بقلم د. عصام صابر عبد السيد

استاذ باحث مساعد بقسم السليلوز و الورق

المركز القومي للبحوث

استخدم الإنسان منذ فجر التاريخ عدد كبير من المواد للكتابة والرسم عليها، وقد تمكن من تصنيع الورق الذي هو عبارة عن مادة رقيقة مسطحة تنتج عن طريق ضغط الألياف السيليلوزية، وهذه الألياف تكون عادة طبيعية بحيث تتكون أساسا من السيليلوز، وتستخدم مادة تلك الصفحات في الكتابة والطباعة وتغليف جدران المنازل والأكياس والمطابخ.

تاريخ صناعة الورق

يعود الفضل في اختراع مادة الورق إلى الصينيين الذين أنتجوه ابتداء من القرن الأول ميلادي، وذلك انطلاقًا من سيقان نبات الخيزران (البامبو) المجوفة والخرق البالية أو شباك الصيد والقنب وعشب الصين.

ويتم تحسينه باستخدام لحاء الشجر والقنب وقطع القماش حيث كانت هذه المواد تدق، بعد أن تغسل وتفقد ألوانها، في مطاحن خاصة حتى تتحول إلى عجينة طرية فتضاف إليها كمية من الماء حتى تصبح شبيهة بسائل الصابون، وبعد أن يصفَّى الخليط تؤخذ الألياف المتماسكة المتبقية بعناية لتنشر فوق لوح مسطح لتجففه حرارة الشمس. وبعد التجفيف يمكن صقل فرخ الورق الناتج  بعد ذلك بواسطة خليط من النشا والدقيق ويجفف من جديد. وهكذا يحصل على ورق قابل للاستعمال.

تطور صناعة الورق

ظلت صناعة الورق في تطور وأخذت أهمية كبرى خاصة بعد اخترع غوتنبرغ أول مطبعة، وبدأ معها الاهتمام بأنواع الأوراق المختلفة، وبدأت التكنولوجيا الحديثة تقوم بدورها في تلك الصناعة، إلى أن أصبح الأمر الآن أكبر بكثير من مجرد أوراق للطباعة وأخرى للتغليف، وإنما أصبحت هناك أشكال وأنواع كلٌّ يؤدي دورا مختلفا على حسب المصدر الأول لاستخراجه.

فهناك الورق المأخوذ أساسًا من الأشجار الإبرية، والتي توجد عادة في المناطق الشمالية الباردة من أوروبا، وهناك أوراق تشبع بألياف السليلوز لكي تأخذ ملمس القماش ورونقه، أو لأنها تعطي مواصفات جيدة عند الطبع عليها واستخدام الأحبار المناسبة، ويكون مصدرها الأساسي القطن وأشجار الأرز ومصاص القصب.

ولم يقتصر الأمر على طرق وأنواع الورق، وإنما أصبحت هناك مواصفات أخرى أكثر دقة وتعقيدًا؛ حيث نجد أجهزة خاصة لقياس لمعان سطح الورق، وجهاز لقياس قوة ومتانة شد الورق الذي يستخدم في عمليات التغليف وأيضًا نسبة الحموضة والقلوية.

 التعرف أكثر على الورق

من السهل نسبياً التفريق بين الورق والمواد الأخرى، ولكن من الصعب تحديد أنواع معينة من الورق. وبالنسبة للورق الحديث المطبوع، فعادةً ما يكون تاريخ الإنتاج هو أفضل وسيلة للتعرف على نوع الورق.

غير أن هنالك كثير من المجموعات، خصوصاً بعد عام 1820، عندما كان يتم اختبار العديد من الألياف (بدايةً من القش وحتى عشب الحلفاء)، وعندما استُخدمت مجموعات مختلفة من مواد التبييض والعوامل المساعدة على تغرية الورق الكيميائي. وتؤدى هذه المجموعات إلى تعقيد التعرف على الورق، بحيث لا يكون التحديد الدقيق ممكناً إلا‏ من خلال التحليل الكيميائي وتحليل الألياف فقط.

ويختلف الورق المصنوع بالآلات عن الورق اليدوي الصنع في عديد من الأوجه، ولكن انتظام الألياف هو أكثر هذه الأوجه لفتاً للنظر. ففي الورق اليدوي الصنع، يتسبب غمر مناطق العفن في السائل المعلق المكون من الماء والألياف مع رجّ الماء وترشيحه باستخدام مصفاة، في تشابك الألياف عشوائياً مما يزيد من قوة الورق. وعلى عكس ذلك، يتم إنتاج الورق المصنوع باستخدام الآلات على أسطوانة دائمة الدوران، وتتسبب حركة دوران الآلة في محاذاة الألياف لبعضها البعض في اتجاه واحد، مما يجعل الورق أضعف بعض الشيء على طول اتجاه الألياف أو اتجاه الآلة.

