دكتور/ مجدى عباس

دكتوراة رعاية الأسماك والمزارع السمكية

الإستزراع السمكى من أجل إستخدام أفضل للأراضى والمياة

 

د/ مجدى عباس صالح

الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية؛ 4 شارع الطيران - مدينة نصر؛ القاهرة.

مقدمة:

يعتبر العديد من الناس نشاط الإستزراع السمكى واحدا من الأنشطة المرتبطة بإستهلاك كميات كبيرة من المياة.  وقد يبدو هذا صحيحا، بل قد كان كذلك حتى نهاية العقد أو العقدين الماضيين.  ويعود ذلك بالأساس إلى الإرتباط التقليدى المنتشر فى مفهوم أغلب الناس بين تربية الأسماك ونظام الإستزراع فى الأحواض الأرضية الشاسعة. 

 ولقد أدى قصر النشاط على هذا النظام لعشرات السنوات ووجودة كنموذج وحيد منتشر إلى رسوخ مثل هذا الإعتقاد.  وقد صاحب هذا النموذج أيضا حتمية تطبيقه فى أراض ذات خواص تسمح بحفظ المياة وتمنع تسربها.  وبالتالى فقد ظلت الأراضى الطينية الثقيلة فى حواف المستنقعات والأراضى الغير صالحة للزراعة نتيجة لسوء عمليات الصرف هى النوعيات الأكثر إستغلالا. 

وكنتيجة لطبيعة الإنتاج من هذا النموذج، كانت إقتصاديات الوحدات  تشترط إستغلال مساحات تقدر بعشرات، بل وفى كثير من الأحيان، مئات الأفدنة.  وقد أدى الإعتماد على هذا النظام إلى محدودية فرص التوسع فى الإستزراع السمكى فى مصر، بل لقد واجه النشاط فى السنوات الأخيرة تقلصا ملحوظا.   وقد أدت عمليات الإستصلاح الزراعى للإراضى الطينية المالحة وحظر إستخدام مياة الرى للإستزراع السمكى والتوسع فى إعادة إستخدام مياة الصرف للزراعة إلى خروج العديد من مواقع تربية الأسماك من النشاط. 

وقد تواكب كل هذا مع الزيادة المستمرة فى تعداد السكان والرغبة فى رفع نصيب الفرد من الأسماك.  ومع الأخذ فى الإعتبار بأن الموارد الطبيعية قد تم إستهلاكها، فإن إعادة التوسع فى نشاط الإستزراع السمكى يصبح من الأمور الحتمية.  وإعتبر البعض أن التوجه نحو الإستزراع البحرى قد يوجد الحل المنشود لهذه المعضلة.

  إلا أن هذا الحل تواجهه العديد من المعضلات ولعل أهمها تلك المتعلقة بجدوى النشاط إقتصاديا ومدى كفاية وملائمة مقومات البنية الأساسية الموجودة.   وعلى الرغم من أن الإستزراع المكثف قد يحل مشكلة الإحتياج إلى مساحات الأراض، إلا أنة فى نفس الوقت يعتمد على توفر كميات ضخمة من المياة عالية الجودة.   ونظرا لطبيعة الموارد المتاحة وتوقعات المستقبل القريب، فأن المياة تعتبر العامل المحدد الرئيسى للتوسعات فى الإنتاج النباتى والحيوانى. 

 وبالطبع ففى مثل هذه الحالة فإن مجرد مناقشة إستخدام مياة صالحة للزراعة النباتية بغرض الإستزراع السمكى بإستخدام التقنيات التقليدية قد يعتبر من قبيل السفه.  وقد أثمرت عمليات التطوير فى تقنيات الإستزراع السمكى، خاصة فى النصف الثانى من الثمانينيات وبداية التسعينيات، عن نماذج يمكن إستغلالها لتقديم حلول ثورية لمشاكل تنمية هذا القطاع فى مصر والبيئات المشابهة.  وتشكل إستخدامات تقنيات معالجة المياة الأساس الذى قد يتم الإعتماد عليه لإستمرار بل وتوسع نشاط الإستزراع السمكى فى مصر. 

