رثاء شجرة
بقلم: هبة سامي أبو صهيون
******************************************
يا شجرةً شمّاء
كنتِ تُسرّي الناظرين
كخيمة خضراء
بيانع الزهر تتزينين
كأم حنون تحتضني العابرين
في لهيب الحر كم ظللتِ الطالبين
هرعوا إليك يرتجو منك التحصين
عن وابل المطر كنتِ لهم كالعرين
في الزوابع و العواصف سور متين
تحت ظلك استراحة المساكين
نسماتك العليلة عيادة المرهقين
فيك تشدو العصافير أعذب الألحان
تتمايل لها بطرب الفل و الأقحوان
يا تاج الشموخ و الفرح للبستان
على غصنك أرجوحتي
أمامها لا تكبر طفولتي
فيها استودعت أحلى الذكريات
ضحكات الطفولة المنسيات
لا زلت أسمع صداها مع النسمات
على جذعك نقشت أحلامي
تزاحمت مع كثير من الأمنيات
ربما نقشها قبلي طفل بشغب
أو يافع مقبل للحياة بصخب
أو كهل شارد بهمومه أضناه التعب
أو عاشق يملأه شوق و حنين
هي بالنهاية جمعت كل تلك الميادين
ثم غادرت بصمت دونما استئذان
في ليلة أسقمها كابوس لعين
في ليلة سمعنا لسقوطك فيها أنين
و من نومنا صحونا فزعين
و لحالك تلك أضحينا فجعين
و غدا الشجر حولك كله حزين
نثر على أنقاضك الياسمين
حل عليهم خريف العمر
قبل أن يحين
جاد بأوراقه دموعا
فرشت كل البساتين
و إذا الطيور أبت التغريد
فقد كنتِ في حِجرِكِ تخبئيها
لا بدّ أن ثِقَلَ الحياة أتعبك
ِو ما عدتِ معه تحتملين
يا ناظرين
أفلا تعجبون لحالها!
كيف صارت عشاً للديدان تأكلها
هشة كالرماد نسمة هواء تُزيلها
يا ناظرين عجباً
كيف يصبح هذا يوماً حالنا!
و يا ملحدين أسفاً
أفلا تفكّرون قدرة الخالق
وتتعظون!
فمن التراب و إليه
نحن عائدون
مهما طالت الأيام
و تعددت السنون