ويوجد اتجاه الألياف هذا في المنتجات الورقية الأخرى، مثل الكرتون والحافظات. حيث يمكن أن يتجعد الورق الذي يُطوى عكس اتجاه الألياف مشكلاً ثنيات غير مستوية، كما أن الورق الذي يتم ترطيبه باستخدام مادة لاصقة يتمدد أكثر وأكثر على عرض اتجاه الألياف بأكثر مما يتمدد على طوله.

ولتحديد اتجاه الألياف في التوريدات, يمكن تقويس الورق في كلا الاتجاهين, وسوف يُظهر اتجاه الألياف مقاومةً أقل. وهنالك اختبار بسيط آخر يمكن إجراؤه عن طريق تمزيق الورق في كلا الاتجاهين، فسيتمزق الورق بسهولة أكبر على طول اتجاه الألياف.

ونظراً للمعدل المزعج لتلف الورق الحديث، تم بذل كثيرا من الجهود لتطوير ورق مستقر كيميائياً، قائم على الأنواع القلوية المقواة في الأساس. وفي السنوات الأخيرة، اهتمت معظم دول العالم بإنتاج الورق القلوي.

ونظراً لأن عمليات تصنيع الورق التي تنطوي على عمليات معالجة قديمة للأحماض تتسبب في تلوث المجاري المائية والجو والتربة، فقد دفعت اللوائح الحكومية صناعة الورق نحو إجراء عمليات معالجة أكثر نظافةً وأقل تلويثاً.

ولذلك فكثير من الورق الذي يتم إنتاجه في الوقت الحالي في الدول الصناعية هو ورق غير حمضي، بل قلوي. ومع ذلك فلا يزال ورق الخشب الأرضي الرخيص يصنع لغرض طباعة الجرائد وبعض الاستخدامات الأخرى غير الدائمة. ويتلف هذا الورق سريعاً، مما يؤدي إلى ظهور مشكلات "الورق الهش" في المكتبات على مستوى العالم. وتُعتبر هذه المشكلات حادةً في الدول المتقدمة على وجه الخصوص، حيث يكون كثير من إنتاج ورق الكتب حامضياً، ويكون الجو غير مناسب.

صناعة الورق

يحضر الورق من ألياف السيليلوز التي توجد في جدران جميع الخلايا النباتية. عندما يرشح مزيج من الماء والألياف من خلال غربال أو منحل دقيق تتشابك الألياف بعضها مع بعض مكونة صحيفة رقيقة من الورق، وعندما تجفف الرقيقة المبتلة تنشأ روابط كيميائية بين الجزيئات في ألياف السيليلوز معطية رقيقة الورق قوتها. يعتبر الخشب المصدر الرئيسي لألياف صناعة الورق والتغليف والتعبئة.

تصنيع الورق آليا

عند صناعة الورق آليا ينظف اللحاء المستخدم باستخدام الماكينة من أجل التخلص من الغبار أو الرماد والمواد الغريبة. وبعد عملية التنظيف هذه، يوضع اللحاء في غلاية دائرية كبيرة حيث يغلي اللحاء والجير تحت ضغط البخار لمدة تصل إلى عدة ساعات.

يتحد الجير مع الدهون والماد الغريبة الأخرى الموجودة في اللحاء ليكون صابونا غير قابل للذوبان ويمكن التخلص من هذا الصابون فيما بعد، كما أن الجير يقلل أية صبغة ملونة موجودة في المركبات الملونة. ثم يحول اللحاء إلى ماكينة تسمى هولاندر بحيث تشكل سلسلة متصلة.

ويمر الخليط المكون من اللحاء و المياه بين الأسطوانة و لوح القاعدة و يتحول اللحاء إلى ألياف، بحيث تمتص المياه من الحوض تاركة اللحاء و الألياف خلفها.

و أثناء تدفق خليط اللحاء و المياه حول الهولاندر، يتم التخلص من القاذورات و ينقع اللحاء تدريجيا حتى يتحلل تماما إلى ألياف مفردة. وبعد ذلك يتم إدخال اللحاء المبتل في ماكينة هولاندر فرعية من أجل فصل الألياف مرة أخرى. وعند هذه النقطة ، تضاف مواد تلوين و مواد غراء كالصمغ و مواد حشو مثل كبريتات الجير، وذلك لزيادة حجم ووزن الورق.

أنواع الورق

ورق الطباعة

وهو ورق خفيف، يتراوح وزن المتر المربع منه بين 50 و 120 غرام, ويستخدم في طباعة الأوفست  (Offset ) والدفاتر و الكتب.

