زَيْتُونَتِي.
هَذِهِ الزَّيتُونَةُ وُلِدَتْ مَعِي..
"غُرِسَتْ بِيَوْمٍ مُشْمِسِ..."
هَكَذَا قَالَ أَبِي ....قَالَ أَيْضًا:
"هِيَ مِنْ أَشْغَالِكَ...فاسْمُ بِهَا.."
فَعَزَقْتُ نَبْضَ تُرْبِهَا، وَبَلَوْتُ رُوحَ جِذْرِهَا،
وَسَقَيْتُهَا مِنْ أَدْمُعِي..
وَنَذَرْتُ نَفْسِي أَدْفَعُ عَنْهَا الأَذَى مِنْ عِتْرَتِي..
كَمْ مَرَّةً ثَارَ أَخِي هَاجَ وَقَالَ: هِيَ لِي"
حَشَرَ وَصَبَّ كَيْدَهُ لِيَزُفَّهَا، وَيُغِيضُنِي..
لَكِنَّ شَيْخِي أَقْسَمَ أَنْ ثَمْرَهَا مِنْ قِسْمَتِي..
هُوَ شَاهِدٌ..يَرْقُبُ كُلَّ مَا صَنَعَتْ يَدِي..
كَيْفَ أَحْبُو عِنْدَهَا كُلَّ فَجْرٍ، كٌلَّ أَمْسٍ وَغَدِ،
أَشْهَدُ غُصْنًا نَدٍيًّا يًزْهُو إِنْ زَقَّ فَمِي..
لَهَفِي لَهَا، كُلّمَا غِبْتُ، يُفَتِّتُ أَضْلُعِي.
فَإِذَا الزّمَانُ أَشْرَقَ وَعُدْتُهَا مِنْ غَيْبَتِي..
لَمَعَتْ بِثَغْرٍ بَاسِمٍ..وَبَكَتْ لِدَمْعٍ هَامَ بِي،
رَقَصَتْ لِصَوْتِي رَقْصَةَ الرِّيحِ بِيَوْمٍ مُمْطِرِ..
وَهَفَتْ بِغُصْنٍ مُنْعِشٍ تَحْنُو، تُقَبِّلُ وجْنَتِي..
فَأَزُفُّهَا صَوْتَ صَفِيّ،
عَبَرَ البِعَادَ، وَعَادَ مِنْ أَلَمٍ خَفِيّ.
أَلَمِ الحَيَاةِ وجُرْحِهَا يَكْسُو دَمِي..
فَتَقُولُ لِي زَيْتُونَتِي:
"هَوِّنْ عَلَيْكَ أَيُّهَا التِّرْبُ الشَّقِيّ..
بَعْثِرْ فُؤَادَكَ فِي التُّرَابِ، واضْرِبْ بِظِلِّكَ واعْتَلِ،
فَمِنَ الأَدِيمِ يُولَدُ العُصْفُور والخَلْقُ الأَبِيّ".
يَا صَبَاحَ الحُبِّ، هَذَا حَدِيثُ الأَبَدْ:
':زَيْتُونَتِي وَأَنَا..اثْنَانِ مِنْ نَسْلِ أَبِي...
وَدِمَاؤُنَا مَغْرُوسَةٌ فٍي كُلِّ شِبْرٍ مِنْ هُنَا وَهُنَاكَ،
وَفِي أَنْتَ وَأَنْتُمَا وَهُمَا وَهِي..
فِي نَحْنُ جَمِيعًا، فِي المَسَاءَاتِ الجَمِيلَة، فِي اللَّيْلِ،
فِي الأَفْجَارِ، فِي الصّوْتِ الشَّجِيّ،
فِي صِيَاحٍ الدِّيكِ، فِي شَجْوِ البَلابِل فِي الرَّبيع،
فِي الزّهْوِ، وَفِي الدّهْرِ العَصِيّ"
فَانْطَلِقْ مِنْ عِقَالِكَ أَيّهَا الفَجْرُ السَّخِي،
وَدَمْدِمْ تُرَابَهَا بِنَدَى المِسْكِ
لِتَظَلَّ جُذُورَهَا فِي الأَعْمَاقِ دَائِمَةَ الرُّقِيّ..
صالح سعيد / تونس الخضراء