دكتور/ أحمد المزين

دكتوراة الفلسفة في العلوم الزراعية

الثروة السمكية‏..‏ البديل الآمن

نظريا‏..‏ من المفترض أن تكون مصر من الدول المصدرة للأسماك‏,‏ فالشواطئ تحيط بالبلاد من الشرق والشمال بطول نحو ألف كيلو متر‏,‏ يضاف اليها نهر النيل وبحيرة ناصر والبحيرات الشمالية أيضا‏,‏ وعمليا‏.‏ تنافس أسعار الأسماك في غلائها غيرالمبرر أسعار اللحوم

 

وهنا تبدو المفارقة للمواطن الذي يندهش من وصول كيلو البلطي إلي أكثر من‏15‏ جنيها والبوري إلي‏25‏ جنيها والقاروص إلي‏75‏ جنيها‏..‏ فهل العيب في المياه المصرية المالحة والعذبة‏..‏ أم في مافيا خفية لا تريد أن تحل

الأسماك محل اللحوم‏,‏ وتسعي إلي ضرب هذه الصناعة في مقتل لضمان تدفق الأرباح؟


ومن داخل إحدي حلقات الأسماك قال الحاج عبدالرحيم‏(‏ تاجر أسماك‏)‏ إن الحكومة دائما ما تلقي باللوم علي الآخرين فالمشاريع القومية للإنتاج مهمة الحكومة وارتفاع اسعار مواد الطاقة يرفع بدوره أجرة النقل والتخزين وغيرهما‏,‏ ولكن الحكومة تتجاهل كل ذلك‏,‏ وتتحدث عن جشع التجار‏.‏


ويقول المحاسب حمدي علي‏(‏ صاحب محل أسماك‏)‏ ان المشكلة تتحملها الحكومة والتجار فالتخطيط لزيادة الثروة السمكية غير موجود والرقابة علي الأسواق معدومة أما بخصوص التجار فيسود الاحتكار والجبروت وقوانين الغاب تحكم علامة المعلم بالسريحة في غياب تام لرقابة الحكومة والنتيجة ارتفاع اسعار الأسماك وحرمان المواطنين من تناولها‏.‏


ويؤكد الحاج عبده عثمان ـ نائب رئيس شعبة الأسماك بالغرفة التجارية ـ أن أسعار الأسماك مستقرة وأن نسبة الزيادة خلال فترة ثلاثين عاما ماضية لا تتعدي الضعف علي عكس اسعار اللحوم التي تضاعفت أربع مرات وزيادة سعر السمك نتيجة لقلة الانتاج وعدم انتظام مواعيد الصيد ومخالفة الصيادين لاشتراطات عمليات الصيد باستخدام الشباك الصغيرة وهو تقضي علي الزريعة قبل اكتمال نموها‏,‏ اضافة الي استخدام الصعق

 

 

الكهربائي‏,‏ ويطالب بتشديد الرقابة علي الصيادين ومعاقبة المخالفين‏.‏
ويقول الدكتور محمد فتحي عثمان رئيس الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية ان هناك معاهدات دولية يجب ان تراعي فدول حوض البحر الأبيض قررت خفض انتاجها من صيد الأسماك بنسبة‏10%‏ للحفاظ علي الثروة السمكية كما يتم منع الصيد في مواسم التفريخ وهذا يؤدي إلي ذهاب بعض الصيادين إلي سواحل دول أخري‏.‏
ويضيف أن مصر تنتج من الأسماك مليونا و‏56‏ ألف طن سنويا وهو ما يمثل‏85%‏ من الاستهلاك المحلي أما استيراد بعض الأسماك فهو ضروري لبعض الصناعات مثل الرنجة والتونة‏.‏
منحة وخبرات ويقول إن مصر تستفيد من خبرات الدول المتقدمة مثل ايطاليا التي قدمت لمصر منحة قدرها‏53‏ مليون جنيه تنفق علي الاستزراع البحري للأسماك بمواصفات علمية وتكنولوجية متقدمة وتشمل انشاء مفرخ بحري للأسماك وطلمبات لتجديد المياه وأقفاص سمكية ومراكز تدريب وسوف يدير المشروع فريق من الخبراء الايطاليين بشرط وجود باحثين مع كل خبير لاكتساب الخبرة ويستمر المشروع ثلاث سنوات ثم يطرح للقطاع الخاص المصري للتنفيذ‏.‏ كما أن هناك مساعي لاصلاح حال المزارع السمكية وتأمينها بيئيا حيث بلغت مساحتها‏273‏ ألف فدان علي مستوي الجمهورية لانتاج البلطي والبوري والمبروك مع تخصيص‏7.5‏ مليون مقدمة من البنك الدولي كمنحة لنظافة البحيرات للحفاظ علي التوازن البيئي وإزالة التعديات مثل البوص والهيش علما بأن مصر تصدر خبراتها للدول الاقل خبرة مثل سلطنة عمان ودول الاتحاد الافريقي فنحن نحتل المركز الحادي عشر علي مستوي العالم في الاستزراع السمكي‏.‏

