موقع العبد الفقير إلى الله تعالى المؤرخ أ.د/السيد محمد الدقن رحمه الله

غفر الله ورحم د/السيد محمد الدقن وزوجته وأدخلهما فسيح جناته


مصر تتخصص في صناعة الكسوة الشريفة عبر التاريخ

     أ.د/السيد محمد الدقن
   

    يتضح لنا من مراجعة التاريخ أن مصر قد حظيت بشرف صنع كسوة الكعبة المعظمة منذ العصر الجاهلي، وقبل أن تتشرف بإشراقة نور الإسلام على أرضها بزمن طويل، وما ذلك إلا لشهرتها بصنع الثياب الجيدة التي كانت تعرف بالقباطي، فقد رأينا خلفاء تبع الحميري يكسونها الجلد وأحياناالقباطي، ولما اشرقت الأرض بنور ربها وجاء الإسلام كساها النبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام القباطي والحبرات اليمانية، ثم كساها أبو بكر الصديق و عمر بن الخطاب رضي الله عنهما القباطي، وفي عهد عمر فتحت مصر، فأصبحت كسوة الكعبة ترد بصفة رسمية حيث يقوم عامل مصر بصنعها وإرسالها إلى الكعبة بأمر الخليفة، وظل ذلك في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وإن كان قد جمع إلى القباطي المصرية البرود اليمانية، ثم أصبح خلفاء بني أمية وبني العباس يأمرون بصنع الكسوة الشريفة في مصر، وإرسالها إلى الكعبة كل عام، باستثناء بعض السنوات التي كانت الكسوة تأتي فيها من خارج مصر، وحينما تعددت الكسوة على الكعبة في العام الواحد، كنا نجد أن أحدها تكون من القباطي، وحينما ضعف أمر العباسيين كانت الكسوة ترسل إلى الكعبة أحيانا من اليمن وأحيانا من مصر، وأحيانا ثالثة من بلاد العجم كالهند وفارس.

  

    وقد ظل الأمر كذلك إلى أن اختصت مصر بصنع الكسوة وإرسالها سنويا إلى الكعبة المعظمة في العصر المملوكي، حينما وقف  الملك الصالح اسماعيل بن الملك الناصر محمد بن قلاوون(حكم مصر من سنة 734 – 746 هجريا) ثلاث قرى مصرية وهي باسوس و سندبيس و أبو الغيط- اشتراها الملك المذكور من بيت المال ووقف ريعها على صنع كسوة الكعبة المشرفة سنويا، وعلى كسوة الحجرة النبوية الشريفة والمنبر النبوي كل خمس سنين.
 

   وقد ظلت مصر ترسل الكسوة سنويا من ريع هذا الوقف حتى كان العصر العثماني، فوقف السلطان سليمان المشرع في سنة 947 هجريا سبع قرى أخرى في مصر، اشتراها وضمها إلى الثلاثة قرى السابقة، فأصبح وقف الكسوة عشر قرى في مصر ينفق ريعها على صنع كسوة الكعبى المشرفة الخارجية سنويا، وعلى الكسوة الداخلية وكسوة الحجرة النبوية الشريفة والمنبر النبوي وغيرها من الكسى كل خمسة عشر عاما مرة، وعندما اختصت الدولة العثمانية نفسها بإرسال الكسوة الداخلية وكسوة الحجرة النبوية الشريفة كلما يعتلي سلطان جديد عرش الدولة.
 

  واختصت مصر بالكسوة الخارجية كل عام.وكانت مصر تقوم بصنع قماش الكسوتين الداخلية والخارجية وكسوة الحجرة النبوية الشريفة، وظل الأمر كذلك حتى سنة 1118 هجريا حينما أمر السلطان أحمد الثالث بأن تحاك الكسوة الداخلية التي يرسلها السلطان عام توليته العرش في استانبول، فكانت تصنع فيها ثم ترسل إلى مصر لتخرج منها مع الكسوة الخارجية.
  

   وظل الأمر كذلك، مصر تقوم بإرسال الكسوة الخارجية كل عام، إلى أن توقف إرسال الكسوة من مصر بعد حادث 1381 هجريا؛ حيث ردت الكسوة إلى مصر نتيجة الحلاف السياسي بين مصر والسعودية، وذلك باستثناء بعض السنوات التي توقفت فيها مصر عن إرسال الكسوة لظروف سياسية مثل الغزو الفرنسي لمصر وأيضا السنوات التي حدث فيها خلاف سياسي بين مصر والسلطات الحاكمة في الحجاز.  

المصدر: دكتور السيد محمد الدقن، كسوة الكعبة المعظمة عبر التاريخ(القاهرة: مطبعة الجبلاوي، 1986)
DRDEQENSAYED

ربي اغفر وارحم عبدك السيد محمد الدقن وزوجته - نسألكم الفاتحة والدعاء وجزاكم الله خيرا ولكم بمثل ما دعوتم

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

149,622

ابحث

موقع العبد الفقير إلى الله تعالى المؤرخ أ.د/السيد محمد الدقن رحمه الله

DRDEQENSAYED
يهدف هذا الموقع إلى نشر أجزاء من علم العبد الفقير إلى الله سبحانه وتعالى المؤرخ المصري الدكتور السيد محمد الدقن غفر الله له ورحمه، أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر، وكذلك نشر كل ما قد يكون في ميزان حسناته وحسنات زوجته رحمهما الله، نسألكم الدعاء والفاتحة للفقيد والفقيدة ولكم بمثل ما دعوتم »