موقع العبد الفقير إلى الله تعالى المؤرخ أ.د/السيد محمد الدقن رحمه الله

غفر الله ورحم د/السيد محمد الدقن وزوجته وأدخلهما فسيح جناته

تطور الحياة النيابية المصرية
في النصف الثاني من القرن التاسع عشر
أ.د.السيد محمد الدقن

  بقى الحكم في عهدي عباس وسعيد حكما مطلقا يتولاه ولي الأمر؛ إذ كان يجمع في يده السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية فهو المرجع الوحيد في كل الأمور وأهمل مجلس الشوري الذي أسسه محمد علي وانعقد على عهده حينا، وكان نواة لنظام شورى فلم يظهر له أثر في عهدي عباس وسعيد.

  أما المجلس الخصوصي الذي انشأه محمد علي فقد أعيد تأليفه في عهد عباس الأول، فكان بمثابة مجلس النظار، وتولى السلطة التشريعية وشاركه فيها مجلس الأحكام-الذي أنشئ منذ عهد محمد علي- وكان يتألف من تسعة أعضاء من الكبراء ومن عالمين أحدهما شافعي والآخر حنفي، وقد أنشئ مجلس مرتين في عهد سعيد، وأعيد تشكيله في المرة الأخيرة برئاسة شريف باشا سنة 1861، واستمر حتى عهد اسماعيل.

   حين تولى اسماعيل الحكم سنة 1863 لم يكن بمصر هيئة نيابية تمثل الشعب منذ إبطال مجلس الشورى الذي أنشأه محمد علي ثم ألغاه نتيجة لطبيعته الاستبدادية، ثم انقضى عهدي عباس وسعيد دون مجلس الشورى أو مجلس يشبهه، فلما تولى اسماعيل فكر في إنشاء مجلس شورى على نظام جديد يطلق عليه " مجلس شورى النواب "، ولم يكن اسماعيل يرمي بذلك إلى تطبيق الحكم الدستوري في مصر، فقد كان من أخص صفاته ميله إلى الانفراد بالحكم، وإنما أراد أن يجعل منه هيئة استشارية تزيد من رونق الحكم وبهائه.
 

  وقد أنشئ مجلس شورى النواب سنة 1866 ، وكان مجلسا استشاريا لا يزيد عن 75 عضوا ينتخبون لمدة ثلاث سنوات بواسطة عمد البلاد ومشايخها، ويجتمع شهرين كل سنة وجلساته سرية وليس له رأي نافذ فيما يعرض عليه من الشئون، وعلى ذلك فلم يكن لهذا المجلس بهذه الصورة أي تأثير عملي في سياسة الحكومة، ولو جعل اسماعيل لهذا المجلس سلطات قطعية في شئون الحكم ولا سيما في مسألة الضرائب والقروض، لكان حقا بعثا لروح النهضة ولأمكن أن تنال مصر على يديه مزايا عظيمة، خصوصا أن تصرفات الحكومة المالية وقتئذ كانت في شد الحاجة إلى رقابة فعلية تتولاها هيئة نيابية، ولو وجدت هذه الرقابة لأمكن إنقاذ البلاد من هذه القروض الجسيمة التي أفضت إلى التدخل الأجنبي في شئون مصر.

  وقد ولد مجلس شورى النواب ضعيفا في تأثيره في مجريات الحوادث ، محدودا في موافقه وخططه وأعماله ونفوذه الشكلي، وذلك لعدة عوامل أهمها: تأسيسه من غير أن تسبقه حركة مطالبة من الأمة؛ مما جعله يأخذ شكل المنحة من الحاكم، ومن ثم فلا يجرؤ على معارضته، ومنها أنه حصر حق الانتخاب في العمد والمشايخ حتى صار جديرا بأن يسمى "مجلس الأعيان"، وبذلك كان تمثيل طبقة الصناع والتجار ضعيفا، كما جعله خاليا من تمثيل طبقة المتعلمين ، وبذلك حرم المجلس من تلك العناصر المثقفة التي تبث في الهيئات النيابية الحرية والاستقلال، هذا بالإضافة إلى أن البلاد كانت خالية من الصحافة التي تنبه الأفكار وترشد النواب إلى واجباتهم وتبصرهم بحقائق الأمور، فلا غرو إذا رأينا هذا المجلس ضعيفا في تأثيره في أدوار انعقاده في الفترة من 1866- حين أنشئ إلى 1876 حين دخلت الحياة النيابية في مصر عصرا جديدا، يمتاز بظهور النهضة والمعارضة التي أفضت إلى اشتعال الحركة الوطنية وازدهارها.
    

DRDEQENSAYED

ربي اغفر وارحم عبدك السيد محمد الدقن وزوجته - نسألكم الفاتحة والدعاء وجزاكم الله خيرا ولكم بمثل ما دعوتم

  • Currently 5/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
1 تصويتات / 571 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

149,622

ابحث

موقع العبد الفقير إلى الله تعالى المؤرخ أ.د/السيد محمد الدقن رحمه الله

DRDEQENSAYED
يهدف هذا الموقع إلى نشر أجزاء من علم العبد الفقير إلى الله سبحانه وتعالى المؤرخ المصري الدكتور السيد محمد الدقن غفر الله له ورحمه، أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر، وكذلك نشر كل ما قد يكون في ميزان حسناته وحسنات زوجته رحمهما الله، نسألكم الدعاء والفاتحة للفقيد والفقيدة ولكم بمثل ما دعوتم »