 


أرقام لها معني

مقارنة بأسعار بقية السلع الغذائية وخاصة اللحوم والدواجن‏.‏


ويقول الدكتور خالد الحسني رئيس الادارة المركزية للانتاج بالهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية إن مصر حتي الآن في وضع آمن بالنسبة للثروة السمكية وان أسعار الاسماك معقولة بالنسبة لدخول الافراد وانتاجية الدولة علي قدر امكاناتها فمنذ عام‏1980‏ حتي الان زاد سعر السمك البلطي من ستة جنيهات إلي اثني عشر جنيها وهي زيادة طبيعية

 

 

 

ويقول أحمد عبدالمنعم وكيل الوزارة للانتاج والتشغيل بالهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية إن هناك معوقات تحول دون اجراء عملية التنمية السمكية أهمها القانون‏124‏ الذي يمنع استخدام المياه العذبة في الاستزراع السمكي والسماح باستخدام مياه الصرف الزراعي ولكن الناتج السمكي من مياه الصرف الزراعي لايمكن تصديره أما المياه العذبة فتستخدم مرتين الاولي بزراعة الاسماك بها والثانية عند ري الزراعات وهو أمر يقلل من استخدام الاسمدة الزراعية لان المياه المستخدمة في زراعة الاسماك تكون محملة بالمواد العضوية المفيدة لري النباتات وهو مايسمي‏(‏ استزراعا تكامليا‏)‏ ويمكن تنفيذ الفكرة مع كل فلاح بعد إقامة حوض فوق رأس الارض الزراعية حسب مساحتها ليكون الحوض وسيطا لعملية الري بعد زراعة الاسماك به‏.‏
توفير الزريعة
ويضيف أن الهيئة ستوفر الزريعة لكل صاحب حوض وأن هذه العملية مطبقة في أغلب الدول حتي التي بها ندرة مياه وفي مصر توجد مزارع رائدة علي طريقي مصر‏/‏ اسكندرية ومصر‏/‏ الاسماعيلية‏.‏
ويري أن عدم التنسيق بين الجهات المعنية أهم وأخطر المشكلات فعلي سبيل المثال رفضت وزارة الري استخدام نهر النيل للاستزراع السمكي خوفا من التلوث وكان واجبا عليها التفاوض مع الهيئة للوصول إلي حل يحقق المصلحة العليا للدولة‏.‏ فهناك ممارسات خاطئة لبعض اصحاب المزارع وخاصة في دمياط وتم التصدي لها بحزم والغاء الاقفاص السمكية الخاصة بهم من أجل الحفاظ علي البيئة وخاصة نهر النيل‏.‏ أما اذا كانت المشكلة في حق استغلال النهر وهو تابع لوزارة الري فلا مانع من دفع رسوم لتحقيق المنفعة العامة علما بأن هناك انواعا كثيرة من الاسماك تعيش علي الغذاء الطبيعي الموجود في النيل فتعمل علي فلترة المياه‏.‏
تحديات الاستزراع البحري
ويقول عبد المنعم إن الحال بالنسبة للاستزراع البحري اسوأ من الاستزراع في المياه العذبة فبعض شركات البترول لهانصيب كبير في تلويث مياه البحر وأحد أسباب موت الاسماك وهناك مشكلة السياحة بطول شواطئ البحر الاحمر حيث يضم قري سياحية ومنتجعات تتعارض مع اقامة مزارع سمكية ـ من وجهة نظرهم ـ علما بأنه يمكن إقامة
مزارع بديكورات خاصة تجذب السياح ونظرا لعدم وجود هذا الفكر التكاملي فإن مكانة الثروة السمكية تتضاءل أمام سطوة البترول والسياحة
ويحمل الروتين والإجراءات البيروقراطية الخاصة بإنهاء تراخيص الشركات الحديثة في مجال الاستثمار السمكي مسئولية تراجع الإنتاج السمكي نظرا لضرورة حصول هذه الشركات علي موافقات من عدة جهات‏(‏ حماية الشواطئ ـ وزارة الري ووزارة السياحة وغيرها‏)‏ والتي تؤدي إلي هروب المستثمرين لدول أخري لديها المرونة في التعامل مع هؤلاء والاستفادة من اموالهم‏.‏ وهناك ايضا مشكلة مدة عقد تأجير المزارع بين المستثمر والحكومة فهي لا تزيد علي خمس سنوات علما بأن دورة الانتاج السمكي لا تقل عن ثلاث سنوات ويجب ان تتراوح مدة العقد بين‏15‏ و‏25‏ عاما
مسألة أمن قومي
ويؤكد عبد المنعم ضرورة أن تقوم الحكومة بإنشاء مشروع قومي للثروة السمكية