ورق التصوير

ورق التصوير (photocopy paper) هو ورق خفيف, أوزان الورق الشائعة منه 70 و75 و80 غرام لكل متر مربع، ويستخدم في آلات التصوير و الطابعات الليزرية و المكتبية.

ورق الجرائد

وهو ورق خفيف قليل المتانة قصير العمر شديد التشرب للسوائل.

ورق المجلات

وهو يشبه ورق الجرائد، إلا أنه يتميز عنه بلمعانه الواضح، ويصنع كلا النوعين من اللب المستخلص بالطريقة الكيماوية.

ورق الكرتون

وهو نوعين:

النوع المضلع: ويتكون من عدة طبقات، ويستخدم لإنتاج صناديق التعبئة.

النوع الرمادي: ويصنع بتجفيف عجينة اللب المستخدمة فيه بأفران خاصة، بدلا من أسطوانات التجفيف ، ويستخدم في تجليد المطبوعات المختلفة.

الورق المقوى

يعالج اللب المستخدم في تصنيعه بمواد كيماوية مختلفة، ويطلى بطبقات من الشمع حيث يستخدم في تغليف المواد الغذائية.

آثار صناعة الورق على البيئة

صناعة الورق ينتج عنها بعض المخلفات التي لها أثر سيء علي البيئة . وتكمن المشكلة الرئيسية في أن قش الأرز يحتوي علي نسبة عالية من السيليكا والتي تتراوح ما بين 12% و14% من وزن الخامة وهذه المادة تؤدي إلي إعاقة استرجاع الكيماويات المستخدمة في عملية طبخ الخامة لاستخلاص لب الورق . وينجم عن ذلك تخلف مادة سائلة تعرف باسم السائل الأسود (Black Liquid) مطلوب التخلص منها لعدم وجود أي استفادة بمصانع الورق .

وتتزايد مشكلة تلوث البيئة مع زيادة كمية المخلفات الناتجة عن صناعة الورق وتعتبر كميات المياه الملوثة الناتجة من صناعة لب الورق تمثل أخطر الملوثات فقد وجد أن كمية المياه المستخدمة تتوقف علي نوع تكنولوجيا صناعة لب الورق ويحتاج الطن من قش الأرز ما يقرب من 15-20م3 من الماء في أفضل طرق استخراج اللب بينما قد يرتفع معدل المياه المستخدمة إلي 100م3 في حالة عدم إعادة تدوير المياه خلال العملية الصناعية ويجب ملاحظة أن خطورة تخلف هذه الكميات من المياه لا يكمن في كونها فاقد للثروة القومية فحسب ولكن في مقدار التلوث البيئي التي تسببه .

إعادة تدوير الورق

 مما سبق اتضح ان عملية تصنيع الورق تؤثر تأثيراً سلبياً على البيئة، بسبب تقطيع عدد كبير من الأشجار، بالإضافة إلى وجود كميات كبيرة من الأوراق المستخدمة لذلك وجد من الأفضل استغلال هذه الكميات وإعادة تصنيعها واستخدامها في تطبيقات ذات جودة أقل من ورق الكتابة الأصلي مثل إعادة تصنيع الورق وتحويله إلى أوراق للجرائد والمجلات أو إلى كرتون وأوراق التغليف التي تكون بجودة أقل من جودة ورق الكتابة، وبهذه العملية نكون قد قللنا من عدد الأشجار المقطوعة وكميات المياه المستخدمة في تصنيع الورق وأيضاً قمنا بتوفير استهلاك الطاقة، حيث أنّ الطاقة اللازمة لإعادة التدوير أقل بكثير من الطاقة المستهلكة في عملية تصنيع الورق.

<!--<!--<!--<!--
المصدر: بقلم د. عصام صابر عبد السيد استاذ باحث مساعد بقسم السليلوز و الورق المركز القومي للبحوث
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1582 مشاهدة
نشرت فى 23 يوليو 2018 بواسطة Cellulose

تسجيل الدخول

ابحث

قسم السليلوز والورق والأخشاب

Cellulose
رسالتنا - ربط البحث العلمى بصناعات الورق والمشتقات السليلوزية والاخشاب عن طريق تبادل الزيارات مع المصانع العامله فى تلك المجالات ومتابعة مشاكل الصناعة والعمل على حلها - اجراء البحوث والدراسات العلمية والتطبيقية التى تهدف إلى رفع كفاءة الخامات المحلية وتعظيم الاستفادة منها . - تكوين الكوادر العلمية فى مجال صناعات »

عدد زيارات الموقع

20,008