موقع العبد الفقير إلى الله تعالى المؤرخ أ.د/السيد محمد الدقن رحمه الله

غفر الله ورحم د/السيد محمد الدقن وزوجته وأدخلهما فسيح جناته


اختصاص مصر بكسوة الكعبة المشرفة أ.د/السيد محمد الدقن 
ظل العباسيون يهتمون بأمر كسوة الكعبة المشرفة حتى ضعف أمرهم فصارت الكسوة ترسل تارة من ملوك مصر وأخرى من ملوك اليمن بحسب قوتهم وضعفهم، وكان أول من كسا الكعبة من الملوك بعد سقوط دولة بني العباس سنة (656 هـ) هو الملك المظفر يوسف ملك اليمن، وكان ذلك سنة (659 هـ)، واستمر المظفر يكسوها عدة سنين مع ملوك مصر، وقد انفرد المظفر بكسوة الكعبة في بعض السنين حيث كان صاحب النفوذ الأقوى في الغالب، وكان أول من كساها من ملوك مصر بعد زوال الدولة العباسية السلطان الظاهر بيبرس البندقداري، وكانت أول كسوة له سنة (661 هـ)، فكسا الكعبة، وسير قافلة الحج من البر عبر طريق سيناء بدلًا من صحراء عيذاب، ولما حج سنة (667 هـ) غسل الكعبة بيده بماء الورد، وقد شوهد بباب الكعبة محرمًا يأخذ بأيدي ضعفاء الرعية ليصعدوا، وعمل الستور الديباج للكعبة و للحجرة النبوية الشريفة ، وقد خطب في ذلك الموسم (كرة المجد إسماعيل الواسطي) والسلطان حاضر، فقال في الخطبة: «أيها السلطان، إنك لن تُدعى يوم القيامة بأيها السلطان، ولكن تدعى باسمك، وكل منهم يومئذ يُسأل عن نفسه إلا أنت، فإنك تُسأل عن رعاياك، فاجعل كبيرهم أبًا وأوسطهم أخًا وصغيرهم ولدًا، فاستعذب وعظه وأجزل عطاءه».
 

  وقد استمرت الكسوة ترد إلى الكعبة أحيانًا من مصر وأخرى من اليمن إلى عهد الملك الصالح إسماعيل ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون (743 – 746 هـ).
 

  وقد وصف لنا الرحالة ابن بطوطة الكسوة التي أرسلها السلطان الناصر محمد بن قلاوون من مصر إلى الكعبة المعظمة سنة (726 هـ) موضحًا موعد وضعها على الكعبة وإسدالها عليها، كما ألقى الضوء على الكتابات الموجودة على طرازها،‏ كما أشار إلى المرتبات والأشياء الأخرى التي كانت تُرسل كل عام مع الكسوة، يقول ابن بطوطة: «وفي يوم النحر بعثت كسوة الكعبة الشريفة من الركب المصري إلى البيت الكريم، فوضعت في سطحه، فلما كان اليوم الثالث بعد يوم النحر أخذ (الشيبيون) في إسبالها على الكعبة الشريفة. ‎وهي كسوة سوداء حالكة من الحرير مبطنة بالكتان، وفي أعلاها طراز مكتوب فيه بالبياض:
{ جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما }... الآية  (المائدة: 97)
 وفي سائر جهاتها طرز مكتوب بالبياض فيها آيات من القرآن، وعليها نور لائح مشرق من سوادها، ولما كُسيت شمرت أذيالها صونًا من أيدي الناس، والملك الناصر هو الذي يتولى كسوة الكعبة الكريمة، و يبعث مرتبات القاضي والخطيب والأئمة والمؤذنين والفراشين والقومة، وما يحتاج إليه الحرم الشريف من الشمع والزيت في كل سنة».
 

  كما وصف القاضي ابن فضل الله العمري المتوفى سنة (749 هـ) ورود الكسوة إلى الكعبة -إبان العصر المملوكي-‏ من مصر ومن اليمن، كما أشار إلى تقسيم الكسوة القديمة بين أشراف مكة و بني شيبة وتصرفهم فيها بالبيع، كما وصف كيفية وضع الكسوة على الكعبة في عصره، وهي لا تختلف عن طريقة وضعها في العصر الحديث اللهم إلا في استخدام بعض الآلات المتطورة الآن. ‎‏

  يقول ابن فضل الله العمري: «وهي (أي الكعبة) الآن تُكسى في العام مرة واحدة في وقت الموسم، وتحمل إليها الكسوة من الخزانة السلطانية بمصر صحبة الركب، فيتولى ذلك أمراء الركب ويحضرون بأنفسهم فتُكسى، ويأخذ الأشراف وبنو شيبة الكسوة العتيقة، ويقتسمونها ويأخذون في كل قطعة منها أوفر الأعراض، وتحمل إلى سائر البلاد للبركة ... وعهدي بصاحب اليمن يبعث إليها بكسوة فتلبس تحت الكسوة المصرية، وهما سوداوان من الحرير الأسود بكتابة بيضاء فيها آيات جاءت في القرآن في ذكر الكعبة».
 

