تحديث المقررات الدراسية العلمية فى مناهج التعليم العام
فى ضوء العلوم التكنولوجية المعاصرة
د. تفيده سيد أحمد غانم
شعبة بحوث تطوير المناهج
المركز القومى للبحوث التربوية والتنمية
مقدمة
أن تحديث المقررات الدراسية العلمية فى مناهج التعليم العام عملية مستمرة، ومتطورة بتطور العلوم ذاتها، وهى مرآة التقدم العلمى، والتطور المعرفى والتكنولوجى الحادث فى المجتمع، وهى نتاج مجهودات العلماء فى تطوير العلوم وتحديثها، وثمرة استكشفاتهم العلمية، وما تنتجه من تطبيقات تكنولوجية تساهم فى حل المشكلات العالمية التى ترتبط بحياة الإنسان على كوكب الأرض.
وأن وقوف مقررات الدراسة العلمية فى المراحل التعليمية المختلفة فى مناهج التعليم العام فى بلادنا عند مستوى متدنى من تقديم العلوم التقليدية، والمعرفة الأساسية، والمعلومات الكلاسيكية، مع استمرار تضمين مجموعة ضيقة من المواد العلمية؛ وفقاً لتاريخ العلم، ومداخله، وأساسياته، وقواعده يؤدى إلى ابتعاد التلاميذ، والطلاب فى مدارسنا فى جميع المراحل التعليمية عن ركب الحضارة العلمية، ويؤدى إلى ضعف مستوى المنافسة العالمية مع تلاميذ، وطلاب الدول الأخرى المتطورة، والمتقدمة فى مجال العلوم والتكنولوجيا، كما يحد من فرص حصولهم على مجالات العمل فى المستقبل، والتى تنتمى إلى طائفة المجالات التقنية، والفنية ذات المستوى العالى من الجودة.
وبداية، وقبل أن نقدم رؤية تحديث المقررات الدراسية العلمية فى مناهج التعليم العام يجب أن نقدم لمحة مختصرة عن بعض المجالات العلمية الحديثة فى ضوء العلوم التكنولوجية المعاصرة. وهى تتمثل فى مجموعة من العلوم البينية التى تعتمد بالأساس على الإنتاج التكنولوجى الذى يخدم جميع مناحى الحياة الطبية، والزراعية، والصناعية، والبيئية، والإنشائية، وغيرها، وهى كما يلى:
التكنولوجيا الحيوية Biotechnology
التكنولوجيا الحيوية هى علم استخدام تطبيقات التقنية الحديثة فى معالجة الكائنات الحية، والتعامل مع الكائنات الحية على المستوى الخلوى، وتحت الخلوى من أجل تحقيق أقصى استفادة منها صناعيًا، وزراعيًا وبالتالى اقتصاديًا، وذلك عن طريق تحسين خواصها وصفاتها الوراثية. ويعرف Colin and Bjorn (2001) التكنولوجيا الحيوية على أنها هى التكامل بين علم الكيمياء الحيوية, وعلم الكائنات الدقيقة, وعلم الهندسة الوراثية لتحقيق تطبيقات تعتمد على معالجة الكائنات الحية كاملة، أوأجزاء منها باستخدام تقنيات عزل، وتبديل، ونقل الجينات الوراثية بين الأنواع المختفلة من الكائنات الحية رغبة فى زيادة قدرة عمليات الكيمياء الحيوية لهذه الأنواع فى إنتاج مواد مرغوبة لاستخدامها فى أغراض زراعية, وصناعية, وطبية, أولتحسين خصائص هذه الأنواع.
