أفادت أبحاث علمية جديدة أن ما يصل إلى 95 بالمئة من الملوثات البلاستيكية في محيطات وبحار العالم تأتي من عشرة أنهر فقط، ثمانية منها تقع في آسيا بسبب سوء إدارة النفايات.
وأشار العلماء إلى أن حوالي 2.25 تريليون كيلوغرام تطفو في البحر، وأن استهداف المصادر الرئيسية للبلاستيك – مثل نهري اليانغتسي Yangtze في الصين والغانج Ganges في الهند - يمكن أن يخفض الكميات إلى النصف تقريبا.
تقارير سابقة
وأشار تقرير من مؤسسة إيلين ماك آرثر وماكنزي وشركاه Ellen MacArthur Foundation and McKinsey & Co. تحت عنوانThe New Plastics Economy: Rethinking the future of plastics صدر في العام 2016، أن كمية القمامة البلاستيكية في محيطات العالم سوف تفوق الأسماك بحلول عام 2050 ما لم يتخذ العالم إجراءات جذرية لإعادة التدوير، وحذر الباحثون من أن ثمانية ملايين طن من اللدائن البلاستيكية تجد طريقها إلى المحيطات كل عام، أي ما يعادل حمولة شاحنة واحدة كل دقيقة، وأنه بالمعدلات الحالية، سيزداد الأمر سوءا إلى أربع شاحنات في الدقيقة في العام 2050، وستصبح كميات البلاستيك أكبر كتلة في المحيطات منافسة الحياة البحرية.
ويذكر التقرير أيضا، أن نسبة 95 بالمئة من العبوات البلاستيكية - التي تبلغ قيمتها 65 مليار جنيه استرليني – يفقد الإقتصاد نتيجتها 92 مليار جنيه استرليني بعد استخدام واحد، وتقدر البحوث المتاحة أن هناك أكثر من 150 مليون طنا من اللدائن (البقايا البلاستيكية) في المحيط اليوم.
الاقتصاد البلاستيكي
كما وجدت الدراسة أن 14 بالمئة فقط من بقايا التعبئة والتغليف البلاستيكية يتم جمعها عالميا لإعادة تدويرها، وبحلول العام 2050 يمكن أن تحتوي المحيطات على مزيد من اللدائن، وبهدف توفير رؤية لنظام أكثر فعالية يقوم على مبادئ الاقتصاد الدائري، دفع هذا التقرير إلى إنشاء مبادرة طموحة جديدة للاقتصاد البلاستيكي، تجمع بين الشركات الرائدة والخيرية وصناع السياسات لجعل هذه الرؤية حقيقة واقعة، لدراسة واقع البلاستيك من مؤسسة "إيلين ماك آرثر وماكنزي وشركاه" بالتعاون مع "المنتدى الإقتصادي العالمي" The World Economic Forum في العام 2014، وخلص الباحثون إلى تقرير جديد يحدد مجموعة من الإجراءات الملموسة تحت عنوان "اقتصاد البلاستيك الجديد: تحفيز العمل" The New Plastics Economy: Catalysing action.
بحث جديد
أما الدراسة الجديدة التي قام بها الباحث في مجال الهيدروجيولوجيا كريستيان شميدت Christian Schmidt في مركز "هلمولتز للبحث البيئي" Helmholtz-Centre for Environmental Research في لايبزيغ Leipzig بألمانيا فقد بينت أن أعلى 10 أنهار - ثمانية منها في آسيا - شكلت 88 إلى 95 بالمئة من مجموع الكمية العالمية من البلاستيك بسبب سوء إدارة النفايات، وقال: "إن جزءا كبيرا من البقايا البلاستيكية في البحر تأتي من مصادر برية، ويمكن أن تكون الأنهار بمثابة مسار نقل رئيسي لجميع أحجام البلاستيك المختلفة".
وحسب الفريق العلمي، فإن خفض التلوث البلاستيكي إلى النصف في هذه الممرات المائية يمكن أن يقلل من إجمالي مساهمة كافة هذه الأنهار بنسبة 45 بالمئة.
وقام الفريق العلمي بتحليل بيانات عن بقايا البلاستيك من 79 موقعا لجمع العينات على طول 57 نهرا منها، من الجسيمات الدقيقة التي تقاس بأقل من 5 ملم والبلاستيك الأكبر حجما، وقال ان "اللدائن الدقيقة على وجه الخصوص يمكن ان تضر بصحة الحياة البحرية كما أن تنظيفها سيكون مستحيلا، بيد أن الحد من وصول البلاستيك إلى المحيط قد يساعد على تقليل الضرر المحتمل". وقال شميدت أنه "بهدف القيام بذلك، يحتاج الباحثون إلى فهم أفضل لكيفية وصول البلاستيك إلى المحيطات في المقام الأول".
فالأنهر التي تتدفق من المناطق الداخلية إلى البحار هي وسائط نقل رئيسية لبقايا البلاستيك، ولكن أنماط التركيز ليست معروفة جيدا، ويمكن أن تساعد النتائج في سد هذه الفجوة المعرفية، وقد جمع شميدت أيضا بيانات من عشرات المقالات البحثية وحسب كمية مساهمة الأنهر وأرجع السبب إلى "سوء إدارة النفايات البلاستيكية في المجمعات المائية".
