موقع العبد الفقير إلى الله تعالى المؤرخ أ.د/السيد محمد الدقن رحمه الله

غفر الله ورحم د/السيد محمد الدقن وزوجته وأدخلهما فسيح جناته

authentication required

تبع الحميري.. ملك اليمن أول من كسا الكعبة المعظمة كسوة كاملة  

  منال الوراقي

   على مر التاريخ، اُعتبرت كسوة الكعبة من أهم مظاهر الاهتمام والتشريف والتبجيل لبيت الله الحرام، التي برع فيها أكبر فناني العالم الإسلامي، حتى أصبح تاريخها جزء من تاريخ الكعبة المشرفة نفسها.

    وكسوة الكعبة، وهي قطعة من الحرير الأسود المنقوش عليه آيات من القرآن الكريم بماء الذهب، تكسى بها الكعبة المشرفة، ويتم تغييرها مرة في السنة خلال موسم الحج، وتحديدا صبيحة يوم عرفة في التاسع من ذي الحجة.

   وهذا العام، أعادت مجلة الأزهر الشريف الإسلامية الشهرية، الصادرة عن مجمع البحوث الإسلامية، نشر كتاب المؤرخ الكبير السيد محمد الدقن، "كسوة الكعبة المعظمة عبر التاريخ"، الصادر في مايو عام 1985، والذي رصد من خلاله تاريخ تصنيع وزركشة ونقش كسوة الكعبة المشرفة منذ بناؤها.

فمن هو أول من صنع كسوة الكعبة في التاريخ؟

    يقول الدقن في كتابه أنه لما بنى سيدنا إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل عليهما السلام الكعبة المشرفة، بناها بالحجارة بعضها فوق بعض من غير طين ولا جص، ولم يجعل لها سقفا ولا بابا يفتح ويغلق، بل جعل في جهتها الشرقية مكانا مفتوحا علامة على الباب، على أنه وجه الكعبة، وكذلك لم يجعل عليها كسوة، ذلك لأنه لم يؤمر بذلك من ناحية، ولعدم توفر القماش أو الجلد أو الخصف بالكمية المطلوبة في ذلك الزمن من جهة أخرى؛ لأنه لم يكن في مكة شيء سوى قبيلة من جرهم.

وقد تعددت الروايات حول أول من كسا الكعبة قبل الإسلام؛ فهناك رواية تقول: إنه إسماعيل بن إبراهيم -عليهما السلام- وأخرى تقول: إنه عدنان الجد الأعلى لنبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه، وثالثة تقول: إنه تبع أبو كرب أسعد، ملك حمير.

وعلى الرغم من أن جميع المؤرخين يرجحون -بل وأحيانا يؤكدون- أن تبع ملك حمير هو أول من كسا الكعبة المشرفة في الجاهلية، مستندين لحديث النبي عن أبي هريرة، أنه (صلى الله عليه وسلم) نهى عن سبّ أسعد الحميري، وهو -تبع-، وقال: "هو أول من كسا الكعبة". إلا أن الأزرقى ومحب الدين الطبري وتقي الدين الفاسي يذكرون بعد ذكرهم للحديث السابق قول محمد بن إسحاق: "بلغني عن غير واحد من أهل العلم أن أول من كسا الكعبة كسوة كاملة تبع، وهو أسعد" ولم ينفوا الروايتين الأخريين.

ويقول الدقن: "لا يخفى على القارئ أنه في التقييد بكسوة كاملة، ما يجوز أن الكعبة قد كسيت قبل تبع كسوة غير كاملة؛ وعلى ذلك فإنه يمكن الجمع بين الروايات الثلاث بأن إسماعيل -عليه السلام- هو أول من كساها مطلقا، وأن عدنان هو أول من كساها بعد إسماعيل، وكانت كسوتهما غير كاملة، أما تبع فهو أول من كساها كسوة كاملة".