المعلوماتية الحيوية Bioinformatics
المعلوماتية الحيوية، أوعلم الأحياء الحاسوبى (computational biology)، هو: العلم الجديد الذى يجمع بشكل أساسى ما بين علم الحاسب الآلى، وعلم الأحياء. ففى المعلوماتية الحيوية؛ يتم استخدام علم الحاسب الآلى للإجابة على الأسئلة التى يطرحها علماء الأحياء، من أجل فهم طبيعة الكائنات الحية. ولا يقتصر هذا على علم الحاسب، والأحياء فقط بل يستخدم علوماً أخرى كالإحصاء، والرياضيات، واسترجاع البيانات (Information Retrieval). ويعرفSteve, 2012) ) المعلوماتية الحيوية على أنها استخدام تطبيقات الحاسب الآلى، والإنترنت فى المجالات العلمية، والعملية. والمعلوماتية الحيوية أحد هذه المجالات، ويقصد بها فهم، وتحليل البيانات البيولوجية، من خلال استخدام تطبيقات الحاسب الآلى، والإنترنت لحل المشاكل البيولوجية الحيوية، وتطوير قواعد بيانات عن هذا العلم، ويعد علم الأحياء أحد العناصر الرئيسة فى المعلوماتية الحيوية.
علوم التكنولوجيا الخضراء Green Technology
التكنولوجيا الخضراء هى علوم الحاضر، والمستقبل المتمركزة حول التنمية المستدامة، والمنوط بها حل المشكلات البيئية المتشابكة، وتصحيح الدمار البيئى الذى نتج عن الاستخدام المفرط للمواد الكيميائية، وموارد الطاقة الدائمة. وتهتم علوم التكنولوجيا الخضراء بدراسة الطاقة الخضراء، والأبنية الخضراء، والكيمياء الخضراء، ومنتجات التسويق الخضراء، والنانوتكنولوجى الخضراء. وتمتد مجالاتها لعلم الصحة الخضراء، وتكنولوجيا الاتصالات، والمعلومات الخضراء. Information) Resources Management Association, 2011) ويعرفAnderson (2008) التكنولوجيا الخضراء (Green Technology)، على أنها هى: مجال تصميم، وتسويق، واستخدام عمليات، ومنتجات فعالة، واقتصادية تساعد فى تقليل التلوث، والإضرار بصحة الإنسان، والبيئة. وتهتم بالتطوير المستمر لمجموعة من الطرق، والمواد تبدأ من تقنيات توليد الطاقة، وتنتهى إلى تقنيات تخليق منتجات نظيفة غير ملوثة. وتهدف إلى التجديد، والتغيير فى الحياة اليومية، وتعادل فى تأثيرها على المجتمع المعاصر التغير الحادث نتيجة تطور تكنولوجيا المعلومات.
علوم النانو تكنولوجى Nanotechnology
علوم النانوتكنولوجى هى علوم بينية تتخطى الحواجز بين فروع العلوم التقليدية، كما أنها مستمدة من فروع العلوم المختلفة، فهى إحدى مجالات علوم المواد، واتصالات هذه العلوم مع الفيزياء، والهندسة الميكانيكية، والهندسة الحيوية، والهندسة الكيميائية تشكل تفرعات، واختصاصات فرعية متعددة ضمن هذه العلوم، وجميعها يتعلق ببحث خواص المادة على المستوى الصغير. فهى علوم دراسة سلوك، وخصائص المواد للتحكم فيها على مستوى الذرة، والجزئ عند مستوى قياسات بين 1-100 نانومتر بهدف تخليق تركيبات، وأجهزة، ونظم صغيرة ذات خصائص، ووظائف جديدة. National Nanotechnology Initiative (NNI), 2006))