  ثم يقول: «ولما حججت في سنة (738 هـ) صعدنا أنا و أمراء الركب المصري لتلبيس الكعبة الشريفة، حتى كنا على سطحها فرأيته مبلطًا بالمرمر والرخام الأبيض، ومن جوانبه جدر قصار فيها حلق لمرابط الستور، تجر فيها الكسوة بحبال ثم تربط في تلك الحلق، وأنا أحمد الله إذ بيدي توليت خلع الكسوة العتيقة عنها وتلبيسها الكسوة الجديدة».
 

  أما في عهد الملك الصالح إسماعيل بن الملك الناصر محمد بن قلاوون (743 – 746 هـ) فقد كسيت الكعبة المشرفة من الوقف الذي وقفه هذا الملك على كسوة الكعبة في كل سنة، وعلى كسوة الحجرة النبوية الشريفة والمنبر النبوي في كل خمس سنين، وهذا الوقف عبارة عن قرية في طرف محافظة القليوبية مما يلي القاهرة تُسمى بيسوس (باسوس الآن) اشتراها الملك الصالح إسماعيل من بيت المال، ووقفها على ما ذكرنا، غير أن الإمام قطب الدين الحنفي يذكر أن هذا الوقف لم يكن قرية واحدة؛ بل كان قريتين هما بيسوس و سندبيس، ويضيف صاحب مرآة الحرمين قرية ثالثة إلى هاتين القريتين وهي قرية أبو الغيط ، وهذا ما يتفق مع ما ورد في وقفية السلطان سليمان المشرع الذي أضاف إلى هذه القرى الثلاث سبع أخرى كما سيأتي.
 

  وقد استمر سلاطين مصر في العصر المملوكي ‏-منذ الوقف الذي وقفه الملك الصالح إسماعيل- يرسلون كسوة الكعبة المشرفة كل عام.
 

   وكان آخر تلك الكسى الكسوة التي أرسلها السلطان الأشرف طومان باي ومعها الصدقات لأهل مكة والمدينة على يد الطواشي (مرهف) في شوال سنة (922 هـ) ذلك أن السلطان قانصوه الغوري كان قد قتل في مرج دابق في 25 رجب 922 هـ، ولم يحج أحد من المصريين في ذلك العام بسبب الحرب التي اشتعلت بين (قانصوه الغوري) و(سليم الأول العثماني).

المصدر: [1] الفاسي: شفاء الغرام ج1،. العقد الثمين ج1. [2] ابن الوردي (زين الدين عمر بن الوردي) تتمة المختصر في أخبار البشر، المعروف بتاريخ ابن الوردي، إشراف وتحقيق أحمد رفعت البدراوي، دار المعرفة، بيروت، لبنان ط1 1389هـ= 1970م، ج2. [3] انظر: ابن بطوطة، تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، بولاق 1937م: ج1، ص131. يوسف أحمد: المحمل والحج ج1. [4] انظر ابن إياس (محمد بن أحمد) بدائع الزهور في وقائع الدهور، تحقيق محمد مصطفى، ط2، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1402هـ= 1982م، الجزء الأول، القسم الأول . الفاسي: شفاء الغام، ج1، ابن ظهيرة: الجامع اللطيف. [5] إبراهيم رفعت: مرآة الحرمين ج1.
DRDEQENSAYED

ربي اغفر وارحم عبدك السيد محمد الدقن وزوجته - نسألكم الفاتحة والدعاء وجزاكم الله خيرا ولكم بمثل ما دعوتم

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

149,633

ابحث

موقع العبد الفقير إلى الله تعالى المؤرخ أ.د/السيد محمد الدقن رحمه الله

DRDEQENSAYED
يهدف هذا الموقع إلى نشر أجزاء من علم العبد الفقير إلى الله سبحانه وتعالى المؤرخ المصري الدكتور السيد محمد الدقن غفر الله له ورحمه، أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر، وكذلك نشر كل ما قد يكون في ميزان حسناته وحسنات زوجته رحمهما الله، نسألكم الدعاء والفاتحة للفقيد والفقيدة ولكم بمثل ما دعوتم »