شعر: عبدالناصر الجوهرى
...................
وسمعتُ فى الأسواق نعىَ قصيدةٍ أُخرى لنا
فوقفتُ أعصر دهشتى
بين المعابرْ
تحتلُّنى نفس المراثى،
غربتى
والقلبُ مُنْفطرٌ ،
وحائرْ
وألملمُ الأنباء من فوق أرصفة القصيد
كهُدهدٍ ناحت جناحاه اللواتى ضقن
بالأفق المحاصرْ
ضاق المدى
فى وجه مبتئسٍ لشاعرْ
وتركتُ حُلْمى ينبرى خلفى
تؤازرنى تفاعيلى الحبيبةُ،
والقوافى،
والمشاعرْ
قالوا:
بأن حداثةً بغيابها ،
وحضورها بالزيفِ تختصم البداوةَ ،
والأصالة،
والبيادرْ
تغتال كل قريجةٍ نسجتْ خيوطَ عروضها،
أو دثرت إطنابها بين السرائرْ
فصرختُ فى وجهِ الرُّواةِ ،
وفى ضمير عروبتى
كالريح تصفر فى أديم الأرض،
أو غور المجامع ،
والتكايا ،
والمحابرْ
قالوا:
فهذا أمرُ ربِّكَ ،
فالهُدى ألا تُخاطرْ
فكفاك دمعًا
فالمدامع لن تعيد إليك عطرًا
للمزاهرْ
قالوا:
وعند الظهر يخرج نعْشها
سيكون دون جنازةٍ
والقيظ يلهث فى المقابرْ
نثروا دعاءً فوقها،
تركوا الضحيَّةَ دون ساترْ
وحدى أظل معذَّبًا
وسط المخاوف كفنوها فى الثياب،
وفى الأنين،
ولم يحيكوا غير لحدٍ
قد تعلَّق فى الأظافرْ
قد أحضروا أهل البلاغةِ..
يندبون عروضها
والصمتُ قد لفَّ الضمائرْ
فجلستُ فى بهو السرادق..
أحتسى فنجان قاقيتى المرير معاندًا،
والشدوُ ثائرْ
فرمقتُ شيخًا مُقْبلاً
وسط المشايخ
حثَّنى ألا أغادرْ
إذ قال لى بين المُعزِّين الثقات :
كفى بكاءً يابنىَّ
أنا (الخليلُ)
علام مقتكَ يستبيحُ عمامتى؟
إنى كبرتُ على المهانةِ ،
والمخاطرْ
أنا لستُ أقدر أن أواجه حشدهم
سيشوهون أصالتى
أنتَ المُحصَّن بالقريحةِ،
والطحين عليكَ ظاهرْ
أوصيكَ هذى رايتى ،
وعباءتى
وغدًا سينكشف المنافقُ ،
والجبانُ،
ولو بقيتَ هنا بمفردكَ استمر؛
فلستَ خاسرْ
فتغامزوا
حين استدرتُ إلى الوراء؛
مودِّعًا
- فى الحىِّ - مُخْترع العروض،
وسيِّدى الشيخ المُثابرْ
وتناقلوا:
قد عاد شيخٌ للمقابرْ
قد عاد للإيقاع طائرْ
جهِّزوا حُججَ الحداثةِ،
والمناصب،
والحناجرْ
قد جاء يقرأ وحده
فى الليل فاتحة الكتابِ؛
ليأخذ تارها
من كلِّ مغتصبٍ ،
وجائرْ
يمضى بمفرده
على جسر التراث،
به يفاخرْ!!
ومهددًا
لن يكتب الشِّعْرُ الأصيلُ وصيةً
فى دفتر النثر المعاصرْ