علوم الإنسان الآلى Robotics
علوم الإنسان الآلى، هى علوم تجمع ثلاثة جوانب رئيسة وهى: الميكانيكا، والالكترونيات، والبرمجة الحاسوبية. وهناك مجموعة من العلوم ترتبط بمجال الروبوتات، وهى حزمة العلوم، والتقنيات المهتمة بدراسة الروبوتات، وتصميمها، وتطويرها، وتصنيعها، وتطبيقاتها. وتطبق فيها بكثرة أنظمة الكمبيوتر المستخدمة فى التحكم، وردود الفعل الحسية، ومعالجة المعلومات. وتستخدم التقنيات المتصلة بالإنسان الآلى فى التعامل مع الآلات الأوتوماتيكية التى يمكن أن تحل محل البشر فى بيئات خطرة، أوعمليات التصنيع، أو تشبه البشر فى المظهر، والسلوك، والإدراك. والعديد من الروبوتات اليوم هى من وحى الطبيعة فى الشكل، وقد احتلت معظم المجالات التقنية، والفنية، والخدمية. (Kucuk , 2012)
علوم البرمجة الحاسوبية Computer Programming Sciences
علوم البرمجة الحاسوبية، هى عملية تطبيق، وتنفيذ مجموعة خوارزميات ذوات علاقات متصلة، وهى عملية دمج أفكار متقاربة باستخدام إحدى لغات البرمجة من أجل إنتاج برنامج حاسوبى. والبرمجة هى مزيج من العلوم، والرياضيات، والهندسة. وتعتبر البرمجة عملية كتابة تعليمات، وتوجيه أوامر لجهاز الحاسوب، أوأي جهاز آخر مثل قارئات أقراص DVD، أوأجهزة استقبال الصوت، والصورة في نظم الاتصالات الحديثة، لتوجيه هذا الجهاز، وإعلامه بكيفية التعامل مع البيانات، أوكيفية تنفيذ سلسلة من الأعمال المطلوبة تسمى خوارزمية. وتتبع عملية البرمجة قواعد خاصة باللغة التي اختارها المبرمج. وكل لغة برمجة لها خصائصها التي تميزها عن الأخرى، وتجعلها مناسبة بدرجات متفاوتة لكل نوع من أنواع البرامج، وحسب المهمة المطلوبة من هذا البرنامج. كما أن اللغات البرمجية أيضا لها خصائص مشتركة، وحدود مشتركة بحكم أن كل هذه اللغات صممت للتعامل مع الحاسوب. (Wikipedia, 2014)
رؤية معاصرة لتحديث المقررات الدراسية العلمية فى مناهج التعليم العام
تتمثل الرؤية المعاصرة لتحديث المقررات الدراسية العلمية فى مناهج التعليم العام فى بعدين أساسين:
البعد الأول: تطوير المناهج الدراسية فى ضوء الاتجاهات العالمية المعاصرة.
يشير عايش محمود، (2010) إلى ظهور حركات إصلاحية عديدة فى مجال التربية العلمية، ومناهج العلوم، ومن أهم هذه الاتجاهات العالمية المعاصرة مشروع 2061، واتجاه العلم للجميع، واتجاه نشر الثقافة العلمية، واتجاه المعايير القومية للتعليم، واتجاه العلم، والمجتمع، والتكنولوجيا، والبيئة. كما برزت رؤى الإصلاح المعاصرة فى جودة التعليم، وتعليم العلوم من أجل الفهم، والبنائية، والثقافة العلمية، والاستقصاء العلمى، والتصميم التكنولوجى، وحل المشكلات، والتفكير الناقد، والإبداع، والقدرة على إتخاذ القرارت من منظور شخصى، ومجتمعى، والتكيف مع التغير فى العلم، وتطبيقاته، وزيادة ثقة المجتمع فى قيمة المعرفة، والأفكار التى تقود البحوث، والمختبرات، والمصانع.