قصة ملك حمير وكسوة الكعبة
وفي كسوة تبع للكعبة المشرفة يذكر ابن هشام، في سيرته أن تبعا وقومه كانوا أصحاب أوثان يعبدونها، فتوجه إلى مكة حتى إذا كان بين عسفان وأمج (بلدتان مجاورتان لمكة) أتاه نفر من قبيلة هذيل فقالوا له: أيها الملك ألا ندلك على بيت مال دائر، أغفلته الملوك قبلك وفيه اللؤلؤ والزبرجد والياقوت والذهب والفضة؟ قال: بلى، قالوا: بيت بمكة يعبده أهله ويصلون عنده، وإنما عنده ما أراد الهذليون هلاكه بذلك لما عرفوا من هلاك من أراده من الملوك وبغى عنده، فلما أجمع تبع لما قالوا أرسل إلى حبرين كانا في صحبته فسألهما عن ذلك، فقالا له: ما أراد القوم إلا هلاكك وهلاك جندك، ما نعلم بيتا الله اتخذه في الأرض لنفسه غيره، ولئن فعلت ما دعوك إليه لتهلكن أنت ومن معك جميعا؛ فقال: فماذا تأمرونني أن أصنع إذا أنا قدمت عليه؟ قالا: تصنع أهله؛ تطوف به وتعظمه وتكرمه، وتحلق رأسك يصنع عنده؛ وتذلل له حتى تخرج من عنده.

    قال: فما يمنعكما أنتما من ذلك؟ قالا: أما والله إنه لبيت أبينا إبراهيم، وإنه لكما أخبرناك؛ ولكن أهله حالوا بيننا وبينه بالأوثان التي نصبوها حوله، وبالدماء التي يهرقون عنده؛ وهم نجس أهل شرك؛ فعرف تبع نصحهما وصدق حديثهما، فقرب النفر من هذيل فقطع أيديهم وأرجلهم؛ ثم مضى حتى قدم مكة، فطاف بالبيت، ونحر عنده وحلق رأسه، وأقام بمكة ستة أيام ينحر بها الذبائح، ويطعم أهلها ويسقيهم العسل، ورأى تبع في المنام أنه يكسو البيت؛ فكساه الخصف، ثم رأى في منامه أنه يكسوه أحسن من ذلك فكساء المعافير؛ ثم رأى في منامه أنه يكسوه أحسن من ذلك فكساء الملاء والوصائل.

   وقد ذكر ابن هشام في نهاية روايته قوله: "وكان تبع فيما يزعمون أول من كسا البيت". وفي قول ابن هشام: "فيما يزعمون" ما يؤيد جواز كسوة الكعبة قبل تبع.

   والجدير بالذكر أن تبعا هو أول من جعل للكعبة بابا يغلق ومفتاحًا، وقد أنشد تبع شعرا يفتخر فيه بذلك وبكسوته الكعبة فيقول: "ورد الملك تبع وبنوه .. ورثوهم جدودهم والجدودا .. إذ جبينا جيـادنـا مـن ظـفـار .. ثـم سـرنا بها مسيرا بعيدا .. فاستبحنا بالخيل ملك قباذ .. وابن أقلود جاءنا مصفودا .. وكـسـونـا البيت الذي حرم الله .. ملاء معضـدا وبـرودا .. وأقـمـنـا بـه مـن الـشـهـر عـشـرا .. وجعلنا لـبـابـه إقـلـيـدا .. ثم طفنا بالبيت سبعا وسبعا .. وسجدنا عند المقام سجودا .. ونـحـرنـا بالـشـعـب سـتـة ألـف .. فترى الناس نحوهن ورودا .. وخرجنا منه نؤم سهيلا. . قد رفعنا لواءنـا مـعـقـودا".

    ويتضح من هذه الأبيات أن تبعا قد أقام بمكة عشرة أشهر لا ستة أيام كما ذكر ابن هشام في سيرته، وأنه قد نحر من الذبائح ستة آلاف رأس خلال تلك المدة التي أقامها في مكة المكرمة، وكان ذلك نحو سنة 220 قبل الهجرة النبوية الشريفة، وقد ظل تبع يكسون الكعبة المشرفة بالجلد والقباطي (قماش مصري) زمنا طويلًا.

المصدر: صحيفة الشروق المصرية في 7 يوليه 2022 https://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=07072022&id=73509e84-2763-4b2a-b476-f8f986ae3d30
DRDEQENSAYED

ربي اغفر وارحم عبدك السيد محمد الدقن وزوجته - نسألكم الفاتحة والدعاء وجزاكم الله خيرا ولكم بمثل ما دعوتم

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

149,627

ابحث

موقع العبد الفقير إلى الله تعالى المؤرخ أ.د/السيد محمد الدقن رحمه الله

DRDEQENSAYED
يهدف هذا الموقع إلى نشر أجزاء من علم العبد الفقير إلى الله سبحانه وتعالى المؤرخ المصري الدكتور السيد محمد الدقن غفر الله له ورحمه، أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر، وكذلك نشر كل ما قد يكون في ميزان حسناته وحسنات زوجته رحمهما الله، نسألكم الدعاء والفاتحة للفقيد والفقيدة ولكم بمثل ما دعوتم »