 

الإستزراع السمكى والإحتياجات المقارنة للمياة:

تؤدى المياة فى صناعة تربية الأسماك عدة وظائف أهمها توفير الإحتياجات الفيزيائية والأيونية للحياة ثم  المساهمة فى توفير الإحتياج الأوكسوجينى وإذالة المخلفات الأيضية سواء الذائبة أو العالقة أو الراسبة.  وتختلف الإحتياجات الكمية للأوكسوجين والتركيب الكيماوى للمخلفات تبعا لنوعية وحجم الأسماك وطبيعة تغذيها، لذلك فإن كميات ونوعية المياة المطلوبة لكل كيلوجرام من الأسماك تتفاوت طبقا للعمر والنوع .(Piper;et.al.,1986,  Stickney;1993 & Sanni; et.al., 1994)   وتستغل المياة فى النظم التقليدية للتربية المكثفة  (Flow-Through systems)لمرة واحدة تمر خلالها فى وحدات المنظومة لتؤدى الوظائف المطلوبة ثم يتم بعد ذلك التخلص منها.  وبالطبع فإن هذا النوع من الإستزراع يستهلك كميات هائلة من المياة والطاقة المستخدمة فى نقلها.  وقد قدر Alabaster and Lloyed, 1981 , Boyed, 1984 and Stickney; 1993 هذة الكمية لأسماك المياة الدافئة بمقدار 2592-4680 متر مكعب من المياة لكل طن أسماك منتجة مع إستخدام التهوية الصناعية.  أما فى نظم النربية فى الأحواض الترابية فيبلغ إستهلاك المياة المطلوب لإنتاج طن أسماك 10500 م3 فى النظم شبه الموسعة الشائعة فى مصر وينخفض إلى 4200 م3 فى الوحدات شبه المكثفة (بيانات مزارع الهيئة- عدة مصادر).

الإستزراع بتقنية معالجة وإعادة إستخدام المياة:

طورت تقنيات معالجة المياة أساسا لمعالجة مخلفات الصرف الصحى.  ومع تطور التقنية وإرتفاع قدرة الوحدات إقتصاديا وفنيا لفتت نظر العديد من المعاهد الأوروبية العاملة فى مجال تطوير الإستزراع السمكى.  وقد كان الغرض الرئيسى لإستخدام هذة التقنية توفير طاقة التدفئة فى المزارع المكثفة للحنشان أكثر منه بغرض توفير المياة.  وقد أدى التوسع فى تربية البلطى كأحد أفضل أسماك الإستزراع المكثف فى عدة بلدان أوروبية إلى التوسع فى تطبيق هذه التقنية.  وقد أعيد إكتشاف هذه التقنية كوسيلة ممتازة للخفض من إحتياجات الإستزراع السمكى للمياة بعد تزايد الطلب على إنتاج الأسماك فى بعض الدول والمناطق الصحراوية. 

وتتيح هذه التقنية التخلص من الأمونيا الناتجة عن تمثيل البروتين والتى تعتبر أحد أكثر نواتج الأيض سمية للأسماك.  ويتم ذلك عن طريق عمليات الأكسدة البكتيرية المتراكبة للأمونيا داخل المفاعلات الحيوية لتنتهى بتكون النترات الغير سامة للأسماك إلا فى تركيزات عالية.  أما المخلفات العالقة والراسبة فيتم فصلها أيضا سواء بالترسيب أو الترشيح أو الطرد المركزى.  وقد شهدت نهاية الثمانينات والسنوات الأولى من التسعينات تطورات كبيرة ومتلاحقة فى وحدات المعالجة المختلفة أدت إلى إرتفاع كفائة وإقتصاديات نظم الإستزراع التى تطبق هذه التقنية مع التمتع بميزة إمكانية التطبيق فى أى نوع من الأراضى أو المناخ. 

وعلى الرغم من إمكانية رفع كفائة المعالجة إلى الدرجة التى تسمح نظريا بإستخدام نفس المياة دون إضافة إلا لتعويض الفاقد نتيجة البخر، إلا أن التشغيل الإقتصادى للوحدات يحقق إعادة إستخدام بنسبة 90-95%.  وتستخدم كميات مياة التجديد والتى تبلغ 5 - 10% من حجم المياه الثابتة للمساعدة فى صرف المخلفات الصلبة وخفض تراكم النترات.  ولقد أدى إستخدام هذه التقنية فى الإستزراع المكثف للبلطى إلى خفض كميات المياة المطلوبة لإنتاج طن أسماك إلى 200-400 م3 أو أقل (جدول 1).  وعلى عكس نظم الإستزراع المكثف الأخرى التى أدت تطبيقاتها إلى مشاكل بيئية متنوعة فإن نظام معالجة وإعادة إستخدام المياة قدم صمم خصيصا لتحاشى مثل هذه المشاكل.

جدول 1 : كميات المياة المستهلكة ومساحة الأرض المستغله لإنتاج طن أسماك من الأنظمة المختلفة.

