الامتيازات الأجنبية – أ. د. السيد محمد الدقن

    الامتيازات الأجنبية هي تسهيلات وضمانات منحتها الدولة العثمانية للأجانب المقيمين في أراضيها ومنها مصر؛ تشجيعا لهم على الإقامة والتجارة واستغلال أموالهم في النواحي الاقتصادية، ومن هذه التسهيلات والضمانات محافظة الدولة العثمانية على أموال الأجانب وأرواحهم، وكذلك منحهم حق الرجوع في شئونهم التجارية والشخصية والمدنية إلى قناصلهم ، مع احتفاظ الدولة العثمانية بحقها في تطبيق القوانين الجنائية وكذا المدنية والتجارية إذا كان في الخصومة صالح أهلي، مع الفصل في هذه المنازعات طبقا للقوانين الأهلية دون حاجة إلى حضور قنصل أو مندوبه أثناء المحاكمة، وذلك عدا الجرائم أو المنازعات التي تقع بينهم وبين أي أجنبي آخر.
     وقد اتخذت تلك الامتيازات صورة معاهدات عقدتها الدولة العثمانية مع فرنسا أولا سنة 1526 ثم مع بقية الدول الأوربية، كما أنه لم يكن للأجانب حق امتلاك العقارات في بلاد السلطنة العثمانية، ثم خولتهم الحكومة التركية هذا الحق بمقتضى القانون الصادر في يونيه 1876، وذلك نظير قبول الدول الأوربية خضوع رعاياها للوائح الضرائب العقارية والقوانين المالية التي تضعها الحكومة العثمانية من غير حاجة إلى موافقة هذه الدول، وخضوعهم أيضا للمحاكم التركية في المنازعات العقارية سواء أكانوا فيها مدعين أو مدعى عليهم.
    على أن هذه الامتيازات لم تلبث ان تطورت واستفحل خطرها عندما دب الضعف في الدولة العثمانية؛ إذ استغل الأوربيون هذه الفرصة لتفسير الامتيازات وفق هواهم والخروج بها عن الحدود المقررة لهم، فانقلبت الامتيازات بذلك سلاحا استغلوه لصالحهم على حساب مصلحة الأهالي، وسياجا يحمي أغراضهم ويخفي مطامعهم ويمكن لهم فرصة توطيد نفوذهم في البلاد، حتى فال عنها اللورد "منلر" أنها قيدت سيادة السلطان العثماني في داخل ممتلكاته بشكل لا نظير له.