 

وخاصة أننا نمتلك المقومات المؤهلة لذلك ولكن ما يحدث هو العكس تماما حيث تفضل الحكومة انتاج البترول واعمال السياحة دون غيرهما‏.‏ إضافة إلي تدخل المحليات كما حدث في كفر الشيخ لإغلاق النشاط السمكي بالمحافظة وأتخذ المحافظ موقفا عدائيا غير مبرر من الثروة السمكية والقائمين عليها‏.‏ ويقول حسام حسن الامين العام للمعهد القومي لعلوم البحار والمصايد إن المعهد حلقة في سلسلة فهو متخصص في البحوث وامراض الاسماك ويضم العديد من الشعب لخدمة عملية تنمية الثروة السمكية حيث قام بعمل مسح لشواطئ البحرين الابيض والاحمر لرسم خريطة توضح اماكن تجمعات الاسماك والمصائد فقامت سفينة سلسبيل في مارس‏2004‏ بالبحر الاحمر وكذلك سفينة اليرموك بالبحر الابيض المتوسط وهما سفينتان عملاقتان وبهما كل التقنيات الحديثة بأداء المهمة وهما معونة من الجايكا اليابانية
‏81‏ شركة أسماك
ويقول أسامة صالح رئيس الهيئة العامة للاستثمار إن في مصر‏81‏ شركة تعمل في مجال الاستزراع السمكي بتدفق رأس مال مصدر قدره مائة مليون و‏760‏ الف جنيه مقسمة بين المصريين والعرب والاجانب‏.‏
أما بخصوص دور الهيئة فهو توجيهي يأتي بعد الرأي الفني المتخصص حيث تتعاون الهيئة مع كل المحافظات حسب حاجتها‏,‏ أما عملية تأسيس الشركات فلم تتجاوز‏72‏ ساعة مادامت الاوراق والشروط مستوفاة


ويفسر الارتفاع في الاسعار بجشع التجار حيث إن سعر البلطي في المزارع لايتعدي ستة جنيهات كما أن هناك تقسيما للموسم حيث يبدأ في ابريل وينتهي في ديسمبر ويقل الانتاج خلال الشتاء فترتفع الاسعار وبالرغم من ذلك فمصر تحافظ علي نصيب الفرد‏16.6‏ كجم سنويا علما بأن نصيب الفرد عالميا‏18‏ كجم سنويا‏.‏


ويضيف أن للهيئة دورا في عملية التنمية حيث تقوم بعملية الاستزراع السمكي منذ عشرين عاما حيث تم التوسع في انتاج سلالات سريعة النمو وعالية الجودة فالاسماك من المأكولات التي يمكن التوسع في تربيتها أفقيا ورأسيا ففي عام‏2000‏ كانت مصر تستورد‏193‏ ألف طن وتصدر‏700‏ طن فقط أما الآن فإنتاج مصر من الاسماك تخطي المليون طن سنويا‏.‏


ويوضح أن الاسماك ليست مجرد مأكولات بل تدخل في كثير من الصناعات كالجلود وإنتاج الصابون والجلسرين والسمن والمطاط واحبار الطباعة والطلاء وادوات التجميل والمبيدات والتصوير والورق أما من الناحية العلاجية فقد توصل فريق من الباحثين المصريين إلي امكانية استخلاص بودرة من سمك المبروك تستخدم كمضادات حيوية لعلاج حالات صحية حرجة‏.‏


ويضيف أن أسماك الزيبرا الصغيرة تستخدم في صناعة أدوية مضادة لداء المفاصل والروماتيزم والسرطان حيث تتشابه هذه السمكة مع تركيب جسم الانسان بنسبة‏90%.‏
إزالة اثار التلوث
ويطالب الحسني بالمحافظة علي مسطحاتنا المائية والتي تزيد علي حجم الاراضي الزراعية بمقدار النصف مع توفير اساليب جديدة لتفعيل التصدير للخارج وإزالة آثار التلوث الزراعي والمائي والاهتمام بالاستزراع المسكي البحري مع تطوير صناعة التبريد وهي جزء مهم واساسي في عملية الصيد والبيع وكذلك البحث عن مصايد جديدة للمياه العذبة مع انشاء كلية للثروة السمكية وكذلك بورصة للاسماك بحيث يتوافر الانتاج بأسعار منخفضة مع ايجاد فائض للتصدير‏.

المصدر: الاهرام المسائى
DrMezayn

د ./ احمد عبد المنعم المزين دكتوراة الفلسفة في العلوم الزراعية

ساحة النقاش

habibiyafish

مقال أكثر من رائع

د . احمد عبد المنعم المزين

DrMezayn
دكتوراة الفلسفة في العلوم الزراعية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

709,149