نوع النظام

إستهلاك المياة/طن

نوع الأسماك

مساحة الأرض/طن

المصدر

شبه الموسع

10500 م3

تربية مختلطة

076 فدان

الهيئة، 95-1996

شبة المكثف

4180 م3

مختلط،7أصناف

023 فدان

Dalsgaard,1995

شبه المكثف

5645 م3

مختلط،4أصناف

0289 فدان

الهيئة،1991

مكثف

4623 م3

بلطى

00119 فدان

Kingfisher*

مكثف بالمعالجة

493 م3

بلطى

00026 فدان

Saleh,1995

مكثف بالمعالجة

387 م3

بلطى

00053 فدان

Saleh,et.al.1995

مكثف بالمعالجة

180-230م3  

بلطى

-

عدة مصادر*

إستخدام تقنيات معالجة المياة فى ألإستزراع السمكى النباتى المتراكب:

أتاح الإنتشار المتزايد لإستخدام تقنيات معالجة المياة للإستزراع السمكى والرغبة فى تحسين إقتصادياتها التعرف على مزايا إضافية لتلك النظم.  ولعل أهم تلك المزايا بالإضافة إلى محدودية إستهلاك المياة والتحكم فى بيئة الإستزراع بإتاحة المحاكاه الصناعية لأفضل بيئات النمو،حقيقة أن مياة الصرف الناتجة بعد المعالجة تحتوى على كميات كبيرة من المركبات الفسفورية والنيتروجينية التسميدية الصالحة لإنتاج الخضر Honda,1995, Saleh; 1995 and Koren (Personal communication).

ولقد قامت العديد من الدول بعدة بحوث حول إمكانية الإستفادة من تقنيات الإستزراع السمكى بنظم معالجة المياة كجزء من منظومة إستصلاح الأراضى الصحراوية.  ولعل أقدم تلك الدراسات وتطبيقها تلك التى إنتشرت فى منطقة النقب ووادى عربة بفلسطين.  فقد بدأت تلك البحوث فى منتصف 1984 وبتمويل قدره 35 مليون دولار من الوكالة اليهودية بغرض إتاحة فرص إستيطان جديدة إعتمادا على الإستخدام الأمثل لمصادر المياة المحدودة(Koren; personal communication ) .  وقد سارت عدة دول أخرى فى خطوط موازية لإستخدام التقنية ولعل التجربة الصينية تعتبر أحد أفضل النماذج التطبيقية.

أين نحن من كل هذا الذى يحدث؟:

على الرغم من البداية المبكرة نسبيا لنشاط الإستزراع السمكى فى مصر، إلا أن هذا النشاط ظل يراوح فى مكانه ولفترات طويلة.  ويرجع هذا بالدرجة الأولى إلى سيطرة الفكر الراديكالى المحافظ على أنشطة الإنتاج.  ومن ناحية أخرى كانت التوجهات البحثية بعيدة عن الإهتمام بالمعالجات التطبيقية لمشاكل الإنتاج التجارى.  

 ولا يرجع هذا لقصور التمويل بقدر ما يرجع إلى ترتيب الأولويات.  فقد إستهدفت أغلب البحوث ولفترات طويلة منح الدرجات العلمية مع القصور الواضح فى أسلوب نقل المعلومة والإتصال العلمى. 

 وعلى أى حال فقد إنعكست التطورات العالمية على القطاع كنتيجة لعمليات التدريب ونقل الخبرة أو الأحتكاك المباشر بسوق العمل العالمى.  وقد كانت أول تجارب مصر فى التعامل مع تقنية افستزراع المكثف بتقنية معالجة المياة تلك التى تم تنفيذها بمعرفة شركة أكواريوس النرويجية 1988 فى منطقة التل الكبير. 

 ودون الدخول فى نقاش حول تقييم هذه التجربة والعوامل التى ساهمت فى نجاحها أو إفشالها، فقد أتاحت التعرف الحقيقى على تفاصيل هذه التقنية وأتاحت توسعة دائرة المعرفة المحلية بالنظام. 

 وقد أتاح التعرف على تفاصيل هذه التقنية للكوادر المحلية توسعة دائرة الخبرة حيث أدارت هذه الكوادلر فى السنوات التالية مشروعات مماثلة وأكثر تطورا فى المنطقة العربية (مدير مزرعة كينج فيشر الفوق مكثفة للشركة السعودية لمصائد الأسماك، مدير مزرعة أكواريوس بنظام معالجة المياه بالدمام، مدير المشروعات بالشركة العربية لمصايد الأسماك بجدة لوضع تصميم وحدات الإستزراع بنظام المعالجة، مشرف الرعاية المرضية بمزرعة أكواريوس بالمنطقة الشرقية السعودية...). 

  وقد أدى التوسع فى الخبرة المحلية فى مجال مزارع الأسماك بإسلوب المعالجة إلى الدخول فى تطورات التقنية. 

