعض هذه الخبرات فى عقد الامتحان من دورين ففى فرنسا فإن الامتحانات تجرى فى نهاية العام الدراسى، لكنه يجب التمييز كذلك بين امتحانين يعقدان فى فرنسا الأول امتحان البكالوريا ويؤهل النجاح فيه للدخول فى الامتحان الثانى وامتحان يعقد بعد النجاح فى البكالوريا ويؤهل لدخول الجامعة أو التنافس فى إحدى الكليات العليا الاختيارية Grandes Ecoles)) عن طريق التنافس فى الـ (Concours) والذى يتم بعد عامين من الإعداد المكثف، وربما اختلف الأمر إلى درجة كبيرة فى السويد، حيث إن السويد لها نظام يكاد يكون فريدا فى بعض جوانبه يتمثل فى بعدين للامتحانات هما، امتحان قومى يجرى فى وقت واحد فى نهاية العام، ونظام للتقييم يدار محليا بواسطة المدرس من خلال الواجب المنزلى، ونشاط التلميذ، وبعض الاختبارات داخل حجرة الدراسة، وبذلك يتم تقييم التلاميذ تقييما مستمرا لا يتوقف على الامتحانات النهائية التى يتم إجراؤها فى نهاية العام، وأما الصين فإن فترة الامتحانات تتراوح فيها بين أسبوعين إلى شهر، وتعقد من دورين فى كل عام دراسى، ويتقدم التلاميذ للدور الأول فى شهر مارس، ليعقد فى شهر يونية، ودور ثان يتقدم له التلاميذ فى شهر سبتمبر، ليعقد فى شهر ديسمبر، وفى مصر، حيث إن فترة الامتحانات فى مصر تتراوح ما بين ثلاثة أسابيع إلى شهر كما أنها تجرى على مرحلتين مرحلة أولى وتجرى فى نهاية الصف الثانى الثانوى مرحلة ثانية وتجرى فى نهاية الصف الثالث الثانوى ويتم تنفيذ كل مرحلة على دورين بشروط خاصة جاء بها القرار 16. لسنة 1997، وهذين الدورين هما دور أول، ويتم إجراؤه فى شهر مايو من كل عام، ودور ثان، ويتم إجراؤه فى شهر أغسطس من كل عام.
ثانيا: أوجه التشابه فيما يتعلق بشكل الامتحانات.
تتشابه مع فرنسا، والسويد، والصين فى الامتحانات التحريرية، وامتحانات الاختيار من متعدد، وندرة الامتحانات العملية، إلا ما يكون من طبيعة المادة العملية، وندرة الامتحانات الشفهية، فشكل الامتحانات فى فرنسا، متنوع بين التحريرية، والشفهية، والعملية، حيث يتم عقد امتحانات تحريرية فى أربع مواد، وامتحانات شفهية فى خمس، مواد، وامتحانات عملية تتم من خلال العمل المدرسى أثناء سنوات النقل، وشكل الامتحان فى السويد يوازن بين الامتحانات التحريرية، والشفهية، والعملية - خاصة - أن إعداد التلاميذ يتم من خلا ل المدرسة الشاملة، وعملية التقييم المستمرة - السابق الاشارة اليها - تعتمد - إلى حد بعيد - على الاختبارات بكل أشكالها، وتهتم الصين بالشكل الخارجى للامتحانات، �