البعد الثانى: بناء وتصميم المناهج فى ضوء مدخل (STEM) (العلوم – التكنولوجيا – التصميم الهندسى - الرياضيات)
يوضح Stephanie (2008) مدخل (STEM) من أهم الاتجاهات، والمداخل العالمية فى تصميم المناهج الآن بعد أن أثبت فعاليته على مدار ثلاثة عقود من تطبيقه فى الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، وكوريا الجنوبية، وجنوب إفريقيا، وبعض الدول الأخرى. ويتكامل فى بناء هذا المدخل فروع العلوم، والرياضيات، مع التكنولوجيا. ويعتمد على التعلم من خلال تطبيق الأنشطة العملية التطبيقية، وأنشطة التكنولوجيا الرقمية والكمبيوترية، وأنشطة متمركزة حول الخبرة عن طريق الاكتشاف، والتحرى، وأنشطة الخبرة اليدوية، وأنشطة التفكير العلمى، والمنطقى، وإتخاذ القرار. ويعتمد تصميم مناهج (STEM) على التمركز حول الخبرة المفاهيمية المتكاملة، والتمركز حول حل المشكلات، والتحرى، والتطبيق المكثف للأنشطة العملية، والتمركز حول الخبرة المحددة والموجهة عن طريق الذات، والبحث التجريبى المعملى في ثنائيات، وفرق، والتقويم الواقعى متعدد الأبعاد، والمستند على الأداء، والتركيز على قدرات التفكير العلمى، والإبداعى، والناقد.
ويتمثل منهج (STEM) في المواد الدراسية التالية:
-
العلوم: تتضمن المعارف، والمهارات، وطرق التفكير العلمى، والإبداعى، وإتخاذ القرار.
-
التكنولوجيا: تتضمن التطبيقات العلمية، والهندسية، وعلوم الكمبيوتر.
-
التصميم الهندسى: تتضمن عنصرين يحققا التعلم المتمركز حول التصميم الهندسى وهما: تقديم قاعدة أساسية من الثقافة التكنولوجية في مرحلة المدرسة الثانوية، وإعداد الطلاب لدراسة التصميم الهندسى فيما بعد مرحلة المدرسة الثانوية.
-
الرياضيات: تتضمن تدريس قاعدة عريضة من أساسيات الرياضيات، وحل المشكلات الرياضية.
وفى الختام نود الإشارة إلى ضرورة العمل الجاد من أجل تطوير المناهج، وتحديث المقررات الدراسية فى مراحل التعليم العام، وتضمين العلوم التكنولوجية المعاصرة؛ لتخطى أزمة التعليم الحالية، ونشر الثقافة العلمية على أوسع نطاق، ودمج التكنولوجيا المتطورة فى التعليم والحياة العامة، وتحسين مخرجات العملية التعليمية، وتربية أجيال حديثة قادرة على تطوير المجتمع، وحل مشكلاته بطريقة علمية مستنيرة.
المراجع
1- عايش محمود زيتون، (2010): الاتجاهات العالمية المعاصرة فى مناهج العلوم وتدريسها، دار الشروق للنشر والتوزيع، ط1، القاهرة.
-
Anderson, R.C. (2008). MID-Course Correction: Towards a Sustainable Enterprise: The Interface Model, Chelsea Green Publishing Company, White River Junction.
-
Colin R., & Bjorn K. (2001). Basic Biotechnology - Second Edition. Cambridge University Press.
-
Information Resources Management Association (IRMA) (2011). Green Technologies: Concepts, Methodologies, Tools and Applications, V1. USA.
-
Kucuk S. (2012). Serial and Parallel Robot Manipulators - Kinematics, Dynamics, Control and Optimization.
-
National Nanotechnology Initiative (NNI), (2006) retrieved December 6, 2014 from http://www.nano.gov/
-
Stephanie P.M. (2008). Blessed unrest: The power of unreasonable people to change the world. NCSSSMST Journal. National Consortium for Specialized Secondary Schools of Mathematics. Science and Technology. NCSSSMST Professional Conference, 13 (2), Spring, March, 2008, 8-14.
-
Steve S. (2012): what is Bioinformatics?, Rensselaer Polytechnic Institute (RPI), NY, USA.
-
Wikipedia, (2014). retrieved December 6, 2014 from http://ar.wikipedia.org/wiki.
ساحة النقاش