تجربة نموزج قرنفلة (عسفان- المنطقة الغربية، السعودية):

تقع هذة المزرعة فى منطقة صحراوية شديدة الجفاف قرب مكة (شكل 1) وتعتمد فى تشغيلها على المياة الجوفية الدافئة المستخرجة من آبار عميقة.  وقد أتاحت طبيعة المناخ وإرتفاع درجة حرارة المياة الجوفية قيامنا بتصميم نموزج يعتمد على إستخدام الأحواض الترابية المبطنة وقنوات الترسيب كوحدات للمعالجة الميكانيكية والبيولوجية.  

 وينتج هذا النوزج حوالى 112 طن بلطى نيلى سنويا فى دورات متراكبة على مدار العام خلال السنوات الأربع الماضية.  وبالإضافة إلى الأسماك يتم إستخلاص حوالى 40 طن سنويا من المخلفات العضوية الصلبة وحوالى45-55 ألف متر مكعب من المياة المخصبة. 

 وقد شكلت هذة المياة مشكلة فنية عند بدء الئشغيل حيث أدى تراكمها إلى عدة مشاكل صحية وبيئية.  وقد أتاح توفر مساحة الأراضى والتمويل البدء فى إستغلال تلك المياة للإستزراع النباتى فى الصحراء.  وقد تمت الإستفادة من دراسة التطبيقات السابقة فى منطقة النقب ووادى عربة لتحديد نوعية المحاصيل وتقنية الزراعة. 

 وعلى عكس الحال لما يتم فى فلسطين حيث يتم الإعتماد على البوليميرات للعزل، فقد أعتبرت المخلفات الصلبة العضوية للأسماك عنصر رئيسى فى تقليل نفازية التربة الرملية ورفع خصوبتها.  وقد تم زراعة عشرة هكتارات من الأراضى الصحراوية بالمزرعة بالليمون محملا علية زرعات متتالية للطماطم والبطيخ.   والآن وحتى كتابة هذه الورقة تم إنتاج حوالى 134 طن من الطماطم وعدة عشرات من أطنان البطيخ الصيفى.  وعلى الرغم من عدم إكتمال النتائج بعد إلا أنه من الواضح أننا بصدد تحقيق نجاح ملحوظ إن شاء اللة.  ومن المتوقع أن تصبح النتائج التفصيلية متاحة للنشر خلال الشهور القليلة التالية.

تجربة الهيئة فى موقع شندورة (السويس):

أدى النجاح الذى حققه مشروع قرنفلة بالسعودية إلى تولد قناعة بأهمية تنفيذ هذه التقنية المحلية على أرض مصرية.  وقد أتاحت هيئة تنمية الثروة السمكية التمويل المطلوب لوحدة تجريبية تحت الإنشاء حاليا.  وتختلف التقنية المطبقة هنا بإعتمادها على المفاعلات الحيوية المنضغطة والمعالجة داخل الأحواض الأمر الذى تحتمه الظروف المناخية، كما أن عملية الزراعة النباتية تتم تحت أنفاق على مساطب مغلفة بالعوازل.  والنموزج سيكون متاح للزيارة خلال عدة شهور من الآن حيث يبدء الإنتاج السكى هذا الموسم.   

مراجع ومصادر

 Alabaster,J.S. and Lloyd, R. (1982) Water quality criteria for fresh water fish. FAO, Butterworth,London., pp22-30.

Boyed, C.E. (1984), Water management for fish culture. Development in aquaculture and fisheries science, Volume 9, Elsevier.,USA.

Dalsgaard,J.P. (1995), Applying systems ecology to the analysis of integrated agriculture-aquaculture.,NAGA, The ICLARM quarterly, Vol. 18, Number 2.

Honda,H., (1995), Recirculation fish culture systems, Farming Japan, vol. 23.

Koren,A., Ein Yahav, Araba valley, The Department for rural Development, Negev, Israel.

Piper,R.G; Mcelwin,L.B. and Orme,L.E.,(1986) Fish hatchery management, United States Fish and Wildlife Service, ISBN.

Saleh,M.A., (1995), The Quronfulah fish farming system, an example of how sophisticated technology can be applied simply, Aquaculture news, Number 20, ISSN. UK.

Saleh, M.A., Eisa, I.A., Shalaby,A.S., and Badran, A.F. (1995), susceptibility of sex reversed tilapia to diseases, Suez Canal university.

Sanni,O.I., Forsberg &A.Bergheim (1993), A dynamic model for fish metabolite production and water quality in landbased fish farms, Fish farming technology, ISBN

المصدر: إصدار مؤتمر اتحاد البيولوجين العرب، مايو 1996.
DrMagdyAbass

دكتور/ مجدى عباس دكتوراة رعاية الأسماك والمزارع السمكية

ساحة النقاش

دكتور/ مجدى عباس

DrMagdyAbass
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

43,541