بالأرقام
وجاءت هذه الدراسة في أعقاب تقرير حديث أشار إلى أن الصين وإندونيسيا والفلبين وتايلاند وفيتنام تتسبب بمعظم النفايات البلاستيكية التي تدخل إلى البحار، فقد تم تقدير مساهمة نهر اليانغتسي فى بحث سابق بحوالي 727 مليون رطل إنكليزي والباوند الإنكليزي حوالي 454 غرام أي (350 مليون كيلوغرام) من البلاستيك فى البحر سنويا، أما نهر الغانج في الهند فهو المسؤول عن أكثر من حوالي 1.2 مليار رطل (600 مليون كيلوغرام)، ومجموعة الأنهر "تشي" Xi، دونغ Dong وتشوجيانغ Zhujiang في الصين 233 مليون رطل (120 مليون كيلوغرام) سنويا، فضلا عن أربعة أنهر في إندونيسيا، برانتاس Brantas 85 مليون رطل سنويا، سولو Solo 71 مليون رطل سنويا، سيرايو Serayu 37 مليون رطل في السنة، وبروغو Progo 28 مليون رطل في السنة، وهذه الأنهر تعتبر الأكبر من حيث التلوث.
كما أشارت بحوث سابقة أيضا إلى أن ثلثي البلاستيك يأتي من 20 من الأنهر الأكثر تلوثاً، ولكن يعتقد الدكتور شميدت أنه "يمكن تضييق النطاق أكثر من ذلك".
وقال شميدت "الأنهر التي تحتوي أكبر كمية من الأحمال البلاستيكية تتميز بأعداد سكان كبير، فعلى سبيل المثال نهر اليانغتسي يقطن حوله ما يزيد على نصف مليار نسمة".
وأضاف " كما أن هذه الأنهار أيضا في البلدان التي لديها نسبة عالية من سوء إدارة النفايات البلاستيكية mismanaged plastic waste وتعرف اختصارا بـ MMPW، من إنتاج الفرد الواحد نتيجة إدارة نفايات بلدية لا تنفذ بصورة كاملة بما في ذلك جمع النفايات، والتخلص منها وإعادة التدوير".
وتظهر البيانات أن الأنهر الكبيرة تتسم بكفاءة خاصة بنقل البقايا البلاستيكية، فالأنهر الكبيرة مثل نهر اليانغتسي تنقل جزءا كبيرا من مياهها التي تنتج في مستجمعاتها من الأنهر الصغيرة وقال شميدت "وهذه العوامل الثلاثة تؤدي إلى زيادة كمية المواد البلاستيكية الواصلة إلى الأنهر الكبيرة خصوصا مع وجود عدد كبير من السكان الذين يعيشون بالقرب منها، كما أن البلدان التي لديها (سوء إدارة نفايات) MMPW عالية مثل الصين أو الهند يمكن أن تقلل كثيرا من التلوث البلاستيكي من الأنهار باستعمال إدارة سليمة للنفايات"، وأضاف: "حتى في البلدان الصناعية فنسبة كبيرة من البلاستيك تصل إلى الأنهر هو برميها بالطبيعة مباشرة دون معالجة".
تكاليف كبرى
ويكلف التلوث أكثر من 6 مليارات جنيه استرليني (7.9 بليون دولار) على شكل أضرار تلحق بالنظم الإيكولوجية البحرية، وتقتل ما يقدر بنحو مليون طائر بحري، و100 ألف من الثدييات البحرية، وعدد لا يحصى من الأسماك، وقال شميدت إن "تلوث البيئة البحرية بالبقايا البلاستيكية هو أمر معترف به على نطاق واسع، ويتزايد القلق الإيكولوجي بسبب استمرار المواد الكيميائية من البلاستيك وتحللها الميكانيكي بما يسمى باللدائن الدقيقة microplastics التي يمكن أن تتناولها حتى الكائنات الصغيرة مثل العوالق الحيوانيةzooplankton".
وأضاف: "بعيدا عن البقايا البلاستيكية المعترف بها منذ فترة طويلة في البيئة البحرية، تم اكتشاف بقايا بلاستيكية في بيئات المياه العذبة مؤخرا كما تم العثور عليها حتى في المواقع النائية البعيدة"، وأشار إلى أن "الكمية الأكبر من البلاستيك تساهم بها عدد قليل من مستجمعات الأنهار ما يعني أن تدابير التخفيف المحتملة ذات الكفاءة عالية عند تطبيقها على هذه الأنهار وتحليلنا يؤكد أنه بخفض استهلاك البلاستيك بنسبة 50 بالمئة في الأنهر العشرة الأعلى يمكن تخفيض إجمالي البلاستيك الواصل إلى البحر بنسبة 45 بالمئة".
لمحة عامة
وفقا لدراسة نشرت في مجلة "العلوم" Science، "يأتي أكثر من نصف النفايات البلاستيكية التي تتدفق إلى المحيطات من خمسة بلدان فقط، هي: الصين وإندونيسيا والفلبين وفيتنام وسري لانكا.
وقال الباحثون ان الدولة الغربية الوحيدة المصنعة على قائمة اكبر 20 ملوثا بلاستيكيا وفي المرتبة 20 هي الولايات المتحدة، والولايات المتحدة ودول اوروبا لا تسيء ادارة نفاياتها المجموعة، ولذلك فان القمامة البلاستيكية القادمة من تلك الدول ترجع الى القمامة التي ترمى مباشرة، وبينما الصين مسؤولة عن 2.4 مليون طن من البلاستيك التي تشق طريقها إلى المحيط، تقريبا 28 بالمئة من المجموع العالمي، تساهم الولايات المتحدة بـ 77,000 طن، وهو ما يقدر بأقل من واحد بالمئة.